|
ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() الأماني في الجمع والتقريب بين صحيحي مسلم والبخاري (1) أبو البراء محمد بن عبدالمنعم آل عِلاوة ( المقدمة - الحديث الأول ) المقدمة: إنَّ الحمد لله، نحمده ونستعينُه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيِّئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]. ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70-71]. أما بعدُ: فإن أصدقَ الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هدي محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - وشرَّ الأمور محدَثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار[1]. وبعدُ: فقد منَّ الله على هذه الأمة بأنْ حفِظَ لها دينها وأتمَّه، وأيَّد من يقوم به إلى قيام الساعة من الجهابذة الحفَّاظ الذين أفنَوْا أعمارهم وأموالهم في خدمة هذا الدين ونشرِه، فأعلى الله ذكرَهم، وشكَر لهم سعيَهم، فلا يخلو زمان ولا مكانٌ من هؤلاء المنصورين؛ لذا قال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما في حديث معاويةَ: ((لا تزال طائفةٌ من أمَّتي قائمةً بأمر الله، لا يضرُّهم مَنْ خذَلهم أو خالفهم، حتى يأتي أمرُ الله وهم ظاهرون على النَّاس))[2]. وفي حديث جابر بن عبدالله يقول: سمعتُ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((لاتزال طائفةٌ من أمَّتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة))[3]. لذا بوَّب البخاري باب قول النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا تزال طائفةٌ من أمتي ظاهرين على الحق))، قال عقِبه: وهم أهلُ العلم. وحاجةُ الناس إلى وجود هؤلاء العلماء الربَّانيِّين الذين يعلِّمون الناس صغار العلم قبل كِباره - أكثرُ من حاجتهم إلى الطعام والشراب؛ لأنَّ الإنسان قد لا يموت جوعًا ولا عطشًا، إنما قد يموت بسبب جهله، وقد سُئل الإمام أحمدُ عن المسألة: متى تحِلُّ؟ فقال: إذا لم يكن عنده ما يغدِّيه ويعشِّيه، قيل: فإن اضطر إلى المسألة؟ قال: هي مباحة له إذا اضطر، قيل له: فإن تعفَّف؟ قال: ذلك خير له، ثم قال: ما أظن أحدًا يموت من الجوع، واللهُ يأتيه برزقه[4]. ويكفيك فيمعرفة مدى احتياج الناس للعلم، قصةُ هذا الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفسًا، وعندما فتح الله قلبَه لنور الإيمان، وأراد أن يعود لطريق الهداية والرشاد؛ فسأل عن أعلم أهل الأرض، فدلُّوه على راهبٍ، فأفتاه خطأً بأنْ ليس له توبةٌ فأتمَّ به المائةَ[5]. فانتبهْ - رعاك الله وحفِظك من كل سوءٍ - إلى أنَّ السبب في قتل هذا الراهب هو جهلُه، فقد جهِل بأن الله يقبل التوبة من عباده، قال - تعالى -: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [الزمر: 53]. وانتبه - أخي الكريم - إلى أنه لا بد من سؤال أهل العلم؛ لأن مَنْ أفتى بغير علم ضلَّ وأضل، ويدل على ذلك القصةُ نفسُها؛ ما الذي فعله هذا الرجل عندما أفتاه خطأً هذا الراهب؟ زاد في معصيته وأتم بالرَّاهب المائة. وتأمَّل معي هذه الواقعةَ التي حدثتْ مع أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - فعن هُزَيْل بن شُرَحبيل، قال: سئل أبو موسى عن بنتٍ وابنة ابنٍ وأختٍ، فقال: للبنت النِّصفُ، وللأخت النِّصف، وأْتِ ابن مسعودٍ فسيتابعني، فسُئل ابن مسعودٍ وأخبر بقول أبي موسى، فقال: لقد ضللتُ إذًا وما أنا من المهتدين، أقضي فيها بما قضى النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: "للابنة النِّصف، ولابنة ابنٍ السدس تكملةُ الثُّلثين، وما بقِي فللأخت، فأتينا أبا موسى فأخبرناه بقول ابن مسعودٍ، فقال: لا تسألوني ما دام هذا الحبرُ فيكم"[6]. انظر ماذا قال ابن مسعودٍ من فتوى أبي موسى - رضي الله عنهما - عندما رآها خطأً؟ قال: "لقد ضللتُ إذًا وما أنا من المهتدين"، إذًا فمن أفتى الناس خطأً، فقد أضلَّ. بل الأجمل ما قاله أبو موسى - رضي الله عنه - عندما تبيَّن له الحق في المسألة: ((فقال لا تسألوني ما دام هذا الحبرُ فيكم))، فأين مَن يتصدرون للفتوى بغير علم، وإذا تبيَّن أنه مخطئ تكبَّر، وأخذتْه العزة بالإثم، ولم يعترفْ بخطئه؟ ولا حول ولا قوة إلا بالله! قال النَّووي - رحمه الله -: إن مَن كان سببًا لضلالة أو سببَ منعٍ مِن هداية، كان آثمًا؛ لقول النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((وإنْ تولَّيت عليك إثمُ الأرِيسيِّينَ))[7]، ومِن هذا المعنى قول الله - تعالى -: ﴿ وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ ﴾ [العنكبوت: 13][8]. ومن المهم لِمَن يتصدَّر لتعليم الناس أن يكون أهلاً لهذا، وأن يكون قد حصَّل علمًا كافيًا لكي يعلم الناس، وأن يضع دائمًا قصة قاتل المائة أمامه، وأن يعتبر بأمر هذا الرَّاهب الذي كان سببًا في قتل نفسه؛ إذ لا بدَّ للدَّاعي للإسلام أن يدل الناس على خيرَيِ الدنيا والآخرة، ولا يقنِّطهم من رحمة الله تعالى. فالعلم والفقه في الدين من أشرف الوظائف التي يتشرف الإنسان بها؛ فقد قال النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((من يُرِد الله به خيرًا، يفقِّهْه في الدين))[9]، وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((خيرُكم من تعلَّم القرآن وعلَّمه))[10]، وغير ذلك من الأدلَّة التي تدل على شرَف هذا الأمر. ومن هؤلاء العلماء الذين أضاؤوا الدنيا بعلمهم وبفقههم الإمامانِ: البخاريُّ ومسلمٌ صاحبا الصحيحين، أصحُّ الكتب بعد كتاب الله - عز وجل - لذا لهما من الفضل والمَيْزة ما ليس لغيرهما من كتب السنة؛ فقد اهتمَّ العلماء قديمًا وحديثًا بهما؛ فمن شارحٍ لهما، ومن مختصر، ومن مستدرك، ومن مستخرِج، ومن ناقد نقْدًا بناءً لبعض أحاديثهم من حيث الصَّنعةُ الحديثية؛ فكل هذا إن دلَّ فإنما يدل على أهمية هذين الكتابين، وحسبُك ما قاله الإمام أبو عمرِو بنُ الصلاح في كتابه علوم الحديث، قال: "أوَّل من صنف في الصحيح أبو عبدالله محمَّد بن إسماعيل البخاريُّ، وتلاه أبو الحسين مسلم بن الحجاج القُشيري، ومسلمٌ مع أنه أخذ عن البخاريِّ واستفاد منه، فإنه يشارك البخاريَّ في كثير من شيوخه، وكتاباهما أصحُّ الكتب بعد كتاب الله العزيز"[11]. وقد استوقفتني كلمةٌ للشيخ المحدِّث أبي إسحاق الحُويني - حفظه الله - أثناء شرحِه لكتاب الباعث الحثيث، حيث قال: "العنايةُ بالصحيحين ينبغي أن تكون فوق كلِّ عناية؛ فإنَّ مَن أمعن النظر في الصحيحين سهُلَ عليه معرفةُ مفاتيح الكتب الأخرى"، وتكلَّم أيضًا على جمعه للصحيحين، وهو: "مجمَّة الفؤاد، في ما اتفق عليه البخاري ومسلم في المتن والإسناد". لذا وقع في قلبي عملُ جمعٍ وتقريبٍ للصَّحيحين، راجيًا من الله - عز وجل - السَّداد والتوفيق، وأسأل الله في عَليائه أن يكون سببًا في تقريب علمٍ للمسلمين؛ كي ينتفعوا به. وإني قد لاحظت أن كلَّ من تصدى للجمع بين الصحيحين قديمًا وحديثًا على حدِّ علمي القاصر أنه يجمع المتفقَ عليه على حِدَة، والذي انفرد به البخاري على حدةٍ، والذي انفرد به مسلم على حدة، وهذه الطريقة لم تُظهر فِقه البخاري المتمثل في تراجمه التي قال عنها العلماء: "فِقه البخاريِّ في تراجمه". قال القَسْطَلاَّنيُّ - رحمه الله -: "أما بيان موضوعِه، وتفرُّدِه بمجموعه، وتراجمه البديعةِ المثال، المنيعةِ المنال، فاعلم أنه - رحمه الله تعالى - قد التزم مع صحَّة الأحاديث استنباطَ الفوائد الفقهية، والنُّكت الحكمية، فاستخرج بفهمه الثاقب من المتون معانِيَ كثيرةً فرَّقها في أبوابه بحسَب المناسبة، واعتنى فيها بآيات الأحكام، وانتزع منها الدَّلالات البديعة، وسلك في الإشارات إلى تفسيرها السُّبل الوسيعةَ"[12]. وقال أيضًا: "وبالجملة، فتراجمُه حيَّرت الأفكار، وأدهشت العقول والأبصار، ولقد أجاد القائلُ حين قال: أَعْيَا فُحُولَ العِلْمِ حَلُّ رُمُوزِ مَا ![]() أَبْدَاهُ فِي الأَبْوَابِ مِنْ أَسْرَارِ" [13] ![]() لذا؛ فقد رأيتُ أن أسير في الجمع على طريقة البخاري، وأنْ أجمع أطراف الحديث في موضع واحد، ثم أُردفه بالحديث عند مسلم مع تبويبات النَّووي، وبهذا نتعرَّف كيف استفاد البخاري ومسلم والنَّووي من الحديث من الناحية الفقهية، كذلك نستفيد من ذكر أطرافِ الحديث في موضع واحد على فهم ما يستغلق ويستعجمُ من الأحاديث، ولقد أعجبني ما قاله الشَّيخ الفاضل عبدالكريم الخضير حينما سُئل: هل من الأفضل بالنسبة للمبتدئ أن يقرأ في كتاب الجمع بين الصحيحين للشامي، قبل البدء بالقراءة في الصحيحين نفسيهما؟ فأجاب قائلاً: "لا، إذا قرأ المتون وتدرَّج فيها - قرأ الأربعين، ثم العُمدة، ثم البلوغ، وقرأها قراءةَ بحث وتنقيب، وحفِظها إن أمكن - ترقَّى إلى الأصول مباشرة، يبدأ في البخاري ثم مسلم، وأما كونُ هذه الكتب (يعني البخاري ومسلم) فيها تَكرار، وفيها الأسانيد، هذه هي زينتها، لا شكَّ أن التكرار مما يُعين على الحفظ، ويعين على الاستنباط؛ لأنَّ في كلٍّ طريقًا، وفي بعض الطرق ما ليس في بعضٍ، مما يعين على الفهم؛ لأنَّ الإمامَ البخاريَّ أحيانًا يختصر الحديثَ في موضع بحيث يستغلق على القارئ، فإذا اطَّلع عليه في الموضع الآخر والثاني والثالث إلى آخر المواضع، ينجلي له"[14]. ثم بعد ذلك، أستخرج الفوائدَ من الإسناد، والفوائد من المتن، على النحو التالي: أولاً: فوائد الإسناد: 1- ذكرُ شيوخ البخاريِّ ومسلم في الحديث. 2- ذكرُ مدارِ الحديث عند البخاري ومسلم بطريقة مختصَرة. 3- ذكرُ بعض اللطائف في الإسناد؛ من أسماء الرواة، والأحاديث المعلقة، وغير ذلك بالنَّظر في شرح الحديث في "فتح الباري" لابن حجر، و"إرشاد الساري" للقسْطلاَّني، وشرح مسلم للنَّووي، و"تهذيب الكمال" للمِزِّي، وغيرها من الكتب التي تعتني بالصحيحين. 4- ذكرُ الحديث، هل متفق عليه في المتن والإسناد معًا، أم متَّفق عليه متنًا فقط، أم انفرد به البخاري، أم انفرد به مسلم؟ يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |