|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() عشر دقائق في رحاب البيت العتيق د. عبدالسميع الأنيس شهدتُ رمضانَ في عدد من المدن والعواصم العربية، ابتداءً من مدينة حلب، وبغداد، وعمان، ومسقط، ودبي، والشارقة، ومراكش، وفاس، والرباط، والدار البيضاء، وطَنْجة، وإسطنبول، وبيروت، وغيرها، ورمضانُ في كل مدينة من هذه المدن له نَكهة خاصة، وطعم خاص متميز. وكنتُ لا أحضر شهر رمضان فقط، وإنما أشهد عُرسًا من أعراس الإسلام ومَواسمه العظيمة! وقدَّر الله هذا العامَ، فشهدتُ رمضان في رِحاب البيت العتيق؛ في مكَّة المكرمة، فإذا بالنكهة تختلف تميزًا، وبرَكة، وحُضورًا، وإذا بالطعم ذو ألوانٍ متنوعة، وإذا هو عُرس الأعراس، وموسم المواسم! والتحضير لهذا الموسم العظيم كان بإشارة نبويَّة عندما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: ((عمْرَة في رَمَضان تعدل حجَّة)). وفَهِم المسلمون هذه الإشارة النبوية، فهم يُطبِّقون ذلك منذ أربعةَ عشَر قرنًا! وهذا مثال جيِّد على مدى تأثير الكلمات النبوية في العالم! حضرتُ اليوم إلى المسجد الحرام بعد العصر، كان الازدحام شديدًا، وشعَرتُ كأني في موسم الحج من أيام ذي الحجَّة، الملايين من البشر تفترش الأرض، وتلتَحِف السماء! وما أن يَقترب موعد الغروب حتى تجد جيشًا من أهل مكة، والوافدين عليها من المتطوِّعين والمتبرعين، وهم يفرشون الموائد، ثم تُملَأ بما قسَم الله تعالى، ولكن سيد الطعام على موائد رمضان هو التَّمر، وسيد الشراب هو زمزم؛ تطبيقًا لكلمات النبوة في الإفطار. من أجمل اللحظات التي عِشتُها في حياتي تلك اللَّحظات التي تسبق الإفطار، الكل في عِبادة، ما بين قارئٍ للقرآن الكريم، ومُسبِّحٍ وذاكِر، وطائفٍ وقائم! إنها لحظاتُ خشوعٍ بالغ، وسكينة تتنزَّل على هؤلاء العابدين. ولحظةَ تَغرُب الشمس يرتفع الأذان في جوِّ السماء بالتكبير، ويُفطر الصائمون، وما أجملَها مِن فرحة! لاسيما إذا كانت هذه الفرحة في رحاب البيت العتيق؛ فأنت تُفطر في مكان يجتمع فيه أكثرُ مِن مليون فرحة، وأكثرُ من مليون دعوة، مِن مختلف الأجناس والأعراق. لكن المدهش في الأمر أن مدة الإفطار لا تتَجاوز عشرَ دقائق، يقوم المسلمون بعدها لصلاة المغرب! مَن رتَّب هذا الترتيب، ومَن أدار هذه العمليات الضَّخمة؛ من إفطارٍ، وتنظيف، إنهم جنودٌ مجهولون دافِعُهم حبُّ الله تعالى، وانتظارُ الأجر منه، وما إطعامُ هذه الملايين إلا أثرٌ مِن آثار الكلمة النبويَّة في العالم، أليس قد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((مَن فَطَّر صائمًا، كُتِب له مِثلُ أجرِه، غير أنَّه لا يَنقُصُ مِن أجرِ الصَّائم شيئًا))؟! فما أعظمَ رمضان! ولكن ما أعظم رمضان في أم القرى! حَفظ الله الحرمين؛ ففيهما عزُّ الإسلام ومجدُه ورونقُه، فهُما بمثابة محطَّة إيمانية يتدفَّق منهما الخيرات والبركات على مرِّ الزمان، وكرِّ الأيام. وصدَق الله تعالى عندما قال: ﴿ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا ﴾ [آل عمران: 97]. فيا أيها الإنسان الضعيف، يا مَن امتلأ قلبه بالخوف، ويا مَن امتلأَت نفسه بالعاهات والآفات، هيَّا بنا إلى تلك الرحاب؛ لِنَملأ قلوبَنا بالأمنِ والإيمان، والسلامةِ والإسلام. وأنت يا مَن تَركتَ الأهل والولد، ستَجِد أهلاً هم أشفقُ عليك مِن أهلك، وإخوةً هم أرأفُ بك من إخوتك وولَدِك! نعَم، ربما كان عددُ أهلك قليلاً، ولكن تعالَ إلى هناك لِتَشهد الملايينَ مِن إخوة الإيمان، ومن شتَّى الأعراق والبُلدان، ومَن أقعَدَه العذرُ عن شدِّ الرحال إلى تلك الرحاب الطاهرة، فله في بيوت الله سلوةٌ عما فاته!
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |