
02-03-2020, 02:06 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,655
الدولة :
|
|
مهارات احتسابية
مهارات احتسابية
صادق محمد مهيوب الهادي
الحسبة عملية توجيهية إرشادية، تواصلية، تقوم أساساً على التأثير والإقناع، والبيان المقنع الواضح، والوعظ المؤثِّر، والحجة المـُلزمة، فهي تحتاج إلى مهارات فائقة، وقدرات عالية، ومن أهمها:
• الصدق([1]):
فما أحوج المحتسب إلى الصدق، صدق الباطن، وصدق الظاهر، صدق القول، وصدق العمل؛ وصدق التدين والالتزام، وصدق القدوة والأسوة، فيكون قدوة في أفعاله قبل أقواله، بحيث تصير حسبته بالمقال والحال معاً، فإن كان صادقاً أثمرت حسبته استجابةً وتأثُّراً وتأثيراً، وما أبعد من عُرف بضعف التدين من أن يُستجاب له، أو يُتأثر بكلامه وأقواله!
"فالصدق فوق أنَّه في حد ذاته سلوك سامٍ، وصفة راقية، فهو منبع الثقة، وأساس التسليم؛ لأن الصادق لا يخالف الواقع، وكل قوله مُسلَّم، لا يحوم حوله شك، أو تكذيب، والصدق في الداعية -والمحتسب أيضاً- ضرورة؛ لأن ما يذكره ليس رأياً شخصياً، ولا اجتهاداً ذاتياً؛ لأنه مُبلغٌ دعوة الله كما جاءت، ومبينٌ لغوامضها، وناقلٌ كل بيان قيل في شأنها، وكل هذا يحتاج إلى صدق في التبليغ، ودقة في النقل والبيان، حتى يتيقن المدعو من أن كل ما يسمعه من الداعية هو رسالة الله، وأن الدعوة كما بدت من قوله هي هي، كما تركها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بلا تزيد أو انتقاص؛ ولذلك كان من الحِكَم الخالدة في رسالة الإسلام أنَّ أهم صفة اشتهر بها النبي -صلى الله عليه وسلم- هي صفة (الصادق الأمين) ولما سأل هرقل أبا سفيان -ولم يكن قد أسلم بعد- عن محمدٍ قائلاً: "وهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ أجابه: لا، فقال هرقل: أعرف أنه لم يكن ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله"([2])، وهذا القول من هرقل يُبين أهمية الصدق؛ لأن دعوة الله لا نعلمها إلا من مبلغها، ومن كذب على الناس جاز أن يكذب على الله، أما من التزم الصدق مع البشر، فهو صادق حتماً مع الله -سبحانه وتعالى-"([3]).
• العلم:
المحتسب هو أولى الناس بالفقه في الدين، والعلم بشريعة الله؛ لأن بضاعته الأوامر والنواهي، فكيف يحتسب من لم يعرف حدود ما أمر الله به، وحدود ما نهى عنه؟
فإن كان جاهلاً فلا تستقيم منه حسبة، ولا تصلح منه دعوة، ولربما كان مرتكب المنكر أعلم منه، وصاحب جدال بالباطل، فيغلبه ويفحمه، ولربما كان معانداً، أو صاحب شبهة، أو صاحب حجج، ومقالات باطلة، فكيف يستطيع الرد عليه، والخلاص منه؟ فإما أن يجيب بجهل، أو يسكت عن الجواب، وكلا الأمرين ذميم، فيظهر صاحب المنكر منتصراً عليه، ومتغلباً عليه.
فلا بد إذن من العلم للمحتسب، حتى تكون حسبته على بصيرة، والبصيرة: ما هي إلا العلم والحكمة، فلا ينفع العلم بلا حكمة، ولا الحكمة بلا علم.
فهو بحاجة إلى معرفة الحلال والحرام، وإلا قال بجهله: هذا حرام وهو حلال، أو هذا حلال وهو حرام، فيجب أن يكون على علم، يعرف الحلال والحرام، ويعرف الواجب والمستحب، والمحرّم والمكروه والمباح، ويعرف كيف يجيب على الاعتراضات والشبه والمجادلات، فإن بعض المحتسبين والدعاة اليوم ليس عنده علم، وإنما يجيد الكلام والصياح بدون علم، فإذا عُرضت له أدنى شُبهة، أو جُودل، أو سُئل عن أدنى مسألة في الحرام والحلال تخبّط فيها، واحتار في الجواب عنها.
ولهذا ندرك سر التوجيه النبوي لمعاذ -رضي الله عنه- لما بعثه إلى اليمن: ((إنك تقدم على قوم أهل كتاب))([4]) يعني انتبه، واعمل حسابك، إنهم قد يجادلونك، فلا بد أن تكون على بصيرة؛ لتتخلص من شبهات المشبِّهين، وحجج المبطلين ومناظراتهم.
قال في مرعاة المفاتيح: فقوله: ((إنك تأتي قوماً أهل كتاب)) كالتوطئة والتمهيد للوصية؛ لتستجمع وتقوى همته في الدعاء لهم؛ لكون أهل الكتاب أهل علم في الجملة، فلا تكون العناية في مخاطبتهم كمخاطبة الجهال من عبدة الأوثان([5]).
• الفصاحة والقدرة على الإقناع:
لا شك أن الفصاحة تفعل فعل السحر في قوة التأثير؛ ولهذا جاء في الحديث: ((إنَّ من البيان لسحراً))([6])، والبيان من حيث هو لا شك أنه نعمة؛ ولهذا امتن الله به على الإنسان، فقال تعالى: {عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} [الرحمن (4)] فمن أبلغ المؤثرات على المدعو الفصاحة؛ وقوة الحجة، ووضوح البيان، والوعظ المؤثر؛ ولهذا ينبغي أن يتحلى بها المحتسب، فيكون كلامه ووعظه بليغاً، مؤثراً، مختصراً، وقد أدرك موسى ما للبيان من تأثير إيجابي في المدعو، فقال: {وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ} [القصص (34)].
"وهذا السؤال من موسى -عليه السلام- يدل على كمال معرفته بالله، وكمال فطنته، ومعرفته للأمور، وكمال نصحه، وذلك أن الداعي إلى الله، المرشد للخلق، خصوصاً إذا كان المدعو من أهل العناد والتكبر والطغيان، يحتاج إلى سعة صدر، وحلم تام على ما يصيبه من الأذى، ولسان فصيح، يتمكن من التعبير به عن ما يريده ويقصده، بل الفصاحة والبلاغة لصاحب هذا المقام من ألزم ما يكون لكثرة المراجعات والمراوضات؛ ولحاجته لتحسين الحق وتزيينه، بما يقدر عليه ليحببه إلى النفوس، وإلى تقبيح الباطل، وتهجينه؛ لينفر عنه، ويحتاج مع ذلك أيضاً أن يتيسر له أمره فيأتي البيوت من أبوابها، ويدعو إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن، يعامل الناس كلاً بحسب حاله، وتمام ذلك أن يكون لمن هذه صفته أعوان ووزراء يساعدونه على مطلوبه؛ لأن الأصوات إذا كثرت لا بد أن تُؤثر، فلذلك سأل -عليه الصلاة والسلام- هذه الأمور فأعطيها، وإذا نظرت إلى حالة الأنبياء المرسلين إلى الخلق رأيتهم بهذه الحال بحسب أحوالهم، خصوصاً خاتمهم وأفضلهم محمد -صلى الله عليه وسلم-، فإنه في الذروة العليا من كل صفة كمال، وله من شرح الصدر، وتيسير الأمر، وفصاحة اللسان، وحسن التعبير والبيان، والأعوان على الحق من الصحابة فمن بعدهم ما ليس لغيره"([7]).
• بُعد النظر والفطنة وسعة الأفق:
ومن المهارات اللازمة أيضاً للمحتسب أن يكون صحيح النظر، واسع الأفق، فطنًا غير ساذج، حتى لا يُضحك عليه، ويُسخر منه، بل يتصرف بحكمة، وينظر بعمق إلى مآلات الأمور، ونتائجها، ويكون بعيداً عن السذاجة والغفلة، وتسطيح الأمور، ومن طريف ما يُذكر عن بعض المحتسبين الذين هذا شأنهم، ما ذكره القرافي في ذخيرته، حيث قال: "ولا يأخذ بالتهم -أي المحتسب- كما يُحكى عن محتسبٍ أنه سأل داخلَ المسجدِ بنعليه: هل تدخل بهما بيت الطهارة؟ وأنكر عليه ذلك، وأراد منه خلعهما([8]).
والمقصود: أن هذه بعض المهارات التي ينبغي على المحتسب أن يتحلى بها، ويتدرب عليها، حتى يكون عمله مقبولاً، وقوله مسموعاً؛ وفعله مرهوباً؛ إذ ليس لكل محتسب عند الناس حسبة، إلا من كان مُهاباً، صادقاً عالماً، ذا نظر صحيح، ولسان فصيح، حتى صار بعيد الملامة، وفي الناس كالشامة والعلامة، وحتى صار للحق منتدب، وإلى النبي منتسب، وفي الخير محتسب، وللأجر مرتقب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر موقع المحتسب.
([1]) اشتهر في علم الإدارة تعريف المهارة بأنها: التمكين من انجاز مهمة ما، بكيفية محددة، وبدقة متناهية، وسرعة في التنفيذ، وتقسيمها إلى (عقلية، ويدوية، ولغوية، واجتماعية... إلخ)، إلا أننا نقول: إن الصدق -وإن كان خُلقاً- إلا أنه يُعد مهارة مكتسبة؛ لقوله في الحديث: ((إنما العلم بالتعلم، والحلم بالتحلم)) وهكذا بقية الأخلاق، ومنها الصدق تُكتسب، إلا ما كان منها هبة من الله؛ ولهذا نجد أن الصدق والعلم وغيرها من الأخلاق تذكر كثيراً ضمن المهارات الدعوية، أو مهارات التواصل الاجتماعي؛ أو التواصل الشخصي، ولا ضير في ذلك؛ إذ إنَّ هذه المفاهيم يحصلُ التداخل بينها كثيراً.
([2]) أخرجه البخاري في باب بدء الوحي، كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ (1/8-7).
([3]) السيرة النبوية والدعوة في العهد المكي، أحمد غلوش، مؤسسة الرسالة الطبعة: الأولى 1424هـ-2003م (ص: 584).
([4]) أخرجه البخاري في كتاب الزكاة، باب لا تؤخذ كرائم أموال الناس في الصدقة (2/119-1458) ومسلم في كتاب الإيمان، باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام (1/51-19).
([5]) مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (6/4).
([6]) أخرجه البخاري في كتاب الطب، باب إن من البيان سحراً (7/138-5767).
([7]) تفسير السعدي (ص: 504).
([8]) الذخيرة للقرافي (10/50).
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|