|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() مشروعية الرِّفْق ونماذجه النبوية وأحكامه د. حسن محمد عبه جي اشتملت كتبُ السُّنة على جملةٍ من الأحاديث الشريفة التي ذكرت الرِّفق، وبيَّنَتْ مشروعيته وفضله، ورغَّبَتْ فيه، ولا يكاد مصنَّف حديثيٌّ يخلو منها. وغالباً ما تأتي أحاديثُ الرِّفق في الكتب المصنَّفة على الأبواب مجموعةً تحت باب واحد: فقد عقد البخاري رحمه الله البابَ الخامس والثلاثين من كتاب الأدب لأحاديث الرِّفق، وبوَّب لها بقوله: (باب الرِّفق في الأمر كله) [1]، وأخرج تحته حديثين. وضمَّن الإمام مسلم بن الحجاج رحمه الله موضوعاتِ البر والصِّلة والآداب من صحيحه جملةً من الأحاديث الواردة في الرِّفق، وبوَّب لها الإمام النووي بقوله: (باب فضل الرفق)[2]. وقال الإمام أبو داود السِّجِسْتاني رحمه الله في كتاب الأدب من سننه: (باب في الرِّفق) [3]. وقال الإمام أبو عيسى التِّرْمِذي في كتاب البر والصلة من كتابه: (باب ما جاء في الرفق) [4]. وقال ابن ماجه في كتاب الأدب من سننه: (باب الرفق)[5]. وأخرج الثلاثة تحت هذه الأبواب جملة من الأحاديث. وهذا هو الأعمُّ الأغلب في مثل تلك المصنَّفات، إلا أنَّ هذا ربما تخلَّف في بعضها، كما في (المجتبى )لأبي عبد الرحمن النسائي رحمه الله، وهو مع ذلك قد أخرج بعض أحاديث الرِّفق في أبواب متفرقة من كتابه بحسب موضوعاتها، فقد قال في كتاب البيوع: (باب حسن المعاملة والرِّفق في المطالبة) [6]، وقال في كتاب آداب القضاة: (باب إشارة الحاكم بالرِّفق) [7]. وفي هذا دلالة ظاهرة على عناية الإسلام بهذا الخلق الكريم، ووفرة الأحاديث الواردة فيه، وحرص أئمتنا على رواية تلك الأحاديث وإخراجها في مصنَّفاتهم. وسأذكر في هذا المبحث أبرز الأحاديث التي ذكرت الرِّفق ودعت إليه ورغَّبت فيه، وبيَّنت مشروعيته وفضله، مع عزوها إلى مصادرها، ونقل أحكام الأئمة عليها فيما ليس في الصحيحين أو أحدهما، والتعليق عليها بما يوضح المراد منها، مبتعداً عن التّكرار والتّطويل ما أمكن إلى ذلك سبيلاً. الأول: ((إنَّ الله يُحِبُّ الرِّفقَ في الأمرِ كلِّه )). روي من حديث عائشة رضي الله عنها: 1- عن عائشة رضي الله عنها قالت: استأذن رهْطٌ من اليهود على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: السّام عليكم. فقالت عائشة: بل عليكم السّام واللّعنة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( يا عائشة، إن الله يُحِبُّ الرِّفقَ في الأمرِ كلِّه )). قالت: ألم تسمع ما قالوا؟. قال: (( قد قلتُ: وعليكم)) أخرجه البخاري ومسلم، واللفظ له[8]. وفي رواية: (( مهلاً يا عائشة، عليكِ بالرِّفق، وإيّاكِ والعنفَ والفحش ))[9]. وفي رواية أخرى: (( يا عائشة، إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله ))[10]. وفي هذا دليل على مشروعية الرفق، وبيانُ فضلِه، ومحبَّة الله تعالى لمن ترفَّق في جميع أموره، وعلى كل أحواله، ومع كلِّ الناس، حتى مع المعاندين والمخالفين، فالرِّفق مطلوب معهم كما هو مطلوب مع غيرهم. فهذا الرؤوف الرحيم صلى الله عليه وسلم يربِّي أصحابه على الرِّفق، ويأمر أمَّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها بأن تترفَّق حتى مع أولئك النفر من اليهود الألِدّاء، الذين أسمعوه الأذى وتمنَّوْا له الموت -بأبي هو وأمي صلوات الله عليه وسلاماته -وينهاها أن تردَّ عليهم بأسلوبهم الفاحش البذيء، ليكون الرِّفقُ الأسلوبَ الأمثل الذي يميز المسلم في تعامله مع الناس كلِّهم. الثاني: (( إنَّ الله رفيقٌ يحبُّ الرِّفْقَ، ويُعْطِي على الرِّفْقِ ما لا يُعْطِي على العُنْفِ، وما لا يُعْطِي على ما سِواه )). روي من حديث عائشة، وعبد الله بن مُغفَّل، وأبي هريرة، وعلي، وأنس، ومعدان أبي خالد، وأبي أمامة رضي الله عنهم: 2- فعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( يا عائشة، إنَّ الله رفيقٌ يحبُّ الرِّفْقَ، ويُعْطِي على الرِّفْقِ ما لا يُعْطِي على العُنْفِ، وما لا يُعْطِي على ما سِواه )) رواه مسلم[11]. 3- وعن عبد الله بن مُغَفَّل رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( إن الله عزَّ وجلَّ رفيق يحب الرِّفق، ويعطي عليه ما لا يعطي على العنف )) أخرجه أحمد وأبو داود بإسنادٍ صحيح[12]. 4- وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنَّ الله رفيقٌ يحبُّ الرِّفق، ويعطي عليه ما لا يعطي على العنف )) أخرجه ابن ماجه وابن حبان[13]بإسنادٍ حسن، وأخرجه البزار[14]وفي إسناده: عبد الرحمن بن أبي بكر الجُدْعاني، وهو ضعيف[15]. 5- وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( إنَّ الله رفيق يحب الرِّفق، ويعطي على الرِّفق ما لا يعطي على العنف )) أخرجه أحمد والبزار وأبو يعلى[16]. قال البزار: (( لا نعلم روى أبو خليفة عن علي إلا هذا الحديث، ولا له إسناد إلا هذا الإسناد )). وقال الهيثمي: ((أبو خليفة لم يضعفه أحد، وبقية رجاله ثقات ))[17]. وقال ابن حجر: (( أبو خليفة الطائي البصري، عن علي، مقبول ))[18]. وأخرجه النسائي في (مسند علي) موقوفاً عليه[19]. 6- وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله رفيق يحب الرِّفق، ويعطي على الرِّفق ما لا يعطي على العنف )) أخرجه البزار والطبراني[20]. قال الهيثمي: (( أحد إسنادي البزار ثقات، وفي بعضهم خلاف ))[21]. 7- وعن خالد بن معدان، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله عزَّ وجلَّ رفيق يحب الرِّفق ويرضاه، ويعين عليه ما لا يعين على العنف...)) الحديث أخرجه الطبراني[22]، وقال: ((معدان أبو خالد، يقال: له صحبة )). وقال الهيثمي: (( رجاله رجال الصحيح ))[23]. 8- وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( إن الله عزَّ وجلَّ يحب الرِّفق ويرضاه، ويعين عليه ما لا يعين على العنف )) رواه الطبراني[24]. قال الهيثمي: (( فيه: صدقة بن عبد الله السَّمين، وثّقه أبو حاتم الرازي، وضعّفه الجمهور، وبقية رجاله ثقات ))[25]. وفي هذه الأحاديث دليل على مشروعية الرفق وبيان لفضله، والحثُّ على التخلُّقِ به، وذمُّ العنف، فالرِّفق من الصِّفات التي يحبُّها الله ويرضاها، ويأمر بها ويعين عليها، ويعطي عليه ما لا يعطي على العنف. قال النووي: (( معنى (( يعطي على الرِّفق.. )) أي: يثيب عليه ما لا يثيب على غيره ))[26]. وقال القاضي عياض: (( معناه: يتأتّى به من الأغراض، ويُسهِّل من المطالب ما لا يتأتّى بغيره ))[27]. وجمع العظيم آبادي بين المعنيين المتقدمين بقوله: (( يعطي عليه، أي: في الدنيا من الثناء الجميل، ونيل المطالب، وتسهيل المقاصد، وفي الآخرة من الثواب الجزيل))[28]. الثالث: (( إنَّ الرِّفْقَ لا يكونُ في شيءٍ إلا زانَهُ، ولا يُنْزَعُ من شيءٍ إلا شانَهُ )). روي من حديث عائشة، وأنس رضي الله عنهما: 9- فعن عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( إنَّ الرِّفْقَ لا يكونُ في شيءٍ إلا زانَهُ، ولا يُنْزَعُ من شيءٍ إلا شانَهُ )) رواه مسلم[29]. وفي رواية: ركبَتْ عائشةُ بعيراً، فكانت فيه صعوبةٌ، فجعلَتْ تُرَدِّدُه، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( عليكِ بالرفق، فإن الرِّفق...)) ثم ذكر مثله[30]. ورواه أبو داود وابن حبان من طريق شريك، عن المقدام ابن شريح، عن أبيه قال: سألت عائشة عن البداوة؟ فقالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبدو إلى هذه التِّلاع[31]، وإنه أراد البداوة مرة فأرسل إليّ ناقةً محرَّمة[32]من إبل الصَّدقة، فقال لي: (( يا عائشة ارْفُقِي؛ فإن الرِّفْق لم يكُنْ في شيءٍ قطُّ إلا زانَهُ، ولا نُزِعَ من شيءٍ قطُّ إلا شَانَهُ ))[33]. وأخرجه أحمد بلفظ: (( يا عائشةُ عليكِ بتقوى الله عزَّ وجلَّ والرِّفقِ، فإنَّ الرِّفقَ لم يكُ في شيء قطُّ إلا زانه، ولم يُنْـزَعْ من شيءٍ قطُّ إلا شانه ))[34]. وفي لفظ آخر: (( يا عائشة، ارفقي به؛ فإن الرِّفق لا يخالط شيئاً إلا زانه، ولا يفارق شيئاً إلا شانه ))[35]. 10- وعن أنس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( ما كان الرِّفق في شيء إلا زانه، ولا كان الفحشُ في شيء قطُّ إلا شانه)). أخرجه ابن حبان[36]بإسنادٍ رجاله رجال الشيخين غير نوح ابن حبيب، وهو ثقة. وأخرجه البزار بلفظ: (( ما كان الرِّفق في شيء قطُّ إلا زانه، ولا كان الخُرْق[37]في شيء إلا شانه، وإن الله رفيق يحب الرِّفق ))[38]. قال الهيثمي: (( فيه كثير بن حبيب، وثّقه ابن أبي حاتم، وفيه لين، وبقية رجاله ثقات ))[39]. وفي هذه الأحاديث بيان أن الرِّفق يزين الأمور ويجمِّلها، ويتمِّم الأشياء التي يدخل فيها، والعنف على النقيض من ذلك، فهو يشين الأمور ويعيبها، وبه تقبح الأشياء وتفسد. الرابع: (( مَنْ يُحْرَمِ الرِّفْقَ يُحْرَمِ الْخَيْرَ )). روي من حديث جرير بن عبد الله، وأبي الدرداء، وعائشة رضي الله عنهم: 11- فعن جرير رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( مَنْ يُحْرَمِ الرِّفْقَ يُحْرَمِ الْخَيْرَ )). رواه مسلم، والبخاري في (الأدب المفرد) [40]. وفي لفظ لمسلم: (( من حُرِم الرِّفق حُرِم الخير، أو: مَنْ يُحْرَمِ الرِّفْقَ يُحْرَمِ الخيرَ))[41]. وعند أبي داود بلفظ: (( مَنْ يُحْرَمِ الرِّفقَ يُحْرَمِ الخيرَ كلَّه))[42]. وأخرجه الطبراني من طريق آخر، ولفظه: (( الرِّفق فيه الزيادة والبركة، ومن يُحرم الرِّفق يحرم الخير ))[43]. وفي إسناده (عمرو بن ثابت) قال الهيثمي: ((متروك))[44]. 12- وعن أم الدرداء عن أبي الدرداء رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَنْ أُعْطِيَ حَظَّه مِنَ الرِّفْقِ فقَدْ أُعْطِيَ حظَّه من الخير، ومَنْ حُرِمَ حظَّه من الرِّفْق فقَدْ حُرِم حظَّه من الخير)) رواه الترمذي[45]، وقال: (( هذا حديث حسن صحيح)). وأخرجه أحمد بلفظ: (( مَنْ أُعْطِيَ حظَّه من الرِّفق أُعْطِيَ حظَّه من الخير، وليس شيءٌ أثقلَ في الميزان من الخلق الحسن))[46]. وأخرجه البخاري في (الأدب المفرد[47]) ولفظه: (( مَنْ أُعْطِيَ حظَّه من الرِّفق فقد أُعطي حظَّه من الخير، ومَن حُرِم حظَّه من الرِّفق فقد حُرِم حظَّه من الخير، أثقلُ شيءٍ في ميزان المؤمن يوم القيامة حسن الخلق، وإنَّ الله لَيُبْغِضُ الفاحشَ البذيء )). وأخرج عبد بن حميد[48]الجملةَ الأولى منه. 13- وعن عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( إنه من أُعطي حظَّه من الرِّفق فقد أُعطي حظَّه من خير الدنيا الآخرة، وصلةُ الرَّحِم وحسنُ الخُلُقِ وحُسْنُ الجِوار، يعمران الديار، ويزيدان في الأعمار )) رواه أحمد[49]. قال المنذري -وتبعه الهيثمي -: (( رجاله ثقات، إلا أن عبد الرحمن بن القاسم لم يسمع من عائشة[50])) انتهى. وهذا وهم، فالحديث من رواية عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه القاسم، عن عائشة، فلا انقطاع في الإسناد، كذا هو عند أحمد، وكذلك عند أبي يعلى[51]دون قوله: (( وصلة الرحم.. )) إلى آخره. ولا يخفى ما في الرواية المتقدمة من الإخبار بالتثنية عن الجمع!، ولعله خطأ مطبعي أو وهم ناسخ، وليس من أصل الرواية، فقد جاء عند المنذري بلفظ: (( وصلة الرحم وحسن الجوار، أو حسن الخلق، يعمران الديار، ويزيدان في الأعمار)). فعبّر بـ (أو) بدل الواو، فزال الإشكال عن الرواية. وأخرجه أبو الشيخ بلفظ: (( من أعطي حظَّه من الرِّفق فقد أعطي حظَّه من خير الدنيا والآخرة، ومن حرم حظَّه من الرِّفق فقد حرم حظَّه من خير الدنيا والآخرة، وحسن الخلق وصلة الرحم وحسن الجوار يزدن في الأعمار، ويعمرن الديار))[52]. وفي هذه الأحاديث بيانُ فضل الرِّفق، والترغيب في التَّعامل به في كل مجالات الحياة؛ لأنه سبب لكل خير وفضلية في الدنيا والآخرة. يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |