|
فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() من أسرار الشريعة العقوبة بالمال الشيخ طه محمد الساكت لفت نظري إلى بحث هذا الموضوع ما نراه بين آن وآخر من الحكم بالغرامات المالية، وما نشاهده من مطالبة الخصوم بتعويض، أو جزاء تعطيل، أو رد شرف، أو نفقات دعوى، إلى غير ذلك، مما يكون المال فيه عقوبة على هفوة أو جريمة. وإلى قراء "نور الإسلام" خلاصةُ القول في هذا الموضوع؛ ليتبيَّنوا أن الشريعةَ الإسلامية لم تغادِرْ من أقضية الناس صغيرةً ولا كبيرة إلا أحصتْها؛ وليعلموا أنها لا تَضِيقُ عن أن تكون المرجع الأول للأحكام في كل زمان ومكان، ولأننا ألفينا ابن القيم في كتابه "الطرق الحكمية" وشيخه ابن تيمية في كتابه "الحسبة في الإسلام" وقد وفيا هذه المسألة بما لم يوفها أحد مثلهما؛ آثرنا أن نقتبس منهما هذه الخلاصة: قال ابن القيم رحمه الله - في مَعْرِضِ الكلام على أنواع التعزير -: وأما التعزيرُ بالعقوبات المالية، فمشروعٌ - أيضًا - في مواضع مخصوصة في مذهب مالك وأحمد، وأحد قولي الشافعي، وقد جاءت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه بذلك في مواضع؛ منها: إباحتُه صلى الله عليه وسلم سَلَبَ الذي يصطاد في حرم المدينة لمن وجده، ومنها: أمرُه بكسر دنان الخمر وشق ظروفها، ومنها: أمر لابسِ خاتمِ الذهب بطرحِه، فطرَحَه فلم يَعرِضْ له أحدٌ، ومنها: هدمُه مسجدَ الضرار، ومنها: أخذُه شطر مال مانع الزكاة، عزمة من عزمات الرب تبارك وتعالى، ومنها: تحريق عمر وعلي رضي الله عنهما المكان الذي يباع فيه الخمر. وهذه قضايا صحيحةٌ معروفة، لا يسهل دعوى نسخها، ومن قال: إن العقوبات المالية منسوخة، فقد غَلِطَ على مذاهب الأئمة نقلاً واستدلالاً، وليس معه كتاب ولا سنة ولا إجماع. وقال ابن تيمية: تنقسِمُ العقوبات المالية إلى إتلاف، وإلى تغيير، وإلى تمليك الغير؛ فالأول: كالأصنام، يجوزُ تحريقُها وتكسيرُها، وأوعيةِ الخمرِ يجوزُ تكسيرُها وتحريقُها، وهذا مشهور في مذهب أحمد ومالك وغيرهما. والثاني: مثلُ كسر سكة المسلمين إذا كانت مغشوشة، روى أبو داود عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن كسر سكة المسلمين الجائزة بينهم إلا من بأس. ومثل: تغيير الصور المجسمة وغير المجسمة إذا لم تكن موطوءة. وأما التمليكُ، فمثاله: ما روى أبو داود وغيره من أهل السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم فيمن سرق من الثمر المعلَّقِ قبل أن يؤويه إلى الجرين، أن عليه جلدات نكال، وغرمه مرتين؛ وكذلك من سرق الماشية قبل أن تُؤوى إلى المراح، وقضى عمر رضي الله عنه في الضالة المكتومة بإضعاف الغرم. ثم قال: ومن العدل الذي تقوم به السموات والأرض أن يكون الجزاء من جنس العمل. هذه أقضيةٌ وأدلة لا تدع مجالاً للشك في جواز العقوبة بالمال، على وجه الإجمال؛ أما البسط والتفصيل، ففي حاجة إلى نظر دقيق، وإمعان طويل، والذي يُؤخَذُ من هذه الأصول وغيرها من قواعد الشريعة الغراء: أن من أتلف شيئًا أو تسبَّبَ في إتلافه متعمِّدًا، غَرِمَ لصاحبه مِثلَه أو قيمتَه، ومن اضطر غيره اضطرارًا إلى نفقات دعوى، غَرِمَها كذلك، وجليٌّ أن الجزاء في هذين وأمثالهما من جنس العمل. أما ما يُعرَفُ عند الناس بردِّ الشرف، وما يُعرَفُ لدى المحاكم الأهلية بالمخالفات، فنتركُ النظرَ في هذين وأمثالهما، واستنباط الحكم لهما لرجال الشريعة الباحثين، وندعو لجماعة كبار العلماء أن يحقِّق اللهُ آمالَ الأمة فيهم وظنَّها بهم، والله لا يضيع أجر المحسنين.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |