|
ملتقى أعلام وشخصيات ملتقى يختص بعرض السير التاريخية للشخصيات الاسلامية والعربية والعالمية من مفكرين وأدباء وسياسيين بارزين |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() ابن الباقلاني المالكي صاحب الحجة الباهرة زيد الشريف بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاةُ والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا. لا يزالُ الصراعُ مُحتدِمًا بين الديانات ولم يَخْمُد، وإن كثرت دعاوى التعايُش والحوار؛ بسبب ما تدفع إليه عقائدُ الانحراف والضلال من البغي والتسلُّط على أهل الحق. واستمرَّ هذا التدافع بين الأمم وأنبيائهم عليهم السلام في كل العصور، كلٌّ يدافع عن مذهبه بما أوتي من الحجة والبرهان - وإن بُنيت حججُ أهلِ الباطل على تغيير الحق وإسفافِه. ومن هذا التدافع ما حصل ويحصل بين عقيدة الإسلام - الدين الحق - وبين النصرانية الدين المُحرَّف المنسوخ، بحيث نجد المسلمين استطاعوا بحجتهم الباهرة، واستمدادهم نورَ الحق من الإسلام والقرآن - أن ينتصروا لعقيدتِهم على العقيدة النصرانية المحرَّفة، فكانت قوةُ المسلمين من قوة الحق الذي يدافعون عنه. وهكذا حدثتْ مناظراتٌ على مرِّ التاريخ بين علماء مسلمين وآخرين نصارى؛ وكمثال على ذلك: العالم المالكي أبو بكرٍ محمدُ بنُ الطيِّبِ بنِ محمدٍ القاضي المعروفُ بابنِ الباقلاَّني تـ: 403 هـ، المُلقَّب بـ:"شيخ السُّنَّة ولسان الأمة"، وقد سُمِّي رحمه الله تعالى بلسان الأمة؛ لأنه كان يناظر كلَّ المذاهب المخالفة للملة الإسلامية وينتصر عليها، وله عدَّة مُؤلَّفات، منها: التمهيدُ، شرحُ اللُّمَع، الإبانةُ عن إبطال مذهب أهل الكفر والضلالة. وقد كانت من مناظراته تلك مناظرتُه للنصارى، وقد ذكرها القاضي عياض في كتابه: "ترتيب المدارك"ج2ص: 209، وذلك لما أرسله عَضُدُ الدولة في بعض سفاراته إلى ملك الروم ليُناظِرَ النصارى، ويُظهِرَ رفعةَ الإسلام، فذهب وطُلب منه ألا يدخل على الملك بالعمائم، وأن تنزع إلا إذا كانت مناديل لطاف، فرفض هذه الإهانة وأصر على أن يَدخل بزيِّه الذي جاء به، معتزًّا في ذلك بدينه غير خاضع، فسُئل عن السبب فأجاب بأنه رجل من علماء المسلمين، وهذا الذي تريدونه ذلٌّ وصَغارٌ، والله تعالى قد رفعنا بالإسلام، وأعزنا بنبينا محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وأجابهم أيضًا بأن من شأن الملوك إذا بعثوا رسلَهم إلى ملك آخر رفعَ أقدارهم لا إذلالَهم، سيما إذا كان الرسولُ من أهل العلم، ووضعُ قدره انهدامُ جانبه عند الله تعالى وعند المسلمين، فلما تُرجِمَ للمَلِك هذا تركهم يدخلون كما شاؤوا. ودخل الباقلاَّني على الملك، ودارتِ المناظرة حول ثلاثة مواضيع، أولها: حول معجزة انشقاق القمر للنبي صلى الله عليه وسلم، وقد أصدر الملك شبهةً حول الموضوع تتعلَّقُ بعدم رؤية كل الناس لهذه المعجزة؟ والشبهة الثانية: أصدرها أحدُ القساوسة؛ وهي من جانب رواة هذا الخبر، ففي نظره لا يَرقون لحدِّ التواتر. وقد كان لسان الأمَّة لهاتين الشبهتين بالمرصاد، أما جوابُه حول الشبهة الأولى فكان بإلزام الخصم بما يعتقده من المعتقدات، لا من خارج اعتقاده، وذلك لما قال للملك: فهذه المائدة بينكم وبينها نسبة، وأنتم رأيتموها دون اليهودِ، والمجوس والبراهمة، وأهل الإلحاد وخاصة اليونان جيرانكم، فإنهم كلهم مُنكِرون لهذا الشأن، وأنتم رأيتموها دون غيرِكم، فتحيَّر الملك وقال بكلامه: سبحان الله. ورد على القسيس بالمسلكِ الذي ردَّ به على الملك، فلو كان نزولُ المائدة صحيحًا لوجب أن ينقله العددُ الكثير، فلا يبقى يهوديٌّ ولا نصراني ولا ثَنَويٌّ إلا ويعلم هذه الضرورة، ولما لم يعلموا ذلك بالضرورة دلَّ على أن الخبر كذب؛ فبهت النصراني والملك، ومَن ضمَّه المجلس، وانفضَّ المجلس على هذا. أما الموضوع الثاني الذي تناقش فيه ابن الطيِّب الباقلاَّني مع الملك فهو حول معتقد المسلمين في المسيح عليه السلام؛ إذ بيَّن لهم عقيدة الإسلام في المسيح، وأنه روح الله وكلمته، ونبيٌّ مَثَلُه كمَثَل آدم عليه السلام، فاستنكر الملك ذلك، واعترض عليه بأن العبدَ لا يمكن له أن يحيي الموتى، ويشفي الأبرصَ والأكمه؛ بدعوى أن هذه من صفات الإله، لكن حجَّة الباقلاَّني استطاعت أن تُفحِمَه من باب أن ما أجري على يد الأنبياء من المعجزات نصرةٌ من الله لأنبيائه على أقوامهم الذين لم يؤمنوا بهم، وجحدوا ما جاؤوا به من الحق. وزيادة من الباقلاني في إفحام الخصم أضافَ حجَّة عقليَّة تلزم الملك الإقرارَ بما لا يعتقدُ، وهو ما يعرف في علم المناظرة بإلزام الخصم نقيضَ ما يذهبُ إليه من نفس دليله؛ وهو قوله: لو أننا سلمنا بأن المسيح عليه السلام يحيي الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص من ذاته - لجاز أن يقال: موسى فلق البحر، وأخرج يده بيضاء من غير سوء من ذاته، وليست معجزات الأنبياء عليهم السلام من ذاتهم وأفعالهم دون إرادة الخالق، فلما لم يَجُزْ هذا، لم يَجُزْ أن تسندَ المعجزات التي ظهرت على يد المسيح إليه. وقد زعَم الملكُ بعد هذا أن الأنبياء كلَّهم يتضرَّعون للمسيح عليه السلام؛ محاولاً بذلك ردَّ الاعتبار لعقيدته. لكن الباقلاَّني سار على نفس المنهج في الرد، فأجابه بأن ما زعمَه الملك يمكن لكلِّ صاحب دين أن يَدَّعِيَه، ولا يمنعه أحد، وليس مقتصرًا فقط على النصارى وحدَهم، أليس في لِسَان اليهود عظم، لا يقدرون به أن يقولوا: إن المسيح كان يتضرع إلى موسى؟ وكل صاحب نبي يقول: إن المسيح كان يتضرع إلى نبيِّه؟ فلا فرق بين الموضعين في الدعوى. وأما الموضوع الثالث الذي دارت حوله المناظرة: لما سألهم الباقلاَّني عن اتِّحاد اللاهوت بالناسوت؟ فأجابوا بأنه فعَلَ ذلك لتخليص البشرية من الهلاك. فردَّ عليهم بأن هذا الجواب يلزم منه أمران اثنان، وكلاهما مرفوضٌ، وغير مقبول عقلاً؛ الأمر الأول: إن كان المسيحُ لا يدري ما أراد اليهود به بطَلَ أن يكون إلهًا، وإذا بطَل أن يكون إلهًا بطل أن يكون ابنًا. والأمر الثاني: إن كان يدري بما يفعلُه به اليهود، فليس بحكيمٍ؛ لأن الحكمة تمنع من التعرُّض للبلاء. وهكذا استطاع لسانُ الأمةِ أبو بكر أن ينتصرَ لعقيدة الإسلام، حتى خاف منه النصارى، وأشاروا على الملك أن يُخرِجَه في أقرب وقت؛ حتى لا يُفسِد عليهم دينَهم بعد أن حَمَّلوه بالهدايا والمتاع.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |