|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() الخشوع.. نايف عبد الله محمد الخربوش الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَمَّا بَعْدُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾. ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً﴾. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. وبعد: فإن أظهر وأجلى أنواع العبادة هي الصلاة، فرضها ونفلها، ولذلك أكثر الله تعالى من ذكرها ومدح أهلها والثناء عليهم، وإن أجل أوصافهم الخشوع فيها، وحضور القلب بين يدي الرب تعالى، لما يحصل بذلك من الخضوع والتذلل والاستكانة وإظهار المسكنة، فإن الله تعالى عند المنكسرة قلوبهم من أجله. إن موضوع الخشوع من الموضوعات الهامة التي يحتاج المجتمع الإسلامي إلى التأكيد عليها، وخصوصاً في زماننا هذا الذي قل فيه الخشوع بين الناس، نتيجة كثرة الملهيات والمشغلات في حياة الناس. فما أحوج المسلمين إلى تذكيرهم بأهمية الخشوع وأحكامه وآدابه وثماره في أعظم شعائر الدين الظاهرة، وهي الصلاة، ركن الإسلام وعموده. الخشوع لغة قال ابن منظور رحمه الله: (خشع يخشع خشوعاً، واختشع وتخشَّع: رمى ببصره نحو الأرض، وغضّه، وخفض صوته.. وقيل: الخشوع قريب من الخضوع، إلا أن الخضوع في البدن. والخشوع: في البدن، والصوت، والبصر، كقوله تعالى: (وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ)، أي: سكنت، وكل ساكن خاضع خاشع...) وقال الإمام ابن القيم رحمه الله: ((والخشوع في أصل اللغة: الانخفاض، والذّل، والسكون، قال اللَّهُ تعالى: (وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً)، أي سكنت، وذلَّت، وخضعت، ومنه وصف الأرض بالخشوع، وهو يبسها، وانخفاضها، وعدم ارتفاعها بالري والنبات، قال اللَّه تعالى: (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ). أما عن الخشوع اصطلاحاً: فقد قال الجرجاني رحمه الله: ((الخشوع... في اصطلاح أهل الحقيقة... الانقياد للحق، وقيل: هو الخوف الدائم في القلب. وقال الإمام ابن القيم رحمه اللَّه: (الخشوع: قيام القلب بين يدي الرب بالخُضُوع والذُّلِّ. وقيل: (الخشوع تذلّل القلوب لعلاَّم الغيوب). قال الإمام ابن القيم رحمه الله: (وأجمع العارفون على أن الخشوع محله القلب، وثمرته على الجوارح، وهي تظهره). الأسباب المعينة على الخشوع أولاً: الإيمان الصادق بالله تعالى ومعرفته جل علاه بأسمائه وصفاته، يقول تعالى: (قد أفلح المؤمنون * الذين هم في صلاتهم خاشعون). فذكر الإيمان وأردفه بذكر الخشوع، والإيمان يكسب العبد خشية وخضوعاً، ويمنحه خشوعاً وإخباتاً، ويضفي عليه راحةً وطيب نفس، كما أنه يمنح صاحبه صفاءً يفتح البصيرة، ويمنح القلب شحنةً متوقدة من الخشية والتذلل للإله العظيم. أما من لم يتذوق الإيمان، ولم يتصل قلبه بخالق هذا الوجود ولا يشعر بسننه التي لن تجد لها تبديلاً ولا تحويلاً، فيظل حيران، لا يرى ولا يبصر إنعام الله في الكون، ومن كان كذلك فهو بعيد عن الخشوع وعن الإنابة والإخبات. ثانياً: تدبر القرآن: حيث حث الله – جل ذكره – على تدبر هذا الكتاب، وتأمل مواعظه، وما فيه من العبر والعظات، فهو معين لا ينضب وزاد لا ينتهي، وقد بين الله أن لا عذر في ترك تدبره، فإنه لو خوطب بهذا القرآن الجبال، لرأيتها – على صلابتها – متصدعة من خشية الله: (لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله). وكذلك القلوب المتفتحة النيرة التي تتلقى القرآن في وجل وارتعاش، وفي تأثر شديد، تقشعر منه الجلود، ثم تهدأ النفوس، وتأنس القلوب بهذا القرآن، فتلين جلودهم وقلوبهم، وتطمئن بذكر الله، وتنشرح له، وتندى به، ثم يغلبهم التأثر، فلا تكفي الألفاظ في التعبير عما يجيش في قلوبهم من الخشية والخشوع، فإذا الدموع تتهامل وتنطلق معبرةً عن هذا التأثر الغامر الذي يتلوه اطمئنان باهر. ثالثاً: ذكر الله تعالى والإكثار منه ففيه الأنس واللذة، وفيه الشعور بالإخبات والذل للعلي الأعلى، وفيه يجد المؤمن راحته وسكينته. إن ذكر الله ليورث من الخشية العميقة التي لا يعرفها إلا الذين خالطت بشاشة الإيمان قلوبهم، فاتصلت بذكر الله. إنهم يعرفونها، لا يملكون بالكلمات أن ينقلوها إلى الآخرين الذين لم يذوقوها، لأنها فوق الكلمات، وأكبر من أن يعبر عنها بكلمات، إنها طمأنينة تسري بين جوانحه وخلاياه من جراء ذكر الله تعالى. فكن يا أخي – طالب الخشية والخشوع – عامراً لقلبك بذكر مولاك، واعلم أن للذكر فوائد تفوق الحصر. رابعاً: المجاهدة وذلك بأن تعلم أنك في حرب وصراع مع العدو اللدود الدائم الذي يتربص بك، ويتحين الفرص فاحذر أن تضعف أمامه في لحظة من اللحظات، فاحرص على أن تجمع نفسك قبل الدخول في الصلاة فلا تستسلم في وسطها، أو في آخرها، بل ينبغي أن تجاهد الشيطان حتى اللحظة الأخيرة من صلاتك، فالشيطان يسعى إلى تشتيت الذهن، حتى لا يعقل المصلي شيئاً من صلاته. إذاً ينبغي أن يستمر المصلي في المجاهدة، ولا ينقطع بأن يشمر عن ساعد الجد، فإذا لم يخشع في هذه الصلاة، فليعقد العزم على الخشوع في الأخرى، وإن قل خشوعه في هذه، فليحرص على كمال الخشوع في التي تليها، وهكذا... ولا يتضجر من المجاهدة. خامساً: تعظيم الموقف قال ذو النون رحمه الله تعالى في وصف العباد: (لو رأيت أحدهم، وقد قام إلى صلاته، فلما وقف في محرابه، واستفتح كلام سيده، خطر على باله أن ذلك المقام هو المقام الذي يقوم فيه الناس لرب العالمين، فانخلع قلبه، وذهل عقله). سادساً: إدراك لذة العبادة بالصلاة تلك اللذة التي لا يدانيها في سماء الحياة أي لذة، ذلك السمو الرفيع، والشعور العالي، والنعمة العظمى، إنها نعمة لا يعرفها إلا من ذاقها، نعمة ترفع العمر، وتباركه وتزكيه، يذوق فيها المؤمن ما لا يذوق في حياته كلها، حين يقوم المؤمن في صلاته، وهو خاضع مستكين، هادئ النفس مطمئن السريرة قرير الضمير، منكسر الخاطر يعيش في هذه اللحظات التي هي زاد له في طريقه إلى ربه، وهي المعين العذب الزلال، الذي به يسقي قلبه ويغذي به فؤاده، كي يرتقي في حياة الإيمان، ويحلق في سمائه. ولذا كان إمام أهل الإيمان، وقائد الخاشعين صلوات الله عليه، يقول: (يا بلال أرحنا بالصلاة)، فهي الراحة الدائمة للنفوس المطمئنة، الواثقة بربها، المؤمنة بآخرتها، لكي تشعر من خلالها أنها تناجي من بيديه ملكوت كل شيء، والقادر على كل شيء، فتخشع له جوارحهم، لتكون محصلتهم الجنة التي وعد الله بها عباده المؤمنين. سابعاً: الطمأنينة وعدم العجلة في الصل: اعلم أخي الحبيب، إن كنت ممن رام الخشية والخشوع وطلب الزيادة منهما، فإن أداء الصلاة بأناة وطمأنينة من صميم الخشوع وضرورياته. والعجلة في الصلاة غالباً ما تكون سبباً في ضياع الخشوع وذهابه. قال ابن تيمية رحمه الله: (وإذا كان الخشوع في الصلاة واجباً، وهو متضمن للسكون والخشوع، فمن نقر نقر الغراب لم يخشع في سجوده، ومن لم يطمئن لم يسكن، ومن لم يسكن لم يخشع في ركوعه، ولا سجوده، ومن لم يخشع كان آثما عاصياً). ثامناً: المحاسبة: وهي دوام محاسبة النفس ولومها وعتابها على ما لا ينبغي من الأعمال والأقوال، التي يزاولها المسلم في يومه وليلته، فعسى أن يكون ذلك العتاب دفعةً قوية لأن تستقيم النفس. تاسعاً: التخلص من الدنيا وشوائبها حين الصلاة: تنبه يا أخي واستيقظ من رقادك العميق، إن فرغت قلبك من الدنيا ومتاعها، وشوائبها، واستعنت بربك، وعملت بالأسباب سالفة الذكر، لتخشعن في صلاتك، ولتجدن لذة مناجاتك لربك، فاجتهد ولا تعجزن، والله معك. عاشراً: عدم الحركة في الصلاة إلا لضرورة فإن كثرة الحركة للمصلي في صلاته تصرفه عن الخشوع، وتشغله عن التدبر وعن حضور القلب في الصلاة. وسكون الجوارح من أكبر ما يعين على حضور القلب، ويبعث على الخشوع والخشية، إذا فهمت هذا يا أخي، فحري بك، وحقيق أن تسعى بكل جهدك، وبكل ما أوتيت من قدرة أن تكون من ركب الخاشعين. ثمرات الخشوع أولاً: الاستجابة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم وهذه الاستجابة ليس المقصود بها استجابة اللسان فحسب، بل استجابة اللسان والقلب والجوارح، إذ إن المؤمن حين يرق قلبه ويخشع، وحين تخضع جوارحه وتستكين، وحين يلبي ذلك النداء العلوي: (ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم) يصبح قد سلك في ركب (الذين استجابوا لله والرسول) ويلحق في موكب (والذين استجابوا وأقاموا الصلاة)، إنه موكب الاستجابة السريعة، والطاعة الحقة التي لا يعتريها تردد ولا تخاذل، لأنهم قد ربُّوا نفوسهم المؤمنة على ذلك المنهج الأصيل والطريق القويم. ثانياً: محبة العبد للعبادة لا شك أن أجمل اللحظات هي تلك اللحظات التي يقف فيها العبد بين يدي ربه يناجيه، ويتضرع إليه، يرجو رحمته ويخاف عذابه، عند ذلك ينسى العبد الدنيا وما فيها، ويتخلص القلب من كل الشواغل التي تصرفه عن سيده وخالقه، فهو يجد في الصلاة أنساً وسروراً ولذة، لا يعادله أنس ولا سرور ولا لذة، وهذا دأبه في الصلاة حتى ينتهي منها، فإذا انتهى من صلاته وجد نشاطاً وراحة وشوقاً إلى الصلاة الأخرى، فهذه العبادة هي ربيع قلبه، وهي بمنزلة الماء للشجرة، فكيف يكون حال الشجرة إذا انقطع الماء؟!. ثالثاً: دوام الصلة بالله تعالى وهذه سمة من أبرز ثمار الخشوع وآثاره، فأنت ترى القلب الخاشع التقي، دائم الصلة بمولاه كثير اللجوء إليه، كثير التوجه إليه، لأن قلبه يتدفق خشية ورقة، وينبض بالحيوية والحياة، يشرق بالنور، ويشع بالإيمان، كل ذلك من جراء صلته الدائبة بالعلي الأعلى، فهو يرتكز إليه في كل ما هو آتٍ من أعماله، ويركن إليه في يسره وعسره، ويتوجه إليه بقلبه وجوارحه، ترى الخاشع يلتجئ إلى الله عند كل خطب وجلل، ويعتصم به عند كل مفزع ومطمع، هو في كل صغيرة وكبيرة لا يعرف إلا الله، لأنه تيقن أنه (لا ملجأ من الله إلا إليه). رابعاً: التلذذ بالعبادة والأنس بالله تعالى من أجل ثمار الخشوع التي يكسبها صاحبه: اللذة الإيمانية العظيمة، والأنس بالله تعالى، وانشراح الصدر الذي يلمسه الخاشع ويجده، ولأهمية هذه الثمرة نكررها تأكيداً، إنها اللذة والسرور والأنس، الذي لا يعرفه إلا الموفقون. وقد وجد تلك اللذة الإيمانية، وعايشها شيخ الإسلام ابن تيمية، ولا سيما وهو سجين، لكنه كان في قمة السعادة، وأعلاها، لأنه جعل من السجن فرصة لأن يخلو بربه ومولاه. خامساً: السكينة والوقار السكينة صفة وسمة من صفات الخاشعين، تبدو على محياهم وحركاتهم وسكناتهم. والسكينة لفظ معبر مصور ذو ظلال، والسكينة حين ينزلها الله في قلب تكون طمأنينة وراحة، ويقيناً وثقة، ووقاراً وثباتاً، واستسلاماً ورضىً. إن السكينة الوقورة الهادئة هي التي تليق بقلب المؤمن الخاشع الموصول بربه، الساكن بهذه الصلة، المطمئن بما فيه من ثقة، المراقب لربه في كل خالجة وكل حركة، فلا يتبطر ولا يطغى، ولا يغضب لذاته، إنما يغضب لربه ودينه.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |