|
ملتقى الشباب المسلم ملتقى يهتم بقضايا الشباب اليومية ومشاكلهم الحياتية والاجتماعية |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() أنت قادر على العطاء . د . شاكر بن عبد الرحمن السروي العنصر البشري هو الأساس لكل نهضة ، وهو العماد لكل حركة ، وبدونه تموت في مهدها أي فكرة . وعندما يشعر الأفراد في أي أمة أنهم غير قادرين على العطاء ، فإنما هم بذلك يصدرون حكماً بالإعدام على أنفسهم ومجتمعهم ، شاؤوا أم أبوا . وذلك أنهم بتقريرهم هذا الشعور ، يعلنون العزم المبيت على تجميد الحركة والعمل ليصبح ذلك المجتمع بعد ذلك كالجثة الهامدة . إن هذه الظواهر الاجتماعية التي يعرفها الخاص والعام ، قد جاءت نصوص الشريعة بتقرير الحقائق عنها ، فهي ثابتة لا تتغير ، وكونية لا تتبدل ، قال عليه الصلاة والسلام : (إذا قال الرجل هلك الناس فهو أهلكهم) [1] رواه مسلم . لقد كان يقين السلف بقدرتهم على البذل والعطاء نابعاً من استشعارهم المسؤولية الفردية القائمة على الإحساس بالعزة الإيمانية ؛ فجعلتهم مشاعل هداية ، ونماذج فريدة في البذل والعطاء والتضحية ، فكان الواحد منهم بأمة . فهذا مصعب بن عمير -رضي الله عنه- يقدُمُ المدينة سفيراً للإسلام ، فلا يحول الحول إلا وقد دخل الإسلام أكثر بيوت المدينة . وهذا نعيم بن مسعود الغطفاني لا يكاد يُسلم حتى يؤدي دوره فيُخذّل جيوش الأحزاب . وتأمل دور أبي بكر في الردة ، وأحمد بن حنبل في الفتنة ، وصلاح الدين في الذلة ، كلهم أفراد غيروا مسار الأحداث ، وأعادوا كتابة التاريخ ، وهذا غيض من فيض . أولئك آبائي فجئني بمثلهم إذا جمعتنا يا جرير المجامع إن مما يجدر بنا أن نستحضره في كل حين ؛ أنه لا أحد في المجتمع المسلم يمكن أن يوضع في خانة : (غير قادر على العطاء) ، بل الجميع يملكون شيئاً ما إن لم يكن أشياء يستطيعون من خلاله خدمة أمتهم . وهذا النسق الاجتماعي ، قد قرره المصطفى -صلى الله عليه وسلم- بقوله وفعله ، والتزمته الأمة الإسلامية منذ فجرها الأول . فلو نظرنا إلى حديث الهجرة مثلاً ، لتجلّى لنا ذلك في أروع صوره ؛ فالصدّيق أمينُ السر ورفيق السفر ، والجارية تحفظ السر وترتب الزاد ، والصبي ينقل الأخبار ويعفو الآثار ، كل ذلك في صورة مشرقة لتنوع البذل بحسب القدرة . وفي المدينة يدعو الرسول -صلى الله عليه وسلم- الناس للبذل قائلاً : (تصدق رجل من ديناره ، من درهمه ، من ثوبه ، من صاع بُره ، من صاع تمره ، حتى قال : ولو بشق تمرة) [2] . بل وفي قمة أعمال البذل والعطاء في الجهاد في سبيل الله يبرز هذا المعلم الإسلامي في أجلى صوره ؛ فالكل يبذل ، والجميع يُضحي ، حتى إذا بقي الضعفة والمساكين الذين لا مال لهم ولا قوة يجاهدون بها ، يبقى لهم دورهم الذي ينبه إليه الرسول -صلى الله عليه وسلم- بقوله : (إنما ينصُر الله هذه الأمة بضعيفها ؛ بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم) [3] . إن خطر وأد الذوات وتحييدها عن العطاء ، لا يمكن تجاهله أو تناسيه خاصة في هذه الحقبة ، التي يقبع فيها أهل الإسلام في مؤخرة الركب . وإن هذا الخطر مما ينبغي تداركه وعلاجه حسماً لداء المُواتِ الذي دبّ في أوصال الجسد الإسلامي المنهك . ومما يحسن الختام به التنبيه إلى أن صور وأد الذوات تكون من التعدد وعدم الوضوح أحياناً ؛ بحيث يصعب التفطن لها ، ومن ذلك : 1- إحجام الفرد عن البذل ، أو ممارسة عمل ما بحجة أنه ليس أهـلاً لذلك ، لأي عذر يرتئيه . 2- إيهام النفس بأنه لا يُحتاج إليه في هذا المضمار ؛ لأنه قد امتلأ بغيره ، في الوقت الذي قد لا يكون الأمر كذلك ؛ بل ومن المحتمل أن يكون نفس الوهم منتشراً بين العديدين ؛ فيؤدي ذلك إلى أن الجميع يتركون العمل فيصبح هذا المضمار خالياً تماماً . 3- التحايل على النفس بأن الإنسان إنما هو فرد لا يملك التغيير أو البذل أو العطاء ؛ لأن (التيار جارف) و (اليد الواحدة لا تصفق) ، متناسياً بذلك أصل المسؤولية الفردية في الإسلام . هذه بعض الصور من الأفراد أنفسهم ، وقد تحصل صور أخرى ممن يتولى الريادة والقيادة وذلك مثل : 1- ألا تُستغل المواهب الخاصة والقدرات الفردية لدى الأفراد كل بحسبه ، فتُقتل القدرات ويُخْنَق الإبداع ، وقد خلق الله الناس مختلفين : منهم (القادة) ومنهم (الساقه) و (قد جعل الله لكل شيء قدراً) . 2- ألا يُنْظَر إلى الجميع عند توزيع الأعمال ؛ بل تتكرر نفس الوجوه دائماً لكل الأعمال ، وهذا يقتل الفئتين ؛ فالعاملة تنهك بالأعمال ؛ حتى تصبح غير قادرة على العطاء المثمر ، كما تَفُوتُ الاستفادة منهم فيما لا يحسنه إلا هم ، وأما الكثرة الباقية فتبقى أرقاماً لا رصيد لها في واقع الحياة . 3- الحكم بالإخفاق المؤبد على من يُسند له عمل ما ، ثم لا يتقنه ، في الوقت الذي قد يحسن غيرَه ، بل ربما كان الخلل ابتداءً في إسناد هذا العمل له وهو لا يحسنه . (1) أخرجه مسلم ، كتاب البر والصلة والآداب ، رقم 2623 ، ص 1053 . (2) أخرجه مسلم ، كتاب االزكاة ، باب (الحث على الصدقة ولو بشق) ، رقم 1017 ، ص392 . (3) صحيح الجامع/2384 .
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |