طلب العلم - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1249 - عددالزوار : 136637 )           »          إنه ينادينا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 24 - عددالزوار : 5543 )           »          السَّدَاد فيما اتفقا عليه البخاري ومسلم في المتن والإسناد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 59 - عددالزوار : 8177 )           »          ميزة جديدة لمتصفح كروم بنظام أندرويد 15 تتيح إخفاء البيانات الحساسة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 37 )           »          كل ما تحتاج معرفته عن ميزة الصورة المستطيلة بإنستجرام.. اعرف التفاصيل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          إيه الفرق؟.. تعرف على أبرز الاختلافات بين هاتفى iPhone 14 Plus وGoogle Pixel 9 (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          احمِ أطفالك من الإنترنت.. احذر ألعاب الفيديو لحماية أبنائك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          أبل تعمل على جهاز بشاشة تشبه شاشة الآيباد مع ذراع آلية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          طفلك يستخدم تطبيقات الموبايل سرا دون علمك.. كيف تكتشف ذلك؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          أدوات مهمة هتساعدك للحد من استخدام طفلك للإنترنت.. جربها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى الشباب المسلم
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الشباب المسلم ملتقى يهتم بقضايا الشباب اليومية ومشاكلهم الحياتية والاجتماعية

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 10-03-2020, 02:18 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,985
الدولة : Egypt
افتراضي طلب العلم

طلب العلم


أحمد الجوهري عبد الجواد




القراطيس..


فرائض وواجبات فرط فيها كثير من المسلمين والمسلمات (4)


الفريضة الأولى: طلب العلم






لا يُعرف - مثل الإسلام - دينٌ جاء بنبذ الجهل ومعاداته والتنفير منه، والدعوة إلى العلم وموالاته والترغيب فيه، وقد وصَل الإسلام في ذلك إلى حدِّ أن أوجب على أبنائه جميعًا السعي في سبيل طلب العلم الذي أتاهم عن الله ورسوله.



وهم في ذلك أمام منظار الشرع العظيم فريقان: أما المُتخصِّصون في العلم الشرعي منهم فلا يسعهم إلا التبحُّر فيه، والعلم بتفاصيله وتفاريعه، والاجتهاد في تحصيل دقيق شوارده، وتقييد عزيز مسائله.



وهؤلاء حقٌّ على الأمة أن تعمَل على إيجادهم، وفرْضٌ عليها إعانتُهم، ويلزمها تهيئة كافة السبل التي تيسِّر لهم مهمتهم تلك.



وعليهم هم أن يَبذلوا مِن الوسع والطاقة ما يقدِّرهم الله تعالى على بذله؛ بحيث يطلع الله منهم على جد واجتهاد يرضاه ويرضى به عنهم، وهذا النوع مِن الطلَب فرضُ كفايةٍ، تَقوم به عن الأمة فرقةٌ منها، نيابةً عنها ووكالة، بشرط أن يَكْفوها هذا الجانب، فلا تَحتاج فيه بعدهم إلى أحد.



والفريق الآخر هم غير المتخصِّصين في العلم الشرعي، وهم عموم المسلمين؛ فهؤلاء أوجب الإسلام عليهم طلب العلم؛ بمعنى أن يلمُّوا بجملة مِن علومه، تكفيهم في تأسيس عقيدتهم، وتأدية عبادتهم، وتزكية نفوسهم، وتجميل أخلاقهم وسلوكهم على الوجه الذي يُرضِي الله ويَرضى به عنهم، ويعبر العلماء عن هذه الجملة من العلم بعبارة: ما لا يسع المسلمَ جهلُه، أو ما يجب على المسلم علمُه، وهذا النوع مِن الطلب فرضُ عينٍ على كل مسلم ومُسلمة، لا يُغني فيه قيام فرد مِن أفراد الأمة عن غيره، ولا يسد فيه أحد منهم مسدَّ سواه؛ فلأجل أن يصح للمسلم ويسلم له عمله، لا بدَّ أن يكون مبنيًّا على علم.



قال الحسن: "رأيتُ أقوامًا مِن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقولون: "مَن عمل بغير علم، كان ما يفسده أكثر مما يُصلحه، والعامل بغير علم كالسائر على غير طريق، فاطلُبوا العِلم طلبًا لا يضر بالعبادة، واطلبوا العبادة طلبًا لا يضر بالعلم، وكان الرجل يطلب العلم فيهم حتى لا يلبث أن يُرى ذلك في تخشُّعه وزُهدِه، ولسانه وبصره"[1].



ولذلك كان العمل على علم يَجبُر قليل العمل، ولا يوزن به كثير عمل على غير علم؛ قال الخطيب البغدادي: "لا تأنس بالعمل ما دمت مُستوحِشًا من العلم، ولا تأنس بالعلم ما كنت مقصرًا في العمل، ولكن اجمع بينهما، وإن قلَّ نصيبُك منهما"[2].



وقد ظهر جليًّا في القرون الأخيرة من حياة المسلمين غياب هذا المعنى بالكامل عن حسِّ جماهير المسلمين فضلاً عن التفريط فيه، ومِن ثَمَّ إقامته على الوجه الشرعي.



وذاك التفريط ذو شقَّين - على نحو ما سبق -:

أما الشق الأول: فهو تفريطهم في إعداد العلماء المشتغلين بالعلم والاجتهاد والنبوغ فيه، سواء في جانبيه المادي أو الشرعي؛ إذ الإسلام لا يعرف هذا الفرق الذي عهده الناس من تقسيم العلم إلى علوم دين وعلوم دنيا على النحو الذي يُعرف في حياة المسلمين اليوم، كما تسرب إليهم من "الخسارة الغربية"، بل كلاهما في دين الله فرض وواجب، أعني ما لا بد للمُسلم منه.



وهذا - بما لا يُماري فيه أحد - فرض مضيَّع؛ فأين في المسلمين اليوم العمل على إعداد الجيل الوريث الذي سيَحمل الأمانة عن الجيل القائم، ويحلُّ في دور العلماء القائمين اليوم؟!

وهل تعمل الأمة على إيجادهم؟!

وأين جهودهم في هذا السبيل؟!



وأين في المسلمين الإعداد لجانب العلم التِّقني، سواء في ذلك جيل الرواد أو الوارثين؟ هذا فيما يتعلَّق بالشقِّ الأول.



أما الشق الثاني فهو تفريطهم في تعلُّم ما يجب عليهم العمل به، مما جاءهم عن الله ورسوله، من العلم الذي يصلح به أمر دينهم ودنياهم.



فأين جماهير المسلمين اليوم من العلم بالإسلام على النحو الذي جاء به القرآن والسنَّة؟ ما مصدر ثقافتهم؟ وما منبع معارفهم؟ وما قيمة ما يَعتقدون أمام ما ينبغي على وجه الحق أن يعتقدوا؟ وما شَبَهُ عباداتهم بالعبادة التي شرع الله وبَيَّنَ رسولُه؟ وما ميزان أخلاقهم إلى أخلاق الإسلام التي أراد وطلب؟



وهل يهتم منهم أحد يقدم على عمل من الأعمال من بيع وشراء ونكاح وطلاق ورهن وسباق ووكالة وحوالة.... إلخ أن يتعلم - قبل أن يقدم على ما يعمل - أحكام الإسلام فيه؟ أم هو يسير في ذلك على ما مضى عليه العرف وجرت به الأوضاع دونما نظر إلى ما جاء به الإسلام؟! ذلك في جانب المعاملات.



بل قبل ذلك:

هل اعتنى المصلي قبل أن يُصلي أن يتعلم الصلاة التي شرع الله، على الصفة التي صلى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أم قد اكتفى أن يفعل - حين أراد - كما يفعَل المُصلُّون؟



وحين وجب عليه الصيام، وحين وجبَت عليه الزكاة، وحين وجب عليه الحج؟ إلى آخر العبادات التي يؤدِّي المسلمون شكلها وظاهرها، وتَنبو عنهم حقيقتُها وجوهرُها.



ورحم الله الإمام البغوي الذي يقول: "كلُّ عبادة أوجبها الشرع على كل واحد، يجب عليه معرفة عِلمها، مثل: علم الزكاة إن كان له مال، وعلم الحج إن وجب عليه"[3]، وهذا في جانب العبادات.



بل قبل ذلك حين نَشأنا: هل عُلِّمنا العقيدة الصحيحة النقية الصافية؟ ورُبِّينا التربية السليمة الزاكية؟ أو حكمتْنا العادات - سليمةً أو خاطئة - فحكَّمناها، ونشأنا عليها فنشَّأتنا، وتربينا على التقاليد - شرعية أو جاهلية - فربَّتْنا؟



الحقيقة:

إن الجواب تغص به الحلوق، ولكن ما منه بدٌّ، قبل أن يسدَّها فتختنِق الروح وتخرج، وهو صراحة: لا، بل ألفُ ألفِ لا.



إنه لجواب مرٌّ نعَم، ولكن أمرُّ منه وآلَم أن نتغافَلَ عن رصد الداء وأسبابه، وتَشخيص الدواء ووضعه، ولا شكَّ أنَّ ذلك يَحتاج إلى دراسات لعلاج ذلك الوضع المتردِّي، ولكنا لن نعدم أن نشير هنا إلى بعض من ذلك، مما استفدناه من كتب أهل العلم، وما بلوناه في دنيا الناس؛ فإلى مبدأ الحديث:

- ما هو العلم؟

لما كان الفهم عن الله تعالى وعن رسوله صلى الله عليه وسلم مشروطًا فيه أن يكون على مرادِ الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، لا على حسب الأهواء، كان لِزامًا أن يُنظر في كل أمر في مدلولِ اللفظِ الذي تلفَّظَ به الشرع، حتى يكون فهمُ اللفظِ على مراده، ومن ثم يكون العمل متقبَّلًا، وهنا يجب تحديد المعنى المقصود من لفظة العلم في الإسلام قبل البداية في البحث عن ماهية العلم الواجب، وهذا ما نتناوله في هذه النقطة:

والمراد بالعِلم الشرعي: "علمُ ما أنزل الله على رسوله مِن البينات والهدى"[4]، وأقسامُه ثلاثة:

1 - عِلمٌ بالله وأسمائه وصفاته وما يَتبع ذلك.



2 - علم بما أخبر الله به مما كان مِن الأمور الماضية، وما يكون مِن الأمور المستقبلة، وما هو كائن مِن الأمور الحاضرة.



3 - علمٌ بما أمَرَ الله به؛ مِن العلوم المتعلِّقة بالقلوب والجوارح؛ من الإيمان بالله؛ من معارف القلوب وأحوالها، وأقوال الجوارح وأعمالها، وهذا يَندرج فيه العلم بالأقوال والأفعال الظاهرة، ويندرج فيه ما وجد في كتب الفقهاء من العلم بأحكام الأفعال الظاهرة؛ فإن ذلك جزء مِن جزءٍ من علم الدين"[5].



ثانيًا: فضل العلم والعلماء في دين رب الأرض والسماء:

مدَح الإسلام العلم، وعظَّم مِن شأنه، ورفع أقدار العلماء، وأعلى رُتبتهم إلى ما لا تتطاول إلى مرتبته الرقاب؛ فللعلم في الإسلام درجة فوق درجة الإيمان، كما أن الإيمان درجة فوق درجة الإسلام، بذا أخبر قوله تعالى: ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ [المجادلة: 11].



بل إنَّ درجة العلم ترفَع كل خسيسة، وتَنفي كل توهُّم لنقصٍ؛ فعن أبي الطفيل عامر بن واثلة: أن نافع بن عبدالحارث لقيَ عمر بن الخطاب بعسفان، وكان عمر استعمله على مكَّة، فقال له عمر: مَن استخلفتَ على أهل الوادي؟ قال: استخلفتُ عليهم ابن أبزى.



قال: وما ابن أبزى؟ فقال: رجل مِن موالينا.

فقال عمر: استخلفتَ عليهم مولًى؟

فقال: يا أمير المؤمنين، إنه قارئ لكتاب الله، عالم بالفرائض، قاضٍ.

فقال عمر رضي الله عنه: أمَا إن نبيكم صلى الله عليه وسلم قد قال: ((إنَّ الله يرفع بهذا الكتاب قومًا، ويضع به آخرين))[6].



وبلغ مِن اعتبار الإسلام العلم ورَفعِه قدره أنْ أمَرَ بالبَدْء به قبل القول والعمل، وجعله شرطًا له؛ كما قال الله سبحانه: ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ ﴾ [محمد: 19].



قال العلامة ابن عاشور: "مِن اللطائف القرآنية أن أمر هنا بالعلم قبل الأمر بالعمل في قوله: ﴿ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ ﴾ [محمد: 19]، قال ابن عيينة لما سئل عن فضل العلم: ألم تسمع قوله حين بدأ به: ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ ﴾ [محمد: 19][7]، وترجم البخاري في كتاب العلم من "صحيحه": باب العلم قبل القول والعمل؛ لقول الله تعالى: ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ﴾ [محمد: 19]، فبدأ بالعلم، فدلَّ ذلك على أن مرتبة العلم مقدمة على مرتبة العمل، وأن العلم شرط في صحة القول والعمل، فلا يعتبران إلا به، فهو متقدم عليهما؛ لأنه مصحح للنية المصححة للعمل"[8].



وهكذا حتى يَرتفع الأثر برتبة العلم فيَجعله صنو الشهادة، بل يَسبقها، فيجعل المداد الذي يسطر به العالم علمه وَزِين ما يبذل الشهيد من مهجة نفسه وخالص دمه، فهما يُوضعان يوم القيامة في كفَّتي ميزان، بل ويكون الراجح منهما مداد العلماء، فيرجح مداد العلماء بدماء الشهداء:

فعن الحسن رحمه الله قال: يُوزَن مداد العلماء بدم الشهداء، فيرجح مداد العلماء بدم الشهداء[9].



وكذا حين أخبر أنَّ الشهيد نفسه ليود أن يبعثه الله عالمًا؛ لما يرى من كرامة العلماء على الله يوم القيامة؛ فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "عليكم بالعلم قبل أن يُرفع، ورفعه موت رواته، فوالذي نفسي بيده، ليَودَنَّ رجالٌ قُتلوا في سبيل الله شهداء أن يبعثَهم الله علماء؛ لما يرون من كرامتهم، فإنَّ أحدًا لم يولد عالمًا، وإنما العلم بالتعلُّم".



وكذلك عظم الإسلام من شأن طلب العلم، وجعل لصاحبه فضيلة عظيمة، ومرتبة شريفة منيفة؛ فمِن ذلك أنه جعله طريقًا توصل إلى الجنة، وجعل الاجتهاد فيه خير من الاجتهاد في العبادة؛ روى البيهقي في شعب الإيمان - وصحَّحه الألباني في مشكاة المصابيح - من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنَّ الله عزَّ وجلَّ أوحى إليَّ أنه مَن سلَك مسلكًا في طلب العلم، سهلت له طريق الجنة، ومَن سلبتُ كريمتَيه أَثَبْتُه عليهما الجنة، وفضْلٌ في علم خير مِن فضل في عبادة، وملاك الدين: الورع))[10].



قال بعض العلماء: "العلم صلاة السرِّ، وعبادة القلب".

وقال الشافعي: "طلب العلم أفضل مِن صلاة النافلة".



إن العلم قد حاز كل شرف، واشتمل على كل فضل، وكفاه أن يدعيه من ليس بأهله، وأن يتبرأ من الخلوِّ عن ضدِّه كلُّ مَن كان هذا الضد فيه؛ كما يقول إمام المتقين علي بن أبي طالب رضي الله عنه.



هذا باختصار شديد جدًّا بعض فضْل العلم والعلماء في دين رب الأرض والسماء، ووالله إنه لفيض من غيض، وقطرة من بحر لجي، أمواجه كالجبال الشم تناطح العلياء وتشامخ السماء، ترى فيه الأمواج تتوالى كالجبال جبلاً بعد جبل، تُنبئ كلها عن عظيم منزلة العلم وأهله في دين رب العالمين سبحانه.



ولمن شاء أن يتيقَّن مصداق ذلك، وتطلَّب المزيد، فعليه بتجلية ناظريه وإمتاع عينيه بمراجعة الكتب التي أفردها علماؤنا - من السلف والخلف - في فضل العلم وأهله، فضلاً عن الفُصول والأبواب التي بوَّبوها في بيان ذلك ضمن ما كتَبوا من كتب، وصنَّفوا مِن مصنَّفات.



العلم الممدوح في الإسلام:

والعلم المَمدوح في الإسلام هو: العلم الشرعي، الذي هو فقه كتاب الله وسنَّة رسوله صلى الله عليه وسلَّم، ثم يأخذ بنصيب مِن ذلك المدح كل معرفة أو فهم يؤدي إلى صلاح حال المرء في الدنيا والآخرة، ويكون وسيلة إلى خيرهما، فهنا إذًا نوعان:

النوع الأول: علم الوحي؛ وهو الشرع الذي نزل على الرسول صلى الله عليه وسلم من عند الله، وهذا علم مُتلقًّى، وقد خُتم عليه يقينًا بخاتمٍ يوم توفي الرسول عليه الصلاة والسلام، فليس لأحد أن يزيد فيه أو ينقص.



والنوع الثاني: هو علم أمور الحياة النافع المفيد في الدنيا، والمقصود به مجموعة المعارف العلمية التي تؤخذ عن طريق الملاحظة والتجربة، وتؤدي إلى الرقي في العلوم التجريبية بهدف نفع الإنسان وتيسير مهمَّته التي خلقه الله تعالى من أجلها؛ قال تعالى: ﴿ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ﴾ [هود: 61]؛ ففي هذه الآية دليل على أن إعمار الأرض مطلوب لله تعالى شرعًا، لكن ذلك مشروط بكونه على منهاج الله الذي أنزله وارتَضاه.



وهذا القسم ينصرف إليه مدح الشرع الحكيم، ويدخل فيما رغب في طلبه وحثَّ على السعي في تحصيله، ومدح العالمين به، ما دام هذا العلم رائده منهج الله تعالى، وبغيته طاعته، ومنهجه صراطه المستقيم، ومِن ثَمَّ كان لهذا النوع من العلم حكمه في الشرع، الذي يصل إلى الفرضية العينية أحيانًا، والفرضية الكفائية غالبًا، وأصوله التي يقوم عليها قد أرساها وبذر بذورها الوحي المنزَّل فيما يُعرَف اليوم بالإعجاز العلمي في القرآن والسنَّة، بل وأشار إلى ما لم يعرفه الناس إلى اللحظة، والله تعالى أعلم بالصواب.



تنبيه: ومِن المهم هنا أن نعلم أن هذا التقسيم للعلم إلى علوم دين وعلوم دنيا، وعلوم شرع وعلوم فرع، لم يقصد الإسلام منه إلى الاستهانة بعلوم الدنيا وازدرائها، وإنما أراد الإسلام بهذا التقسيم أن ينبِّه إلى أن علوم الدنيا تبع لعلوم الدين فيما تأتي وتذر، وليس ذلك بحجر عليها، كلا، وإنما هو ميزان صحيح لطريقها، يَضبط سَيرها؛ حتى لا تضلَّ السبيل، وتحيد عن الغاية، فتغدو تضرُّ من حيث يراد بها النفع، وتفسد من حيث يُطلَب بها الإصلاح.



وليس أدلَّ على ذلك مِن أنَّ هذا العلم له حكم الفرضية - على الكفاية - كما سيأتي معنا؛ فالإسلام يوجب على المسلمين أن يعرفوا ما تلزم معرفته مِن أَمرِ الدنيا؛ إذ مِن قواعده أنَّ ما لا يتمُّ الواجب إلا به فهو واجب، وأن للوسائل أحكام المقاصد.



وهكذا، إن قيل: ما هو العلم الفرض الذي عناه الإسلام بالثناء والمدح، وجعل حكم طلبه الوجوب؟



فالجواب: إنما هو العلم جميعه بقسميه كليهما، على ما بينَّا من شرط ذلك، وحديثنا هنا سوف يتناول الشق الأول منهما فحسب، ألا وهو العلم الشرعي، على أن نتناول الشق الآخر عند الحديث عن فرضية الارتقاء الحضاري على الأُمَّة.
يتبع



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 160.63 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 158.92 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (1.07%)]