نظرات في سورة الإخلاص - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1174 - عددالزوار : 131529 )           »          3 مراحل لانفصام الشخصية وأهم أعراضها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          متلازمة الشاشات الإلكترونية: كل ما تود معرفته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          ما هي أسباب التعرق الزائد؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          أضرار الوجبات السريعة على الأطفال: عواقب يُمكنك تجنبها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          الوقاية من القمل بالقرنفل: أهم الخطوات والنصائح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          علاج جفاف المهبل: حلول طبيّة وطبيعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          الوقاية من القمل في المدارس: دليل شامل للأهل والمعلم! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          الوقاية من التهاب الكبد: 9 خطوات بسيطة لصحة أفضل! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          الوقاية من الجلطات: دليلك الشامل لصحة أفضل! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 08-03-2020, 02:43 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,857
الدولة : Egypt
افتراضي نظرات في سورة الإخلاص

نظرات في سورة الإخلاص




فادي عبداللطيف






قال تعالى: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 1 - 4]



أ‌- مقدمة السورة:

نزلت سورة الإخلاص في مكة حين كانت تعلوها معتقدات الشرك وعبادة الأوثان ونظام الجاهلية؛ فجاءت آيات السورة الجامعة المانعة بمثابة إعلان لهوية رسالة الإسلام المتميزة، وتصريح بانفصالها عن عقيدة المجتمع وعبادته ونظامه، تبدأ السورة بتنزيه الله سبحانه عن الشرك والاحتياج ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ ﴾ [الإخلاص: 1، 2]، لا بصيغة الأمر بالإيمان، بل بصيغة الأمر بالإعلان؛ فقوله تعالى: ﴿ قُلْ ﴾ [الإخلاص: 1] أمر بالصدع والتصريح العام على الملأ، وهو يؤشر على أن عقيدة الإسلام عقيدة للجماعات والكيانات البشرية؛ فهي تخاطب الحياة العامة وشؤونها، ولا تقبل بطبيعتها الاعتزال في الزوايا، أو الانغلاق في وجدان الأفراد، ويكتسب هذه الإعلان أهمية خاصة بسبب موقعه؛ فمكة حينئذ كانت تعتبر مركزًا للقيادة الدينية والروحية بين العرب؛ لارتباطها بأبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام، ولكونها تضم الكعبة بيت الله الحرام الذي تحج إليه قبائل العرب من أنحاء الجزيرة، وهي فوق ذلك مركز تجاري تشد إليه رحال القبائل في رحلة الشتاء والصيف.



بيد أن السورة لم تقتصر على إعلان تمايز رسالة الإسلام عن عقائد الشرك لدى قريش والعرب فحسب، بل شملت الأديان السماوية المحرفة من يهودية ونصرانية؛ حيث نزهت الله عن الولد والوالد، وهو ما تزعمه النصارى وفرق من اليهود؛ ﴿ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ﴾ [الإخلاص: 3]، وشمولية الخطاب هذه لمختلف العقائد والأديان والأقوام، مؤشر على عالمية الإسلام في عقيدته ودعوته منذ البدايات الأولى للوحي، وهي كذلك مؤشر على تجاوز العقيدة والدعوة لجغرافيا المكان؛ فموضوع الخطاب وصفة المخاطب يتجاوز قريشًا ومكة، بل يتعدى العرب وجزيرتهم إلى ما وراءها شرقًا وغربًا.



ولهذه السور فضائل عدة وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم.

روى الترمذي عن أنس بن مالك أنه قال: أقبلت مع النبي صلى الله عليه وسلم، فسمع رجلًا يقرأ: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 1]، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((وجبت))، قلت: وما وجبت؟ قال: ((الجنة))[1].



وثبت في صحيح البخاري عن أبي سعيد الخدري: أن رجلًا سمع رجلًا يقرأ: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 1] يرددها، فلما أصبح جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك له، وكأن الرجل يتقالُّها [أي يراها قليلة]، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((والذي نفسي بيده، إنها لتعدل ثلث القرآن))؛ (انظر ملحق رقم 1).



وروى مسلم عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث رجلًا على سريةٍ، فكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم، فيختم بـ: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 1]، فلما رجعوا، ذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ((سلوه لأي شيءٍ يصنع ذلك؟))، فسألوه، فقال: لأنها صفة الرحمن عز وجل؛ فأنا أحب أن أقرأ بها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أخبروه أن الله تعالى يحبه))، وفي رواية الترمذي: ((إن حبها أدخلك الجنة)).



وروى البخاري عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلةٍ جمع كفيه ثم نفث فيهما فقرأ فيهما: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 1]، و﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ﴾ [الفلق: 1]، و﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ﴾ [الناس: 1]، ثم مسح بهما ما استطاع من جسده، يبدأ بهما على رأسه ووجهه، وما أقبل من جسده، يفعل ذلك ثلاث مرات.



وفي تسميتها بسورة الإخلاص أوجه، الراجح منها ما نقل عن عبدالله بن المبارك؛ "لأن فيها إخلاصًا لله من كل عيب، ومن كل شريك وولد"[2].



ب - التفسير:

﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 1].

(قل): الأمر للرسول صلى الله عليه وسلم، وهو عام يشمل أمته؛ وفق القاعدة المشهورة: (خطاب الرسول خطاب لأمته).

(هو) يسمى ضمير الشأن، ويستعمل في اللغة لأمر يراد منه التعظيم أو الاختصاص، ويكون موضع الاهتمام بالجملة التي بعده، والشأن هنا: ﴿ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 1][3].

(الله) لفظ الجلالة، وهو اسم علم، وليس معرفًا للفظ الإله.

(أحد): الواحد، الذي لا شبيه له، ولا نظير ولا شريك[4].



والمعنى أن الله سبحانه منفرد بالخلق والألوهية؛ ردًّا على المشركين من الوثنيين والنصارى القائلين بالتثليث، والمجوس الثانوية؛ فتعدُّد الآلهة مستحيل عقلًا وواقعًا، ويشهد لذلك نظام الكون، وهو ما يشير إليه قوله تعالى: ﴿ لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا ﴾ [الأنبياء: 22].



﴿ اللَّهُ الصَّمَدُ ﴾ [الإخلاص: 2]:

﴿ الصمد ﴾: الدائم، والمحتاج إليه[5].

ومعنى الصمد في اللغة: هو المقصود في الحوائج والمطالب والنوازل[6]، وجاء في تفسير الإمام الشوكاني: "هو الذي يُصمَدُ إليه في الحاجات؛ أي: يقصد؛ لكونه قادرًا على قضائها"، ونقل الإمام القرطبي والإمام ابن كثير عن ابن عباس رضي الله عنهما، قوله: "يعني: الذي يصمُدُ إليه الخلائقُ في حوائجهم ومسائلهم".



﴿ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ﴾ [الإخلاص: 3]:

﴿ لَمْ يَلِدْ ﴾؛ أي: لم يتخذ ولدًا؛ لأن ذلك يقتضي زيادة بعد نقصان، وهو سبحانه مستغنٍ عن الولد؛ فمن احتاج للولد فهو ناقص، ومن يلد فهو زائل وفانٍ[7]، وأيضًا يلزم أن تكون له صاحبة؛ أي: مماثلة ومجانسة، وهو ما أبطله سبحانه في سورة الأنعام بقوله: ﴿ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ ﴾ [الأنعام: 101]، وفي هذه الآية رد مفحم بأسلوب السؤال الاستنكاري، الذي يضطر الخصم إلى الإقرار ببطلان زعمه بنفسه؛ فالتوالد من صفة المخلوقات من إنسان وحيوان وطير، وهو لا يكون إلا بزوجين؛ أي: إنكم تقرون أنه تعالى ليس له صاحبة، فكيف تنسبون له الولد، فتزعمون أمرًا تقرون بنقيضه، أو انعدام مقتضاه، وهو منافٍ لبديهيات العقل، ولا يليق بالعقلاء؟! (انظر ملحق رقم 2).



﴿ وَلَمْ يُولَدْ ﴾ [الإخلاص: 3]؛ فهو ليس بمحدَث؛ لأنه يقتضي وجودًا بعد عدم، والمولود محدَث؛ أي: وُجِد بعد أن لم يكن، والمولود هو أيضًا محتاج؛ لكونه يستند في وجوده إلى غيره.

وصفة الولادة - أيًّا كانت - تحتم المحدودية؛ حيث إن كل والد ومولود له جسم يجعله محدودًا في زمن وجوده، ومكان وجوده، وقدراته الحسية وجميع صفاته، كما أن من شأن الكائنات المتوالدة أن يعتريها التغير من حال إلى حال، فمن يلد يعتريه التمدد والزيادة، ثم الضعف والهرَم والفَناء، وكذلك مَن يولد يعتريه النمو والقوة، ثم الضعف، فالهرَم، والفَناء، وعليه يستحيل على من اتصف بصفة الولادة - بما تقتضيه من نقص واحتياج وحدوث وتغير - أن يكون خالقًا أزليًّا؛ لكونه محدودًا في وجوده زمانًا ومكانًا، في الحيز وفي القدرات، وذلك كله مستحيل في حق الله سبحانه؛ لاتصافه بصفات الكمال المطلق، وبهذا أعلمهم سبحانه أنه منزَّهٌ عن صفات النقص التي يتصف بها المخلوقات؛ فهو أحَدٌ صمَدٌ، منزَّه عن النقص والاحتياج والحدوث، أزلي ليس قبله شيء، وأبدي ليس بعده شيء، لا مثيل له ولا نظير ولا شريك، سبحانه وتعالى عما يصفون علوًّا كبيرًا.



قال الإمام القرطبي: "وقال ابن عباس: ﴿ لَمْ يَلِدْ ﴾ [الإخلاص: 3] كما ولدت مريم، ولم يولد كما وُلِد عيسى وعُزَير، وهو رد على النصارى، وعلى من قال: عزير ابن الله؛ (أي اليهود)"، وأورد الإمام الشوكاني في تفسيره عن قتادة قوله: "إن مشركي العرب قالوا: الملائكة بنات الله، وقالت اليهود: عُزَير ابن الله، وقالت النصارى: المسيح ابن الله، فأكذبهم الله فقال: ﴿ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ﴾ [الإخلاص: 3]".



وروى الإمام ابن كثير في تفسيره عن عكرمة أنه قال: "لما قالت اليهود: نحن نعبد عزيرًا ابن الله، وقالت النصارى: نحن نعبد المسيح ابن الله، وقالت المجوس: نحن نعبد الشمس والقمر، وقالت المشركون: نحن نعبد الأوثان، أنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 1]".



﴿ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 4]

الكفو: المثل والنظير[8]، والمعنى: لم يكن له مثلًا أحد، وهو قول ابن عباس وأُبَيِّ بن كعب وعطاء[9]، قال الإمام الشوكاني: "﴿ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 4] هذه الجملة مقرِّرة لمضمون ما قبلها؛ لأنه سبحانه إذا كان متصفًا بالصفات المتقدمة، كان متصفًا بكونه لم يكافِئْه أحد، ولا يماثله ولا يشاركه في شيء".



وأورد الإمام ابن كثير عن مجاهد قوله: "﴿ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 4] يعني: لا صاحبة له، وهذا كما قال تعالى: ﴿ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ ﴾ [الأنعام: 101]، والأول هو الراجح، وهو قول جمهور المفسرين؛ وذلك لأن معنى الكفؤ في اللغة[10] هو المثيل والنظير، والشرع لم يأتِ لها بمعنًى اصطلاحي آخر؛ فوجب اعتماد المعنى اللغوي، كما هو مقرر في علم التفسير؛ لقوله تعالى: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [يوسف: 2].



وجاء في صحيح البخاري حول معاني السورة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا أحد أصبرُ على أذًى سمعه من الله؛ يجعلون له ولدًا وهو يرزقهم ويعافيهم))، وأخرج البخاري عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((قال الله تعالى: كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتَمني ولم يكن له ذلك، فأما تكذيبه إياي فقوله: لن يُعيدني كما بدأني، وليس أولُ الخَلْق بأهونَ عليَّ من إعادته، وأما شتمُه إياي فقوله: اتخذ الله ولدًا، وأنا الأحد الصمد، لم أَلِدْ ولم أولد، ولم يكن لي كفوًا أحد)).



ج - سبب النزول:

ورد في سبب نزول هذه السورة: أنها جاءت ردًّا على سؤال اليهود والنصارى لرسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قالوا: يا محمد، صِفْ لنا ربك، وروي أن المشركين أرسلوا عامر بن الطفيل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: قل له: شقَقْتَ عصانا، وسبَبْتَ آلهتنا، وخالفت دين آبائك، فإن كنت فقيرًا أغنيناك، وإن كنت مجنونًا داويناك، وإن هوِيتَ امرأة زوجناكها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لست بفقيرٍ، ولا مجنونٍ، ولا هوِيتُ امرأةً، أنا رسول الله إليكم، أدعوكم من عبادة الأصنام إلى عبادته))، أرسلوه ثانية وقالوا له: قل له: بَيِّنْ لنا جنس معبودك؛ فأنزل الله هذه السورة[11].



وهذه عادة رؤوس الكفر في كل زمان ومكان؛ يظنون أن رسل الله ودعاة الإسلام يبتغون بدعوتهم غرضًا ماديًّا من مال هالك، أو منصب زائل، أو شهوة عابرة؛ ولذلك تراهم يساومون حملة الدعوة الإسلامية على دعوتهم، ويقدمون لهم الإغراءات المادية؛ لصرفهم عن منهجهم وقضيتهم وغايتهم.



وهذه الإغراءات والمنح لا تقل خطورة عن التعذيب والمحن، بل قد تكون أشد خطورة؛ لما فيها من فتنة خفية؛ فالتعذيب والمحن قد استعد لها الرسل وأتباعهم، وحملة الدعوة من بعدهم، بينما تأتي الإغراءات على حين غفلة، دون توقع أو استعداد، أو بعد طول شظف وإجهاد، فتجد لها وقعًا في النفوس بحجة "المصلحة" و"الحكمة" بعد طول إرهاق وتضحيات ونصَب، وقد بلغ من خطورة هذه القضية: أن أنزل الله سبحانه على نبيه الكريم آياتٍ فيها وعيد شديد لمن تسول له نفسه الركون إلى أعداء الإسلام ومساومتهم على دعوة الحق، أو التنازل لهم عما يكرهون من عقائد وتشريعات تشكل خطرًا على كيانهم أو سلطانهم أو مصالحهم؛ قال تعالى: ﴿ وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا * وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا * إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا ﴾ [الإسراء: 73 - 75]؛ (انظر ملحق رقم 3).



د - المعنى الإجمالي:

سورة الإخلاص هي بمثابة إعلان للوحدانية في بداية بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم برسالة الإسلام، وهي جاءت في عصر علَتْ فيه رايات الشرك في جزيرة العرب وبلاد فارس والروم، وسائر الأمم، والمعنى من إعلان الوحدانية هو دعوة الناس إلى نبذ ما يعبدون ويقدسون من دون الله من الأوثان والآباء، من أصنام الحجر والبشر؛ فالله أحدٌ في كل صفاته؛ في قدرته وأزليته، وعلمه وحكمته، لا يمكن أن يقبل الشركة، حتى ولو كان الشريك ملَكًا مقربًا، أو نبيًّا مرسلًا، أو وليًّا صالحًا.



أما معنى الصمَدية فهو دعوة الناس إلى الالتجاء إلى الله وحده، وعدم الالتجاء إلى غيره من المخلوقات والعباد؛ لكونهم لا يملكون نفعًا ولا ضرًّا، ولا يملكون موتًا ولا حياة ولا نشورًا، بل هم أنفسهم محتاجون لمن يصرف عنهم السوء، ويقضي لهم حوائجهم، وكيف ينصرف الناس في تقديسهم وعبادتهم عن الخالق المستغني إلى من يتساوى معهم في صفات النقص والعجز والاحتياج من الجمادات والبشر؛ قال تعالى: ﴿ مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ ﴾ [المائدة: 75].



وحق لسورة الإخلاص أن تعدل ثلث القرآن، رغم قصر السورة وآياتها الموجزة، فقد حَوَتْ هذه الآيات المعدودة جوهر العقيدة الإسلامية بأساسها العقلي القاطع الدامغ، وكما أشار علماء التفسير فإن آيات القرآن تدور حول ثلاثة محاور، هي: العقائد، والأحكام، والقصص، قال الإمام البيضاوي في تفسيره: "جاء في الحديث أنها تعدِلُ ثلث القرآن؛ فإن مقاصده محصورةٌ في بيان العقائد، والأحكام، والقَصص".



وإذا تمعنا في سورة الإخلاص نجد أنها تضمنت إثباتين ونفيين:

1- إثبات الوحدانية، ونفي الشريك؛ ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 1].

2- إثبات الاستغناء، ونفي الاحتياج؛ ﴿ اللَّهُ الصَّمَدُ ﴾ [الإخلاص: 2].

3- نفي المحدودية؛ ﴿ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ﴾ [الإخلاص: 3].

4- نفي المثيل؛ ﴿ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 4].



هـ - فائدة:

إن توحيد الله في الاعتقاد توحيدًا شاملًا، وترجمة هذا التوحيد عمليًّا في سلوك الأفراد وعلاقات المجتمع وشؤون الدولة - إنما يكون بإفراد الله سبحانه في العبودية بتلقي التشريع؛ أي: التحليل والتحريم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حصرًا فيما بلغنا إياه من قرآن كريم وسنة شريفة؛ قال تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ ﴾ [الزخرف: 84].


يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 126.22 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 124.51 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (1.36%)]