|
ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() كتب الحديث والرواية عند الشيعة الإمامية الاثنى عشرية أحمد محمد سرحان يزعم الشِّيعة أنَّ عندهم علمًا مستقلاًّ بذاته، يُسمونه علمَ الحديث والرِّواية، وأن لهم مصنفاتٍ على غرار مُصنفات أهلِ السنة، تَجْمَعُ المرويَّات عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم والأئمة من أهل البيت، وأنَّهم قد اعتَنَوْا بنقل تلك المرويات وتحقيق شرائط قَبُولِها، بما يضمن صدورها عن قائليها، وبما يؤكد قداسة النَّصِّ وصلاحيته للاحتكام إليه في أصول الدين وفروعه؛ لكنَّهم في واقع الأمر لم يعتنوا أيَّ اعتناء بتلك المرويات، ولم يعتنوا بطُرُق النقل التي نقلوا بها عقائدهم وفقههم وتاريخهم الذي دوَّنُوه في تلك الدواوين؛ بل نقلوا عمَّن فَسَدَ دينُه، وبَطَلَت نِحلته، وقد اعتمدوا كثيرًا على الكذَّابين والملعونين على ألسنة أئمتهم. وكذبوا على الأئمة كذبًا كثيرًا في حياتهم، وكَشَفَه بعض الأئمة كما ذكرت ذلك كُتُبُهم الموثوقة عندهم، فلم يتحرَّوا في الرواية عن أهل الصدق والحفظ والأمانة في النقل لما رَوَوْه؛ بل الحق أنهم يقبلون أيَّ رواية تؤيد مذهبهم وعقيدتهم، حتَّى لو جاءت من طريق الكذابين والوضَّاعين، ويدفعون ويردون أيَّ رواية تخالف عقيدتهم، حتى لو كانت في كتبهم، ورواها أئمَّة أهل البيت أنفسهم، فالحق إذًا ما وافق مذهبهم والباطل ما خالفه. وقد التزمْتُ في هذا المقال أقوالَ وتعريفاتِ أئمة الشِّيعة وعلمائهم؛ لأُبيِّن أنهم لا يصدرون في شأن تلك الكتب مصدرًا واحدًا؛ بل اختلفوا فيها، وفي إثبات نسبتها إلى مُصنِّفيها، وفي صِحَّة ما فيها وضعفه، متقيِّدًا بنقدهم لها؛ لأنَّ في ذلك آيةً لمنصفي الشيعة، على أن مذهبهم هذا مذهب مُلفَّق، وأن الرِّوايات التي يتعبدون بها إنَّما هي محض كذب في أكثرها، فلا يصح أن ينبني عليها حكم، ولا يُمكن أن يقوم عليها دين. 1- معنى الحديث والسنة عند الشيعة الاثني عشرية: يعرِّف علماءُ الإماميَّة الحديث بأنه: "كلامٌ يَحكي قولَ المعصوم أو فعله أو تقريره، وبهذا ينقسم إلى صحيح وما يُقابله، وبهذا عُلم أنَّ ما لا ينتهي إلى المعصوم فليس بحديث"[1]، ويُعرف كذلك بالسُّنَّة. قال شيخهم محمد رضا المظفر في تعريف السنة: "السُّنَّة في اصطلاح الفقهاء: قول النَّبي أو فعله أو تقريره"، ثم قال: "أمَّا فقهاء الإمامية بالخصوص - فلِمَا ثبت لديهم أن المعصوم من آل البيت يجري قولُه مَجرى قول النبي، من كونه حُجَّةً على العباد واجب الاتِّباع - فقد توسَّعوا في اصطلاح السنة إلى ما يشمل قولَ كُلِّ واحدٍ من المعصومينَ أو فِعْلِهِ أو تَقْرِيرِهِ. فكانت السنةُ في اصطِلاحِهِمْ: قولَ المعصومِ أو فعلَه أو تقريرَه، والسرُّ في ذلكَ أن الأئمةَ من آلِ البيتِ عليهم السلام ليسوا هم من قبيل الرُّواةِ عن النبيِّ والمحدثِينَ عنه؛ ليكون قولهم حجة من جهة أنهم ثقات في الرواية، بل لأنَّهم هم المنصوبون من الله تعالى على لسان النَّبي لتبليغ الأحكام الواقعيَّة، فلا يَحكون إلاَّ عن الأحكام الواقعية عند الله تعالى كما هي، وذلك من طريق الإلهام، كالنَّبي من طريق الوحي أو من طريق التلقِّي من المعصوم قبله؛ كما قال مولانا أميرُ المؤمنين رضي الله عنه: علمني رسولُ الله ألفَ باب من العلم، ينفتح لي من كُلِّ باب ألفُ باب"[2]. يقول محمد تقي الحكيم: "والحق عند الشيعة الإمامية أنَّ كل ما يصدر عن الأئمة الاثني عشر من قول أو فعل أو تقرير يُعرفُ بالسُّنة الشَّريفة"[3]، فالحديثُ عند الشيعة: كلُّ ما نقل عن النبي أو عن أحد المعصومين، وليس خاصًّا بالنبي صلَّى الله عليه وسلَّم وحدَه فقط، ويُعَمم اللَّفظ على تعريفهم السنة أيضًا. أ) المعصومون عند الشيعة: والمعصومون عند الشيعة الذين يأخذون منهم الأحكام، ويُجرون حديثهم وكلامهم مجرى حديث النبي صلَّى الله عليه وسلَّم ويعتبرون قولهم حُجَّة: هم الأئمة الأربعةَ عشرَ، بدءًا بالنَّبي محمد صلَّى الله عليه وسلَّم مُرورًا بالسيِّدة فاطمة الزَّهراء ابنته، وانتهاءً بالمنتظر الحجة الغائب - الذي نعتقدُ نحن أهل السنة أنه خرافة لم يُخلق أصلاً - فهؤلاء هم الذين تؤخذ منهم الأحكامُ، وتعرض على أقوالهم المسائل، وتعتبر أقوالهم وأعمالهم حُجَّة عند الشِّيعة، وإذا انتهى الإسناد إلى واحد منهم، فقوله ملزم لهم، ولا يُسمَّى الكلامُ حديثًا إلاَّ بإسناده لواحد من هؤلاء. ب) علم الأئمة: وعلم الأئمة - في اعتقادهم - فوق كُلِّ علم، ولا يحجب عنهم شيء، وعلمهم فوق علوم كل الأنبياء، ما عدا مُحمدًا - صلَّى الله عليه وآله وسلَّم، حسب مرويَّاتهم - وفوق علوم كل الملائكة بلا استثناء. بوَّب المجلسي بابًا في "بحار الأنوار"، بعنوان: "إنَّه لا يحجب عنهم شيء من أحوال شيعتهم، وما تحتاج إليه الأُمَّة من جميع العُلُوم، وإنَّهم يعلمون ما يُصيبهم من البلايا، ويصبرون عليها، ولو دَعَوُا الله في دفعها لأُجيبوا، وأنَّهم يعلمون ما في الضَّمائر وعلم المنايا والبلايا وفصل الخطاب والمواليد"[4]، ويروُون في ذلك مَرْوِيَّاتٍ كثيرةً جدًّا، دخولها في باب الخرافات والأساطير أَوْلَى. ج) حجية قول الإمام: وقولُ الإمام عندهم حُجَّة لا يردُّه شيء، بل في اعتقادهم: "أنَّ الإمامة منصب إلهي كالنُّبوة، فكما أنَّ الله يختارُ للإمامة مَن يشاء؛ فإنَّه يأمُرُ نبيَّه بالنَّصِّ عليه، وأن ينصبه إمامًا للناس من بعده"[5]. أخرج ثِقَتُهُم في الحديث محمد بن يعقوب الكليني عن أبي عبدالله - عليه السلام - قال: "ما جاء به عليٌّ - عليه السلام - آخُذُ به، وما نَهَى عنه أنتهي عنه"[6]. ويقول المازندراني شارح الكافي: "يجوز مَن سمع حديثًا عن أبي عبدالله - رضي الله عنه - أن يروِيَه عن أبيه أو عن أحدٍ من أجداده؛ بل يجوزُ أن يقول: قال الله تعالى"[7]؛ هكذا بلا إسناد ولا بأس. ولا يعتقدون بوجود فارق بين النَّبي والإمام، ولولا أنَّهم يعتقدون أنَّ محمدًا صلَّى الله عليه وسلَّم لا نَبِيَّ بعده، لقالوا بنُبُوة الأئمة؛ بل وصفوهم بصفات لا يتَّصف بها إلاَّ ربُّ الأرض والسَّموات - سبحانه وتعالى - كما قال المجلسي: "ولا نعرف وجهًا لعدم اتِّصافهم بالنُّبُوة إلا رعاية خاتم الأنبياء، ولا يصل لعقولنا فرق بين النبوة والإمامة"[8]. د) عصمة الأئمة: يقول أحدُ علمائهم: "إنَّ الاعتقاد بعصمة الأئمة جَعَلَ الأحاديثَ التي تصدر عنهم صحيحة، دون أن يشترطوا إيصالَ سندها إلى النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم كما هو الحال عند أهل السُّنة"[9]. ويصفُ محمد رضا المظفر ذلك بأنَّه: "استمرار للنُّبوة"[10]؛ لذلك فإنَّ معظم الأخبار والأحاديث عندهم تنتهي أسانيدُها لأئمَّتهم، وليس للنَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم وغالب عقائد الشِّيعة الإمامية مأخوذة من أخبار منسوبة للأئمة؛ وذلك لأنَّهم ردُّوا مرويَّات الصحابة جميعًا؛ إلاَّ نفرًا قليلاً لا يجاوزون ثمانية في حال من الأحوال، فانقطع الطريق بينهم وبين النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وتخبَّطوا من أين يأخذون مسائلَ الدين، فخالفوا الأُمَّة، وزعموا اتِّباعهم للأئمة، فاختلقوا الأخبار على ألسنتهم، فكَثُر الكذب عليهم ممن ادَّعوا التشيُّع لهم زاعمين رَفْع مذهبهم، وهم إنَّما يطعنون فيهم من حيثُ لا يعلمون، ومن أعظم من ابتُليَ بالكذب على لسانه هو أبو عبدالله جعفر الصَّادق بن محمد الباقر؛ فقد جعلوه - كما شبَّهه بعضُ أجلَّة مشايخنا، حفظهم الله - كاللاَّفتة المضيئة في المدينة، مَن أراد وَضْع إعلان؛ ليراه الناس، وضعه عليها، وهو مِمَّا نسبوه إليه بَرَاءٌ، وأمَّا عصمة الأئمة التي يدَّعونها، فإنَّ الأئمة قد نَفَوْها عن أنفسهم في كُتُب الشِّيعة التي نسبوها لهم؛ ولكنَّ الشيعة يغضُّون الطَّرف عن مثل تلك الروايات بالرغم من شهرتها. هـ) كذب الشيعة على أئمتهم: اشتكى الفيضُ بن المختار إلى أبي عبدالله قال: "جعلني الله فداك، ما هذا الاختلاف الذي بين شيعتكم؟ فقال: وأيُّ اختلاف؟ فقال: إني لأجلس في حَلَقِهم بالكوفة، فأكاد أشك في اختلافهم في حديثهم، فقال أبو عبدالله: أَجَل، هو ما ذكرت؛ إن النَّاس أولعوا بالكذب علينا، وإنِّي لأحدث أحدَهم بالحديث، فلا يخرج من عندي حتَّى يتأوَّلُوه على غير تأويله، وذلك أنهم لا يطلبون بحديثنا وحُبِّنا ما عند الله، وإنَّما يطلبون الدُّنيا، وكلٌّ يحب أن يُدعى رأسًا"[11]. روى المجلسي في "البحار": "عن ابن سنان، قال: قال أبو عبدالله: إنَّا أهلُ بيت صادقون، لا نخلو من كذَّاب يكذب علينا، فيسقط صدقُنا بكذبه علينا عند النَّاس، كان رسول الله - صلَّى الله عليه وآله وسلم - أصدقَ البريَّة لهجة، وكان مسيلمة يكذب عليه، وكان أمير المؤمنين أصدق من برأ الله من بعد رسولِ الله، وكان الذي يكذب عليه من الكَذَبَةِ عبدالله بن سبأ - لعنه الله - وكان أبو عبدالله الحسين بن علي قد ابْتُلِيَ بالمختار، ثُمَّ ذكر أبا عبدالله الحارث الشامي وبنان كانا يكذبان على علي بن الحسين، ثم ذكر المغيرة بن سعيد وبزيعا والسري، وأبا الخطاب ومعمر بن خثيم وبشار الأشعري، وحمزة اليزيدي وصائد النهدي، فقال: لعنهم الله، إنَّا لا نخلو من كَذَّاب يكذب علينا أو عاجز الرأي، كفانا الله مؤنة كُلِّ كذاب، وأذاقهم الله حَرَّ الحديد"[12]. قال الوحيد البهبهاني[13]: "ولكن نعلم يقينًا أنَّه كثيرًا ما كانوا يكذبون على الأئمة - عليهم السلام - ووصل إلينا بالأخبار المُتواترة، بل ورد الحديثُ الصحيح: أنَّ المغيرة بن سعيد كان يَدُسُّ في كُتُب أصحاب الأئمة - عليهم السلام - أحاديث لم يحدثوا بها، وكذا أبو الخطاب، وورد في الاحتجاج: أنَّ من أسباب اختلاف الأحاديث عن أهل البيت الكذب والافتراء عليهم"[14]. 2- كتب الحديث عند الشيعة: إن الكتب الرئيسة التي تُعَدُّ مصادرَ الأخبار عند الاثني عشرية هي ثمانية، يسمونها: "الجوامع الثمانية"، ويقولون: إنَّها المصادر المهمة للأحاديث المرويَّة عن الأئمة؛ قال عالمهم المعاصر محمد صالح الحائري: "وأمَّا صحاح الإمامية، فهي ثمانية: أربعة منها للمحمَّدِين الثلاثة الأوائل، وثلاثة بعدها للمحمَّدِين الثلاثة الأواخر، وثامنها لحسين النوري"[15]. أوَّل هذه المصادر وأصحُّها عندهم: "الكافي"، لمحمد بن يعقوب الكليني، الذي زعموا أنَّه لما ألَّفه في عصر الغيبة الصُّغرى، عَرَضَه على الإمام الغائب في السرداب، فقال: "هذا كافٍ لشيعتنا"[16]، وقد أكثروا من الثَّناء عليه، وهو عمدة كتب مذهبهم. ثم كتاب: "من لا يحضره الفقيه"، لشيخهم المشهور عندهم بالصَّدُوق محمد بن بابويه القمي (ت: 381هـ). و"الاستبصار"، و"تهذيب الأحكام"، كلاهما لشيخهم المعروف بـ"شيخ الطائفة" محمد بن الحسن الطوسي (ت: 360هـ)، قال شيخهم الفيض الكاشاني (ت: 1091هـ): "إنَّ مدارَ الأحكام الشرعيَّة اليوم على هذه الأصول الأربعة، وهي المشهود عليها بالصِّحَّة من مُؤلفيها"[17]، وقالوا: "الكتب الأربعة والمجاميع الحديثيَّة التي عليها استنباطُ الأحكام الشرعية حتَّى اليوم"[18]. هذه هي المصادر الأربعة المتقدمة عندهم، وهذه الكتب الأربعة عندهم مُتواترة في مجموعها. يقول الحر العاملي: "قد عرفت أنَّ أكثرها متواترٌ لا نزاع فيه، وأقلها - على تقدير عدم ثبوت تواتره - فهو خبرٌ محفوف بالقرينة القطعيَّة، ومعلوم قطعًا بالتتبع والتَّواتُر أن تواترَ تلك الكتب السابقة وشهرتها أعظمُ وأوضحُ من تواتر كتب المتأخرين"[19]. ثم ألَّفوا في القرن الحادي عشر وما بعده مجموعةً من المُدَوَّنات، ارتضى المعاصرون منها أربعة، سَمَّوْها بالمجاميع الأربعة المتأخرة، وهي: • "الوافي"، لملا محسن الفيض الكاشاني (ت: 1091هـ). • و"بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار"، لباقر علوم أئمتهم محمد باقر المجلسي (ت: 1111هـ). • و"وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة"، تأليف: محمد بن الحسن الحر العاملي (ت: 1104هـ). هو أجمع كتاب لأحاديث الأحكام عندهم، جَمَعَ فيه مؤلِّفُه رواياتهم عن الأئمة من كتبهم الأربعة، التي عليها المدار في جميع الأعصار - كما يقولون - وزاد عليها رواياتٍ أخذها من كتب الأصحاب المعتبرة تزيد على سبعين كتابًا، كما ذكر صاحبُ "الذَّريعة"، ولكن ذكر الشيرازي في "مقدمة الوسائل": أنَّها "تربو على مائة وثمانين"، ولا نسبةَ بين القَوْلين، وقد ذكر الحر العاملي أسماء الكتب التي نقل عنها، فبلغت أكثر من ثمانين كتابًا، وأشار إلى أنَّه رجع إلى كتبٍ غيرها كثيرة، إلاَّ أنه أخذ منها بواسطة من نقل عنها. • و"مستدرك الوسائل"، لحسين النوري الطبرسي، (ت: 1320هـ). يقول الدكتور القفاري: وهذه الكتب والمجاميع الشيعيَّة ليست إلاَّ كلَوْن من ألوان الشكلية الثقافيَّة للدعاية المذهبية المغرم بها الشيعة. • فمثلاً كتاب "الاستبصار" للطوسي، ليس إلاَّ تهذيبًا واختصارًا لكتاب "تهذيب الأحكام"، فلم يأتِ فيه بجديد، ومع ذلك اعتبروه أصلاً مُستقلاًّ. • وكتاب "الوافي" هو جمعٌ لما في الكتب الأربعة من الرِّوايات وترتيبها على الأبواب، فهل يعتبر ذلك أصلاً جديدًا؟[20]. • وأمَّا كتاب "وسائل الشيعة"، فقد جمع أخبارَ الكُتُبِ الأربعة المتقدمة، وزاد عليها رواياتٍ أخذها من كتب الأصحاب المعتبرة تزيد على سبعين كتابًا كما أسلفنا[21]. • وأما كتاب "مستدرك الوسائل"، فكما قال شيخهم محمد مهدي الكاظمي: "أخباره مقصورة على ما في "البحار"، وزَّعها على الأبواب المناسبة للوسائل، كما قابلته حرفًا بحرف"[22]. 3- موضوع كتب الرواية الشيعية: أما موضوع هذه المُدوَّنات، فإنَّ "التهذيب"، و"الاستبصار"، ومن لا يحضره الفقيه، ووسائل الشيعة، و"مستدرك الوسائل" - كلها في الفقه، أما "الكافي"، فإنَّ المجلد الأول والثاني في الأصول، وباقي الكتاب في الفقه، وهو يُسمَّى "فروع الكافي". أمَّا بالنسبة للقسم الباقي من هذه المدونات وهي "أصول الكافي"، و"بحار الأنوار"، فهي تتعلق بمسائل: التوحيد، والعدل، والإمامة... وأكثر ما فيها يدور حول عقائدهم وآرائهم في الإمامة والأئمة الاثني عشر، والنَّص عليهم، وصفاتهم، وأحوالهم، وزيارة قُبُورهم، والحديث عن أعدائهم، وعلى رأسهم صحابة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وكلها تدور في فلك الإمامة والأئمة[23]. 4- الدَّسُّ والزيادة في الكتب الأربعة: لم تخلُ هذه الكتب من دَسٍّ وزيادة، وآيةُ ذلك أنَّ كتاب "تهذيب الأحكام" للطوسي بلغت أحاديثه (13950) ثلاثة عشر ألفًا وتسعمائة وخمسين حديثًا؛ كما ذكر أغا بزرك الطهراني في "الذريعة"[24]، ومحسن العاملي في "أعيان الشيعة"[25]، وغيرهما من شيوخهم المعاصرين، في حين أن الشيخ الطوسي نفسه صرَّح في كتابه "عدَّة الأصول": بأنَّ أحاديث التهذيب وأخباره تزيد على خمسة آلاف؛ ومعنى ذلك: أنَّها لا تصل إلاَّ إلى ستة آلاف في أقصى الأحوال، فما زِيدَ فيها هو أكثر من ضِعْفِها - ما بين الطُّوسي وعصرنا الحاضر - فمن أين أتتِ الزِّيادة؟! إلاَّ أن تكون قد دسَّت عبر هذا التاريخ، وزيدت بأهواء أئمَّة المذهب. واختلفوا أيضًا في كتاب "روضة الكافي" - وهو أحد كتب الكافي التي تضم مجموعة من الأبواب، وكل باب يتضمن عددًا كبيرًا من الأحاديث - هل هو من تأليف الكليني أو زِيدَ فيما بعد على كتابه الكافي؟[26]، فكأنَّ أمْرَ الزيادة شيءٌ طبيعي ووارد في كُلِّ حال؛ بل الأمر أخطر من ذلك؛ فإن شيخهم الثِّقة عندهم حسين بن حيدر الكركي العاملي (ت: 1076هـ) قال: "إنَّ كتاب الكافي خمسون كتابًا بالأسانيد التي فيه لكل حديث مُتَّصل بالأئمة"[27]، ويُعقِّب عبدالرسول الغفاري في كتابه "الكليني والكافي" على هذا الكلام، فيقول: "لا أدري هل هناك سَهْوٌ وقع من قلم النُّساخ فيما أفاده العلاَّمة، من أنَّ عدَّة كتب الكافي خمسون كتابًا أو هناك حقيقة أخرى؟ فإنَّ الطوسي في "الفهرست" ذكر أن عِدَّة كتب الكافي ثلاثون كتابًا"[28]. وإن كان هو لا يدري، فنحن نقطع أنَّ هذه الأبواب العشرين قد زادها قَلَمُ الشِّيعة عَبْرَ تاريخهم الطويل؛ لانقطاعهم عن العلم والنَّص، وعن دين الله الذي حفظه بكتابه وسُنَّة نبيه الصَّحيحة، والحق أن هذا الكتاب لا بُدَّ أن يفقد مصداقيَّته عند المنصفين، وأنَّه لا يستحقُّ الثَّناء الذي لقيه؛ إذ إنَّه بهذه المثابة من التضارُب والاختلاط، فكيف يعتمد على مثل هذا الكتاب، وكيف يُوثَق فيما فيه من أخبار؛ إلاَّ بالتعصب والتعسُّف. يقول شيخهم الطوسي في "الفهرست": "كتاب الكافي مشتمل على ثلاثين كتابًا، أخبرنا بجميع رواياته الشيخ"[29]. وقال مثله ابن شهر آشوب[30]، ومصطفى بن الحسين التفرشي[31]، والسيد علي البروجردي[32]. ونقل الميرزا النوري عن الشيخ حسين البهائي العاملي صاحب كتاب "وصول الأخيار": أنَّ الكليني صنَّف كتابه "الكافي"، وأنَّه يشتمل على ثلاثين كتابًا[33]، وذكر السيد بحر العلوم في "الفوائد الرجاليَّة": أن عدد كتب الكافي اثنان وثلاثون كتابًا[34]، فهذا عدد آخر. فهذا يعني أنَّ كتاب "الكافي" قد زِيدَ فيه على مَدارِ سِتَّة قرون عشرون كتابًا، أو تزيد كتابين، بأبوابها وأحاديثها! وماذا سيفعل عبدالرسول الغفاري أمام هذه الحقيقة الأخرى: أنَّ كتاب "الكافي" قد زيدت فيه هذه الكُتُب على مدار تلك القُرُون؟ هل سيترك مذهب التشيُّع أو سيخبرنا أنَّ الزِّيادة من باب التَّقِيَّة؟ وتَمتدُّ هذه النِّزاعات لأخطر كتب الكافي وهو كتاب "الروضة"، الذي خصَّصوه للكلام عن الحجَّة والعقل والإمامة وغيرها من أصول دينهم، بأنه ليس من تصنيف الكليني أصلاً. يقول: "كَثُرَ الحديثُ حول كتاب "الروضة" عند العُلماء المتقدمين، فمنهم من جَعَله بين كتاب العشرة وكتاب الطَّهارة، ومنهم من جعله مصنفًا مستقلاًّ عن "الكافي"، وقسم ثالث تردد في نسبته للمصنف؛ بل في كلمات بعض المتأخرين نفاه عن الكليني، ونسبه إلى ابن إدريس صاحب "السرائر". قال المولى خليل القزويني: "الروضة ليس من تأليف الكليني، بل هو من تأليف ابن إدريس، وإن ساعده في الأخير بعضُ الأصحاب، ورُبَّما ينسب هذا القول الأخير إلى الشَّهيد الثاني، ولكن لم يثبت"[35]. 5- صحة روايات الكتب الثمانية: أمَّا مدى صحة ما في هذه المدونات في نظر هذه الطَّائفة، فهم في هذا فريقان: صنف يرى صحتها، ويقطع بثبوت كُلِّ حرف فيها عن الأئمة، وهم الإخباريُّون، وفريق يرى أنَّ فيها الصحيح وغيره وهم الأصوليُّون المجتهدون كما يسمونهم، يُبيِّن ذلك شيخهم المامقاني، فيقول: "إنَّ كونَ مجموع ما بين دفتي كلِّ واحد من الكتب الأربعة من حيثُ المجموعُ متواترًا - مِمَّا لا يعتريه شك ولا شبهة، بل هي عند التأمُّل فوق حد التواتر؛ ولكن هل هي متواترة بالنسبة إلى خصوص كل حديث؟ وبعبارة أخرى: هل كل حديث وكلمة بجميع حركاتها وسكناتها الإعرابيَّة والبنائية، وبهذا الترتيب للكلمات والحروف على القطع أو لا؟ فالمعروف بين أصحابنا المجتهدين الثاني كما هو قضية عدَّها أخبار آحاد، واعتبارهم صحة سندها أو ما يقوم مقام الصحة، وجُلُّ الإخبار على الأول كما يقتضيه قولهم بوجوب العمل بالعلم، وأنَّها قطعية الصُّدور عن الأئمة"[36]. أما الأصوليُّون الذين يطبقون الاصطلاح الجديد على مرويَّات الشيعة وكتبهم، فلهم نظرة مختلفة في قَبول أخبار كتب الحديث الشِّيعيَّة، والحكم عليها وعلى أحوال رواتها، والنظر لوجوه الاختلاف فيها، فيقول شيخ الشيعة وإمامهم في زمانه، جعفر النجفي: "والمحمدون الثلاثة كيف يعوَّل في تحصيل العلم عليهم، وبعضهم يكذِّب روايةَ بعض، ورواياتهم بعضها يضاد بعضًا؟! ثم إن كتبَهم قد اشتملت على أخبار يُقطع بكذبها؛ كأخبار التجسيم والتشبيه، وقِدَم العالم، وثبوت المكان والزمان"[37]. ولكن أصحاب الكتب الأربعة نصوا في مقدماتهم بأنهم لا يذكرون إلا الصَّحيح، فيجيب صاحب "كشف الغطاء" عن ذلك بقوله: "فلا بُدَّ من تخصيص ما ذكر في المقدمات، أو تأويله على ضرب من المجازات، أو الحمل على العدول عما فات؛ حيثُ ذكروا في تضاعيف كتبهم خلاف ما ذكروه في أوائلها"[38]؛ أي: إنَّهم عدلوا عن شرط الصِّحة الذي ذكروه في مقدمات كتبهم. 6- الأصول الأربعمائة: يعتقد الشيعة بوجود ما يسمونه "الأصول الأربعمائة"، ومعناه عندهم باختصار: "أنَّ المصادر قد أحصت عدَّة ممن عاصروا الإمام جعفر الصادق، ورووا عنه، وانصرفت طائفةٌ كبيرة من هؤلاء لضبط ما رووه عن الإمام سماعًا في كتابٍ خاص، في مواضيع الفقه والتفسير والعقائد وغيرها، وقد اصطلح التاريخُ الشيعيُّ على تسمية هذه الكتب بالأصول، كما حصرها في أربعمائة أصل، وهذا ما نعنيه بالأصول الأربعمائة"[39]. أ- أهمية هذه الأصول: يقول: "ولا شكَّ في أن "الأصول الأربعمائة" من أقدم وأشهر وأهم المصادر الروائيَّة للشيعة الاثني عشرية، التي أُلفت في أعصار الأئمة المعصومين - عليهم السلام - ونعلم إجمالاً أنَّ تاريخ تأليف جُلِّ هذه الأصول - إلاَّ قليلاً منها - كان في عصر أصحاب الإمام الصَّادق - عليه السلام - سواء كانوا مختصِّين به، أو كانوا ممن أدركوا أباه الإمام الباقر - عليه السلام - قبله، أو أدركوا ولده الإمام الكاظم - عليه السلام - بعده، وصرَّح الشيخ الطبرسي، والمحقق الحِلِّي والشهيد الثاني[40]، والشيخ البهائي، والمحقق الداماد، وغيرهم من الأعلام بأن "الأصول الأربعمائة" قد ألفت في عصر الصادق - عليه السلام - من أجوبة المسائل التي كان يسأل عنها"[41]. ب- مكانة كاتبي الأصول: يقول أسعد كاشف الغطاء في بيان منزلة تلك الأُصُول وبيان مكانتها: "فإنَّ الشيعة من أوَّل نشأتها لا تبيحُ الرُّجوعَ في الدين إلى غير أئمتها؛ ولذلك عكفت هذا العكوف، وانقطعت في أخذ معالم الدين إليهم، وبذلت الوسع والطاقة في تدوين كلِّ ما شافهوها به، واستفرغت الهمم والعزائم في ذلك بما لا مزيد عليه؛ حفظًا للعلم الذي لا يصح - على رأيها - عند الله سواه، وحسبك - مما كتبوه أيَّامَ الصادق - تلك الأصول الأربعمائة، وهي أربعمائة مصنَّف لأربعمائة مصنِّف كتبت من فتاوى الصادق على عهده، ولأصحاب الصَّادق غيرها، هو أضعاف أضعافها، وبسعيهم - أصحاب الأصول - نشرت علوم آل محمد، فشكر الله مساعيهم بسعة رحمته في العُقْبى، وأخْلَدَ ذكرهم في الدنيا بما كتبت من تراجمهم بعد عصرهم في الكتب الرجاليَّة القديمة، مثل: كتاب "الرجال" لعبد الله بن جبلة الكناني المتوفى سنة 219هـ، ومشيخة الحسن بن محبوب تُوفي سنة 224 هـ، ورجال الحسن بن فضال توفي سنة 224هـ، ورجال ولده علي بن الحسن، ورجال محمد بن خالد وولده أحمد بن محمد بن خالد (ت: 274)، ورجال الشريف أحمد العقيقي (ت: 280هـ)[42]. ولكن؛ هل هذا الكلام من تعريف الأصول وأهميتها ومكانة رجالها وعدالتهم أمر متَّفق عليه بين الشيعة؟ لنراجع هذا النصَّ من كلام أسعد كاشف الغطاء: "إنَّ الأصول الأربعمائة كانت معروفة عند الأقدمين، والتي وصلت إلينا هي بعض تلك الأصول، لا يُمكننا معرفة خصائصها وتمييزها عن غيرها، والعِلَّة التي سميت بالأصول دون غيرها، ولكن بمساعدة الكتب التي ذكرت الأصول الأربعمائة، والتي يُمكن بالتأمُّل فيها أن يخرجَ بهذا التعريف، وهو "ما كتب راوٍ من الأحاديث عن المعصومين، أو عن راوٍ عنه، وعُرِفَ عند قدماء الشِّيعة بأنه أصل"[43]. ولو طرحنا سؤالاً فقلنا: هل هناك اتِّفاق بين علماء الشيعة على تعريف تلك الأصول، أو حتَّى معرفة خصائصها وطريقة تصنيفها، بما يجعلها مستندًا معتبرًا في نقل الرِّوايات والأخبار التي هي أصول الدين وفروعه؟ فما الجواب؟ الجواب هو: لا، ليس هناك اتِّفاق على تعريف تلك الأصول، ولا خصائصها، ولا سبب تسميتها بالأصول، ولا عمَّن من الأئمة كتبت تلك الأصول؛ لأنَّه في تعريف كاشف الغطاء يقول: إنَّ الأصلَ هو ما كتبه راوٍ عن معصوم، أيًّا كان الراوي، وأيًّا كان المعصوم، وقبله ذكر المحمودي أنَّ تدوينَ الأصول وعرضها كان على جعفر الصادق ومن المسائل التي سُئِلَ فيها؛ بل يقول بعضهم: إنَّه لا فارقَ بينها وبين سائر الكُتُب التي وصلت إلى الشِّيعة في عصر التدوين - الذي يبدأ بالكليني - إذ لا خصائصَ محددة لها بل وأيضًا: "ومن المؤسف أنَّ الكثير من هذه الأصول قد ضاعت واندرست بسببِ عدم الاهتمام الكافي بها، أو فقدت في خِضَمِّ الأحداث ولم تصل إلينا"[44]. حتَّى لو وصلت إلى عصرنا، فإنَّ بها عِلَّة قادحة تفقدها أهميتها إنْ كان لدى الشيعة إنصافٌ مع أنفسهم، وهي أن كثيرًا من رواة الأصول فاسدُ المذهب وفاسد النِّحلة، ومع هذا يروون عنه ويحتجون به. قال الطوسي: "فإذا ذكرتُ كلَّ واحد من المصنفين وأصحاب الأصول، فلا بُدَّ من أن أُشير إلى ما قيل فيه من التعديل والتجريح، وهل يُعوَّل على روايته أو لا؟ وأبين عن اعتقاده، وهل هو موافقٌ للحق أو هو مخالف له؟ لأنَّ كثيرًا من مصنفي أصحابنا وأصحاب الأصول ينتحلون المذاهب الفاسدة، وإن كانت كتبهم معتمدة"[45]. فإنَّ رواة الأصول - طبقًا لكلام شيخ الطائفة - لا بُدَّ أن يخضعوا للتجريح والتعديل، ولا بُدَّ من معرفة: هل بالإمكان التعويل على روايتهم أو لا؟ إلى آخر ما ذكره الطوسي مما يقدح في هؤلاء، ثم ذكر أخيرًا أن كثيرًا من هؤلاء ينتحلون المذاهب الفاسدة، ومع ذلك فإنَّ كتبهم معتمدة، فكيف يتابع الشيعةُ أصحابَ المذاهب الفاسدة في دينهم، ألن ينقل هؤلاء الرواة ما يعضد مذاهبهم الباطلة ونحلهم الفاسدة؟! ألاَ يدُلُّ هذا على فساد الدين، وأن هؤلاء يدسُّون كثيرًا من مذاهبهم في كتبهم، ثم ينقلها عنهم الشيعة، ويرويها أمثال الكليني والصدوق والطوسي في كتبهم، ويتديَّن بها الشيعة، ورُبَّما هي من مذاهبهم الفاسدة؟![46]. إن مما ينسف فكرة الأصول الأربعمائة هذه نسفًا: ذلك الاختلافَ الشديد، والانقسام الذي انقسمت إليه الشيعة بعد موت جعفر الصادق، ودائمًا ما كان يحدث هذا التفرُّق والانقسام بعد موت كُلِّ إمام [47]، فانقسم أصحابُ الأصول بين الفِرَقِ، واختلفت مذاهبهم على حسب معتقد كل فرقة - هذا على فرض وجودهم أصلاً - فقد انقسمت الشيعة بعد وفاة أبي عبدالله الصَّادق إلى ست فرق[48]، فإلى أيِّ فرقة منها انتسب أصحابُ هذه الأصول؟ لا يعلم الشيعة أنفسهم إجابة هذا السؤال. كذلك مسألة كون أصحاب الأصول الأربعمائة ممن كتبوا عن جعفر الصادق أو أبيه الباقر، ورُبَّما أدركوا ابنه الكاظم كما ذكرنا آنفًا، فإنَّه يدُلُّنا أن كل ذِكْرٍ لمن أتى بعد الكاظم من الأئمة وأحوالهم وحوادثهم، إن ذكرت في الأصول الأربعمائة، فإنَّما هي كذب وافتراء؛ لأنَّهم كتبوا ما لم يدركوه، وما حدث بعد تدوينهم، فهل يعني هذا أن الأصول الأربعمائة، وأخبار الشيعة ومسائلها - توقَّفت عند إمامهم السَّادس؟ فتأمَّل. ذكر صاحب الدراية: "إنَّ الأصولَ الأربعمائة يرادُ بها ما اشتمل على كلام الأئمَّة أو روي عنهم بواسطة؛ يقول الشهيدُ الثاني في هذا الصَّدد: كان قد استقر أمر الإمامية على أربعمائة مصنف، سمَّوها أصولاً، فكان عليها اعتمادُهم، وتداعت الحال إلى أن ذهب معظم تلك الأصول، ولخصها جماعة في كتبٍ خاصَّة تقريبًا على المتناول، وأحسن ما جمع منها "الكافي"، و"التهذيب"، و"الاستبصار"، و"من لا يحضره الفقيه"[49]. أيْ: إنَّ مصنفي الأحاديث عند الشيعة قد انتَقَوا مَروِيَّاتِهم والأخبارَ التي ساقوها في كتبهم مما وصل إليهم من بقية هذه الأصول الأربعمائة، وكما ذكر الشهيد الثاني، فإنَّ كثيرًا منها فُقِدَ وضاع ولم يبقَ له أثر، فنَقَلَ جامعو الأخبار بعد ذلك ما استطاعوا مما بَقِيَ في تلك الأصول، وهذا يعني أنَّ ما نقله هؤلاء - أمثال الكليني والصَّدوق والطوسي، وهم أكابر مُحدثيهم وشيوخ طائفتهم - لا يُمكن الوثوق به، ولا يُمكن أن يصمد أمام ميزان علوم الدراية، التي يدَّعي الشيعة أنَّهم أصَّلوها وصبغوها بالدِّقَّة والعراقة كما سيأتي، وأنه ينبغي لهم معاودة النَّظَر في كتبهم؛ ليتأكد لهم أن مصادر دينهم لا تثبت أمام أيِّ نقد؛ يقول الوحيد البهبهاني: "والحاصل أن معاصري الأئمة - عليهم السلام - وقريبي العهد منهم كان عملهم على أخبار الثِّقات مطلقًا، وغيرهم بالقرائن، وكانوا يردون بعضَ الأخبار أيضًا؛ لما ثَبَتَ بالتواتُر من أن الكَذَبَة كانوا يكذبون عليهم - عليهم السلام - لكن خَفِيَ علينا الأقسام الثلاثة، ولا يُمكننا العلم بها كما مَرَّ في الفوائد، كما أن نفس أحكامهم أيضًا خفيت علينا كذلك، وانسَدَّ طريقُ العلم، فالبناء على الظن في تمييز الأقسام"[50]. بمعنى: أنَّ الشيعة لا يستطيعون أن يُميِّزوا بين ما نقله معاصرو الإمام واختاروه؛ مما كذب عليهم مما صحَّحوه بالقرائن، ويقول: إنَّ تمييز الأقسام الثلاثة أمْرٌ صعب عسير، فكيف يُمكن الحكم بصحة الأصول المزعومة والحال هكذا؟! يتبع
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]()
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |