|
ملتقى أعلام وشخصيات ملتقى يختص بعرض السير التاريخية للشخصيات الاسلامية والعربية والعالمية من مفكرين وأدباء وسياسيين بارزين |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() أبو شامة مؤرخ دمشق في عصر الأيوبيين إبراهيم عمر الزيبق أبو شامة مؤرِّخ دمشقَ في عصر الأيوبيين[1] 599 - 665هـ 1203 - 1267م أولُ ما يُخبرنا به أبو شامة في حديثه عن أسرته: أنه عبدالرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم بن عثمان بن أبي بكر بن إبراهيم بن محمد، المقدسيُّ، الشافعي، وعُرِف بأبي شامة؛ لشامةٍ كبيرة كانت فوق حاجبه الأيسر. وكانت ولادته ليلة الجمعة 23 ربيع الآخر سنة 599هـ/ 10 كانون الثاني 1203م، برأس درب الفواخير بدمشق، داخل الباب الشرقي، وموقعه الآن غربي حارة الزيتون. وكان جدُّه الأعلى إبراهيم بن محمد مِن أعيان بيت المقدس، وقد قُتل مع مَن قتل من المقادسة حين استيلاء الصليبيين عليها سنة 492هـ/ 1099م، فيما عُرف بالحملة الصليبية الأولى، ونجا ابنه أبو بكر، فانتقل إلى دمشق، وأقام بباب شرقي، وكثُر نسلُه فيها. حين بلَغ أبو شامة الخامسةَ من عمره، أُرسِل إلى المكتب لتلقِّي مبادئ القراءة والكتابة، وكانت مكاتبُ تعليم الصبيان في زمنه عند الباب الشمالي للجامع الأموي، وهو المعروف الآن بباب العمارة. وكان لأمِّه الفضلُ الأكبر في حثِّه على طلب العلم، وكثيرًا ما حدثته، تشجيعًا له، عن الحُلم الذي رأته وهي حاملٌ به؛ فقد رأَتْ - فيما يرى النائمُ - أنها تؤذِّن في الجامع، وهي تقف في أعلى مكان مِن المِئذنة عند هلالها، وقد عُبِر لها بأنها ستلدُ غلامًا ينتشر ذِكرُه في الأرض بالعلم والخير. وتمضي الأيام بالصغير، وهو عاكف على لوحه بالمكتب، يثبت فيه ويمحو ما يُكتب له من الأشعار، وما تخطُّه يده من حِكَمٍ وأمثال، أما القرآنُ الكريم فكان يتلقَّنه في الجامع تلقينًا؛ تنزيهًا عن ابتذال الصبيانِ له بالمحوِ والإثبات. وكان لتلقينِ القرآن الكريم في الجامع الأموي حلقاتٌ لا يخلو منها صباحًا ولا مساء، فكان أبو شامة يجلِس إلى واحدة منها، وحُبِّب إليه حفظُ الكتاب العزيز، فجعَل ذلك من همته، حتى إذا ما استتم الحادية عشرة مِن عمره كان قد أتمه حفظًا. ثم تطلعت نفسُه إلى جمع القراءات، فأتمَّ جمعها، وهو في السَّادسة عشرة مِن عمره، على شيخ قراء عصره: عَلَم الدين السَّخاوي. ووجَد متسعًا مِن وقته لسماع الحديث الشريف من شيوخ دمشق، وتحصيل الإجازات منهم، وفي مقدِّمتهم الشيخ تقي الدين ابن الصلاح؛ صاحب كتاب "علوم الحديث"، الذي اشتَهَر بمقدمة ابن الصلاح، وتلقِّي الفقهِ من علمائها، وأهمُّ شيوخه فيه شيخ الشافعية فخر الدين عبدالرحمن بن محمد ابن عساكر، ابن أخي الحافظ أبي القاسم ابن عساكر، مؤرِّخها المشهور. ولما تمَّ بناء المدرسة العادلية الكبرى سنة 619هـ/ 1222م، صار أبو شامة مِن جملة طلابها، ثم مدرِّسيها الساكنين فيها، فكانت المأوى، وبها المثوى، على حدِّ تعبيره، وفيها بزَغ اهتمامُه بالتاريخ، فعقَد العزم أن يتمِّمَ علومه بقراءة أسفاره. ويُثمِر هذا الاهتمام في أواخر سنة 624هـ/ 1227م بمحاولته تأليفَ كتابٍ في التأريخ لوقائع عصره، مطلقًا لقلمه العِنان في وصفِ ما يشاهده من أحداث لحظة وقوعها، يومًا بعد يوم، وشهرًا بعد شهر، مبتدئًا فيه من أحداث سنة 620هـ/ 1223م، ولم يضَعْ له عنوانًا يعرِّفه به، ولا غاية يصل إليها، إنما هو مدوَّنات يكاد يكتبها لنفسه، مدادُ قلمه فيه أنفاسُه، فلن ينتهيَ منه قبل أن تنتهي. ويبدو أن تأليفَه هذا لم يُلَبِّ طموحه في أن يكون مؤرخًا، فعنَّ له أن يتخرَّجَ في التاريخ بأكبرِ مؤرخي دمشق؛ الحافظ أبي القاسم ابن عساكر، ولئِنْ فاته زمنُه عن إدراكه، فإن كتابَه بين يديه؛ فلِمَ لا يلخِّصه ويهذِّبه، ويَزيده فوائدَ مما تجمَّع لديه من مطالعاته؟ وراح أبو شامة يقضي سحابة نهاره في المدرسة العادلية الكبرى مع "تاريخ دمشق" في مجلداته الثمانين، قارئًا وملخِّصًا ومؤلفًا في آن؛ فاختصره اختصارين: الأكبر في خمسة عشر مجلدًا، والأصغر في خمسة مجلدات، بَيْدَ أن اختصاريه هذينِ ضاعا فيما ضاع مِن تراثه، ولم يبقَ منه إلا جزآن، أحدهما في مكتبة برلين، والآخر في مكتبة باريس. وفي أثناء اختصاره له اطلَع على ترجمةِ الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي، فأطرَبه ما رأى من آثاره، وسمِع من أخباره، مع تأخُّر زمانه، وتغيُّر خِلَّانه؛ ثم وقف على سيرةِ السلطان صلاح الدين بن أيوب، فخطَرت في باله وقتئذٍ فكرة: لِمَ لا ينشئ كتابًا في التأريخ لدولتيهما؟ فأبو شامة - وقد كاد يُدرِك عصر صلاح الدِّين - عاش في زمن سادَتْ فيه الاضطراباتُ والنزاعات، رأى في دولتَيْ نور الدين وصلاح الدِّين روضتينِ في صحراءِ هذه الفوضى المترامية، ومِن ثم سمَّى مؤلَّفَه الجديد: "كتاب الروضتين في أخبار الدولتينِ: النُّوريَّة والصَّلاحيَّة". وعكَف في المدرسة العادلية الكبرى على تدوينه، حتى أتمَّه سنة 649هـ/ 1251م، ثم جلَس في الجامع الأموي بحلقته عند رأس يحيى بن زكريا عليهما السلام يُسمِعه للناس. وظلَّت رغبتُه في تأريخ ما جرى بعد وفاة صلاح الدين تعتمل في نفسِه على تطاول السنين، حتى كانت سنة 659هـ/ 1261م، وقد أتم مِن عمره الستين، فنظَر في أوراقه التي كان يدوِّن فيها وقائع عصره، وهنا لاحَ له خاطر، لِمَ لا يستدرك في هذا التاريخ ما فاته ذِكرُه مِن الوقائع التي أعقبت وفاة صلاح الدِّين، وبذلك يصل ما انقطع، وتتعاقب الأحداث حتى زمنه، ويجعَله مذيَّلًا لكتابه الروضتينِ؟ ومِن ثم كرَّ أبو شامة على تاريخه هذا يستدرك فيه ما فاته تدوينُه منذ سنة 590 هـ/ 1194م، وهي السَّنة التي أعقبَتْ وفاةَ صلاح الدين، حتى سنة 619هـ/ 1222م، ثم راح يوسِّع ما كتبه من سنة 620هـ/ 1223م إلى سنة 624هـ/ 1227م معتمدًا في كثير مِن أخباره على مَن سبقه مِن المؤرخين ممَّن عاصَر أحداث تلك السنين، ولما أتمَّ استدراكَه هذا عاد يُكمِل تدوين ما كان يعيشه مِن وقائع بعد سنة 659هـ/ 1261م، وسمى كتابه هذا: "المذيَّل على الرَّوضتين". واستمرَّ في التدوين فيه حتى كبَا قلمُه - وقد اعتُدِي عليه بالضرب المبرِّح - قبل نحو شهر من وفاته، حيث أسلَم الرُّوحَ في سَحَرِ ليلة الثلاثاء 19 رمضان سنة 665هـ/ 13 حزيران 1267م، وله ستٌّ وستون سنة، ودُفِن بعد ظهر ذلك اليوم في مقبرة الفراديس، التي تُعرَف الآن بمقبرة الدحداح، وقبرُه فيها ظاهرٌ معروف. وصُحبتي لأبي شامة قديمة، عكفتُ في بداياتها على تحقيق كتابه: "الرَّوضتين"، ثم أتبعتُه بعد سنين بتحقيق كتابه الثاني: "المذيَّل على الرَّوضتينِ"، وهما بين أيدي الباحثين في التاريخ وقرَّائِه. ومِن الموافقاتِ الجميلة أنني عشتُ زمنًا رغدًا في المكان الذي عاش فيه أبو شامة، وحققت كتابه: "الرَّوضتينِ" في المكان الذي ألَّفه فيه، وهو المدرسة العادلية الكبرى، فكثيرًا ما كنت أُلقي بالقلم، وأتمشى في باحتها، متفيِّئًا ظلالَ أشجار الليمون والنارنج، متحسسًا نبضَ الأحجار التي اكتحلَتْ عيونُها برؤيته، شاعرًا أن ما يفصِلني عنه سِنون عديدة، لا قرون مديدة. ثم عشتُ مع أشواقه وآماله، وخيباته ونجاحاته، وأحزانه وأفراحه، وأنا أكتب سيرته وأدرس مؤلَّفاته التاريخية، حتى إنه كان يتراءى لي أحيانًا مِن خلال سطوره، وأحيانًا أكاد أُحِسُّ بمشاعره وهو يدوِّنُ أخباره، فكان كتابي عنه: "أبو شامة: مؤرِّخ دمشق في عصر الأيوبيين". [1] مقالة نُشِرت في مجلة "أصدقاء دمشق"، أيلول، 2016م.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |