|
ملتقى أعلام وشخصيات ملتقى يختص بعرض السير التاريخية للشخصيات الاسلامية والعربية والعالمية من مفكرين وأدباء وسياسيين بارزين |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() الإمام الشاطبي وطلب العلم الشيخ وليد بن فهد الودعان أقبل الشَّاطبي على العلم منذ صباه، فتعلم العلوم الأساسية؛ كحفظ القرآن الكريم وسماع السنة النبوية. وتدرج في العلوم، فقرأ القرآن الكريم بالقراءات السبع[1]، واشتغل بسماع الحديث؛ فسمع الموطأ[2]، وصحيح البخاري[3]، وسمع على شيخه أبي عبدالله المقري بعضًا من الموطأ، وصحيح البخاري، وجامع الترمذي، وسنن النسائي، والأحكام الصغرى لعبدالحق، والشفا للقاضي عياض، ومسند الشهاب للقضاعي، وقرأ الشَّاطبية، وأيضًا التيسير لأبي عمرو الداني، وعلوم الحديث لابن الصلاح[4]. ولم يزل - كما قال عن نفسه -: "منذ فتق للفهم عقلي، ووجه شطر العلم طلبي، أنظر في عقلياته وشرعياته، وأصوله وفروعه، لم أقتصر على علم دون علم، ولا أفردت عن أنواعه نوعًا دون آخر، حسبما اقتضاه الزمان والإمكان، وأعطَتْه المُنَّة المخلوقة في أصل فطرتي، بل خضت في لججه خوض المحسن للسباحة، وأقدمت في ميادينه إقدام الجريء، حتى كدت أتلف في بعض أعماقه، أو أنقطع في رفقتي التي بالأنس بها تجاسرت على ما قدر لي، غائبًا عن مقال القائل، وعذل العاذل، ومعرضًا عن صد الصاد، ولوم اللائم، إلى أن مَنَّ عليَّ الرب الكريم الرؤوف الرحيم، فشرح لي من معاني الشريعة ما لم يكن في حسباني، وألقى في نفسي القاصرة أن كتاب الله وسنة نبيه لم يتركا في سبيل الهداية لقائل ما يقول، ولا أبقيا لغيرها مجالًا يعتد فيه، وأن الدين قد كمل، والسعادة الكبرى فيما وضع، والطلبة فيما شرع، وما سوى ذلك فضلال وبهتان، وإفك وخسران، وأن العاقد عليهما بكلتا يديه مستمسك بالعروة الوثقى، محصل لكليتي الخير دنيا وأخرى، وما سواهما فأحلام وخيالات وأوهام، وقام لي صحة ذلك البرهان الذي لا شبهة تطرق حول حماه، ولا ترتمي نحو مرماه: ﴿ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ ﴾ [يوسف: 38]، والحمد لله، والشكر كثيرًا كما هو أهله، فمن هنالك قويت نفسي على المشي في طريقه بمقدار ما يسر الله فيه، فابتدأت بأصول الدين عملًا واعتقادًا، ثم بفروعه المبنية على تلك الأصول"[5]. وفي هذه الأسطر لخص لنا الشَّاطبي طريقته في طلب العلم؛ فهو قد طلب كل ما مكنه الله من تحصيله من العلوم الشرعية وغيرها دون استثناء، كما أنه في طلبه هذا معتمد على ربه ومولاه، متوكل عليه، مستمد العون منه، كما أنه كان ذا همة عالية، ونفس سامية، وإقبال منقطع النظير، وهو في مقالته يحدد ما بدأ به من العلوم؛ فهو قد ابتدأ بعلوم أصول الدين ثم ثنَّى بفروعه، فتضلع فيهما، ونهل من معينهما، ومما قرأ في علمي الأصول والفروع مختصرَا ابن الحاجب الأصولي[6] والفرعي[7]، وأيضًا قواعد شيخه المقري[8]. وأقبل الشَّاطبي في طلبه بكليته على علم العربية بصنوفها، فتضلع فيها، وقرأ الكثير من كتبها؛ كالكتاب[9] لسيبويه، وتسهيل الفوائد[10] والألفية[11]، وهما لابن مالك، وغير ذلك، وحضر دروس النحو، وحرص عليها[12]، حتى استقام لسانه، وقويت فيه أركانه، فكان عَلَمًا لا يبارى، وفارسًا لا يجارى، حتى إن كان ليستفيد منه شيوخه، وإن كان ليعدل لهم ما قد يقعون فيه من لحن[13]. ولم يكتفِ الشَّاطبي بالعلوم الشرعية، بل تعداها إلى غيرها، فقرأ في الفلَك[14] والحساب[15] والجبر والمقابلة[16] والمنطق[17]، وكتب بيده الكتب؛ كالتسهيل لابن مالك[18]. وكان يلاحظ مشايخه ويتابعهم[19]، ويأخذ عن أصحابه ويستفيد منهم[20]، كل ذلك تحصيلًا للعلم، واهتمامًا بشأنه، ولم يزل كذلك حتى غدا إمامًا يقتدى به، ومنارًا في علوم الشريعة يستضاء به، وقد أتقن الشَّاطبي المذهب وأحكمه، ولم يكن مع ذلك متمذهبًا متعصبًا متشددًا، بل كان يربط أقواله بأصول الشريعة وقواعدها المتينة[21]، وهذا ظاهر بادٍ لكل من تأمل فتاويه، ولم يضر الشَّاطبي أو ينقص من قدره أنه لم يقرأ في كتب المذاهب الأخرى، أو تفقه فيها؛ حيث قال: "أما نقل مذاهب فقهاء الأمصار سوى مذهب مالك، والفتوى بها بالنسبة إلينا، فهو أشد؛ لأنها مذاهب يذكر لنا منها أطراف في مسائل الخلاف، لم نتفقه فيها، ولا رأينا مَن تفقه فيها، ولا مَن عرَف أصولها، ولا دل على معانيها، ولا حصل قواعدها التي تبنى عليها، فنحن والعوامُّ فيها سواء"[22]؛ إذ ليس ذلك من شرط الاجتهاد المطلق، فضلًا عن معرفة فروع الفقهاء، فضلًا عن معرفة فروع مذهب كل مجتهد. ومَن اطلع على تقعيد الشَّاطبي وتأصيله، علم أنه اكتسب تأصيلًا علميًّا قويًّا، وحصل من علوم الشريعة ما خوَّله أن يكون في عداد الراسخين من العلماء. [1] انظر: برنامج المجاري (119). [2] انظر: برنامج المجاري (118، 119). [3] انظر: برنامج المجاري (119). [4] انظر: برنامج المجاري (120). [5] الاعتصام (1/ 18 - 19). [6] انظر: برنامج المجاري (117، 118، 119). [7] انظر: الإفادات والإنشادات (169). [8] انظر: برنامج المجاري (120). [9] انظر: برنامج المجاري (116). [10] انظر: الإفادات والإنشادات (119). [11] انظر: برنامج المجاري (116). [12] انظر: الإفادات والإنشادات (96، 143). [13] انظر: الإفادات والإنشادات (119). [14] انظر: الإفادات والإنشادات (159)، والفلَك - في اللغة -: مدار النجوم، وجمعه أفلاك، والفَلك واحد أفلاك النجوم، وعلم الفَلَك: علم يبحث فيه عن الأجرام العلوية وأحوالها؛ انظر: لسان العرب (10/ 323) المعجم الوسيط (701). [15] انظر: الإفادات والإنشادات (160، 164 - 165)، وعلم الحساب: هو علم يتعرف منه كيفية مزاولة الأعداد لاستخراج المجهولات الحسابية من الجمع والتفريق والتناسب والضرب والقسمة، انظر: إرشاد القاصد (163) العبر وديوان المبتدأ والخبر (1/ 535) مفتاح السعادة (1/ 368) كشف الظنون (1/ 662). [16] انظر: الإفادات والإنشادات (164 - 165) وعلم الجبر والمقابلة: هو من فروع علم الحساب، وهو علم يتعرف منه كيفية استخراج المجهولات العددية بمعادلتها لمعلومات تخصها، ومعنى الجبر: زيادة قدر ما نقص في الجملة المعادلة، بالاستثناء في الجملة الأخرى لتتعادلا، ومعنى المقابلة: إسقاط الزائد من إحدى الجملتين للتعادل، انظر: إرشاد القاصد (165) العبر وديوان المبتدأ والخبر (1/ 536) مفتاح السعادة (1/ 369) كشف الظنون (1/ 578). [17] حيث قرأ على أبي القاسم السبتي رئيس العلوم اللسانية كما في نيل الابتهاج (47)، والمنطق: مصدر ميمي يطلق بالاشتراك على النطق بمعنى اللفظة وعلى الإدراك، وعلم المنطق: علم بقوانين تعصم مراعاتها الذهن عن الخطأ في الفكر، وهو علم يتعلم فيه ضروب الانتقالات من المعلومات إلى المجهولات وشرائطها بحيث لا يعرض الغلط في الفكر، وموضوعه المعلومات التصورية والتصديقية من حيث إنها توصل إلى مطلوب تصوري أو مطلوب تصديقي تأديًا صوابًا، ويسمى بعلم الميزان؛ إذ به توزن الحجج والبراهين، وكان ابن سينا يسميه خادم العلوم؛ لأنه ليس مقصودًا بنفسه، بل هو وسيلة إلى غيره من العلوم، وكان الفارابي يسميه رئيس العلوم لنفاذِ حُكمه فيها، فيكون رئيسًا حاكمًا عليها، انظر: إحصاء العلوم (27) إرشاد القاصد (65) التعريفات (301) مفتاح السعادة (1/ 272) كشاف اصطلاحات الفنون (1/ 45) تسهيل المنطق (6) إيضاح المبهم (26 مع مقدمة محققه) معيار العلم (35) تسهيل القطبي (16) شرح السلم المنورق للملوي مع حاشية الصبان (33). [18] انظر: الإفادات والإنشادات (161). [19] انظر: الإفادات والإنشادات (111، 157). [20] انظر: الإفادات والإنشادات (157، 164). [21] انظر مثلًا: فتاوى الإمام الشاطبي (137، 159، 162، 176، 188). [22] المعيار المعرب (9/ 228) فتاوى الإمام الشاطبي (167).
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |