|
ملتقى أعلام وشخصيات ملتقى يختص بعرض السير التاريخية للشخصيات الاسلامية والعربية والعالمية من مفكرين وأدباء وسياسيين بارزين |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() أبو عنان المريني ولقب الخلافة عبد الرحمن أمل [1] تقديم: كان الغرب الإسلامي تابعاً للمشرق في فترات مختلفة، وإن أظهر ولاءه في خطبه الرسمية ومسكوكاته ومراسلاته الديوانية، فإنه كان ينال في المقابل الأحقية فيما يخص تبني أو حمل بعض الألقاب الرسمية، وأشهرها على الإطلاق هو التحلي بلقب "أمير المسلمين"، إذ اتخذه العديد من الأمراء والملوك بدول وإمارات الغرب الإسلامي، ومنهم من حمله بصفته تابعاً للخلفاء بالمشرق، أو بشكل ذاتي كنوع من المنافسة والاستقلالية عن حكام المشرق سواء بدمشق أو بغداد أو القاهرة[2]. ويبدو أن الدراسات المهتمة بنوعية الألقاب التي حملها الأمراء بالمغرب الأقصى وأبعادها سواء منها الدينية – الإيديولوجية- أو السياسية لم تحظ بتغطية شاملة، حيث أن الأمر اقتصر على الإشارة لحمل بعض السلاطين والأمراء لجملة من الألقاب الملوكية والكنى الثانوية فقط، وعدم تتبعها ومقارنتها بين ما ورد منها في المصادر وغيرها من الوثائق وما الأغراض الكامنة وراء التحلي بها، وما هي الظرفية الزمنية التي سادت فيه تلك الألقاب، أو التي اختفت بها...[3]، لذا ما يزال هذا الموضوع الشيق في حاجة ماسة إلى المزيد من البحث والتقصي، سعيا لوضع اليد على بعض المعلومات والنتائج التي من الأكيد ستقدم زمرة من الأجوبة العالقة. ونحن نرمي هنا ومن خلال هاته الصفحات إلى تتبع الكيفية والظروف التي دفعت بأبي عنان المريني إلى حمل لقب " أمير المؤمنين"، ومدى سعة انتشاره مجالياً والوسائل الموظفة لإقراره. الأرضية السياسية والزمنية لظهور اللقب: يعتبر الصراع بين إمارات الغرب الإسلامي واقعاً ملموساً ترك لفحته النارية على مختلف الأصعدة[4]، وصيغت له مبررات سياسية وتشريعات دينية، ومثلت الحرب المباشرة أهم مظاهره، وتحركت بجانبها بعض الأشكال الأخرى المرافقة لهذا النزاع المفتوح على كل الاحتمالات، ووظفت عدة وسائل لإبراز المقاصد الحقيقية الكامنة وراء حالات التنافر والتنافس؛ ومن أهم الأساليب المتبعة تبني الألقاب والتحلي بالكنى السلطانية والملوكية والخليفية، فهي تطبيق عملي واضح لخلق التمايز بين أولي الأمر في الإمارات بالغرب الإسلامي، كما أنها خطة هجومية ودفاعية في الآن نفسه، وهي لا تترك بتفعيلها و تثبيتها قتلى في ساحات الحرب ولا ترفع فيها السيوف، بل تشحذ لها الأقلام، الحروف والديباجات البلاغية المرصوصة المعاني والقوافي، وتسخر لها همة الكتاب والخطاطين ومهارات المهندسين والنقاشين والسكاكين، هذه النخبة من الرعية يكون لها الدور الفعال في وضع اللمسات الأولى لإنجاح هذه الخطط. نعلم بالمواجهات التي اشتعلت بين بني مرين وجيرانهم من نصري الأندلس أو زياني تلمسان أو حفصي تونس، خاصة في عهد أبي الحسن وابنه أبي عنان ومشروعيهما الوحدوي[5]، ونجد أبا عنان يرفع من صورة هذا الصراع ويزكيه بتحليه بلقب " أمير المؤمنين"، فالمعالم الوظيفية لمثل هذا اللقب جلية فهي سياسية ودينية - إيديولوجية- وبدرجات متفاوتة، وتداعياته بالغة الأثر في كتابات المرحلة خاصة اللأستغرافيا المرينية، وتفعيله من التحولات الكبرى التي شهدتها الخريطة السياسية في الغرب الإسلامي. وإجراء قراءة – حفريات- للأشكال التي نهجها أبو عنان لترسيخ هذا اللقب الخلافي، والطرق والوسائل التي وظفها لإظهاره على أعلى مستوى وأوسع نطاق اختلفت وتنوعت، ولرصدها لجأنا إلى تتبع الإشارات المذكورة في الرسائل الديوانية، التي شكلت بجوار العبارات المضروبة وسط دوائر النقود[6] أهم وسيلة لتجليات لقب " أمير المؤمنين"[7]، ولا يفوتنا أن نشير إلى استعمال هذا اللقب بشدة في النقوش الجدارية بالمساجد والمدارس المشيدة في عهده. المرحلة الأولى للإفصاح عن تبني اللقب: اعتبر العامل الزمني – الكرونولوجي- منطلقاً لإقرار اللقب، ونسجل مسبقاً عدم تقديم المصادر التاريخية أية إشارة حول دوافع ومراحل تبنيه، ولا تذكر مهندس هذا التحول بالانتقال من لقب " أمير المسلمين" الذي دأب السلاطين السابقون على اتخاذه قبل أبي عنان[8] إلى لجوء هذا الأخير إلى التحلي بلقب ذي أبعاد خليفية: " أمير المؤمنين"، والذي سيشكل ظاهرة جديدة ضمن آليات التصادم والخلاف والتفاخر بين إمارات الغرب الإسلامي. لقد حمل أبو عنان لقب: " أمير المسلمين" في المرحلة الأولى لاستيلائه على السلطة[9]، أثناء مزاولته لعمله بالمغرب الأوسط كنائب بتلمسان عن أبيه، وأوضح الباحث شعبان عبد الرحيم ورود اللقب داخل دوائر بعض الدنانير المضروبة بتلمسان من قبل أبي عنان أي قبل توجهه إلى حضرة المملكة – فاس- وهزمه لابن أخيه منصور بن عبد الواحد[10]، وتم تذييل لقب "أمير المسلمين"، بلقب فخري "المتوكل على رب العالمين ابن الأمراء الراشدين"[11]، وأوضح الباحث المغزى السياسي لهذا الإجراء، وهو:« رسالة موجهة إلى ابن أخيه الأمير منصور بن عبد الواحد منافسه على السلطة، الذي كان يسعى للوصول إلى الحكم بينما لم يكن أبوه ملكا»[12]. ووظف نفس الدينار أيضا لأغراض دعائية، عن طريق ما نقش بداخله من اقتباسات قرآنية: ï´؟ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ï´¾ [سورة الحج: الآية 41]. فالخطاب السياسي والديني المطروح هنا جلي، وكذا الصفات التي يجب أن يتميز بها شخص الحاكم حسب ما ورد بالآية الكريمة من انضباط في القيام بالفرائض الدينية ( صلاة – زكاة...)، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذه الشروط والصفات قد تحلى بها أبو عنان خلال مرحلة توليه حكم الدولة المرينية حسب ما ورد بالمصادر التاريخية[13]. اتخذ أبو عنان لقب " أمير المؤمنين" بعد دخوله مدينة فاس، ونرجح أن اللقب لم يستعمل في البداية كوسيلة لتحديد موازين القوى ضد إمارات الغرب الإسلامي المعاصرة له ولم يصدر نحوها، بل كانت أولوياته هي كسب الشرعية، إذ جعل منه أبو عنان حزاما دفاعيا ضد والده أبي الحسن الساعي لاسترداد عرشه، بعد أن قام أبو عنان بتنحيته على إثر هزيمة القيروان ووصول الأخبار المغلوطة بموته (749هـ/ 1348م). إذن فهو أولا نوع من أشكال الثورة والانقلاب على العرش، ومطلب أبي عنان في التسريع بتفعيل اللقب هو الوقوف في وجه والده ومن بقي على عهده من شيوخ بني مرين وزعماء القبائل وعمال الأقاليم، ومن هنا يتضح بأن النزاع بين الأب والابن وظروفه قد مثل الأرضية الأولى لظهور اللقب وتطبيقه، فتلقب أبو عنان ب " أمير المؤمنين" وتكنى ب " المتوكل على رب العالمين"[14]. تفعيل لقب "أمير المؤمنين": أثناء مرحلة المواجهة - ضد أبيه- هاته نصادف أبا عنان يُفعل خطته بشكل ذكي، ويخرجها من المحلية والإقليمية ليعطيها طابعاً دولياً، إذ جعل من اسمه ولقبه فاتحة لكل مراسلاته الديوانية الموجهة إلى حكام الإمارات المسيحية، فمثلاً ذكر في الرسالة التي بعثها إلى بيدرو الرابع ملك أركون وميورقة والتي يقترح فيها عقد السلم بين الطرفين[15]، بعد البسملة :" من عبد الله فارس أمير المومنين، المتوكل على رب العالمين..."[16]، والرسالة مؤرخة بتاريخ 28 ذي القعدة 750هـ/ 1350م[17]. وفي نفس السياق نجد بعض المصادر العامة تمنحنا تواريخ سابقة لما هو وارد في الرسالة، خاصة على مستوى ترتيب الشهور؛ فابن بطوطة مثلا يقول بأنه وصل إلى فاس:" يوم الجمعة في آخر شهر شعبان المكرم من عام خمسين وسبعمائة إلى حضرة فاس، فمثلت بين يدي مولانا الأعظم الإمام الأكرم أمير المؤمنين المتوكل على رب العالمين أبي عنان"[18]، وسبق لابن بطوطة أن ذكر نفس اللقب في أحداث سنة 749هـ/ 1348م[19]. كما نقش لقب أبي عنان أيضا في رخامة التحبيس الخاصة بمكتبة المدرسة البوعنانية:" أمر بعمل هذه الخزانة السعيدة مولانا أمير المومنين المتوكل على رب العالمين عبد الله فارس ...بتاريخ شهر شوال سنة خمسين وسبعمائة... "[20]؛ ونسجل بأن هذه الجملة الموظفة بالمصادر أو الجداريات هي نفسها التي ستضرب بداخل دوائر النقود المرينية في عهد أبي عنان: " عبد الله فارس أمير المومنين، المتوكل على رب العالمين"[21]. وخلص الباحث شعبان إلى أن حمل أبي عنان لقب " أمير المؤمنين" ينحصر فيما بين تاريخ دخوله مدينة فاس واستيلائه عليها، وقتله ابن أخيه منصور بن عبد الواحد، أي أواخر النصف الأول من عام 749هـ، وشهر رجب من السنة الموالية 750هـ(الموافق شتنبر 1349م)، وركز استنتاجه على العبارة المنقوشة على شاهد قبر والدته " شمس الضحى" التي توفيت في ذلك التاريخ[22]، ولقد سبق وذكر بيرشم للعبارة الواردة على شاهد بأنه قبر: " أم السلطان الخليفة الإمام... مولانا أمير المومنين المتوكل على رب العالمين أبي عنان"[23]. إذن بالنظر للإشارات سواء المذكورة عند ابن بطوطة أو في رسائل أبي عنان أو في شاهد قبر أمه، نسجل حمله للقب في حياة أبيه وأثناء مرحلة الصراع بينهما على العرش. ووجب الإشارة إلى احتمال كتابة العبارات المنقوشة على شاهد قر أم السلطان أبي عنان في فترة موالية لتاريخ الوفاة، بمعنى أن الشاهد قد أعيدت صياغة محتواه في مرحلة انفراد أبي عنان بالسلطة، لكن تبقى التواريخ صحيحة وأكيدة. والتواريخ المقدمة بمختلف هذه المصادر كلها تواريخ سابقة للافتراضات التي طرحها بعض الباحثين، والتي تشير إلى حمل أبي عنان لهذا اللقب عند بداية حملته المغاربية عام 753هـ/ 1352م. عند تتبع السير الكرونولوجي لتوظيف أبي عنان للقب " أمير المؤمنين"، أو أثناء ملاحظة الصيغ والديباجات المعتمدة في كتاباته نعاين تطورا ظاهرا في تفعيله. فالعبارات الأولى كانت محدودة وانحصرت في الغالب كالتالي: " السلطان الخليفة الإمام مولانا أمير المومنين المتوكل على رب العالمين أبو عنان"[24]، أو بتسبيق كنيته أبي عنان كما هو موجود بجدارية مدرسة الصهريج بفاس: " النصر والتمكين والفتح المبين لمولانا أبي عنان أمير المومنين المتوكل على رب العالمين"[25]، أو بتقديم اسم العبودية:"عبد الله فارس أمير المومنين المتوكل على رب العالمين"[26]، ونفس العبارة نقشت داخل القطع النقدية التي ضربت في عهده[27]. ومن المرجح تداول هذا الشكل من الديباجات في المرحلة الأولى لتولية أبي عنان الحكم، حيث اقتصر أثناءها السلطان الشاب على التحلي بلقب " أمير المؤمنين"، مع ذكر لقبه السلطاني الثاني" المتوكل على رب العالمين"؛ لكن مع مرور الوقت وتثبت الأمور لصالحه ازداد أبو عنان قوة ونفوذا، وبدأت الجرأة والعزيمة على إضافة كنى وعبارات جديدة لباقي الألقاب، وفي ذلك احترام لمنطق القوة نظرا للمكانة التي أصبح يحتلها بمنطقة الغرب الإسلامي، مثل: "مولانا الخليفة الإمام المتوكل على الله أمير المومنين المجاهد في سبيل رب العالمين أبو عنان... "[28]، فنجد إضافة جملة: "المجاهد في سبيل رب العالمين" ( لا نغفل هنا التأكيد على باقي الألقاب الفخرية الأخرى: " الخليفة الإمام.."). وتشخيص الدوافع الكامنة وراء وضع هاته العبارة كادت تكون غامضة، خاصة ونحن نعلم بأن أبا عنان لم يجتز صوب الأندلس ليجاهد بها، هذا الأمر لم يمنعه من تقديم الدعم لنصري الأندلس، بالإضافة إلى المناطق التي كانت تابعة لبني مرين كالثغر الواقع شمال المضيق في مثلث رندة – مالقة - جبل الفتح. لولا وجود ضالتنا في الإشارات المصدرية، فابن جزي في مقدمته لرحلة ابن بطوطة يقول: "...و نستوهب الله تعالى لمولانا الإمام الخليفة أمير المؤمنين، المتوكل على رب العالمين، المجاهد في سبيل الله، المؤيد بنصر الله أبي عنان فارس..."[29]. نعلم بأن ابن جزي قد بدأ كتابة الرحلة سنة 756هـ/ 1355م، وأبو عنان كان قد فتح منذ مدة قليلة بلاد المغرب الأوسط (753هـ\1352م)، فدخلت كل تلك المجالات في طاعته، فهل فتحه لهذه المناطق هو المقصود بجملة المجاهد في سبيل الله؟. وقد نقشت أيضا جملة مماثلة أيضا على اللوحة الحبسية بالمدرسة المتوكلية: "...مولانا الامام الخليفة الامام حسنة الايام وناصر الاسلام المجاهد في سبيل الله....أمير المومنين المجاهد في سبيل رب العالمين المتوكل على الله أبو عنان فارس..."(نقلنا الكلمات كما بالرخامة بدون رسم الهمزة على الألف أو الواو). والمدرسة قد بدأ بناءها في 28 رمضان عام 751هـ/ نونبر 1350م، وفرغ منها في آخر شعبان عام 756هـ، كما بالرخامة الحبسية، ومن المفروض أن الديباجة كلها تكتب عند نهاية البناء، أي عام 756هــ/ 1355م. ونفس العبارة توجد بتواريخ متأخرة في رسائل الفترة، فقد كتب ابن الحاج النميري يخبر بفتح أبي عنان لمدينة قسنطينة أواسط شعبان سنة 758هـ/ غشت 1357م: "من عبد الله المتوكل على الله فارس أمير المومنين، المجاهد في سبيل رب العالمين"[30]، وأيضا عند فتح مدينة تونس في رمضان من نفس السنة[31]، وأثناء هذه الفترة كان أبو عنان قد شرع في حملته صوب إفريقية سعيا لتوحيد كل الغرب الإسلامي، وكانت هذه هي المحاولة الأخيرة في مشروعه المغاربي. وتواصل توظيف هذه الصيغة منذ ذلك الحين، إذ نجدها واردة في عقد سلام وتجارة المبرم بين أبي عنان وحكومة بيشة في 28 ربيع الثاني 759هـ/ أبريل 1358م[32]. وعليه فمن المرجح ظهور عبارات " الإمام" و"الخليفة" و" المجاهد في سبيل الله"، أثناء خروج أبي عنان صوب تلمسان عام 753هـ/ 1352م[33]، حيت دخلها في نفس السنة، فهو يسعى إلى بسط نفوذه على المناطق التي انسحب منها المرينيون والتي سبق أن دانت من قبل لأبيه، فهو ليس بأقل شأنا منه. وهذه الإشارات ستستثمر بشكل قوي خلال الحملة على إفريقية سنة 758هـ/ 1357م، كما رأينا من خلال الرسائل المبشرة بتحقيق الانتصارات. يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |