|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() من أنا؟ فاروق بيطام أنا عبد ضعيف، ومخلوق ضعيف أمام الله، ومخلوق من سلالة من طين، حياتي مجموعة مما أدري ومما لا أدري، ليس لي حظٌّ من الدنيا إلا نصيب معلوم من كل شيء معلوم، وليس لي فيها إلا مجموعة أقدار لم أدركها، كما لم يدركها أحد ممن كان قبلي، ولن يدركها من سيأتي بعدي، أتجرَّع كل يوم مقداري النصيب مما كُتب لي أن أبلغ، ويستمر معها الشغف والأمل من إدراك ما لم يَبلُغني، وبين كل معتركات المفردة وما يقابلها من نقيض، محمودًا كان أو غير مرجوٍّ. أطمع النهل مما سار بين مفاصلها، كأن الحياة قدرت أن تحيا بين مفردتين هما الأصل في الحياة، وما للأصل بقاءٌ ما لم يكن له منه وعليه خلف وسلف. فتراها قد اجتمعت بانتظام غير مفهوم كان ذكره مما سبق، وتراها قد بعثت كما يبعث من اختلاط ألوان الضوء الأساس أشكالاً وأنواعًا، بل وألغازًا قد تحوج علي النفس. فيها كل الكمال الناقص المختلف، وفيها كل الاختلاف الناقص الكامل، وما بين كل شيء من كل شيء تجد أخيرًا بعضَ الخير، وبعض الشر، وبعض الحب، وبعض الكراهية. فتجد من كل اختلافين مفردتين، وتجد من كل معنى معنيين، ومن كل إحساس إحساسين، ومن كل فهم نقيضين. فتقرأ كل الكمال فيما نقص، وينقص مما كمل مهما كمل، وتستمر العَلاقة عَلاقتين، وربما باسم الاحتمالية المقدرة المحتمة تكون عَلاقة بين غريبين، ربما يجتمعان وربما لا يجتمعان! ولكن حقيقة التقائهما هي مصادفة فيها الكثير من القدر، وفيها الكثير من العلم الذي نجهله. ربما سندرك معناه الناقص، لكن أبدًا لن ندركه، فتستمر تلك المولودة الحياةُ، تارةً باسم القدَر، وتارة باسم الصُّدْفة، وأخرى بفعل الخُرافة، وأحيانًا قليلة - وإن حاولت أن تكتمل - ناقصة باسم محاولة تحصيل العلم والمعرفة. ربما التوغُّل في أبسط الأمور، لا أقول: المُعقَّدة منها؛ قد يزيد من تعقيدها، بدلاً من الخطة المرسومة عمدًا ومسبًقا لمحاولة فهمها وتيسيرها أبسط ما يمكن. ولكِنْ - عبارة تأكيد لا استدراك هنا - حق علينا العلم أننا مهما حاولنا اختصار حياتنا واختزالها قصد تيسيرها وفهمها ودراستها، يبقي الأمر صعبًا جدًّا، وإن لم أقل: مستحيلاً. ولولا هذا ما وجد هنالك دين، ولا معرفة، ولا كتاب، ولا حتى قراء. ومن يفهم ما يكتب أو يقرأ، أقول: صعبٌ جدًّا؛ لأنه يمكن معرفة القليل الناقص منها، وهذا أفضل بكثير من معرفة لا شيء. وهذا يحصل في حالة واحدة، ربما لا على سبيل الحصر - إن استطعنا في يومٍ حصرَ ما يحيط بنا من متناقضات - أقول: صعبٌ جدًّا؛ لأني أضعتُ الكثير مما كنت أوَدُّ في كتابته وأنا في صدد كتابة هاته السطور؛ لأنني حاولت الجمع بين قلة قليلة من المتناقضات التي تدور في جَعْبتي، والتي دفعتني مرغمًا منه أكثر مما أنا مخيَّرٌ للكتابة. وأقول: مستحيلٌ؛ لأن الكمال الناقص في حد ذاته هو متناقضة، فلا نستطيع غسل ماء بماء، ورأيت عينك لجسمك منطلقًا من موضعها، فكذلك هو أمر مستحيل. ربما يتبقى أمامنا حلٌّ أخير.. هو حل المرآة الصادقة التي لا تكذب - ولكني لم أجدها أبدًا - أقول: مرآةٌ صادقة؛ لأنك إن نظرت في مرآة عادية، وقارنت ما بداخلها وما هو واقع، فستجد عقلك يُفسِّرُ شمالك في واقعك أنه يمينك في مرآتك! فأي معجزة هذه؟! أهي البحث عن المرآة؟! أم هي تلك المقارنة المستحيلة التي ستجريها يومًا - إن وجدت ذاك الشطر الأول من المعادلة -؟! قد تستطيع تفسير سبب رؤيتك شمالَك يمينك على مستوى المرآة. لكن يا قارئي: هل تستطيع فهم الحياة بعدُ؛ لأن تقوم بإسقاطها على مرآتك؟ إنها الحياة، إنها الحياة، إنها أكبر حياة. هذا بالمختصر أقل ما يمكن أن يحصل لك إن حاولت فهم كل الحياة، أو حاولت ابتغاء الكمال فيها، فالكمال كل الكمال، والفهم كل الفهم فقط لله عز وجل، ربما يشفي شغفَك وجوعك أن تحاول فهم نفسك، وفهم خواطرها، وفهم ما يسرُّها وما يحزنُها، وفهم كل ما استطعت جمعه من المتناقضات فيها، ثم العمل بعد ذلك على تحسينها، وصقلها وفقًا لما يضمن لك حياة كريمة وشريفة، فيها إشباع وإرضاء للنَّهَم والشغف اللذين يختلجان ويزوران تفكيرَك في الكثير من الأحيان. والنفس هي مستقرُّ التناقض، فتجدك تصرخ في وجه أمك، أو وجه طفل صغير بدافع الغضب، وبعد أن تستكن إلى نفسك تجدك تشعر بكثير من الندم، وربما حتى الحسرة. فهل تلك الغفلة قبل الصراخ والبطش، وهل تلك الندامة ومحاسبة الضمير بعد تحليلك للموضوع هما وليدا تلك اللحظتين المختلفتين؟ أكيدٌ لا يمكن ولا يصح هذا، بل هما جزئيتان من ذاتك ونفسك اللحظيتين اللَّتين تولدان معك، وتستمران معك آخر لحظة في حياتك. أقول: تولدان معك، فمن فسر للطفل الصغير شعوره بالجوع، وحاجته لرضاعة أمه؟ ومن فسَّر له بعد الرضاعة اختفاء جوعه، وارتواء نفسه وروحه وبدنه، واقتناعه بهذا، ثم ركونه للنوم بعد ذلك؟! وأقول: إنها تستمر معه إلى آخر لحظة من لحظات حياته، وحجتي في ذلك: حالة الميت قبل احتضاره بلحظات، أثناءها، بعدها، ثم أن تفيض روحه. فتراها لما يسأل عن حبيب أساء إليه، لما يسأل عن غائب اشتاق إليه، لما يبكي حصرةً وندمًا عن خطأ قد اقترفه، وعن ذنب قد جناه على نفسه. فالطفل والمُحتضَر وهما أول وآخر ما يَبتدئُ به الإنسان وتنتهي به حياته، كلاهما يبحث عن الرضا، يبحث عن السكينة، يبحث عن نفسه. بالمختصر محمد يبحث عن محمد، وعلي يبحث عن علي، وهكذا. فحينما يجد كل واحد منا ما بحث عنه، حينها يتحقق له الرضا، وتوهب له السكينة، فتجد الرضيع يريد ويرغب بعد الرضا أن يستمر في الحياة. وتجد المحتضر قد رضي أخيرًا واستسلم، وصار راضخًا للانتقال للحياة الأخرى. فكل إنسان في هاته الحياة هو في بحث مستمر عن نفسه إلى أن يجدَها، وربما منهم من لا يجدها أبدًا. فكيف تبحث عن نفسك؟ وأين تبحث عن نفسك؟ ومتى تستطيع القول أنك قد وجدت نفسك؟ ولكن احذر جيدًا! وتذكر جيدًا! ولا تنسَ أبدًا! أنك مهما حاولت، فهناك دائمًا شيء ناقص! قبل هذا، ومن بداية كلماتي الأولى، وكلماتي هاته، وآخر أيام في حياتي، ويوم القيامة، فهناك دائمًا شيء ناقص! أما بعدها، فالله أعلم. وبإذن الله بعد قراءتك لهذا، فإنك على الأقل ستفهم القليل مما حاولت إيصاله لك وتذكر دائمًا! اقرأ جيدًا، حاول جيدًا، وجاهد في سبيل فهمك؛ لأن قليلاً يبقي دائمًا أفضل من لا شيء. وباتباع بعض الخطوات ستهتدي إن شاء الله لما يُحسِّنُ من حياتك وينير لك دربك، ويجعلك من السعداء في حياتك وفي آخرتك.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |