|
ملتقى الشباب المسلم ملتقى يهتم بقضايا الشباب اليومية ومشاكلهم الحياتية والاجتماعية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() غربة شرائع الإسلام: الأسباب والحل أحمد الجوهري عبد الجواد تمهيد غربة شرائع الإسلام - الأسباب والحل سنَّة الله: مضتْ حِكمة الله تعالى وجرتْ عادته سبحانه أن يُديل الأمور والأيام بين الناس، فتتقلَّب وتتحوَّل وتتصرَّف، لا تقرُّ على حال واحدة، فمَن كان في غنًى تحوَّل إلى فقر، ومَن كان عزيزًا تحوَّل إلى ذلَّة، ومَن كان حاكمًا صار محكومًا، ومَن كان قاضيًا أمسى مقضيًّا عليه، وصدَق الله تعالى إذ يقول في ذلك: ﴿ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ﴾ [آل عمران: 140]، فهو سبحانه وتعالى: ﴿ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ﴾ [الرحمن: 29]، مِن أمرٍ يُظهِرُه على وفق ما قدَّره في الأزل؛ من إحياء وإماتة، وإعزازٍ وإذلال، وإغناء وإعدام، وإجابة داع، وإعطاء سائل، وغير ذلك. يَجري هذا كله وفق سُنن ربانية، لا تُحابي أحدًا من الخلق بحال مهما ادَّعى لنفسه من أسباب المحاباة، يُجريها الله لعدوِّه أو عليه، كما تَجرى لوليِّه أو عليه. ولقد كان من مقتضيات هذه السنن أن يأتي على الإسلام أحايين يَضعف فيها، ويَذِلُّ أهله لعدوِّهم؛ لما يَكون منهم مِن تفريطٍ في حق الله تعالى، كما يَضيع مِن الإسلام بعض عرواته، عروةً مِن بعد عروةٍ، كلما تمسَّك الناس بواحدة منها تفلَّتتْ مِن أيديهم، فيتمسَّكون بالتي بعدها، فلا تلبث هي الأخرى أن تَضيع، حتى تُنقض كثير مِن عرى الإسلام، ويَصير أمره إلى غربة، ويكون المُستمسِكون به كالقابضين على الجمر، غرباء بين الناس، وقد جاء مِصداق ذلك، بلْه الإخبار به تفصيلاً مِن لدن الحكيم الخبير عن طريق البَشير النَّذير صلى الله عليه وآله وسلم فيما بلَّغه لنا نُجباء الرُّواة، وحفظته لنا الكتب الثقات، فمن ذلك: • قوله صلى الله عليه وآله وسلم فيما رَوى ابن حبان في صحيحه، وصحَّحه الألباني، من حديث أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لتنقضنَّ عرى الإسلام عروةً عروةً، فكلما انتقضت عروة، تشبَّث الناس بالتي تليها، فأولهنَّ نقضًا: الحكْم، وآخرهنَّ الصلاة))[1]. • وصحَّ فيها عنه صلوات الله تعالى وتسليماته عليه: الإخبار كذلك باندِراس رسوم كثيرة من الشرائع؛ كما في الحديث الذي رواه ابن ماجه، وصحَّحه الألباني من حديث حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((يدرُسُ الإسلام كما يدرُسُ وَشْيُ الثوبِ، حتى لا يُدرى ما صيام ولا صلاة ولا نسُك ولا صدَقة...)) الحديث[2]. • وأخبَرَ صلى الله عليه وسلم أيضًا عن أَمرِ الإسلام، وأنه سيؤول إلى غربة بعد انتقاض هذه العُرى، حتى يصير المُستمسِكون به قلَّةً؛ فروى مسلم عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنَّ الإسلام بدأ غريبًا، وسيعود غريبًا كما بدَأ، وهو يَأرِز بين المسجدين كما تأرِزُ الحيةُ في جحرها))[3]. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بدأ الإسلام غريبًا، وسيعود كما بدأ غريبًا، فطوبى للغرباء))[4]. وعن سَهلِ بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ الإسلام بدأ غريبًا، وسيعود غريبًا، فطوبى للغرباء))، قال: ومَن الغُرباء يا رسول الله؟ قال: ((الذين يصلحون إذا فسد الناس))[5]. وعن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ونحن عنده: ((طوبى للغرباء))، فقيل: مَن الغرباء يا رسول الله؟ قال: ((أناس صالحون، في أناس سوء كثير، مَن يَعصيهم أكثر ممَّن يُطيعهم))[6]. ففي هذه الأحاديث الإخبار عن غربة الإسلام وأهله في زمن تُنقض فيه عراه وتَندرِس شرائعه، وقد وقَع ما أخبر به الصادق الذي لا يَنطِق عن الهوى. • معنى الغربة المقصود في هذه الأحاديث: والمقصود بالغُربة في هذه الأحاديث هو أن يَكون المرء على حال مِن الاستقامة ولزوم الجادَّة، ومُجانَبة الفِتَن والأهواء، وملازَمة السمت الذي كان عليه الصدر الأول، مع قلَّة النصير والمعين والمُوافِق، وكثرة المُنابذ والمخذِّل والمُخالف، فيُسمى صاحب هذه الحال "غريبًا"؛ لعدم موافقته لمن حوله؛ إذ له شأن ولهم شأن، وهو في وادٍ وهم في وادٍ[7]، هذا وجه في تفسير الغربة التي عنتْها هذه الأحاديث، وأخبرت عنها، وثمَّة وجه آخَر، وهو المشقَّة التي يَجدها السالك في التزام السمت، وفي تجنُّب العثرة؛ فإنه كلَّما بعُد عهد الناس بالنبوَّة، زاد الشرُّ وقلَّ الخير، وكثرت المَفاسِد، وقلَّت المَصالح، وأصبَح مِن العَسير تحصيل المَصلحة إلا ومعها قدر مِن المَفسدة، ومِن العسير أيضًا فعل المصلحة الراجحة؛ لكثرة المعوِّقات والمثبِّطات التي تَقعد بالإنسان عن ذلك[8]. هذه هي الغربة، وهي غربة ظاهرها العذاب، وباطنها الرحمة، فإن الله تعالى لا يُسلم أولياءه لأعدائه أبدًا، ولكن هذا لمن آمن وصبر وصابر ورابط واتقى. يقول ابن القيم رحمه الله: "وهذه الغربة لا وحشة على صاحبها، بل هو آنَس ما يكون إذا استوحش الناس، وأشدُّ ما تكون وحشته إذا استأنَسوا؛ فوليُّه الله ورسوله والذين آمنوا، وإن عاداه أكثر الناس وجَفَوْه"[9]. أقسام الغربة: يقول الدكتور العودة - أعادَ الله عليه الخير دومًا -: "والغُربة المَذكورة على ثلاثة أنواع: (الأول): غربة شرائع؛ بحيث تُصبح بعض شرائع الإسلام غريبة؛ كالجهاد، والأمر بالمَعروف، والنهْي عن المُنكَر؛ ولذلك وصَف الرسول صلى الله عليه وسلم الإسلامَ في بدايته وفي نهايته بأنه غريب. (الثاني): غُربة مكان، وهي أن يكون الدِّين غريبًا في بلد مِن البلدان، ويكون أهلُه غرباء في ذلك البلد، بَينما هم في بلد آخَر أعزَّة ظاهِرون؛ فالغُربة تكون في مكان دون مكان. (الثالث): غُربة زمان، وهي الغربة المستحكمة المطبقة على الأرض كلها؛ بحيث يَغدو الدِّين غريبًا في زمن مِن الأزمنة، في بقاع الأرض كلها، كما حدث قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا يكون في أمته صلى الله عليه وسلم بعد عهود عيسى عليه السلام، وقبل الساعة. وقد توجد غربة بعض الشرائع دون بعض، في بعض البلدان، ويَكون بعضها الآخَر ظاهرًا معروفًا. وقد يَحدث لبعض الشرائع غربةُ زمان؛ بحيث تكاد تَندرِس ثم يُحْييها الله بالمجدِّدين، بعدما تغرَّبت في الأرض كلها. أما أنْ تَستحكِم الغربة، وتعمَّ الجاهليَّة الأرض كلها قبل قبض أرواح المؤمنين، فهذا لا يَكون؛ لذا وعد الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم بأنه لا تَزال في هذه الأمة طائفة ظاهرة مَنصورة، لا يضرُّهم مَن خذَلهم ولا مَن خالفهم، حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس". • وصْف الغُرباء: مِن صفات هؤلاء الغرباء - الذين غبطَهم النبي صلى الله عليه وسلم - التمسُّك بالسنَّة إذا رغب عنها الناس، وترْك ما أحدَثوه، وإن كان هو المَعروف عندهم، وتجريد التوحيد، وإن أنكر ذلك أكثر الناس، وترْك الانتساب إلى أحدٍ غير الله ورسوله، وهؤلاء الغُرباء مُنتسبون إلى الله بالعبودية له وحده، وإلى رسوله بالاتباع لما جاء به وحده، وهؤلاء هم القابضون على الجمر حقًّا، وأكثر الناس - بل كلهم - لائم لهم. فلغُربتهم بين الخَلق يعدُّونهم أهل شذوذ وبدعة، ومُفارقة للسواد الأعظم. فإذا أراد المؤمن الذي رزَقه الله بصيرةً في دينه، وفقهًا في سنَّة رسوله، وفهمًا في كتابه، وأراه ما الناس فيه مِن الأهواء والبِدَع والضَّلالات، وتنكبهم عن الصراط المستقيم الذي كان عليه رسول الله وأصحابه، فإذا أرادَ أن يَسلك هذا الصراط، فليوطِّن نفسه على قدح الجهال وأهل البِدَع فيه، وطعنهم عليه، وازدرائهم له، وتنفير الناس عنه، وتحذيرهم منه، كما كان سلفهم مِن الكفَّار يفعلونه مع متبوعه وإمامه صلى الله عليه وسلم، فأما إن دعاهم إلى ذلك، وقدح فيما هم عليه، فهناك تقوم قيامتُهم، ويَبغون له الغوائل، ويَنصبون له الحبائل، فهو غريب في دينه؛ لفساد أديانهم، غريب في تمسُّكه بالسنَّة؛ لتمسُّكهم بالبِدَع، غريب في اعتقاده؛ لفساد عقائدهم، غريب في صلاته؛ لسوء صلاتهم، غريب في طريقه؛ لضَلال وفساد طرقِهم[10]. وهذه الغُربة التي تقع قسَّمها العلماء فقالوا: هما غُربتان؛ غربة عامة، وغربة خاصة. فالغربة العامَّة: غُربة أهل الإسلام في أهل الأديان؛ وذلك بأن يصير أهل الإسلام في أهل الكفر غرباء؛ لقلَّتهم وكثرة أهل الكفْر، ضُعفاء؛ لوهنِ قوَّتِهم وندرَةِ عَتادهم بجوار قوة الكافرين وكثرة عتادهم وعددهم. وقد قدَّر الله تعالى أن تكون هذه صفة الخَلق أجمعه على مدى الزمان وطوله، فيكون العارفون به مِن عباده بالنظر إلى مَن يُنكرونه قليلين، ومَن يَعترف بنِعَمِه ويَشكر فضله بالنسبة لمن يُنكِرُها ويَجحدُها نادرين؛ قال الله تعالى: ﴿ وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾ [سبأ: 13]، وقال تعالى: ﴿ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ ﴾ [هود: 40]، وغير ذلك من الآيات، ومثلها الأحاديث النبوية عن خير البرية صلى الله عليه وسلم؛ فقد أخبر عن ذلك المصطفى صلى الله عليه وسلم؛ كما في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: كُنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في قبَّة، فقال: ((أترضَون أن تكونوا ربع أهل الجنة؟))، قلنا: نعم، قال: ((ترضون أن تكونوا ثلثَ أهل الجنة؟))، قلنا: نعم، قال: ((أترضَون أن تَكونوا شَطْر أهل الجنَّة؟))، قُلْنا: نعم، قال: ((والذي نفس محمَّد بيدِه، إني لأرجو أن تَكونوا نصف أهل الجنة؛ وذلك أنَّ الجنة لا يدخلها إلا نفس مسلمة، وما أنتم في أهل الشرك إلا كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود، أو كالشَّعرة السوداء في جلد الثور الأحمر))[11]. فهذه غُربة الإسلام العامة، وهي غربته بين أهل الأديان. يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |