|
ملتقى الشباب المسلم ملتقى يهتم بقضايا الشباب اليومية ومشاكلهم الحياتية والاجتماعية |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() أعمال القلوب واثرها في حياة المؤمن والمربي .. (1) أهميتها للمؤمنين عبد الله العنزي لقد خلق الله جل وعلا الخلق لغاية عظمى هي تحقيق العبادة له وحده لا شريك له، كما قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}. وقد عرَّف شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى العبادة بتعريف جامع؛ فيقول: [العبادة: هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة؛ فالصلاة والزكاة والصيام والحج وصدق الحديث وأداء الأمانة وبر الوالدين... وكذلك حب الله ورسوله، وخشية الله والإنابة إليه، وإخلاص الدين له...](1 ). فهذا التعريف الجامع بيَّن لنا أن العبادة تنقسم إلى قسمين: 1- أقوال وأعمال ظاهرة، وهي العبادات البدنية. 2- أقوال وأعمال باطنة وهي العبادات القلبية. فكل عبادة من العبادات لها ظاهر وباطن؛ فالظاهر قول اللسان وعمل الجوارح، والباطن هو قول القلب وعمل القلب، وكلاهما داخل في مسمى تلك العبادة، كما أنه – أيضاً – سبب في الأجر ، والتقصير بأحدهما تقصيرٌ في العبادة نفسها، كما أن كمال تلك العبادة مرتبط بكمالها ظاهراً وباطناً. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: [الأعمال الظاهرة لا تكون صالحة مقبولة إلا بتوسط عمل القلب] (2 ) ، فمثلاً الصلاة لها ظاهر وهي الأركان والواجبات والسنن، ولها باطن وهو الخشوع والإخبات والإخلاص وغيرها. * العبادات القلبية : هي أعمال القلوب كالمحبة والشوق والخوف والرجاء والإخلاص والصدق والخشوع والخضوع والتضرع والتواضع وغيرها. أهمية الأعمال القلبية: يظن فئام من المسلمين أن أعمال القلوب من فضائل الأعمال ومستحباتها، فمن قام بها فله أجر ومثوبة، ومن قصر فيها فلا شيء عليه ، وهذا مما يبين لنا سبب التقصير والخلل عند كثير من الناس في تعلم أعمال القلوب وتكميلها والقيام بها، كما يسعى أحدهم في تعلم وتكميل والقيام بأعمال الجوارح. يقول ابن القيم رحمه الله تعالى عند بيانه لوجوب أعمال القلوب: [فإن العبد كثيراً ما يترك واجبات لا يعلم بها ولا بوجوبها، فيكون مقصراً في العلم، وكثيراً ما يتركها بعد العلم بها وبوجوبها إما كسلاً أو تهاوناً، وإما لنوع باطل أو تقليداً، أو لظنه أنه مشتغل بما هو أوجب منها، أو لغير ذلك] ( 3). ولكي يتبين لنا أهمية أعمال القلوب في حياة المسلم؛ سأذكرها بعون الله في عدة نقاط : 1 – أن أعمال القلوب واجبة على كل مسلم كما تجب عليه أعمال الجوارح، بل إن أعمال القلوب أشد وجوباً من أعمال الجوارح وآكد منها. يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: [فواجبات القلوب أشد وجوباً من واجبات الأبدان وآكد منها، وكأنها ليست من واجبات الدين عند كثير من الناس، بل هي من باب الفضائل والمستحبات ، فتراه يتحرَّج من تركِ واجب من واجبات الأبدان، وقد ترك ما هو أهمّ واجبات القلوب وأفْرَضها، ويتحرج من فعل أدنى المحرمات، وقد ارتكب من محرمات القلوب ما هو أشد تحريماً وأعظم إثماً] (4 ). 2 – إن قيام العبد بأعمال القلوب – بتوفيق الله – سبب للثواب، والتقصير والتفريط فيها قد يكون سبباً للعقاب في الدنيا والآخرة، كما هو الحال في أعمال الجوارح. أما في الدنيا فالثواب عليها يكون بقبول الطاعات، واستجابة الدعوات، والطمأنينة والفرح في القلب والتوفيق للحق والثبات عليه وغيرها ، وأما العقوبة فقد تكون حسية أو معنوية وذلك بعدم قبول الطاعات، أو حرمان التوفيق لها، والضيق والضنك في القلوب وغيرها. يقول ابن الجوزي رحمه الله تعالى: [وربما رأى العاصي سلامة بدنه وماله فظن أنه لا عقوبة، وغلفته عما عوقب به عقوبة. وقد قال الحكماء: المعصية بعد المعصية عقاب المعصية، والحسنة بعد الحسنة ثواب الحسنة. وربما كان العقاب العاجل معنوياً، كما قال بعض أحبار بني إسرائيل: يا ربِّ كم أعصيك ولا تعاقبني؟ قيل له: كم أعاقبك ولا تدري، أليس قد حرمتك حلاوة مناجاتي؟](5 ). وأما في الآخرة فإن الله تعالى يقول: {أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ * وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ}، ويقول جل شأنه: {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ}. 3 – إن العبادات القلبية هي الأصل والعبادات البدنية تبع ومكملة لها؛ إذ إن العبادات القلبية روح العبادات البدنية. يقول ابن القيم رحمه الله تعالى مبيِّناً أهمية أعمال القلوب في حديثه عن النية وأهميتها: [وإنما هي الأصل المراد المقصود، وأعمال الجوارح تبعٌ ومكملة ومُتممةٌ، وإن النية بمنزلة الروح، والعمل بمنزلة الجسد والأعضاء، الذي إذا فارق الروح فموات، وكذلك العمل إذا لم تصحبه النية فحركة عابث. فمعرفة أحكام القلوب أهم من معرفة أحكام الجوارح؛ إذ هي أصلها، وأحكام الجوارح متفرعة عليها](6 ). 4 – تفاضل العباد عند الله تعالى بتفاضل ما في قلوبهم من أعمال القلوب، قال تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} ، وأصل التقوى عمل القلب، قال صلى الله عليه وسلم: "التقوى هاهنا" ويشير إلى صدره ثلاث مرات( 7). ويقول ابن مسعود رضي الله عنه في وصف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا أفضل هذه الأمة، أبرها قلوبا...) (8 ). وقال أبو بكر المزني رحمه الله تعالى: (ما فاق أبو بكر رضي الله عنه أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم بصوم ولا صلاة، ولكن بشيء كان في قلبه) (9 ). وعمر بن الخطاب رغم أن إسلامه كان متأخراً بالنسبة للعشرة المبشرين بالجنة؛ إذ كان إسلامه في السنة السادسة من البعثة إلا أنه تقدم على غيره سوى أبي بكر الصديق، وقد أفاد شيخ الإسلام عن ذلك بقوله: [وكان عمر لكونه أكمل إيماناً وإخلاصاً وصدقاً ومعرفة وفارسة ونوراً أبعد عن هوى النفس وأعلى همة في إقامة دين الله، مقدماً على سائر المسلمين غير أبي بكر رضي الله عنهم أجمعين]( 10). 5 – تفاضل أعمال العباد عند الله جل وعلا بتفاضل ما في قلوبهم من أعمال القلوب، فقد يعمل الرجلان عملاً واحداً، والفرق بين عمليهما عند الله كما بين السماء والأرض، لتفاضل ما في قلبيهما من أعمال القلوب. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: [فإن الأعمال تتفاضل بتفاضل ما في القلوب من الإيمان والإخلاص، وإن الرجلين ليكون مقامهما في الصف واحداً، وبين صلاتيهما كما بين السماء والأرض] (11 ). ويقول ابن القيم رحمه الله تعالى: [والله يضاعف ذلك بحسب حال المنفق وإيمانه وإخلاصه وإحسانه، ونفع نفقته وقدرها، ووقوعها موقعها، فإن ثواب الإنفاق يتفاوت بحسب ما يقوم بالقلب من الإيمان والإخلاص والتثبيث عند النفقة]( 12). 6 – إن القلب وما فيه من أعمال القلوب هو محل نظر الرب تبارك وتعالى، قال صلى الله عليه وسلم: "إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم"(13 ). 7 – القلب كالملك، والجوارح كالجنود التابعة له، فبصلاح القلب تصلح الجوارح بالعمل الصالح، وبفساد القلب تفسد الجوارح بالمعاصي ، قال صلى الله عليه وسلم: "ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب"(14 ). 8 – إن لذة العبادة والطمأنينة فيها والأُنس بها، وقرة العين، وراحة النفس وانشراح الصدر لا تكون إلا بتحقيق أعمال القلوب أثناء القيام بتلك العبادة؛ لأن أعمال القلوب هي روح أعمال الجوارح، وبالروح تكون اللذة والطمأنينة والأنس، وإن فارقتها فأعمال الجوارح موات لا روح فيها ولا لذة وطمأنينة ولا أنس. = يتبع الجزء الثاني إن شاء الله ------------------ (1) مجموع الفتاوى (10/149). (2) المصدر السابق (11/381). (3) إغاثة اللهفان (2/924) (4) إغاثة اللهفان (2/924). (5) صيد الخاطر ص(84) تحقيق أبي أنس سيد بن رجب. (6) بدائع الصنائع (3/1140). (7) رواه مسلم رقم (2564). (8) شرح العقيدة الطحاوية ص(546) (9) نفس المصدر (10) مجموع الفتاوى (10/304). (11) منهاج السنة (6/221-222). (12) أعلام الموقعين (1/238). (13) رواه مسلم رقم (2564). (14) رواه البخاري رقم (52)، ومسلم رقم (1599).
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]()
__________________
|
#3
|
||||
|
||||
![]() أعمال القلوب وأثرها في حياة المؤمن والمربي ..(3) وقفات عبد الله العنزي 1 – لا يعني التنويه بأهمية أعمال القلوب وأنها الأصل وأعمال الجوارح تبع ومكملة، لا يعني ذلك التقليل من شأن أعمال الجوارح، أو ترك أعمال الجوارح على حساب أعمال القلوب. فأعمال القلوب غالباً ما تقوم إلا بأعمال الجوارح، كما أن أعمال الجوارح لا تنفه وتقبل إلا بأعمال القلوب. يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: [الإيمان له ظاهر وباطن، وظاهره قول اللسان وعمل الجوارح، وباطنه تصديق القلب وانقياده ومحبته. فلا ينفع ظاهرٌ بلا باطن له، وإن حَقَنَ به الدماء وعَصَمَ به المال والذرية. ولا يُجزئ باطن لا ظاهر له إلا إذا تعذر بعجزٍ أو إكراه خوف هلاك. فتخلف العمل ظاهراً مع عدم المانع دليلٌ على فساد الباطن وخُلُوِّه من الإيمان، ونقصه دليلُ نقصه، وقوّته دليل قوّته] (1 ). 2 – إن أعمال القلوب منها قدر واجب، ومنها قدر مستحب، كما أن أعمال الجوارح منها ما هو واجب، ومنها ما هو مستحب، ولا شك أن الواجب مقدم على المستحب سواء كان من أعمال القلوب أو أعمال الجوارح. فمن أعمال الجوارح ما تركه كفر كالصلاة، ومنها ما لا يكون صلاح الأمة إلا به كالجهاد في سبيل الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى سبيل الله جل وعلا وتربية الناس وتعليمهم وغيرها. يقول ابن القيم رحمه الله تعالى مبيناً أقسام أعمال القلوب، وأعمال الجوارح، وأفضلية أعمال القلوب في كل قسم: [... وغير ذلك من أعمال القلوب التي فرضها أفرض من أعمال الجوارح، ومستحبها أحب إلى الله من مستحبها، وعمل الجوارح بدونها إما عديمة أو قليلة المنفعة] ( 2). 3 – إن أعمال القلوب وقيام القلب بها والسعي لتكميلها ليس أمراً مستحيلاً أو أمراً يصعب تحقيقه؛ لأن الله جل وعلا من رحمته بعباده لا يأمرهم ويوجب عليهم ما لا يطيقون. قال تعالى: {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا}. ولكنها تحتاج إلى تربية ذاتية وجهاد نفس، وقد قال جل وعلا: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}. 4 – عدم اليأس من روح الله في تحقيق أعمال القلوب؛ خاصة إذا كان في القلب أمراض وآفات ، ويتبين ذلك خاصة عند الحديث عن الإخلاص والصدق مع الله والحذر مما يضادهما، حينها قد تجد من النفس انقباض ونوع يأسٍ من تحقيقها في القلب، ولكن هذا في الحقيقة من وسوسة الشيطان وتخذيله أعاذنا الله منه. 5 – الحذر من اتهام الناس بضعف أعمال قلوبهم، أو الحكم على نياتهم وسرائرهم، فما في القلوب لا يعلمه إلا علام الغيوب. وبالمثال يتضح المقال: المثال الأول: قد يكون لشخص أو مجموعة مشروعاً دعوياً أو تربوياً أو علمياً، ولكن مع مرور الوقت كانت نتائج المشروع ضعيفة، حينهما قد يحكم بعض الناس عليهم بفساد نياتهم وسرائرهم أو ضعف أعمال قلوبهم. ومما يبين خطأ هذا الحكم قصة نوح عليه الصلاة والسلام الذي كان من أولي العزم من الرسل؛ فقد كانت زوجته وأحد أولاده كافرين؛ فليس لقائل أن يقول: أين تربيته لولده وزوجته؟! كما أن نتاج دعوته عليه الصلاة والسلام: {وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ}. فلا يمكن لقائل أن يقول: أهذا نتاج دعوة {أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا}؟! وفي الحديث: "عرضت علي الأمم فرأيتُ النبي ومعه الرهط، والنبي ومعه الرجل والرجلان، والنبي وليس معه أحد"( 3). وفي هذا السياق كم من العلماء الأجلاء في هذه الأمة – وقد شهد لهم بالعلم والفضل – أفنوا جلّ سني أعمارهم في العلم والتعليم، والكتابة والتأليف؛ فمنهم مَن كان له مذهب في الفقه متبع، اندثر مذهبه وعفى أثره، ومنهم من كانت له كتب ومؤلفات فقدت ولم يوجد لها أثر، أو وجد بعض أجزائها. فليس لطاعن أن يطعن في سرائرهم، أو أن يتهم نياتهم؛ فلا يعلم بالنيات إلا رب البريات. المثال الثاني: قد يقع شخص في بعض المخالفات الشرعية والمعاصي الظاهرة، ولكن ليس لأحد أن يتهمه في باطنه، وليس هذا تعليلاً أو إعذاراً للعاصي، ولكن تحذيراً من اتهام النيات والسرائر. فقد يكون في قلب من عليه مخالفات شرعية من محبة الله ورسوله ما لا يعلمه إلا الله، ففي الحديث عن عمر بن الخطاب أن رجلاً كان على عهد النبي كان اسمه عبد الله وكان يلقب حماراً، وكان يضحك النبي صلى الله عليه وسلم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد جلده في الشراب، فأتي به يوماً فأمر به فجلد، فقال رجل من القوم: اللهم العنه، ما أكثر ما يؤتى به؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تعلنوه، فوالله ما علمت أنه يحب الله ورسوله"( 4). قال ابن حجر رحمه الله تعالى: [وفيه أن لا ينافي بين ارتكاب النهي وثبوت محبة الله ورسوله في قلب المرتكب لأنه صلى الله عليه وسلم أخبر بأن المذكور يحب الله ورسوله مع وجود ما صدر منه، وأن من تكررت منه المعصية لا تنزع منه محبة الله ورسوله"( 5). وقد يكون لمن عليه مخالفات شرعية خبئة حسنة أو عمل صالح قد يكون سبباً في تكفير سيائت. ففي الحديث عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يُصاح برجل من أمتي يوم القيامة على رؤوس الخلائق، فينثر عليه تسع وتسعون سجلاً، كل سجل منها مدَّ البصر، فيقال: هل تنكر من هذا شيئاً؟ فيقول: لا يا رب، فيقول: لا ظلم عليك، فتخرج له بطاقة قدر الكف، فيها شهادة أن لا إله إلا الله، فيقول: أين تقع هذه البطاقة من هذه السجلات؟ فتوضع هذه البطاقة في كفة، والسجلات في كفة، فثقلت البطاقة وطاشت السجلات"( 6). قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى عن هذا الحديث: [فهذه حال من قالها بإخلاص وصدق، كما قالها هذا الشخص، وإلا فأهل الكبائر الذين دخلوا النار كلهم يقولون: لا إله إلا الله، ولم يترجح قولهم على سيئاتهم، كما ترجح قول صاحب البطاقة] ( 7). وفي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بينما كلب يُطيف بركية كاد يقتله العطش إذ رأته بغي من بغايا بني إسرائيل، فنزعت موقها فسقته، فغُفر لها به"(8 ). يقول شيخ الإسلام ابن تيمية عن هذا الحديث: [فهذه سقت الكلب بإيمان خالص كان في قلبها فغفر لها، وإلا فليس كل بغي سقت كلباً يُغفر لها، وكذلك هذا الذي نحّى غصن الشوك عن الطريق، فعله إذ ذاك بإيمان خالص، وإخلاص قائم بقلبه، فغفر له بذلك] ( 9). = يتبع --------- (1 ) الفوائد، ص (124)، طبعة دار عالم الفوائد. ( 2) مدارج السالكين (1/206). ( 3) البخاري ( 4) رواه البخاري (6780). ( 5) فتح الباري (12/78). ( 6) رواه الإمام أحمد (213/2) قال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح، والترمذي (2639). ( 7) منهاج السنة (6/218). ( 8) رواه البخاري (3467). ( 9) منهاج السنة (6/221).
__________________
|
#4
|
||||
|
||||
![]() أعمال القلوب واثرها في حياة المؤمن والمربي (4) أسباب القيام بأعمال القلوب عبد الله العنزي من أسباب القيام بأعمال القلوب 1 – كثرة الدعاء والتضرع إلى الله، وإظهار الفاقة والافتقار إليه جل وعلا باستصلاح القلوب. ويكون ذلك: أ – بدعائه جل وعلا بتطهير القلب من أمراضه، ومن أدران الذنوب والمعاصي والشهوات والشبهات. ب – بدعائه جل وعلا بملء القلب إيماناً وتقوى وسائر أعمال القلوب التي يحبها الله ويرضاها. فدعاء الله تبارك وتعالى من أهم وأعظم أسباب استصلاح القلوب؛ إذ هو رب القلوب ومالكها ومقلبها ومصرفها، فلا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع ولا ينفع ذا الجد منه الجد. قال تعالى: {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ}... النعم الدينية والدنيوية والحسية والمعنوية، الظاهرة والباطنة، كلها بيد الله جل وعلا. وقال جل شأنه: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [فاطر:2]. وفي الحديث القدسي "يا عباد كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم"(1) ويقول مطرف بن عبد الله بن السفير رحمه الله تعالى: [تذاكرت ما جماع الخير، فإذا الخير كثير الصيام والصلاة، وإذا هو في يد الله عز وجل، وإذا أنت لا تقدر على ما في يد الله إذا أن تسأله فيعطيك، فإذاً جماع الخير في الدعاء] 2 – ينبغي للمربي الصادق الذي يريد أن يصل إلى مرتبة الربانية أن يتعلم (علم أعمال القلوب)؛ إذ هو من أجَلِّ العلوم لأنه من العلم بالله جل وعلا. وأن يتعلم كذلك (أمراض القلوب) ومداخلها وكيفية علاجها. ومما يساعد على تعلم هذا العلم عدة نقاط، منها: أ – الإكثار من الدروس والمحاضرات التي تُعنى بأعمال القلوب حضوراً وسماعاً. ب – الإكثار من قراءة الكتب والكتيبات والمقالات والنشرات التي تُعنى بأعمال القلوب؛ ومن ذلك كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وابن رجب وغيرهم من السلف والخلف. جـ - عقد دورات وندوات في كيفية تعلم هذا العلم وتعليمه. فكما أن هناك دورات تدريبية وندوات تعليمية لتعلم بعض العلوم وإتقانها؛ فلا شك أن هذا العلم لا يقل أهمية عن غيره من العلوم الشرعية، إن لم يكن الناس أحوج إليه من غيره من العلوم. د – أن توضح مناهج ومقررات دراسية في (علم أعمال القلوب) على منهاج أهل السنة والجماعة في المدارس الحكومية، والحلقات والمعاهد والجامعات. وأن يشاد بهذا العلم، ويبين أهميته ومكانته في الدين؛ ليزول اللبس عند كثير من الناس سواءً طلاب أو دارسين أو غيرهم في ظنهم أن أعمال القلوب من فضائل الأعمال، وليست من الواجبات، حينها يرجع هذا العلم إلى مكانته الحقيقية اللائقة به في منظومة علوم الشريعة الإسلامية، كما كانت عند السلف الصالح رحمهم الله. 3 – ينبغي للمربي أن يكون حَذِراً حَذَراً تاماً من أمراض القلوب، فلا يهمل قلبه بل يراقبه مراقبة دائمة لئلا يتسلل إليه من حيث لا يشعر؛ فإن هذا كان دأب السلف الصالح من الصحابة والتابعين. قال عبد الله بن أبي مُليكة: [أدركت ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم يخاف النفاق على نفسه] (2 ). وإن وَجَدَ المربي – لا قدر الله – آفة في قلبه فعليه أن يبادر بعلاجها لئلا تتجذر في قلبه فيطول علاجها أو تصبح مرضاً مزمناً يصعب دواؤه نسأل الله العفو والعافية. فأمراض القلوب ومعاصي الجوارح مما تضاد أعمال القلوب، فهي إما أن تغلب أعمال القلوب فتعطل عملها وأثرها على القلب، وإما أن تزاحمها فتضعف عملها وأثرها؛ وذلك حسب قوة مرض القلب أو ضعفه. فتنقية القلب وتطهيره من أمراضه من الواجبات؛ كي يكون القلب مهيأً للقيام بالعبادات القلبية دون كدر أو تنغيص. ولأهمية هذه النقطة سوف أفرد لها عنواناً خاصاً بإذن الله. 4 – تربية الناشئة من ذكور وإناث على أعمال القلوب كما يربون على أعمال الجوارح، ومتابعتهم في ذلك عند صغرهم وحال كبرهم؛ لينشأ عليها الصغير ويهرم عليها الكبير. فمثلاً يعلم الصغير أن الإخلاص لله جل وعلا شرط في قبول الأعمال، وأن العمل الذي لا إخلاص فيه لا يقبله الله. كما يعلم أن جميع العبادات لا بد أن يكون لها أركان ثلاثة، هي: المحبة والخوف والرجاء. فأي عبادة لا بد أن تتوفر فيها هذه الأركان، وأن يكون المحرك للقيام بهذه العبادات محبة لله وخوفاً منه ورجاء لما عنده. وكذلك عندما يعلم الصغير كيفية الصلاة ووجوب المحافظة عليها، كذلك يعلم كيفية الخشوع وأسبابه، ويعلم أن ليس له من صلاته إلا ما خشع فيها. وعندما يعلم الصغير كيف يقرأ القرآن ويحفظه، يعلم وجوب الإخلاص في ذلك، كما يعلم كيف فضل تلاوة القرآن وحفظه والخشوع في القراءة وتدبر الآيات. وهكذا في سائر العبادات البدنية يعلم الصغير ويربى على ما يرتبط ويتعلق بها من عبادات قلبية. 5 – مصاحبة أهل التقى والفضل؛ الذين رؤيتهم ومجالستهم تذكر بالله جل وعلا. روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: (لولا ثلاث لما أحببت البقاء: لولا أن أحمل على جياد الخيل في سبيل الله، ومكابدة الليل، ومجالسة أقوام ينتقون أطايب الكلام كما ينتقى أطايب الثمر) 6 – قراءة سير الصالحين وأولياء الله المتقين؛ للتعرف على أحوالهم وأقوالهم وأعمالهم، والاقتداء بآثارهم. فيرى المربي في مجالسة أهل الفضل والتقى، وقراءة سير الصالحين تطبيقاً عملياً لما تعلمه من أعمال القلوب؟ فيرق قلبه وتصفو نفسه وتعلو همته، فيجد لذلك أثراً على سلوكه وأحواله. (يتبع ) ------------------- (1) رواه مسلم (2577). (2) رواه البخاري في تاريخه (5/137) وسنده حسن.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |