قبلة الوداع في رثاء القاضي الشبامي - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         ما أفضل حمية للمصابات بسكر الحمل؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          دليلك الشامل لأنواع السرطان! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          ما لا تعرفه عن أسباب العقم! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          العصبية وصحة القلب: هل الغضب يدمّر صحتك؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          أعراض مرض الزهري: كل ما تحتاج معرفته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          أطعمة غنية بسكر الفركتوز: هل هي ضارة أم مفيدة؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          7 نصائح ذكية حول كيفية الوقاية من داء القطط للحامل! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          أسباب وعوامل خطر الإصابة بسوء التغذية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          أطعمة تحتوي على الكربوهيدرات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          إنقاص الوزن بعد الولادة: طرق آمنة وفعالة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العام > الملتقى العام > ملتقى أعلام وشخصيات
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى أعلام وشخصيات ملتقى يختص بعرض السير التاريخية للشخصيات الاسلامية والعربية والعالمية من مفكرين وأدباء وسياسيين بارزين

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 19-03-2020, 02:05 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,335
الدولة : Egypt
افتراضي قبلة الوداع في رثاء القاضي الشبامي

قبلة الوداع في رثاء القاضي الشبامي
عامر الخميسي







اتصل عليَّ قبل وفاته بثلاثة أيام تقريبًا قائلًا: يا بُني زُرني، أين أنت؟ قلقتُ كثيرًا من الأخبار التي سمعتُها عنك.
كان يتحدث بحُرقة وأسف.
في ختام اتصاله يدعو ويبتهل قائلًا: مَن أخرجك من بيتك ومسجدك، أسألُ الله أن يُمزِّقه شرَّ مُمزق!
أرجو زيارتك في أقرب وقت، وانتهى الاتصال.
جاءني الاتصال المفاجئ في ليلة من الليالي الحزينة: القاضي توفِّي.
خارت قُواي، لم أتماسَك، أحقًّا مات؟! كان يرجو زيارتي وسماع أخباري.
الموت حق، وكلُّنا بِضاعته.

وحينها كنت كما قال الشاعر:
وقد ضاقتْ عليَّ الأرضُ ذرعًا
بما رحُبتْ ولم تَسَعِ البوادي

فما الدنيا بباقيةٍ لحيٍّ
وما حيٌّ على الدنيا بباقي


وذكرتُ قولَ الشاعر:
تصرَّمتِ الدنيا فليس خلودُ
وما قد ترى من بهجةٍ فيَبيدُ

لكل امرئ كأسٌ من الموت مُترعٌ
وما إنْ لنا إلا عليه وُرودُ

قطعتُ الجبال والهضاب، وأسرعت في سفرٍ شاق إليه، طرَقت بابه الساعة الواحدة ليلًا وكانت وفاته بعد العصر، فلم يُفتح لي البابُ، لم أَيْئَس، مكثتُ مليًّا بجانب الباب وأطرافي ترتَجف، هل سيُفتح لي الباب؟ وإن فُتِح لي الباب هل سأدخل؟ وإن دخلت هل حقًّا سأراه؟
تردَّد الصغار في فتح الباب؛ لأن الوقت متأخر!
مَن أنت؟
أنا عامر، افتحوا لي الباب.
العفو منك شيخنا، تفضَّل ادخُل، وإن كان الوقت متأخرًا.
دخلت وجعلت أُخاطبهم: حتى ولو داهمنا الليل بظلامه، قال لي القاضي: يا بُني، زُرني، وهأنذا أُنفذ وصيَّته.

أدخَلوني على ذلك المسجى بعد أن أمر أحد أولاده بضرورة فضِّ الجمع الغفير من المشيِّعين حوله من النساء، ثم دلَفتُ من باب إلى باب حتى وصلت إليه.

أزحتُ ستارة رقيقة كانت تفصلني عنه، فإذا بي في فناء واسع، نظرت إليه، لَمحت عينيه، رأيتُ جَبْهتَه المُشعةَ بالنور.
يا لها من لحظات!
كأنه نائم!

قلت في نفسي بدون شعور: السلام عليكم شيخي الحبيب، خُيِّل إليَّ أن الحياة ما زالت فيه، أحسست بقربه مني وبقربي منه، شعرت أنه سيخاطبني.
دنوتُ منه، وقبَّلته قُبلة الوداع.
ذكَّرته كلمتَه لي أيام الحياة: يا بُني، قُبلة في رأسك تساوي الدنيا وما فيها!
وما قَبَّلتُه إلا قَبَّلني! وكل ذلك تواضعٌ منه، فهو الكبير وأنا الصغير، وهو الشيخ وأنا الطالب، وهو المعلِّم وأنا التلميذ.
قبَّلته قُبلة الوداع، وحالي: هأنذا نفَّذت وصيتك، وجئت لزيارتك!
ما أقسى لحظات الفِراق!
الموت قطع كلَّ زيارة!
وقفت أمامه وهو مُسجى، تخيَّلته يناجيني، قائلًا:
افتقدتُك.
أين أنت؟
اشتقت إلى سماع صوتك.
ما أجمل صوتك في صلاة الفجر! كل يوم أسمع السورة التي تقرؤها!
لقد قرأت اليوم سورة مريم كاملة، ما السورة التي ستقرؤها غدًا؟
المرض أقعدني عن الصلاة خلفك.
ما أقساها من لحظات!

قبل وداعك باثنين وعشرين يومًا أُخرِجت من بيتي ومسجدي قسرًا، وجاءني ذلك الأمر بإخلاء البيت خلال عشرة أيام، وإلا ستُداهمني الشرطة! فتركتُ جوارك واضطُررتُ إلى أن أَرحل وأسافر بعيدًا عنك دون أن تعلمَ.

تذكَّرت كلماته لي وآخر أعماله العلمية، وهو كتابة موسوعة تبلغ اثني عشر مجلدًا أسماها: "السراج المنير، في شرح شواهد الشوكاني على التفسير"، ووعدته بأن أُحققها كاملة، لكن بعد إكمال كتابي (جنة الرضا)، فأكملتُ كتابي (جنة الرضا) الذي يقع في مجلد، وانشغلتُ بعدها مباشرة بكتابة رسالتي للماجستير: "القواعد الأصولية في الدلالات اللفظية عند الجماهير والأحناف"، وهي شائكة متفرعة.

فالعفو منك أيها المسجى!
مرات كثيرة تتصل عليَّ، فأسأل: مَن هذا؟! قبل أن أرى اسْمك، وأتخيَّل كل صديق إلا أنت، فأجِد أنه أنت!

استأذنتَ مني مرات لتخطب في مسجدي، فقلت لك: أنا مَن أستأذن منك، ثم تُثني عليَّ وأنت في المنبر، ويَرمُقني الناس بأبصارهم، فأَذوب خجلًا!
يا ألله، ما أروع قلبَك!

أذكر لهفتك وشوقك وحبَّك للصلاة في مسجد الشوكاني؛ لروعة وبراعة خطيبه الشيخ شرف الفتى، وجئتَ مرة إلى بيتي تريد مني أن أَصحبك إليه، وتقف تنتظرني كثيرًا وبابي يُطرق وأنا أتململ؛ لأني لا أعرف أن الذي ينتظرني أنت.

تبوأتَ مكانةً عالية في الدولة، عضوًا في مجلس الشورى، ثم في مجلس النواب، ثم وكيلًا لوزارة الأوقاف برتبة وزير، ثم مستشارًا للوزارة، وجالستَ الوزراء والقادة والرؤساء، وكلُّ تلك المناصب والمكانة لم تَحُلْ بينك وبين التواضع وخَفْض الجَناح.

عرَفتَ أن أحد الشباب الدعاة من زملائي يَمر بضائقة مالية، فأخذتَ عشرين ألفًا، وركبتَ سيارتك، وتجشَّمتَ الصعاب، حتى وصلت مسجده وسلَّمت عليه، وأدخلتها في جيبه.
إذا طيَّبْتَني وقلتُ لك: ما أجمل هذا الطِّيب! حلفتَ أن آخذه منك، وتكرَّر ذلك منك مرات!
فجعلتُ كلما طيَّبْتَني - وزجاجة الطيب لا تُفارقك أبدًا - أبتسِم لك وأصمُت!

مرات كثيرة تأتي يوم الجمعة مرتادًا مسجدي، فتبحث لك عن زاوية لأخطب على سجيتي، ولا أراك، فأكتشف وجودَك بعد الصلاة، فأقوم بعتابك، فلا ترُد بأكثر من قولك: جئتُ لأستفيدَ منك.

كنت تنتقدني في مسألتين؛ هما:
المسألة الأولى: استشهادي بالشِّعر في الخطبة، ولأني أحب الأدب ومغرمٌ به، فحاورتك طويلًا، فلم تقتنع، ثم أجَّلتُ الحوار لأَزداد براهينَ وأدلةً، ثم جئتُك محاورًا لك، فاقتنعتَ.

والمسألة الثانية: كنتَ فيها أنت المنتصر، فكان حالك: هذه بتِلك!
ما أطيبَك في الحياة! وأرجو أن تَطيب بعدها، وذلك وعد الله للمؤمنين.

أذكر آخر مرة ارتقيت فيها المنبر، لم تستطع الذهاب إلى مسجدك - مسجد النور - فاستأذنتَ مني؛ لتخطب عندي، فعلوت المنبرَ، وتحدَّثتَ عن أهوال القيامة، ثم خنقتْك العَبرة، فأردتَ أن تواصل، فلم تَستطع مرتين أو ثلاثًا، فهيَّأتُ نفسي لإكمالها إن صعُب عليك المقام، ثم أكملتَ خطبتك وأنت تتجرَّع الغُصص، وكأنك بخطبتك تقول: لا لقاء إلى ذلك اليوم الذي أُحدثكم عنه، لقد حان الوداع!

كل تلك الذكريات جعلت تتراءَى أمام ذاكرتي، وأنا أنظر إلى فضيلة الشيخ العلامة يحيى بن يحيى الشبامي ليلةَ وداعه الحياةَ!
كان صاحب وقار وابتسامة، ولا تخلو الطُّرفة من فمه.

أذكر ذات مرة أنه أعارني أحد كتبه النادرة، فقرأته لعدة أيام، ثم انشغلت بغيره، وبقِي كتابه قرابةَ ستة أشهر أو أكثر، فأرسل إليَّ يريد الكتاب، فبحثتُ عنه فلم أجده، فأرسلت إليه: لقد أضعتُ الكتاب، وأنا جاد في كلامي؛ لأني لا أدري أين وضعتُه، فجعل يقف في مكتبته ويرى مكان الكتاب فارغًا، ويُصِر على أنه عندي، وأصررتُ على أنه ضاع، أو أني أعدتُه، وكلما رأى مكان الكتاب فارغًا قُهِر، وأرسل إليَّ حفيدَه الأول والثاني والثالث، ثم أمرتُ زوجتي أن تَنقُض البيت بحثًا عن الكتاب، ثم أخيرًا وجدتُ الكتاب، فأُسقِطَ في يدي، وخجِلتُ وبحثتُ عن كلمات وأعذار أقدِّمها بين يديه!

فأرسلت إليه الكتاب مقرونًا بأربعة أبيات، قلتُ فيها:
منكم أُريد العفوَ فالقلبُ انْفطَر
والصدرُ ضاق وما لنا منكم مَفرّْ!

عندي الكتاب فآسِفٌ يا شيخنا
ضيَّعتُه ثم التقى اليوم العصرْ

فالعفو منكم مَطلبي فلْتَسمحوا
والعفو مِن شِيَمِ الكريم إذا قدَرْ

واللهِ إنَّكمُ سِراجٌ نيِّرٌ
تَهدون دَرْبي بل لأَيَّامي قَمَرْ


فكتب لي ثلاثة أبيات وأرسلها، قال فيها:
أهلًا وسهلًا بالوفاء المنتظَر
مِن خير منسوبٍ إلى أغلى أسرّْ

فأتى بعذرٍ باسمٍ مثلِ الدُّرَرْ
ومُنشدًا في ذاك أبياتًا غُرَرْ

يا مرحبًا بالعُذْر في أحلى صُوَرْ
من رأينا في سَمْتِه الوجه الأغرّْ

والدُك يحيى الشبامي.

ولم ألتقِ به خجلًا لعدة أيام، ثم زُرته فوجدتُه رحبَ الصدر، يأخذ بيدي ويقف بي أمام موضع الكتاب في مكتبته العامرة، ويقول: قد كان فارغًا والحمد لله وُجِدَ، ثم يَضحك!
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 19-03-2020, 02:05 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,335
الدولة : Egypt
افتراضي رد: قبلة الوداع في رثاء القاضي الشبامي


كان القاضي الشبامي حريصًا على السُّنة، ويَحض غيره على ذلك، ففي عشر ذي الحجة الماضية التقيت به ظهرًا أمام بيته، فسألني عن فضائل العشر، فسردت له بعض الفضائل، ومنها ثبوت صيام التسع في حديث وارد عن الرسول، فاكتشفتُ أنه صائم، يا ألله يصوم التسع وهو يخطو إلى التسعين، وأنا شاب ما زلت أخطو في العشرينيات، ولا أصوم إلا يوم عرفة!

حُبٌّ لفعل الصالحات والتزوُّد من الخير حتى في آخر عُمره!
يُعَدُّ القاضي العلامة يحيى الشبامي امتدادًا لمدرسة ابن الوزير وابن الأمير الصنعاني، والمقبلي والجلال والكوكباني، والإمام الشوكاني، وهو من أقران العلامة القاضي العمراني.

رثى القاضيَ كثيرٌ من العلماء والأدباء وأساطين الحرف، وممن رثاه الشيخ محمد الصادق بمقطوعة قال فيها:
صَهٍ لِلشِّعْرِ أو نَظْمِ الكلامِ
فنَظْمُ القَلْبِ أَوْلَى فِي (الشبامِي)

هو المَشغوفُ بالآثارِ دَوْمًا
وبالأَخبارِ عن خَيْر الأَنامِ

وبالتذكِيرِ والتدرِيسِ دَهْرًا
وبالطاعاتِ عامًا بعدَ عامِ

وبالإِنكارِ إنْ فَشَتِ المعاصي
ولا يَخْشَى تَقَاريعَ الملامِ

وبالأَسفارِ للتبليغِ نَشْرًا
وتَقريبًا إلى دارِ السلامِ

له الأَسفارُ خطَّتْها يَمينٌ
وتَنْتَظِرُ الشروقَ على الكِرامِ

وإنْ حصَلَ التَّبايُنُ فِي أُمُورٍ

فإنَّ الوُدَّ أقْوَى فِي الدَّوامِ

سَمِعْتُ لِمَوْتهِ سَببًا وفَأْلًا
بِهِ تُرْجَى الشَّهَادَةُ في الخِتامِ

وتَشْييعُ الجُموعِ لَهُ دَليلٌ
كَمَا قَدْ صَحَّ عن سَلَفٍ كِرامِ

سألْتُ اللهَ يَغْمُرهُ بعَفْوٍ
ويَغْمُرنا كأَمطارِ الغَمَامِ





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 68.67 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 66.54 كيلو بايت... تم توفير 2.13 كيلو بايت...بمعدل (3.11%)]