|
ملتقى أعلام وشخصيات ملتقى يختص بعرض السير التاريخية للشخصيات الاسلامية والعربية والعالمية من مفكرين وأدباء وسياسيين بارزين |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() التعايش بين أئمة المذاهب الفقهية الإمام الشافعي نموذجًا د. حسن سهيل الجميلي بحث تقدم به، إلى إدارة المؤتمر الرابع المنعقد، في كلية الإمام الأعظم، والموسوم بـ(التعايش والتعامل في المنظور الإسلامي - النظرية والتطبيق) المقدمة: الحمد لله حمد الشاكرين المتفقهين في دينه العارفين به، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، الذي أرسل بالحق والدين القويم، وأنزل معه ما إن تمسكنا به عشنا سعداء، وعلى آله الطيبين وصحبه المبجلين وبعد … فقد شاءت إرادة الله عزّ وجلّ أن يجعل الرسالة المحمدية خاتمة الرسالات، ولهذا كان ضرورةً أن تكون هذه الرسالة شاملة لأهلِ الأرضِ جميعاً، حتى قيام الساعة، وأن يكون منهاجها صالحاً لكل زمان ومكان، ومصلحاً لكل شؤون أهل الأرض، مما يكون له الأثر في حياتهم الدنيا والآخرة. ومن علامات صلاح هذه الرسالة هو صلاح قادتها وعلمائها، الذين رسموا أروع الأمثلة على المحبة والتعايش فيما بينهم، ولولا أن الأتباع قد حادوا عن طريقتهم لما وجدنا هذا التناحر بين المتعالمين اليوم؛ لأجل هذا اخترت واحدا من علمائنا نموذجا للتعايش بين علماء الأمة وهو الإمام محمد بن إدريس الشافعي (رحمه الله) ليكون عنواناً لبحثي المقدم إلى إدارة المؤتمر الرابع المقام في كلية الإمام الأعظم والمعنون (فقه التعايش والتعامل في المنظور الإسلامي بين النظرية والتطبيق) وقد اقتضت طبيعته أن يكون مؤلفا من مقدمة وتمهيد وأربعة مطالب وخاتمة. أما التمهيد: ففيه التعريف بالتعايش والتعريف بالإمام الشافعي. المطلب الأول: عنوانه (التدارس فيما بين الأئمة) وذكرت فيه كيف أخذ بعضهم عن بعض العلم ولم يكن بينهم أي نزاع. المطلب الثاني: عنوانه (المدح والثناء فيما بينهم) وذكرت فيه كيف كان بعضهم يجل بعضا ويثني عليه. المطلب الثالث: (الأسس والمعايير التي انتهجها الشافعي في التعايش) ذكرت فيه الأسس التي سار عليها الشافعي في تعامله مع باقي الأئمة رحمهم الله. المطلب الرابع: عنوانه (احترام آراء الآخر ومراعاتها) وسطرت كيف كان الشافعي يحترم رأي الآخر ولا يغرر به. أما الخاتمة فقد ذكرت فيها ما توصلت إليه من نتائج من خلال بحثي وأخيرا ًأسأل الله أن يغفر لي زلتي ويقيل عثرتي في الدنيا والآخرة إنه نعم المولى ونعم النصير. التمهيد: التعايش لغة: من عاش عيشا وعيشة ومعاشا صار ذا حياة فهو عائش، وأعاشه جعله يعيش يقال أعاشه الله عيشة راضية وعايشه عاش معه، وعيشه أعاشه، وتعايشوا عاشوا على الألفة والمودة ومنه التعايش السلمي[1]. التعايش في الاصطلاح: فهو لا يختلف عن المعنى اللغوي والله أعلم. التعريف بالإمام الشافعي: اسمه: هو محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن الشافع بن السائب بن عبيدة بن عبديزيد بن هاشم بن مطلب بن عبدمناف (جد النبي صلى الله عليه وسلم ) وشافع ابن السائب هو الذي ينسب إليه الشافعي، لقي النبي صلى الله عليه وسلم في صغره، وأسلم أبوه السائب يوم بدر، فإنه كان صاحب راية بني هاشم[2]. مكان ولادة الشافعي وزمنها: وكانت ولادة الشافعي بقرية من الشام يقال لها غزة[3] قاله ابن خلكان وابن عبدالبر وقال صاحب التنقيب بمنى من مكة وقال ابن بكار بعسقلان وقال الزوزني باليمن والأول أشهر وكان ذلك سنة خمسين ومائة (150هـ) وهي السنة التي مات فيها الإمام أبو حنيفة رحمه الله ومنهم من قال أنه ولد في يوم مات فيه أبو حنيفة قال البيهقي والتقييد باليوم لم أجده إلا في بعض الروايات أما التقييد بالسنة فهو مشهور من بين أهل التواريخ[4]. نشأته العلمية: حمل إلى مكة وهو ابن سنتين، ونشأ بها، وحفظ القرآن وهو ابن سبع سنين، ثم سلمه أبوه للتفقه إلى مسلم بن خالد مفتي مكة فأذن له في الإفتاء وهو ابن خمسة عشر سنة، فرحل إلى الإمام مالك بن أنس بالمدينة فلازمه حتى توفي مالك رحمه الله، ثم قدم بغداد سنة خمس وتسعين ومائة وأقام بها سنتين، فاجتمع عليه علماؤها وأخذوا منه العلم ورجع كثير من مذاهبهم إلى قوله، وصنف بها الكتب القديمة، ثم خرج إلى مكة حاجا ثم عاد إلى بغداد سنة ثمان وتسعين ومائة فأقام بها شهرين أو أقل؛فلما قتل الإمام موسى الكاظم (رضي الله تعالى عنه) خرج إلى مصر فلم يزل بها ناشرا للعلم وصنف بها الكتب الجديدة[5]. وفاته: خرج إلى مصر فلم يزل بها ناشرا للعلم، وصنف بها الكتب الجديدة، فأصابته ضربة شديدة فمرض بسببها أياما، فدخل عليه أحمد بن حنبل والمزني يعودانه قالا: كيف أصبحت يا أبا عبدالله؟ فقال يا أخوتي: أصبحت من الدنيا راحلا، ولإخواني مفارقا، ولكأس المنية شاربا، ولسوء أعمالي ملاقيا، وعلى الله واردا، فلا أدري أروحي تصير إلى الجنة فأهنيها أو إلى النار فأعزيها ثم بكى وأنشأ يقول: ولما قسى قلبي وضاقت مذاهبي ![]() جعلت الرجا مني لعفوك سلما ![]() تعاظمني ذنبي فلما قرنته بعفوك ![]() ربي كان عفوك أعظما[6] ![]() فبكى وبكى من حوله فنظر إليهم وقال الوداع الوداع يا أصحابي، الفراق الفراق يا أحبابي، ثم توجه إلى القبلة وتكلم بالشهادتين، وأنتقل إلى رحمه الله تعالى إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم ارفعه إلى مرام همته وشفعه في زمرته كان ذلك يوم الجمعة نهاية رجب سنة أربع ومائتين ودفن بالقرافة بعد العصر في يومه[7]. التدارس فيما بين الأئمة: ومن أروع الأمثلة على التعايش بين أئمة المذاهب الفقهية هو التدارس فيما بينهم وأخذ كل واحد منهم من الآخر، وهو برهنة على أن المنبع والمعين واحد. وقد جسد هذا التعايش الإمام الشافعي فقد أخذ وأعطى العلم ولم تكن بينه وبين علماء المذاهب ما كان بين أتباعهم الذين أخذوا عنهم وفيما يأتي بعض الصور المشرقة من حياة الشافعي في تدارسه العلم مع علماء المذاهب: دراسة الشافعي عند محمد بن الحسن الشيباني. لقد أخذ الشافعي عن الإمام محمد بن الحسن الشيباني إمام الحنفية بعد وفاة أبي حنيفة رحمه الله وراوي أقوال الإمام أبي حنيفة، وكتاب الأم للشافعي زاخر بالرواية عن محمد بن الحسن واليك أنموذجاً منها: (أخبر الرَّبِيعُ قال حدثنا الشَّافِعِيُّ إمْلَاءً قال أخبرني محمد بن الْحَسَنِ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه قال في الرَّجُلِ يَهْلَكُ وَيَتْرُكُ ابْنَيْنِ وَيَتْرُكُ سِتَّمِائَةِ دِينَارٍ فَيَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثلاثمائة دِينَارٍ ثُمَّ يَشْهَدُ أَحَدُهُمَا أَنَّ أَبَاهُ الْهَالِكَ أَقَرَّ بِأَنَّ فُلَانًا ابْنُهُ أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ على هذا النَّسَبِ وَلَا يَلْحَقُ بِهِ وَلَكِنَّهُ يُصَدَّقُ على ما وَرِثَ فَيَأْخُذُ منه نِصْفَ ما في يَدَيْه)[8]. دراسة الشافعي عند مالك الموطأ: ذكر الإمام النووي أن الشافعي أخذ الموطأ عن مالك فقال: (رحل الشافعي إلى المدينة قاصداً الأخذ عن أبي عبدالله مالك بن أنس رحمه الله، فلما قدم عليه قرأ عليه الموطأ حفظا، فأعجبته قراءته ولازمه، وقال له مالك: اتق الله واجتنب المعاصي فإنه سيكون لك شأن )[9]. دراسة أحمد عند الشافعي: أما الشافعي والإمام أحمد فلقد قدما الصورة الناصعة للحب والتعاطف والاحترام فيما بينهم، فقد أخذ كل واحد منهما من الآخر، وكان أحمد يعد من أصحاب الشافعي فقد ذكر: (ومن أصحابه البغداديين أبو عبدالله أحمد بن محمد بن حنبل وقد مضى تاريخ موته وذكر طرف من فضله قال الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني ما قرأت على الشافعي رحمه الله تعالى حرفا إلا وأحمد حاضر وما ذهبت إلى الشافعي رحمه الله تعالى مجلسا إلا وجدت أحمد فيه)[10]. أخذ الشافعي عن أحمد: نقل الحنابلة في كتبهم أن الشافعي قد أخذ عن أحمد كما أخذ أحمد عن الشافعي فقالوا: (ودخل الشافعي يوما على احمد بن حنبل فقال يا أبا عبدالله كنت اليوم مع أهل العراق في مسألة كذا فلو كان معي حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فدفع إليه أحمد ثلاثة أحاديث فقال له جزاك الله خيرا)[11] ونقلوا مقالة الشافعي لأحمد يوما فقالوا: (وقال الشافعي لإمامنا أحمد يوما: أنتم أعلم بالحديث والرجال، فإذا كان الحديث الصحيح فأعلموني إن شاء يكون كوفيا أو شاء شاميا حتى أذهب إليه إذا كان صحيحا، وهذا من دين الشافعي حيث سلم هذا العلم لأهله) [12]. المدح والثناء فيما بينهم: أمّا هذا الباب فالخوض فيه يطول زمانه ويبعد غوره، واليك جملة مما قاله بعضهم في بعض. قال علي بن المديني: (سمعت عبدالرزاق يقول: قال معمر: ما أعرف أحدا بعد الحسن يتكلم في الفقه أحسن معرفة منه وناهيك به، إنّ الشافعي قال في حقه: الخلق كلهم عيال أبي حنيفة في الفقه وفى رواية من أراد أن يتبحر في الفقه فهو عيال على أبي حنيفة: وقال الشافعي: قيل لمالك هل رأيت أبا حنيفة، قال: نعم رأيت رجلا لو كلمك في هذه السارية أن يجعلها ذهبا لقام بحجّته وهذا من كمال إنصاف مالك مع علو مقامه هنالك، وغاية مبالغة في بلاغة الإمام، وبيان المرام في جميع المقام، وقال ابن المبارك: رأيت أورع الناس فضيل بن عياض، وأعلم الناس الثوري، وأفقه الناس أبا حنيفة، وقال أعلم الناس: أي بالأحاديث والآثار وأفقه الناس أي: أعلمهم بمعانيها والعلم بمعانيها يستلزم العلم بمبانيها )[13]. قال محمد بن الحسن الشيباني: (إن تكلم أصحاب الحديث يوماً ما فبلسان الشافعي) قال النووي: يعني لما وضع من كتبه[14]. كان القطان وأحمد يدعوان للشافعي في صلاتهما[15]. قال أحمد بن حنبل: (كان الله تعالى قد جمع في الشافعي كل خير)[16]. قال يحيى بن معين: (كان أحمد بن حنبل ينهانا عن الشافعي رحمه الله تعالى ثم استقبلته يوما والشافعي رحمه الله تعالى راكب بغلته وهو يمشي خلفه، فقلت: يا أبا عبدالله تنهانا عنه وتتبعه فقال: اسكت لو لزمت البغلة انتفعت)[17]. قال صالح بن أحمد بن حنبل: (مشى أبي مع بغلة الشافعي رحمه الله تعالى فبعث إليه يحيى بن معين فقال أما رضيت إلا أن تمشي مع بغلته فقال يا أبا زكريا لو مشيت إلى الجانب الآخر لكان أنفع لك) [18]. قال الربيع بن سليمان: (قال لنا الشافعي: أحمد إمام في ثمان خصال إمام في الحديث إمام في الفقه، إمام في اللغة، إمام في القرآن، إمام في الفقر، إمام في الزهد، إمام في الورع، إمام في السنة، وصدق الشافعي في هذا الحصر)[19]. قال الربيع بن سليمان: (قال الشافعي: من أبغض أحمد بن حنبل فهو كافر، فقلت: تطلق عليه اسم الكفر، فقال: نعم من أبغض أحمد بن حنبل عاند السنة، ومن عاند السنة قصد الصحابة، ومن قصد الصحابة أبغض النبي، ومن أبغض النبي صلى الله عليه وسلم كفر بالله العظيم)[20]. قال حرملة بن يحيى: (سمعت الشافعي يقول: خرجت من بغداد وما خلّفت بها أحدا أتقى ولا أروع ولا أفقه أظنه قال ولا أعلم من أحمد بن حنبل)[21]. يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |