|
ملتقى أعلام وشخصيات ملتقى يختص بعرض السير التاريخية للشخصيات الاسلامية والعربية والعالمية من مفكرين وأدباء وسياسيين بارزين |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() ترجمة أبي السعود محمد العمادي الشيخ مسعد أحمد الشايب عاصر الإمام أبو السعود أربعة من سلاطين آل عثمان، بلغت الدولة العثمانية في عهدهم مرتبة عالية من حيث القوة، والثبات، وسمو المكانة، وعلو المنزلة، ورفعة الشأن، وهم: بايزيد خان الثاني (المتصوف)[2]، وابنه سليم الأول الملقب بـ: (ياوز)[3]؛ أي: القاطع، وابنه سليمان خان الأول المعروف بالقانوني[4]، وابنه سليم خان الثاني[5]. وكان المجتمع آنذاك متماسكًا، يشد بعضه بعضًا، ولا سيما في عهد السلطان سليمان القانوني، الذي حكم ثمانية وأربعين عامًا، حافلًا بالنشاط في جميع المجالات الحضارية، وكان يوقر العلماء والأدباء، ويحيطهم برعايته وحسن عنايته، ويكثر من تشييد المدارس والمعاهد العلمية والمكتبات ودور العبادة[6]. يقول نجم الدين الغزي: (سليمان بن سليم بن بايزيد، عين الملوك العثمانية، ورأس السلاطين الإسلامية، حامي حماها الأحمى، ملك القسطنطينية العظمى...كان ملكًا مطاعًا مجاهدًا، يحب العلم والعلماء، ويقف عند الشرع... عمر السليمانية بالقسطنطينية، وهي أعظم مساجدها، وأنوارها... وعمر إلى جانبها المدارس العظيمة، أعظمها دار الحديث السليمانية)[7]؛ اهـ. قلت: فعصر العلامة أبي السعود كان حافلًا بالعلم والعلماء، لا سيما أن السلطان سليمان القانوني حكم ثمانية وأربعين عامًا، وكان شاعرًا، وله شعر باللغة العربية، وكان العلامة أبو السعود من العلماء الأجلاء الذين حظوا برعاية هذا السلطان وتقديره، ومن حبه له وإكرامه إياه أنه وضعه في أرفع مقام، وأسند إليه الإفتاء في الدولة العثمانية، أكبر وظيفة في عهد السلطان سليمان[8]، وأوصى ابنه أن ينظر إليه من بعده بعين رعايته، ويجله غاية الإجلال. اسمه، ونسبه، ولقبه، وكنيته: اسمه: هو العالم الجليل والمجتهد القدير: محمد بن محمد بن مصطفى العمادي، وقيل: اسمه (أحمد)[9]، والأول هو المشهور. أما نسبه: فهو العمادي[10]، والآمدي[11]، والإسكليبي نسبة إلى قرية (إسكليب)، وهي قرب القسطنطينية[12]. أما عن ألقابه: فيلقب بـ: (شيخ الإسلام)[13]، (المولى المعظم، والمفتي المفخم)[14]، و(مفتي التخت السلطاني)[15]، (الإمام الكبير، عالم الروم)[16]، و(مفتي الدهر)[17]، و(مفتي الأنام)[18]، و(مفتي التخت العثماني)[19]. قلت: كثرة هذه الألقاب تدل على علو مكانته ومنزلته رحمه الله. أما كنيته: فيكنى بأبي السعود، هذا ما اشتهر عنه. مولده، ونشأته العلمية، والمناصب التي تقلدها، وثناء العلماء عليه، ومذهبه الفقهي، والعقدي: العلامة أبو السعود من أسرة مشهورة بالعلم والأدب، والتقوى والصلاح، والنزاهة وحسن الخُلق، وطيب السريرة؛ فإن والدته كانت امرأة تقية صالحة، وهي بنت أخي العلامة علاء الدين بن القوشجي[20]، ووالده من العلماء المشهود لهم بعلو المنزلة في العلم والعمل والتدريس والتصنيف، وكان معلمًا للسلطان بايزيد خان بن السلطان محمد الفاتح، ومن كتبه التي وصلت إلينا أسماؤها: (تعليقات على تفسير البيضاوي)، (رسالة في أحوال السلوك) في التصوف، و(حقيقة الحقائق في كشف أسرار الدقائق). أولًا: ولد العلامة أبو السعود رحمه الله في قرية (إسكليب) القريبة من القسطنطينية سنة (898هـ)، على أصح الآراء وأوثقها[21]، ودرج في بيت محفوف بالأخلاق الفاضلة، والسجايا الكريمة، والعادات الحميدة. وكان لأبويه تأثير كبير في تنشئته تنشئة صالحة، وتربية إسلامية صحيحة، قائمة على الخُلق الرفيع البعيد عن مزالق الحياة المشينة والمرذولة، كما تقدم. توجه منذ مطلع حياته إلى اكتساب المعارف، وكان لوالده دور كبير في ذلك؛ فقد حفظه كتبًا، منها: (مفتاح العلوم) للسكاكي، و(حاشية التجريد)، و(شرح المفتاح)، و(شرح المواقف) للشريف الجرجاني، كما كان لتلقيه عن علماء عصره دور كبير في ذلك أيضًا، والإكثار من الحفظ الدقيق والفهم العميق لعلوم اللغة العربية وآدابها، ولا سيما التفسير، والقراءات، والحديث، والفقه، وأصول الدين، والنحو، والصرف، والبلاغة، واللغة، والنقد، والعَروض، والتاريخ، والجغرافية، والفلسفة، وعلوم الرياضة، والكيمياء، والفلك، وغيرها... كما كانت مكتبة والده الغنية بالمصادر وأمهات الكتب في شتى صنوف المعرفة عونًا له في القراءة والمتابعة واستنباط ما يروق له في الحفظ والتأليف. ثانيًا: بعد تفتح مواهبه العلمية، وبلوغه درجة سامية في العلم والمعرفة، أصبح مؤهلًا لأن يكون مدرسًا ناجحًا وهو في عنفوان الشباب، وقد طارت سمعته، وفاضت شهرته، وعظم صيته عند الذين جلسوا بين يديه في حلقات الدرس أو مجالس العلم التي كان يحضرها ويشارك فيها، حتى قيل: إنه حاز قصب السبق بين أقرانه، ولم يقدر أحد أن يجاريه في ميدانه. قال الحسن بن محمد البوريني: (فاق وبرع، وإلى أرفع المواطن ارتفع، كانت الدولة تباهي به الملوك، وتفاخر به افتخار المالك على المملوك، والعجيب أن غالب ما رأيناه من قضاة دمشق من تلامذته، وكأنهم ينتسبون إلى حضرته، ويتشرفون بنستبه، ويرجعون في المناصب إلى ملازمته)[22]؛ اهـ. وقال العيدروسي: (امتاز في صغره بفصاحة العرب العرباء، واشتغل بفنون الآداب، ودخل إلى الفضائل من كل باب، وأخذ عن جماعة من علماء عصره، وانتهت إليه رياسة الفتيا والتدريس، ولما جمع السلطان سليمان رحمه الله العلماء بمجلسه وأمرهم بالمناظرة رجح المشار إليه في بحثه، وتبين فضله، واستحق التقديم وكان أهله، وكان قبل ذلك قد ولي التدريس في مواضع متعددة، ثم ولي قضاء بروسا[23]، ثم ولي قضاء إسطنبول)[24]؛ اهـ. وقال الشيخ قطب الدين المفتي ت (988هـ): (اجتمعت به في الرحلة الأولى وهو قاضي إستانبول سنة ثلاث وأربعين وتسعمائة (943هـ)، فرأيته فصيحًا، وفي الفن رجيحًا، فعجبت لتلك العربية ممن لم يسلك ديار العرب، ولا محالة أنها منح الرب)[25]؛ اهـ. ومن أشهر مدارس إستانبول التي تولى التدريس فيها العلامة أبو السعود: مدرسة إسحاق باشا، ومدرسة علي باشا، ومدرسة مصطفى باشا، ثم نقل إلى مدرسة السلطان محمد بمدينة بروسة، ثم نقل منها إلى إحدى المدارس الثماني[26]. ثالثًا: لما توسعت آفاق معرفته، وازدادت قدراته العلمية في علوم الشريعة الإسلامية، نقلته الدولة إلى وظيفة القضاء في بروسة، ثم القضاء في القسطنطينية، ثم القضاء للعسكر في ولاية (روم إيلي)، ودام في ذلك ثمانية أعوام، وقد نهض لهذه المهنة الشريفة بهمة عالية، وقام بأدائها خير قيام من غير أن يبخس الناس حقوقهم، بل كان رائده العدل والإنصاف والحق، لا يهاب من شيء، ولا يخشى في الله لومة لائم، ومن هنا كسب ثقة الجميع. رابعًا: توجهت الأنظار بعد ذلك إلى هذا الشيخ الجليل، الأمين، المنصف، المحقق، المدقق، العلم الراسخ، والطود الراسخ، فأناطت به الدولة وظيفة الإفتاء بعد وفاة المولى سعد الله بن عيسى بن أمير خان سنة (952هـ)، فتولى أعباءها على أحسن ما تتطلبه هذه الوظيفة، من حيث النزاهة، والدقة العلمية، والبراعة في الأحكام، وفقًا لما شرعه الله في قُرْآنه المجيد، وما جاء في سنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وذكروا عنه أنه كان يكتب جواب الفتوى على منوال ما يكتبه السائل من الخطاب، فإن كان السؤال نثرًا مسجعًا، كان الجواب مثله، وإن كان بلغة العرب، فالجواب بلغة العرب، وإن كان بلغة الترك، فالجواب بلغة الترك[27]. قال ابن العماد الحنبلي: (وقد سارت أجوبته في جميع العلوم، وجميع الآفاق، سير النجوم، وجعلت رشحات أقلامه تميمة نحر، لكونها يتيمة بحر، يا له من بحر!... وحصل له من المجد والإقبال والشرف والأفضال ما لا يمكن شرحه بالمقال... وكان ذا مهابة عظيمة، واسع التقرير، سائغ التحرير، يلفظ الدرر من كلمه، وينشر الجوهر من حكمه، بحرًا وطودًا باذخًا)[28]؛ اهـ. وقال البوريني: (هو المولى العلامة، الكامل الفهامة، شيخ الإسلام على الإطلاق، ومفتي الدهر بالاتفاق، الذي اشتهر صيته في الآفاق، وبرع على علماء عصره وفاق)[29]؛ اهـ. وقال نجم الدين الغزي: (كان المولى أبو السعود عالمًا عاملًا، وإمامًا كاملًا، شديد التحري في فتاويه، حسن الكتابة عليها... وافر الإنصاف، دينًا خيرًا... سالم الفطنة، جيد القريحة، لطيف العبارة، حلو النادرة[30])[31]؛ اهـ. قلت: كل هذا مما يشهد للعلامة أبي السعود بسَعة الأفق، وغزارة المادة العلمية في شريعة الإسلام السَّمْحة، وباطلاعه على اللغات الثلاث (العربية، والتركية، والفارسية)، وقد بقي العلامة أبو السعود في هذه الوظيفة الرفيعة ثلاثين عامًا؛ أي: إلى يوم وفاته وانتقاله إلى بارئه الكريم سنة (982هـ)، وبذلك يكون العلامة أبو السعود قد تقلد ثلاثة مناصب، هي: (1) التدريس، (2) القضاء، (3) الإفتاء. أما عن مذهبه الفقهي: فالعلامة أبو السعود من كبار الحنفية، وانتهت إليه رياستهم في عصره، لا يشك في ذلك كل مَن طالع فتاويه، وتفسيره، ومصنفاته. يقول الإمام اللكنوي: (أبو السعود بن محيي الدين محمد العمادي، شيخ كبير، عالم نِحْرير، لا في العجم له مثيل، ولا في العرب له نظير، انتهت إليه رياسة الحنفية في زمانه)[32]؛ اهـ. قلت: وكان العلامة أبو السعود متعصبًا لمذهبه الفقهي حينًا، كما سيتضح في الأطروحة عند استنباطه لجواز الحيل والرخص على الإطلاق، وأحيانًا أخرى كان ينتصر لغير الأحناف، كما فعل عند استنباطه لجواز نسخ الأمر قبل وقوعه. أما عن مذهبه العقدي: فالعلامة أبو السعود سُنِّيٌّ على مذهب أهل السنة والجماعة، وأدل دليل على ذلك: رفضُه للمسائل الاعتزالية وغيرها، ودفاعه عن مذهب أهل السنة والجماعة، كما سيتضح عند الكلام عن منهجه في تفسيره إن شاء الله. شيوخه وتلاميذه: شيوخه وأساتذته: لمعرفة مكوِّن هذه العقلية الفذة الواسعة وأساسها، ومدى ما تتمتع به من العلوم الغزيرة والفنون الكثيرة، وجب علينا التمهل أمام أساتذة وشيوخ هذه العبقرية العلمية، الذين أثروا فيه أعظم تأثير، وأخذ عنهم هذا العلم، ويأتي في مقدمتهم: 1- والده: محمد بن مصطفى العمادي، توفي سنة 920هـ[33]. 2- عبدالرحمن بن علي الحنفي، المعروف بـ: (ابن المؤيد) الشهير بمؤيد زاده، توفي سنة 922هـ[34]. 3- شمس الدين أحمد بن سليمان بن كمال، المعروف بـ: (ابن كمال باشا)، توفي سنة 940هـ[35]. 4- سعد الدين بن عيسى بن أمير خان، المعروف بـ: (سعدي جلبي)، توفي سنة 945هـ[36]. 5- عبدالقادر الشهير بـ: (قادري جلبي)، توفي 955هـ[37]. قلت: لا نستطيع أن نجزم أن هؤلاء فقط هم شيوخ وأساتذة العلامة أبي السعود؛ فمن الطبيعي أنه قد أخذ عن غيرهم من العلماء، ولكن لم يترجم لهم ولم تذكر أسماؤهم في كتب التراجم؛ وذلك لأنه رحمه الله تعددت مواهبه، ومجالات معرفته، حتى صار إلى ما صار إليه، وأصبح منارًا يقتدى به ويصبو إليه كل من أراد معرفة طريق الحق المستقيم، وصار لديه تلامذة يطلبون العلم على يديه، عرفوا بالعلم والصلاح، وقد تصدر قسم منهم التدريس والقضاء، وتركوا عددًا من المؤلفات، وهاك بيانهم. تلاميذه: 1- محمد بن عبدالوهاب بن عبدالكريم الحنفي، المعروف بـ: (عبدالكريم زاده)، توفي في السابع والعشرين من رمضان سنة 955هـ[38]. 2- عبدالرحمن جمال الدين الحنفي، المعروف بـ: (الشيخ زاده)، توفي سنة 971هـ[39]. 3- حسن بن سنان، توفي ليلة العيد من ذي الحجة سنة 975هـ[40]. 4- حسن بن يوسف الصمداني، توفي عاشر ذي الحجة سنة 975هـ[41]. 5- محيي الدين المعروف بـ: (نكساري زاده)، وهو صهر أبي السعود، توفي سنة 981هـ[42]. 6- محمد بن أحمد، المعروف بـ: (ابن بزن)، توفي في شوال سنة 983هـ[43]. 7- محمد بن حسن الجنابي، توفي سنة 990هـ[44]. 8- مصطفى بن حسن الجنابي، أخو محمد بن الحسن المتقدم، المعروف بـ: (السعودي) نسبة إلى أستاذه أبي السعود، توفي سنة 999هـ[45]. 9- عبدالقادر بن حاجي المؤيدي، المعروف بـ: (شيخي)، وهو ابن أخي عبدالرحمن المؤيدي شيخ أبي السعود، توفي في شوال سنة 1002هـ[46]. 10- محمد النقيب بن محمد بن عبدالقادر (خَتَن أبي السعود)[47]. قلت: لا شك أنه كان للعلامة أبي السعود غير هؤلاء من التلامذة والطلاب النجباء لم يتسَنَّ للتاريخ وكتب التراجم أن تذكر لنا سيرهم، ومما يدل على ذلك ما تقدم من مقالة البوريني: (فاق وبرع، وإلى أرفع المواطن ارتفع، كانت الدولة تباهي به الملوك، وتفاخر به افتخار المالك على المملوك، والعجيب أن غالب ما رأيناه من قضاة دمشق من تلامذته، وكأنهم ينتسبون إلى حضرته، ويتشرفون بنسبته، ويرجعون في المناصب إلى ملازمته)[48]؛ اهـ. يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |