الجبل الأشم في مناقب حاتم الأصم - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 14853 - عددالزوار : 1086232 )           »          بيع العربون (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          أحكام من أدرك وقت الصلاة فلم يصل ثم زال تكليفه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          بيع حبل الحبلة والمضامين والملاقيح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          لماذا أحب رسول الله؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          علة حديث: ((من غسل واغتسل يوم الجمعة وبكر وابتكر، كان له بكل خطوة عمل سنة أجر صيامها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          الحديث العاشر: صلة الرحم تزيد في العمر والرزق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          تخريج حديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يبال في الجحر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          رفع الارتياب في بيان أحكام إجازة القراءة والسماع عن بعد ومن وراء حجاب لأحمد آل إبراهي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 483 - عددالزوار : 174608 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العام > الملتقى العام > ملتقى أعلام وشخصيات
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى أعلام وشخصيات ملتقى يختص بعرض السير التاريخية للشخصيات الاسلامية والعربية والعالمية من مفكرين وأدباء وسياسيين بارزين

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 06-02-2020, 07:14 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 163,449
الدولة : Egypt
افتراضي الجبل الأشم في مناقب حاتم الأصم

الجبل الأشم في مناقب حاتم الأصم

عادل الغرياني





الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله تعظيمًا لشانه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأعوانه، وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد:
فهذه وريقات عن شخصية من سلفنا الصالح وأجدادنا الكرام "لقمان هذه الأمة أبو عبدالرحمن حاتم الأصم رحمه الله تعالى"، جمعت أخباره وأقواله بدون تعليق كيلا أشتت ذهن القارئ، ويعنى بها الخطيب والداعي إلى الله؛ فهي إشارات على الطريق تنير لنا الظلمات، فما أجملَ الأقوالَ عندما تصدقها الأفعال! جعلنا الله من الذين يقولون فيعملون، ويعملون فيخلصون، ويخلصون فيقبلون، اللهم تقبلنا واستعملنا ولا تستبدلنا.
وصل اللهم على سيدنا محمد وآله
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين


اسمه ونسبه

حاتم بن علوان (عنوان) بن يوسف:
أبو عبدالرحمن، وقيل: أبو محمد، الزاهد الأصم، أحد أتباع الإمام الأعظم، وأحد أعلام الأئمة، وصلحاء هذه الأمة، كان مشهورًا بالزهد والتقلل، معروفًا بالورع والتقشف، وله كلام مدون في الزهد والحكم، وأسند الحديث عن شقيق بن إبراهيم البلخي، وشداد بن حكيم، وعبدالله بن المقدام، ورجاء بن محمد الصاغاني.

روى عنه: حمدان بن ذي النون، ومحمد بن فارس البلخيان، ومحمد بن مكرم الصفار.

وصحب عصام بن يوسف البلخي الإمام، وكان بينهما مباحث ومناظرات، وأهدى إليه عصام مرة شيئًا فقبله، فقيل له: لِمَ قبلته؟ فقال: وجدت في أخذه ذلي وعزه، وفي ردي عزي وذله، فاخترت عزه على عزي، وذلِّي على ذله.

وكان أبو بكر الوراق، يقول: حاتم الأصم لقمان هذه الأمة.

أخباره وأحواله
لم سمي بالأصم؟!
والسبب في تسميته بالأصم: أن امرأة جاءت إليه تسأله عن مسألة، فاتفق أنه خرج منها في تلك الحالة صوت، فخجلت، فقال حاتم: ارفعي صوتك، وأراها من نفسه أنه أصم، فسُرَّت المرأة بذلك، وقالت: إنه لم يسمع الصوت، فغلب عليه اسم الأصم.

كن عند سيدك:
وذكر عن حاتم أنه قال: لقينا الترك مرة، وكان بيننا جولة، فرماني تركي بوهق فأقلبني عن فرسي، ونزل عن دابته، وقعد على صدري، وأخذ بلحيتي هذه الوافرة، وأخرج من خفه سكينًا ليذبحني بها، فوحقِّ سيدي ما كان قلبي عنده ولا عند سكينه، إنما كان قلبي عند سيدي، أنظر ماذا ينزل به القضاء منه، فقلت: سيدي، قضيت عليَّ أن يذبحني هذا فعلى الرأس والعين، إنما أنا لك وملكك، فبينا أنا أخاطب سيدي وهو قاعد على صدري، آخذ بلحيتي ليذبحني، إذ رماه بعض المسلمين بسهم فما أخطأ حلقه، فسقط عني، فقمت أنا إليه، فأخذت السكين من يده فذبحته، فما هو إلا أن تكون قلوبكم عند السيد حتى تروا من عجائب لطفه ما لا ترون من الآباء والأمهات.

وروي أن رجلًا جاء إليه، فقال: يا أبا عبدالرحمن، أي شيءٍ رأس الزهد، ووسط الزهد، وآخر الزهد؟ فقال: رأس الزهد الثقة بالله، ووسطه الصبر، وآخره الإخلاص.

عزلته عن الناس وفصاحته (مع الملوك):
يحكي الرياشي قائلاً: قيل للرشيد: إن حاتمًا الأصم قد اعتزل الناس في قبة منذ ثلانين سنة، لا يحتاج إلى الناس في شيء من أمور الدنيا، ولا يكلمهم إلا عند مسألة لا بد له من الجواب، لعله لبس به قد ورثته إياه الوحدة، وقيل: إنه عاقل، فقال: سأمتحنه، فندب له أربعة: محمد بن الحسن، والكسائي، وعمرو بن بحر، ورجلاً آخر أحسبه الأصمعي، فجاؤوا حتى وقفوا تحت قبته، ونادى أحدهم: يا حاتم، يا حاتم، فلم يجبهم حتى قيل: بحق معبودك إلا أجبتنا، فأخرج رأسه وقال: يا أهل الحيرة، هذه يمين مؤمن لكافر وكافر لمؤمن، لم خصصتموني بالمعبود دونكم؟ ولكن الحق جرى على ألسنتكم؛ لأنكم اشتغلتم بعبادة الرشيد عن طاعة الله، فقال أحدهم: ما علمك بأنا خدام الرشيد؟ قال: من لم يرضَ من الدنيا إلا بمثل حالكم لا يزل عن مطلبه إلى قصد من لا يخبره، ولا يد عليَّ من الرشيد وأشباهه، فقال له عمرو بن بحر: لم اعتزلت الناس وفيهم من تعلم، وفيهم من يقدر على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ قال: صدقت، ولكن بينهم سلاطين الجَور يفتنونا عن ديننا؛ فالتخلي منهم أولى، قال: فعلامَ وطنت نفسك في العزلة وثبت عليه أمرك؟ قال: علمت أن القليل من الرزق يكفيني، فأقللت الحركة في طلبه، وأن فرضي لا يُقبَل إلا مني فأنا مشغول بأدائه، وأن أجلي لا بد يأتيني فأنا منتظر له، وأني لا أغيب عن عين مَن خلقني فأستحي منه أن يراني وأنا مشغول بغير ما وجب له، ثم رد باب القبة وحلف ألا يكلمهم، فرجعوا إلى الرشيد وقد حكموا أنه أعقل أهل زمانه.

قال حاتم الأصم: إنما بيني وبين الملوك يوم واحد؛ فأما أمس فلا يجدون لذته، وإني وإياهم في غد لعلى وجل، وإنما هو اليوم، وما عسى أن يكون في اليوم!

لا تغشى الملوك ولا تخشاهم:
ودخل بعض الأمراء على حاتم الأصم فقال له: ألك حاجة؟ قال نعم، قال: وما هي؟ قال: ألا تراني ولا أراك، ولا تعرفني.

مع العلماء:
وقدم حاتم مدينة بغداد في أيام أبي عبدالله أحمد بن حنبل، واجتمع معه.

حكى عنه أبو عبدالله الخواص، وكان من علية أصحابه، قال: لما دخل حاتمٌ بغداد، اجتمع إليه أهلها، فقالوا له: يا أبا عبدالرحمن، أنت رجل عجمي، ليس يكلمك أحد إلا قطعته، لأي معنى؟! فقال حاتم: معي ثلاث خِصال، بها أظهر على خصمي.

فقالوا: أي شيءٍ هي؟ قال: أفرح إذا أصاب خصمي، وأحزن له إذا ما أخطأ، وأحفظ نفسي لا تتجاهل عليه.

فبلغ ذلك أحمد بن حنبل، فقال: سبحان الله، ما أعقله من رجل!
وحدث أبو جعفر الهروي، قال: كنت مع حاتم أراد الحج، فلما وصل إلى بغداد، قال لي: يا أبا جعفر، أحب أن ألقى أحمد بن حنبل.

فسألنا عن منزله، ومضينا إليه، فطرقت عليه الباب، فلما خرج قلت: يا أبا عبدالله، أخوك حاتم.

قال: فسلم عليه، ورحب به، وقال بعد بشاشةٍ به: أخبرني يا حاتم، فيمَ التخلص من الناس؟ قال: يا أحمد، في ثلاث خصال.

قال: وما هي؟ قال: أن تعطيهم مالك، ولا تأخذ من مالهم شيئًا، وتقضي حقوقهم ولا تستقضي أحدًا منهم حقًّا لك، وتحتمل مكروههم، ولا تكره أحدًا منهم على شيء.

قال: فأطرق أحمد ينكت بأصبعه على الأرض، ثم رفع رأسه، وقال: يا حاتم، إنها لشديدة.
فقال له حاتم: وليتك تسلم، وليتك تسلم، وليتك تسلم.
وقال له رجل: بلغني أنك تجوز المفاوز من غير زاد.
فقال حاتم: بل أجوزها بالزاد، وإنما زادي فيها أربعة أشياء.

قال: وما هي؟ قال: أرى الدنيا كلها ملكًا لله، وأرى الخلق كلهم عباد الله وعياله، وأرى الأسباب والأرزاق كلها بيد الله، وأرى قضاء الله نافذًا في كل أرض.

فقال له الرجل: نعم الزاد زادك يا حاتم، أنت تجوز به مفاوز الآخرة، فكيف مفاوز الدنيا؟! وقال: رضي الله عنه: خرجت في سفر ومعي زاد، فنفِد زادي في وسط البرية، فكان قلبي في البرية والحضر واحدًا.

وروي أن عصام بن يوسف مر بحاتم الأصم، وهو يتكلم في مجلسه، فقال له: يا حاتم، تُحسن تصلي؟ قال: نعم، قال: كيف تُصلي؟ قال حاتم: أقوم بالأمر، وأقف بالخشية، وأدخل بالنية، وأكبر بالترتيل، وأركع وأسجد بالتواضع، وأجلس للتشهد بالتمام، وأسلم بالوقار والسنة، وأسلمها إلى الله تعالى بالإخلاص، وأرجع إلى نفسي بالخوف ألا يقبلها مني، وأحفظ بالجهد إلى الموت، فقال له: تكلم، فأنت تحسن تصلي.

بنت حاتم:
قال ابن الجوزي: بلغنا أن أمير بلدة حاتم الأصم اجتاز على باب حاتم، فاستسقى ماءً، فلما شرب رمى إليهم شيئًا من المال، فوافقه أصحابه، ففرح أهل الدار سوى بنية صغيرة، فإنها بكت، فقيل لها: ما يبكيك؟ قالت: مخلوق نظر إلينا فاستغنينا، فكيف لو نظر إلينا الخالق سبحانه وتعالى؟!

وروي أن شقيقًا البَلْخي قال لحاتم الأصم: ما الذي تعلمت مني منذ صحبتني؟ قال: ستة أشياء:
الأول: رأيت الناس كلهم في شك من أمر الرزق، فتوكلت على الله تعالى؛ لقوله تعالى: ﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا ﴾ [هود: 6]، فعلمت أني من جملة الدواب، فلم أشغَلْ نفسي بشيءٍ قد تكفل لي به ربي، قال: أحسنت.

والثاني: رأيت أن لكل إنسان صديقًا يفيء إليه بسره، ويشكو إليه أمره، فاتخذت لي صديقًا يكون لي بعد الموت، وهو فِعلُ الخير.

والثالث: رأيت لكل أحدٍ من الناس عدوًّا، فقلت: أنظر من عدوي! فرأيت من اغتابني أو أخذ من مالي أو ظلمني فليس عدوي، ولكن عدوي إذا كنت في طاعة الله تعالى أمرني بمعصيته، فرأيت أن ذلك إبليس اللعين وجنوده، فاتخذتهم أعداءً، ووضعت الحرب بيني وبينهم، ووترت قوسي، وفوقت سهمي، ولا أدع أحدًا منهم يقربني، قال: أحسنت.

والرابع: رأيت كل واحدٍ من الناس له طالب، فرأيت أن ذلك الطالب ملَك الموت، ففرغت نفسي له، حتى إذا جاء بادرت معه بلا علاقة، قال: أحسنت.

والخامس: نظرت في الخلق، فأحببت واحدًا وأبغضت واحدًا، فالذي أحببته لم يعطِني شيئًا، والذي أبغضته لم يأخذ مني شيئًا، فقلت: من أين أتيت؟ فنظرت، فإذا هو الحسد، فنفيتُه عني، وأحببت الناس كلهم، فكل شيءٍ لم أرضَه لنفسي لم أرضَه لهم، قال: أحسنت.

والسادس: رأيت كل واحد من الناس له بيت يسكنه ويأوي إليه، فرأيت مسكني القبر، فكل شيءٍ قدرت عليه من الخير قدمتُه لنفسي، حتى أعمر قبري؛ فإن القبر إذا كان خرابًا لا يمكن المقام فيه.

فقال له شقيق: يكفيك، ولست بمحتاج إلى غيره.
وقال: الزاهد يُذيب كيسه قبل نفسه، والمتزهد يذيب نفسه قبل كيسه، ولكل شيءٍ زينةٌ، وزينة العبادة: الخوف، وعلامة الخوف: قِصَرُ الأمل.

وقال - رحمه الله تعالى - ما ينبغي أن يُكتب بماء الذهب، وهو: لا تغترَّ بموضع صالح؛ فلا مكان أصلح من الجنة، لقي فيها آدم عليه الصلاة والسلام ما لقي، ولا تغتر بكثرة العبادة؛ فإن إبليس بعد طول تعبُّده لقي ما لقي، ولا تغتر بكثرة العلم؛ فإن بلعام كان يُحسن اسم الله الأعظم، فانظر ما لقي، ولا تغتر برؤية الصالحين، فلا شخص أكبر ولا أصلحُ من المصطفى صلى الله عليه وسلم، لم تنتفع بلقائه أقاربُه، وصاروا أعداءه.

وعن أبي عبدالله الخواص، قال: دخلت مع أبي عبدالرحمن حاتم الأصم إلى الرَّي، ومعه ثلاثمائة وعشرون رجلًا يريدون الحج، وعليهم الصوف والرزمانقات، وليس فيهم من معه طعام ولا جِراب، فنزلنا على رجل من التجار متنسك يحب الصالحين، فأضافنا تلك الليلة، فلما كان من الغد، قال لحاتم: يا أبا عبدالرحمن، ألك حاجة؛ فإني أريد أن أعود فقيهًا لنا وهو مريض؟ فقال حاتم: إن كان لكم فقيهٌ عليل، فعيادة الفقيه فيها فضل كثير، والنظر إلى الفقيه عبادة، وأنا أيضًا أجيء معك.

وكان المريض محمد بن مقاتل، قاضي الري، فقال: مر بنا يا أبا عبدالرحمن، فجاؤوا إلى باب داره، فإذا البواب كأنه أمير مسلط، فبقي حاتم متفكرًا يقول: باب دار عالم على هذه الحال؟! ثم أذن لهم فدخلوا، وإذا بدارٍ قوراء، وآلهٍ حسنة، وبزة وفرش وستور، فبقي حاتم متفكرًا ينظر حتى دخلوا إلى المجلس الذي فيه محمد بن مقاتل، وإذا بفراش حسن وطيءٍ ممهد، وهو راقد عليه، وعند رأسه خدمه، والناس وقوف.

فقعد الرازي وسأل عن حاله، وبقي حاتم قائمًا، وأومأ إليه محمد بن مقاتل بيده: اجلس.
فقال حاتم: لا أجلس.
فقال له محمد بن مقاتل: فلك حاجة؟ فقال: نعم.
فقال: وما هي؟ قال: مسألة أسألك عنها.
قال: سلني.
قال حاتم: قُم فاستوِ جالسًا حتى أسألك عنها.
فأمر غلمانه فأسندوه.
فقال له حاتم: علمك هذا، من أين جئت به؟ فقال: حدثني به الثقات.
قال: عمن؟ قال: عن الثقات من الأئمة.
قال: عمن أخذوه؟ فقال: عن التابعين.
قال: والتابعون، عمن أخذوه؟ فقال: عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، عمن أخذوه؟ قال: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: ورسول الله صلى الله عليه وسلم، عمن أخذه؟ قال: عن جبريل عليه الصلاة والسلام، عن الله عز وجل.

فقال له حاتم: ففيما أداه جبريل عن الله تعالى إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأداه النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه رضي الله عنهم، وأداه أصحابه إلى تابعيهم، وأداه التابعون إلى الأئمة، وأداه الأئمة إلى الثقات، وأداه الثقات إليك، هل سمعت: أن من كانت داره في الدنيا أحسن، وفراشه أجمل، وزينته أكثر، كانت له المنزلة عند الله تعالى أعظم؟ فقال: لا.

قال: فكيف سمعت؟ قال: سمعت: من زهد في الدنيا، ورغب في الآخرة، وأحب المساكين، وقدم لآخرته، كان له عند الله تعالى المنزلة أكثر.

قال حاتم: فأنت بمن اقتديت، بالنبي صلى الله عليه وسلم، أو بأصحابه، أو بالتابعين من بعدهم، والصالحين على أثرهم، أو بفرعون ونمرود، أول من بنى بالجص والآجُر؟

يا علماء السوء، مثلكم إذا رآه الجاهل المتكالب على الدنيا، الراغب فيها، يقول: إذا كان هذا العالم على هذه الحالة لا أكون أنا شرًّا منه.

قال: ثم خرج من عنده، وازداد محمد بن مقاتل مرضًا على مرضه من كلامه.

وبلغ أهلَ الرَّي ما جرى بين حاتم وبين أبي مقاتل، فقالوا لحاتم: يا أبا عبدالرحمن، إن محمد بن عبيد الطنافسي بقزوين، أكبر سنًّا من هذا، وهو غريق في الدنيا.

قال: فصار حاتم إليه متعمدًا، ودخل عليه وعنده الخلق مجتمعون يحدثهم، فقال له حاتم: رحمك الله، أنا رجل عجمي، جئتك لتعلمني مبتدأ دِيني، ومفتاح صلاتي، كيف أتوضأ للصلاة؟ فقال: نعم وكرامة، يا غلام، إناءً فيه ماء.

فجاءه بالإناء، وقعد محمد بن عبيد يتوضأ ثلاثًا، ثم قال له: هكذا فاصنع.
قال حاتم: مكانك، رحمك الله، حتى أتوضأ بين يديك؛ ليكون آكد لما أريد.
فقام الطنافسي، وقعد حاتم مكانه فتوضأ، وغسل وجهه ثلاثًا، حتى إذا بلغ الذراع غسله أربعًا.
فقال له الطنافسي: يا هذا، أسرفتَ.
فقال له حاتم: فيمَ أسرفتُ؟ قال: غسلت ذراعك أربعًا.

فقال له حاتم: سبحان الله تعالى! أنا أسرفت في كف من الماء، وأنت في جميع هذا الذي أراه كله لم تسرف! فعلم الطنافسي أنه قصد منه ذلك، ولم يرد أن يتعلم منه شيئًا، فدخل إلى البيت، ولم يخرج إلى الناس أربعين يومًا.

وكتب تجار الري إلى بغداد بما جرى بين حاتم وبين محمد بن مقاتل، ومحمد بن عبيد الطنافسي، ثم رحل حاتم إلى العراق، ودخل بغداد، واجتمع بعلمائها كما تقدم في أوائل الترجمة.

ثم خرج إلى الحِجاز، فلما صار إلى المدينة الشريفة، أحب أن ينظر علماءها، فقال لهم: يا قوم، أي مدينة هذه؟ قالوا: مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم.

قال: فأين قصر رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصلي فيه ركعتين؟ قالوا: ما كان له قصر، إنما كان له بيت لاطئ.
قال: قصور أهله وأزواجه وأصحابه بعده؟ قالوا: ما لهم إلا بيوت لاطئة.
فقال حاتم: يا قوم، هذه مدينة فرعون.
قال: فلببوه وذهبوا به إلى الوالي، فقالوا: هذا العجمي يقول: هذه مدينة فرعون.

فقال له الوالي: لم قلت ذلك؟ فقال له حاتم: لا تعجل عليَّ أيها الأمير، أنا رجل غريب، دخلت هذه المدينة، فسألت: أي مدينة هذه؟ فقالوا: مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، فقلت: وأين قصر الرسول صلى الله عليه وسلم لأصلي فيه ركعتين؟ قالوا: ما كان له قصر، إنما كان له بيت لاطئ، قلت: فقصور أهله وأزواجه وأصحابه بعده؟ قالوا: ما لهم إلا بيوت لاطئة، وسمعت الله تعالى يقول: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ ﴾ [الأحزاب: 21]، فأنتم بمن تأسيتم؛ برسول الله صلى الله عليه وسلم، أو بأصحابه، أو بفرعون أول من بنى بالجص والآجر؟ فخلوا عنه، وعرفوا أنه حاتم الأصم، وعلموا قصده.

وكان كلما دخل المدينة يكون له مجلس عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم، يحدث ويدعو، فاجتمع إليه مرة علماء المدينة، وقالوا: تعالوا نخجله في مجلسه، كما فعل بنا عند الوالي.

فحضروا عنده وقد اجتمع إليه خلق كثير، فقال له واحد: يا أبا عبدالرحمن، مسألة.

قال: سَلْ.
قال: ما تقول في رجل يقول: اللهم ارزقني؟!
قال حاتم: متى طلب هذا العبد الرزق من ربه عز وجل، في الوقت، أو قبل الوقت، أو بعد الوقت؟ فقالوا: يا أبا عبدالرحمن، ليس نفهم عنك هذا.

فقال حاتم: أنا أضرب لكم مثلًا حتى تفهموه، مثل العبد طلب الرزق من ربه تعالى قبل الوقت كمثل رجل كان له عند رجل دَين، فطالبه به، وقعد يلازمه، فاجتمع جيرانه وقالوا له: هذا رجل معدم، لا شيء له، فأجله في هذا الحق حتى يحتال ويعطيك، فقال لهم: كم تريدون أؤجله؟ قالوا: شهرًا، فتركه وانصرف، فلما كان بعد عشرة أيام جاء واقتضاه، فقام جيرانه فقالوا: سبحان الله! أجلته بين أيدينا شهرًا، ثم جئت تقتضيه بعد عشرة أيام، فتركه وانصرف، فلما كان محل الشهر جاء فاقتضاه، فقال الجيران: إنما حلَّ لك اليوم، دعه إلى بعد المحل ثلاثًا، فهذا مثل العبد الذي يطلب الرزق من ربه عز وجل.

ثم قال: عندكم أثاث، ودراهم في أكياسكم، وطعامكم في بيوتكم، وأنتم تقولون: اللهم ارزقنا، فقد رزقكم، كلوا وأطعموا إخوانكم المؤمنين، حتى إذا فني أقيموا بعده ثلاثًا، ثم سلوا ربكم عز وجل، عسى أن يموت أحدكم غدًا وعنده ما يخلف على الأعداء، وهو يسأل الله أن يزيده في رزقه، ما هذه الغفلة؟ فقالوا: نستغفر الله يا أبا عبدالرحمن، ما أردنا بالمسألة إلا إعناتك، ثم انصرفوا عنه.
يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 138.56 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 136.84 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (1.24%)]