|
ملتقى أعلام وشخصيات ملتقى يختص بعرض السير التاريخية للشخصيات الاسلامية والعربية والعالمية من مفكرين وأدباء وسياسيين بارزين |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() ليو الطرابلسي (غلام زرافة) شريف عبدالعزيز الزهيري تمهيد: كان القرن التاسع الميلادي الموافق للقرن الثالث الهجري هو عصر السيادة البحرية الإسلامية، وكان البحر الأبيض المتوسط والذي كان يعرف قبل ظهور الإسلام ببحر الروم، والذي تحول بعد ذلك إلى بحر العرب هو ميدان هذه السيادة، وقد بدأ المسلمون العرب معاركهم البحرية الأولى في تردد وخوف من البحر وأهواله، ولكن لم يمض سوى نصف قرن حتى كان البحر لهم كاليابسة محط الغزوات والفتوح الكبيرة الجريئة، وكان فتح جزيرة قبرص سنة 28هـ على يد معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما إيذانًا بتدشين عصر الفتوحات البحرية التي استمر خطها البياني في تصاعد مطرد حتى وصل لقمته في القرن الثالث الهجري، وفي هذه الفترة ظهر بطلنا المغوار الملقب بأمير البحار: ليو الطرابلسي: وفي أواخر القرن الثالث الهجري ظهر في شرقي البحر المتوسط أعظم بحارة ذلك العصر ابن أعظم بحار مسلم على الإطلاق، وهو أمير البحر الذي أفاضت المراجع والكتب الغربية في وصفه وسرد حملاته وغزواته البحرية الجريئة على ثغور الدولة البيزنطية، في حين أغفلت كتب التاريخ الإسلامية حياة هذا البطل العظيم حتى لا نكاد نرى له أي ذكر بها سوى بضعة سطور لابن الأثير في أحداث سنة 291هـ.. فمن هو "ليو" أو "ليون الطرابلسي"؟ المصادر الإسلامية كما ذكرنا لا تكاد تذكره وعند البحث والتحقيق عنه ينتهي الكلام إلى أنه الملقب باسم "غلام زرافة" أو "رشيق الورادني" وكان أمير البحر لوالي طرابلس أيام الخليفة "المستكفي" العباسي، وليس في الرواية الإسلامية ما يلقي الضوء على نشأته، ولكن الروايات الغربية خاصة البيزنطية تكشف لنا عن نشأة هذا البطل العظيم وأعماله الهائلة في ميادين الجهاد في سبيل الله، مما يزيد من حسرتنا وألمنا على أن يكون أعداؤنا أولى منا برجالنا وأبطالنا. ولد "ليون الطرابلسي" لأبوين نصرانيين في بلدة تدعى "أتاليا" في جنوب شرقي الأناضول، لكنه منذ حداثته أيقن أن الإسلام هو الدين الحق، وأن النصرانية ضلال وتحريف، فاعتنق الإسلام صغيرًا، وحاول أبواه منعه من الإسلام، وضغطاً عليه بقوة ليرتد إلى النصرانية، ولكنه أصر على الإسلام، وفر منهما وانضم إلى المجاهدين البحارة المسلمين الذين كانوا يجوبون البحار لمحاربة الأساطيل البيزنطية لردعها عن شواطئ المسلمين، وكان هؤلاء المجاهدون يركزون غاراتهم على شواطئ بحر الأرخبيل (بحر إيجه) وثغوره وجزره. بزوغ النجم: انتقل ليون منذ حداثته من بلده إلى مدينة طرابلس من أعمال الشام وبها استقر وترعرع على متن السفن وتلقى دروسه الحربية في لجة البحر، واشترك منذ صغره في كثير من الحملات الجهادية التي كانت تقوم بها الجماعات البحرية المسلمة، واكتسب خبرة وشجاعة وجراءة كبيرة، خاصة في قتال الأساطيل البيزنطية، واشتهر بخفة حركته وسرعته في اتخاذ القرارات الحاسمة، فاشتهر عند المسلمين باسم "رشيق". تدرج "ليون" أو "رشيق" في سلم قيادة الأساطيل حتى صار من كبار قادة البحر ثم انتقل إلى مدينة "طرسوس" وكانت تعتبر مركزًا متقدمًا في محاربة الدولة البيزنطية بل تعتبر رأس الحربة الإسلامية في هذا المضمار، أصبحت "طرسوس" محط رحاله ومرفأ سفنه، وجمع "ليون" تحت لوائه أمهر وأشجع البحارة المسلمين المجاهدين، وأضحى في عصبته القوية المغامرة خلاصة أبطال الجهاد البحري، وأصبح قوة بحرية عظيمة تروع الدولة البيزنطية وتدخل الرعب في قلوب أعداء الله. معركة تسالونيكا: استمر "ليون الطرابلسي" أو "غلام زرافة" في غزواته البحرية الجريئة على ثغور الدولة البيزنطية وأصبح كابوسًا مفزعًا يقلق مضاجع تلك الثغور، ولكن أعظم غزوات "ليون" والتي خلدت ذكره في المراجع الأجنبية قبل الإسلامية معركة "تسالونيكا"، حيث تعتبر تلك المدينة من أعظم الثغور البيزنطية وأمنعها وأغناها بعد "القسطنطينية" وتقع على هضاب "أولمبوس" وتشرف على رأس خليج ضيق تستطيع أن تمتنع به السفن وكان يفصلها عنه سور ضخم يمتد نحو ميل على طول الشاطئ وتحميها بعد ذلك قلاع حصينة شيدت على آكام مرتفعة. وفي سنة 291هـ استعان "ليون الطرابلسي" بالله وخرج من "طرسوس" في أربع وخمسين سفينة في كل منها نحو مائتي مقاتل عدا جماعة مختارة من الرؤساء والضباط، وانضم إليه في سيره أشجع أبطال البحر المسلمين في مياه المشرق. ولم يجرؤ الأسطول البيزنطي الذي بعثه الإمبراطور "ليون السادس" لحماية ثغور الدولة على لقاء سفن المسلمين، فارتد إلى ضفاف "الدردنيل" تاركًا مياه بحر "إيجه" مفتوحة لسفن المسلمين تتجه بمنتهى السرعة إلى ثغر "تسالونيكا". كان قائد الحامية البيزنطي بالمدينة رجلًا شجاعًا ذكيًا اسمه "بتروناس" حاول أن يرد سفن المسلمين بعدة وسائل؛ منها إلقاء مقادير كبيرة من الصخور الضخمة وقطع الرخام التي كانت تزدان بها القبور اليونانية ليعطل سير السفن المسلمة ويجعلها في مرمى نبال ونيران اليونانيين، واجتهد "بتروناس" في تحصين المدينة، ولما مات "بتروناس" فجأة كان خليفته واسمه "نيكيتاس" على مستوى المسؤولية. أما أهل المدينة فقد وضعوا ثقتهم في القديس "ديمتريوس" وهو أحد أوليائهما، وهو مدفون في كنيسة خاصة به، فهرعوا وراء القسيس والأسقف في هذه الكنيسة وانهمكوا في الصلاة ليلًا ونهارًا داعين وليهم "ديمتريوس" هذا أن يكشف عنهم الضر!! وهل ينتصر هؤلاء القوم المشركون؟! أما "ليون الطرابلسي" ومن معه من العصبة المؤمنة المجاهدة فقد قرر الهجوم على المدينة من ناحية الخليج الحصين وهو يضمر في نفسه خطة ذكية لفتح المدينة الحصينة. وفي يوم الأحد الموافق 29/ 7/ 904هـ بدأ الهجوم على المدينة من ناحية المدخل الأمامي ليختبر دفاعات البلد ومدى استعداد أهلها للدفاع عنها. وفي اليوم التالي هاجم المسلمون المدينة من ناحية الشرق وحاول استخدام عدة وسائل للاقتحام بالسلالم وإطلاق المجانيق وإضرام النار تحت أبواب المدينة وشغل أهل المدينة بالقتال عامة اليوم، وكان "ليون" يرجو بكل هذه المقدمات إلى تحويل عناية المدافعين عن غايته الحقيقية. فقد رأى من خلال استطلاعه لأسوار المدينة عدة مواضع معينة يمكن اقتحام المدينة من خلالها، فبدأ بتنفيذ خطته النهائية بمنتهى السرعة والبراعة، فربط عدة سفن؛ كل اثنين معًا ربطًا وثيقًا محكمًا، وأقيم فوق كل اثنتين برج خشبي مرتفع، وفي صباح اليوم التالي دفعت هذه الأبراج نحو المواضع المنخفضة في السور، وفي كل منهما نخبة من المسلمين تستطيع أن تقضي على المدافعين عن الأسوار، ونشبت معركة هائلة بين الفريقين، وكان بحارة سفن الإسكندرية أول من اقتحم الأبراج، وانقضوا على المدافعين كالصواعق المرسلة وأجبروهم للفرار تحت ضغط الهجوم الكاسح، فنزل الأبطال وفتحوا أبواب المدينة لينقض المسلمون عليها من كل ناحية واستولوا عليها بأكملها في سويعات وتم أسر اثنين وعشرين ألفًا من أهلها حملوا جميعًا إلى مدينة "طرسوس" قاعدة الانطلاق ليتم مبادلتهم بالأسرى المسلمين لدى البيزنطيين، حيث كان من الأهداف الرئيسية لحملات "ليون الطرابلسي" أخذ أكبر عدد من الأسرى البيزنطيين لاسترجاع أسرى المسلمين عندهم. واستمر "ليون الطرابلسي" أمير البحار في حملاته وغزواته البحرية الجريئة بمنطقة بحر "إيجه" حيث لم يقم له أحد ولم ترده أساطيل الدولة البيزنطية الضخمة، وهو في ذلك كله تابع وموال للخليفة العباسي يأتمر بأمره ولا يرد له طلبًا، ويقوم بأعظم الخدمات للدولة المسلمة من إضعاف للقوة البيزنطية، وفك أسرى المسلمين، وجمع الغنائم والثروات لصالح الدولة المسلمة، حتى استحق وعن جدارة لقب "أمير البحار" بل وأعظم بحار مسلم عرفه التاريخ. المراجع: 1– الكامل في التاريخ. 2– مواقف حاسمة في تاريخ المسلمين. 3– تاريخ ابن خلدون.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |