|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() أصلحوا العامة أولاً الشيخ طه محمد الساكت يَثورُ كثير من الناس - ومنهم صادقو الغيرة - على البدع المنكرة، والتقاليد الموروثة، والأحكام التي تخالف ما أنزل الله على رسوله، يهيجون ويموجون، ويطالبون العلماء والخاصة في إلحاح وشدة أن يَعمَلوا على تغيير المنكر، وإلا كانوا وحدَهم موزورين آثمين، ونحن نحمَدُ لهم هذه الغيرةَ الدينية - متى كانت صادقة مخلصة - ونوافقُهم على أن عبء الخاصةِ شديدٌ، وأمانتهم ثقيلة، ولكنا في الوقت نفسه لا نعفي العامةَ من التقصير بحال، ثم نحبُّ أن نَلفِتَ نظرَ العامة والخاصة - جميعًا - (في سكون وهدوء) إلى سُنَّتَيْنِ من سُنن الله التي لا تتبدل ولا تتحوَّلُ، مهما تعاقبَتِ الدهور، واختلفت الأعصار. جَرَتْ سنةُ الله تعالى أن يجعل اتصالاً وثيقًا، وتأثيرًا متبادلاً بين أصول كل شيء وفروعه: في الحيوان، والنبات، والجماد، وفي الأُسرِ والطوائف، وفي الضعفاء والأقوياء، وفي الجهَّال والعلماء، وإن كان تأثير الأصول أقوى وأشد؛ خُذْ مثلاً: جذور الشجرة إذا أُصيبَتْ إصابةً شديدة، رأيتَ الفروع والأغصانَ ذابلةً ذاوية وإن لم تُدرَكِ الجذورُ ماتت الشجرةُ كلُّها، وكذلك الحال في الفروع إذا اشتد تقليمُها أثَّرَ ذلك في الجذور نفسِها، فإما: أن تموتَ وتبلَى، وإما: أن تكون كالجذوع الخاوية؛ إن لم يكن فيها ضرر، فلا نفع فيها ولا خير، وقسْ على هذا: الأفرادَ، والجماعات، والأمم، فبقاءُ الرأس حفظ لسائر الجسد، ومضرة الجسد قد تبلغ بالرأس مبلغَ الفساد والتهلكةِ، والتجارب - بل المشاهدات - ناطقة بهذا منطقًا فصيحًا، وحسْبُنا تأييدًا لهذه الرابطة المتينة ما رواه الشيخان، عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن الحلال بيِّن، والحرام بيِّن، وبينهما مشتَبِهاتٌ لا يعلمُهن كثيرٌ من الناس، فمن اتَّقى الشبهات، استبرَأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات، وقع في الحرام، كراعٍ يَرعَى حولَ الحمى، يُوشِكُ أن يرتع فيه، ألاَ وإن لكل ملك حمًى، ألا وإن حِمَى الله محارمُه، ألا وإن في الجسد مُضغةً، إذا صلَحتْ صلَحَ الجسدُ كلُّه، وإذا فسَدتْ فسد الجسد كلُّه، ألا وهي القلب)). ففي هذا الحديث دلالة على الارتباط الوثيق بين القلب - وهو الأصلُ - والجوارحِ - وهي الفروع - وهذا واضح بالنسبة لتأثير القلب الصالح الحي في الأعضاء وتوجيهها إلى الخير، وفيه شيء من الدقة بالنسبة لتأثير الجوارح في القلب، ويوضِّحُها أن اتِّقاءَ الشُّبهاتِ، واستقامةَ الجوارح، وبُعدَها عن المحرمات، ثم المكروهات - كل ذلك يؤثر في القلب، ويُهيِّئُه للصلاح والإصلاح؛ ومن أجل هذا قال العلماء: لا ينبغي تركُ الذكر وقراءةِ القرآن لذي القلب الميت؛ فإن اللسان يُنبِّهُ القلبَ ويُنشِّطُه، فلا يلبَثُ أن يحيا حياة طيبة، ثم يتعهد الجوارح ويزكيها. وقد رأينا أن الرسل صلوات الله وسلامه عليهم لم يبدؤوا رسالتَهم إلا بإصلاح العامة، وتأتي الخاصة بعد ذلك تبعًا، وقد قال الله تعالى حكايةً عن قوم نوح عليه السلام، وقد لبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عامًا: ﴿ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ ﴾ [هود: 27]. وقال حكايةً عن قريش لضعفائهم: ﴿ لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ ﴾ [الأحقاف: 11]. والحكمة واضحةٌ جليَّةٌ، وهي أن الناس دونك ومثلك وفوقك، ولو على سبيل الزعم. فمن دونك يحترمُك، ويكون أقربَ إلى قبول قولك، وبخاصة إذا لمح فيك الصدقَ والفضيلةَ، ونظيرُك: ينافسُك، وينازعُك، ولا يُذعِنُ لك إلا بآيات واضحة، يخشى مغبَّةَ تكذيبِها، ومن كان أعلى منك: فهيهاتَ هيهاتَ! من هنا ندرك السرَّ فيما رواه البخاري وغيره في حديث هرقل أن الضعفاء هم أتباع الرسل، وما رواه البخاري وغيره - أيضًا - أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((هل تُنصَرون وتُرزَقون إلا بضعفائكم؟)). الإسلام، السنة 7، العدد 43، 8 ذي القعدة 1357 هـ، 30 من ديسمبر 1938
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |