|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]()
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]() صفة خاصة بالأنبياء، فهل من مشمِّر؟ أ. محمد خير رمضان يوسف الذِّكرُ الجليل: وكان - عليه الصلاة والسلام - "يَذكُر الله على كل أحيانه" كما اتَّفقا عليه. وإن نظرةً في كتب الدعوات والأذكار وحدها، تبيِّن مدى ما كان عليه الرسول - صلى الله عليه وسلم - من ارتباطٍ بالدين عامة، وبالآخرة خاصة؛ فهو - عليه الصلاة والسلام - يذكُر الله بأنواع الذِّكر في معظم حركاته وتنقلاته، في السفر والحضر، وانفرادًا بنفسه أو عند أصحابه أو أزواجه، وفي السلم والحرب، وعند الراحة والتعب، وفي الرضا والغضب. وإن قلب المؤمن حيٌّ نابضٌ بالإيمان، فهو لا يفتأ يذكر الله بأنواع الذكر، وهو جالس، أو قائم، أو عامل، ويقول: أستغفر الله، وبسم الله، وسبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، واللهم صلِّ على سيِّدنا محمد، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وما شاء الله، يقول هذا وهو في مجالس الدين أو الدنيا، وفي المساجد أو الأسواق. وأورد هنا الحديث عن الذِّكر؛ لأن شأنه عظيم، ولأنه يعلِّق القلبَ بالله وباليوم الآخر، وإن الحثَّ عليه والانشغال به يسلك به الطريق الصحيح إلى رضا ربِّه، لأنه يهذِّب نفسه، ويُبعده عن الحرام؛ ولذلك يقول ربُّنا - سبحانه وتعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا} [الأحزاب: 41]؛ أي: اذكروه بالتسبيح والتحميد، والتكبير والتهليل، والتحميد والتقديس، ذكرًا كثيرًا يعمُّ أغلبَ الأوقات، على ما هداكم إلى الإيمان، وأنعم عليكم بأنواع النعم. فكان ذِكره وتذكيره - صلى الله عليه وسلم - أصحابَه بالآخرة متتاليًا؛ فهي المآل الأخير للإنسان، والمصيرُ الذي ينتهي إليه، ولا توبة في ذلك اليوم، ولا رجوع إلى الدنيا، ولكنه يوم الحصاد وتوزيع النتائج. الفائدة العملية من الذكرى: وجوانب الفائدة من الإيمان باليوم الآخر عديدة؛ فهو يحثُّ المؤمنَ على الأعمال الصالحة، يعني الجيِّدة، القويمة، البنَّاءة، التي تعود فائدتُها الحقيقية على نفسه، وعلى المسلمين، والناس عامة. ولا يكون العمل صالحًا إلا إذا كان موافقًا للشرع، وخالصًا لوجه الله - تعالى - وهذا يعني - من وجه آخر - أنه لا يُتصوَّر من المسلم الملتزم بدينه ضررٌ على عباد الله، ولا فساد ولا شرٌّ في الدنيا؛ فالله لا يأمر بالفحشاء، وينهى عن الضرر والمنكر، ولا يقبل من الإنسان إلا عملاً طيبًا خالصًا. ونعلم بهذا التوجيه الربانيِّ أن المرء بهذا يكون عنصرَ خيرٍ في الحياة، لا تُخشى بوائقه؛ فإن صاحِبَ هذا الإيمانِ يكفُّ عن الظلم، وعن كل ما يضرُّ بالناس؛ فهو يعرف أنه سيحاسَبُ على ما يعمل، ويُعاقب أشدَّ العقاب على فعل المنكر وإيذاء الناس؛ ولذلك فهو يحسب ألف حساب لما سيُقدم عليه من فعل - إذا كان ذا إيمان صادق - فالآخرةُ حق، والحسابُ دقيق، والمحاسِب الجبَّار. ولينظرْ كلٌّ ما يُقدمُ عليه من عملٍ وهو يتصوَّر موقفَه يوم القيامة من خلال قوله - تعالى -: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ * وَجَاءتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ} [ق: 20، 21]: جاءَتْ كُلُّ نَفسٍ في ذلكَ اليَوم - بَرَّةً كانتْ أم فاجِرَة - معَها مَلَكان، أحَدُهما يَسوقُها إلى المَحشَر، والآخَرُ يَشهَدُ عَليها بما عَمِلَت. فليَعملْ كلٌّ في مجالِ عملهِ وهو يرى مديرَ عمله فوق رأسه، كم يكونُ متقنًا فيه، ومُنتجًا له؟ وذاك أبلغ وأخوف. ولينظرِ الكاتبُ كذلك: كم يكون منصفًا، وصادقًا، ومتحريًا الحقَّ وهو يكتب؟ وهكذا، كل فئات المجتمع، في جميع مهامهم وأعمالهم. فالإيمان باليوم الآخر يهذِّب النفس، وينشِّطها لعمل الخيرات، ويكفُّها عن سفاسف الأمور، والأخلاق الدنيَّة، والفواحش والموبقات، ويحثُّها على الأعمال الصالحة، وعلى الاقتداء بالكُمَّل من البشر، أنبياء الله ورسله - عليهم الصلاة والسلام - فهم القدوة في تذكُّر الآخرة، والتذكير بها، والعمل لها. والإيمان باليوم الآخر يبعث على التفكُّر والاعتبار، وإن سبب عدم اعتبار الكافرين يعود إلى عدم إيمانهم بالمعاد، وعدم اكتراثهم ولا مبالاتهم بأمره؛ يقول الله – تعالى -: {وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ نُشُورًا} [الفرقان: 40]. يقول ربنا - سبحانه وتعالى -: {وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا واتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِندِ اللَّه خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [البقرة: 103]. إن الإيمان ينادي المسلم أن الأصل في حياته أن تكون للعمل للآخرة، ولا ينسى نصيبَه من الدنيا. وإن ظهور آثار هذا الإيمان على سلوك الفرد هو المطلوب والمهم في هذه الحياة، وهو ما ينبغي أن يبدو من خلال معاشه وتعامُله مع الناس، وقد طبَّق الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - ذلك في واقعهم، فكانوا أعدلَ الناس، وأصدقَهم إيمانًا وخشية، وكلما التزم المؤمنون بهذا الإيمان ومتطلباته، كانوا أقرب إلى إيمان الأنبياء وسلوكهم - عليهم الصلاة والسلام. مرتبة لهمَّة عالية: وقد يسأل المرء ويقول: كيف الوصول إلى هذه المرتبة، وهي تذكُّر الآخرة كثيرًا؟ ولا شك أن الجواب يحتاج إلى مقال وأكثر، وأذكِّر بالأهم. فإن اليوم الآخر جزءٌ من إيمان أعمّ، ولا ينفصل عنه، وزيادة الإيمان حق، وتكون بالتفكر والاعتبار، والطاعة، وقراءة القرآن بخشوع وتدبُّر، وبالذكر الجليل، والتوبة والاستغفار، وقصر الأمل، والتقلُّل من طلبات الدنيا، وفعل الخيرات، وترك المنكرات، واتِّقاء محارم الله عامة، والبُعد عن التسويف واللامبالاة، وشحذ العزيمة لطلب المعالي، وطلب الإعانة من الله؛ (اللهمَّ أعنِّي على ذِكرك، وشكركَ، وحسن عبادتك)، ومجالسة الصالحين، والعلماء العاملين، من الذين سيماهم في وجوههم من أثر السجود، وقراءة كتب الزهد والرقائق، وفيها العجب من أخبار الصالحين، وهكذا كان يفعل عبدالله بن المبارك، ينظر في آثار الصحابة والتابعين وأعمالهم، ويقول: إنه بهذا يجالسهم ويكون معهم، وألَّف ابن قدامة كتابه "الرقة والبكاء"؛ ليداوي بأخباره قسوةَ قلبه -وهو من هو! - ويستجلب بها دموع عينه، قال: "فطلبتُ ذلك في مظانه، فلم أرَ أجلبَ له، ولا أجمعَ لما أردتُ، من أخبار الصالحين، الذين تنزلُ الرحمة عند أذكارهم، وتحيا القلوب بسماع أخبارهم، وتحصل السعادة باقتفاء آثارهم". مواقف:وأخبار الصالحين ومواقفهم في تذكُّر الآخرة أيضًا كثيرةٌ لا تحصى، وأكتفي بمواقفَ معدودةٍ للخليفة الزاهد عمر بن عبدالعزيز - رحمه الله - كما وردتْ في سيرته لابن الجوزي، وغيرها، فقد كان أمير المدينة، وأميرًا للمؤمنين، وكان يشعر بمسؤوليته عن الأمة كلها، ويخشى الحساب، وهو ما يناسب المقالَ، وقد كان إيمانه باليوم الآخر قويًّا وعميقًا، وأثَّر هذا في أسلوبه ومنهجه في الحكم، الذي هو أعلى وأجلُّ المناصب الدنيوية، فكان من أعدل الخلفاء الذين عرفهم تاريخُ الإسلام. وقد عرَف القرَّاء كيف ذرفت عينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عندما بلغ عبدالله بن مسعود قوله - تعالى -: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاَءِ شَهِيدًا} [النساء: 41]؛ كما رواه الشيخان وغيرهما. وصلَّى أحدُهم خلف عمر بن عبدالعزيز، فقرأ: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ} [الصافات: 24] قال: فجعل يكرِّرها لا يستطيع أن يجاوزها؛ يعني: من البكاء. وعندما كان أمير المدينة وقرأ عنده رجل: {وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا} [الفرقان: 13]، بكى حتى غلبه البكاء وعلا نشيجُه، فقام من مجلسه، فدخل بيته، وتفرَّق الناس. وعندما كان خليفةً، صعد المنبر، فخطب، فقرأ: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ}، فقال: وما شأن الشمس؟ {وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ} حتى انتهى إلى: {وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ * وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ}، قال راويه: فبكى، وبكى أهل المسجد، وارتجَّ المسجد بالبكاء، حتى رأيت أن حيطان المسجد تبكي معه! وبكى مرةً، فبكى أهل الدار لبكائه، وهم لا يدرون لماذا يبكي؟ فسألته زوجتُه عن سبب بكائه، فقال: ذكرت - يا فاطمةُ - منصرف القوم من بين يدي الله، فريق في الجنة، وفريق في السعير، ثم صرخ، وغشي عليه. وكان يومًا ساكتًا وأصحابه يتحدَّثون، فقالوا له: ما لك لا تتكلم يا أمير المؤمنين؟ فقال: كنتُ مفكرًا في أهل الجنة كيف يتزاورون فيها، وفي أهل النار كيف يصطرخون فيها، ثم بكى. إن اليوم الآخر يوم صعبٌ شديد مهول، يشيب فيه الولدان، ويُحاسب فيه كلٌّ على عمله، وإن كان مثقال ذرَّة، ويفرز أهل الجنة من أهل النار، فسعيدٌ وشقيٌّ، وضاحك وباكٍ، وخالد ومخلَّد. وأنتم - أيها الأحياء - ما زلتم في الدنيا، وهناك متَّسع لأنْ تعملوا وتتوبوا، وتعملوا صالحًا، وتذكروا الآخرة بحق، فهل من مشمِّر؟!
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |