|
فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() حتى لا يحتاج الوضوء إلى وضوء محمد عبدالرحمن صادق • الوضوء هو الحسن والبهاء، وهو مأخوذ من الوَضاءة؛ لأنه يزيد الأعضاءَ وضاءةً بغسلها. • والوضوء شرعًا هو الطهارة المخصوصة التي يُرفع بها الحدث الأصغر؛ قال تعالى: ﴿ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ ﴾ [التوبة: 108]. • والوضوء عند علماء الفقه هو أول مقصد للطهارة، وتلزمُه النيَّة؛ لأنه مطلوب أساسي للصلاة، وهو من أهمِّ شروط الصلاة، وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يقبَل الله صلاة أحدكم إذا أحدَثَ حتى يتوضَّأ)). • وحسب القاعدة الفقهية: "ما لا يتمُّ الواجب إلا به فهو واجب"، فالوضوء هو بداية كل عمل عظيم، فالصلاة يلزمها وضوء، والطواف يلزمه وضوء... إلخ. • ورَدَ عن علي بن الحسين أنه كان إذا أراد أن يتوضَّأ اصفرَّ وجهه، وتغيَّر لونه، فقيل له في ذلك، فقال: "ألا تدرون بين يدَيْ مَن أُريد أن أقوم؟". • رُوي عن حاتم الأصمِّ أنه كان إذا توضَّأ اصفر وجهه، وظهرت عليه آثار الخوف والخشوع، فسُئل في ذلك، فقال: "لأنني مُقدم على الله بصلاتي، ولا أدري أيقبَلُها أم يردُّها عليَّ؟". • ومِن هنا وجب علينا الهدوء والخشوع والسكينة أثناء الوضوء، وعدم الحديث إلا لحاجة أو مصلحة، حتى ولو كان الكلام مُباحًا ولا حرَجَ فيه. أولًا: الوضوء في القرآن الكريم: قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [المائدة: 6]. • فهذه الآية الكريمة بيَّنت لنا فرائض الوضوء التي لا يتمُّ الوضوء إلا بها، ولا تُقبَلُ الصلاة إلا بوضوء صحيح. ثانيًا: الوضوء في السنة النبوية المطهَّرة: لأهمية الوضوء حرَص النبي صلى الله عليه وسلم على بيان كل تفاصيله من حيث: (الفضل والفرائض والسنن، وكيفية غسل الأعضاء، وترتيبها، وتدليكها، وتخليلها، والموالاة في الوضوء، وعدم المبالغة في غسل الأعضاء، وعدم الإسراف في الماء... إلخ)، والمجال لا يتسع لذكر كل هذه الأمور والتركيز عليها، ولكن يكفينا ذكر بعض الأحاديث التي تدلُّ على أهمية الوضوء وفضله. 1 - عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الطُّهور شَطْر الإيمان))؛ رواه مسلم، قوله: ((الطُّهور شطر الإيمان))؛ أي: نصفه؛ لأن خصال الإيمان قسمان: ظاهرةٌ، وباطنةٌ؛ فالطهور من الخصال الظاهرة، والتوحيد من الخصال الباطنة. 2 - عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما منكم من أحد يتوضَّأ فيبلغ - أو فيُسبغ - الوضوء، ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، إلا فُتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء))؛ رواه مسلم. 3 - عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ألا أدلكم على ما يَمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات؟))، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ((إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخُطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط))؛ رواه مسلم، (إسباغ الوضوء على المكاره): إتمامه في نحو برد وقلَّة ماء، وأصل الرباط: الحبس على الشيء، فكأنه حبس نفسه على هذه الطاعة. 4- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن أمتي يُدْعون يوم القيامة غرًّا محجَّلين من آثار الوضوء، فمن استطاع منكم أن يطيل غرَّته، فليفعل))؛ متفق عليه. ♦ الغرَّة: لمعة بيضاء تكون في جبهة الفرس، وقوله: (محجَّلين): بياض يكون في قوائم الفرس. 5- عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من توضَّأ فأحسَنَ الوضوء، خرجت خطاياه من جسده حتى تخرج من تحت أظفاره))؛ رواه مسلم. 6 - عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا توضَّأ العبد المسلم - أو المؤمن - فغسل وجهه، خرج من وجهه كلُّ خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء، أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل يديه، خرج من يديه كل خطيئة كان بطشتها يداه مع الماء، أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل رجليه، خرجت كل خطيئة مشتْها رجلاه مع الماء، أو مع آخر قطر الماء، حتى يخرج نقيًّا من الذنوب))؛ رواه مسلم. 7- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من تطهَّر في بيته، ثم مضى إلى بيت من بيوت الله، ليَقضي فريضة من فرائض الله، كانت خطواته إحداها تحطُّ خطيئة، والأخرى ترفع درجة))؛ رواه مسلم. 8- عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((لا يَقبَلُ الله صلاةً بغير طُهور، ولا صدقة من غلول))؛ رواه الجماعة إلا البخاري، (الغُلول): بضم الغين المعجمة، هو الخيانة، وأصله السرقة من مال الغنيمة قبل القِسمة. • وهناك الكثير والكثير من الأحاديث التي ما تركت شيئًا يخص الوضوء إلا وبيَّنته بيانًا لا لبس فيه ولا غموض. ثالثًا: وساوس الوضوء وعلاجها: • وسوسَتِ النفسُ؛ أي: حدَّثت بما لا جدوى به ولا طائل تحته. • وسوس الشيطانُ له؛ أي: أغواه، وحدَّثه بشرٍّ، أو بما لا نفع فيه ولا خير. • إن الوسوسة مظهَر مِن مَظاهر عجز الشيطان؛ لأنه عندما يعجز عن ثنْي العبد عن الطاعة وجرِّه إلى المعصية، يلجأ إلى التشويش عليه بالخواطر والأفكار، وغالبًا لا يدخل على عالِم؛ لعلمه بمداخل الشيطان والحرص على اجتنابها، ولا يدخل الوسواس على أهل الكفر والمعاصي؛ لأن الشيطان ليس بحاجة إلى أن يُوسوس لهم، ولا أن يلبِّس عليهم أمر دينهم؛ فهم غرقى في الذنوب. • قال مُقاتل: إن الشيطان في صورة خنزير، يجري من ابن آدم مجرى الدم في العروق، سلطه الله على ذلك؛ فذلك قوله تعالى: ﴿ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ ﴾ [الناس: 5]. • وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم))، وهذا يصحِّح ما قاله مقاتل. • ووسوستُه: هو الدعاء لطاعته بكلام خفيٍّ، يصل مفهومه إلى القلب من غير سماع صوت. • والوَسواس لا يدخل إلا على عابد؛ إذ يَحرص الشيطان أن يُفسد عليه عبادته، ويلبِّس عليه أمره. • أتى عثمان بن أبي العاص النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: "يا رسول الله، إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي يَلْبِسُها عليَّ"، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ذاك شيطان يقال له: خِنْزَب، فإذا أحسستَه، فتعوذ بالله منه، واتْفِل على يَسارك ثلاثًا))، قال: "ففعلتُ ذلك فأذهَبَه الله عني"؛ رواه مسلم. • جاء رجل اسمه أبو زميل إلى سيدنا عبدالله بن عباس، وشكا له ما يجده في نفسه من الشكِّ والوسواس، فقال له: "إذا وجدتْ نفسُك شيئًا، فقل: ﴿ هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [الحديد: 3]. • قال إبراهيم التيمي: أول ما يبدو الوسواس مِن قبل الوضوء. • وقد نص العلماء على أن للشيطان نزغتين: نزغة غلوٍّ، ونزغة تقصير، بأيِّهما ظفر قنع. • قد يوسوس الشيطان للإنسان في صلاته، ويوهمه بأن وضوءَه قد انتقض، وعلى الإنسان في هذه الحالة ألا يلتفت لهذا الوسواس، وأن يطرد الشك باليقين؛ كما جاء في حديث أبي هريرة عند مسلم، ولفظه: ((إذا وجد أحدكم في بطنه شيئًا فأشكل عليه أخرَجَ منه شيء أم لا، فلا يخرجنَّ من المسجد حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا))، وقوله: ((فلا يخرجنَّ من المسجد))؛ أي: من الصلاة، وصرَّح بذلك أبو داود في روايته. ومن أساليب الشيطان في الوسوسة في الطهارة أيضًا: السرف في استخدام الماء للطهارة؛ جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليسأله عن الوضوء، فأراه ثلاثًا ثلاثًا، ثم قال: ((هذا الوضوء، من زاد على هذا، فقد أساء وتعدى وظلم))؛ رواه أحمد. • إن علاج هذه الوسوسة بعد الاستعانة بالله تعالى، وبعد الاستعاذة من الشيطان الرجيم، هو عدم الالتفات إلى الوسوسة، وعدم التمادي معها، كما أنه يجب علينا مُخالفة ما تدعو إليه وتقتضيه. ♦ رابعًا: ختام وتوصيات: إنَّ المسلم الذي يريد أن يتقرب إلى الله تعالى بعبادة خالصة، عليه أن يُتقنها إتقانًا يليق بالله تعالى؛ حتى لا تَحتاج صلاتنا إلى صلاة، ولا يَحتاج صيامنا إلى صيام، ولا يحتاج استغفارنا إلى استغفار، ولا يحتاج وضوءُنا إلى وضوء... إلخ. • ولكيلا يحتاج الوضوء إلى وضوء، علينا بالسكينة والوقار والطمأنينة، واستشعار عظمة الله تعالى الذي نتهيَّأ للوقوف بين يديه. • ولكيلا يحتاج الوضوء إلى وضوء، علينا باستشعار فضل الوضوء؛ حتى نزداد له إجلالًا وتعظيمًا. • ولكيلا يحتاج الوضوء إلى وضوء، علينا بعدم المبالغة في غسل الأعضاء، وعدم الإسراف في الماء ولو كنا على نهر جارٍ. • ولكيلا يحتاج الوضوء إلى وضوء، علينا بدفع وساوس الشيطان التي تلبِّس على المسلم أمره، وتُفسد عليه عبادته. أسأل الله تعالى أن يطهِّر أبداننا، وأن يطهِّر قلوبنا، وأن يَجعلنا من التوابين، وأن يَجعلنا من المتطهِّرين.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |