|
ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() تفسير آية الآداب العشرة في سورة الأنعام محمد بن عبد الله العبدلي إن من رحمة الله- تبارك وتعالى -أن أرسل إلينا خير البشر محمد بن عبد الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وأنزل عليه أحسن الكتب القرآن العظيم هذا الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، بين الله فيه كل شيء كما قال: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ)[النحل: 89]، وسيكون الكلام على ثلاث آيات منه، تسمى بالوصايا العشر، وهي في سورة الأنعام قال الله - تعالى -: (قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)[الأنعام: 151-153]، فحتم الآية الأولى بقوله: (ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)، وختم الآية الثانية بقوله: (ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)، وختم الآية الثالثة بقوله: (ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، كل ذلك بياناً وتوكيداً لأهمية هذه الأمور الموصى بها، وضرورة الاهتمام بها، ورُوي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه يقول عن هذه الآيات أنهن الآيات المحكمات([1])، قال الحافظ ابن كثير: "يقول - تعالى -لنبيه ورسوله محمد - صلى الله عليه وسلم -: قل يا محمد -لهؤلاء المشركين الذين أشركوا وعبدوا غير الله، وحرموا ما رزقهم الله، وقتلوا أولادهم وكل ذلك فعلوه بآرائهم وتسويل الشياطين لهم، (قُلْ) لهم (تَعَالَوْاْ) أي: هلموا وأقبلوا: (أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ) أي: أقص عليكم وأخبركم بما حرم ربكم عليكم حقا لا تخرصا، ولا ظنا، بل وحيا منه وأمرا من عنده: (أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا) وكأن في الكلام محذوفا دل عليه السياق، وتقديره: وأوصاكم (أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا)؛ ولهذا قال في آخر الآية: (ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)"([2]). وهذه الآيات تضمنت عشر وصايا من الله- تبارك وتعالى - أمراً نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يقول لأتباعه المؤمنين تعالوا أبين لكم ما حرم ربكم عليكم وذكر ما حرم عليهم، وعليكم بفعل هذه الأمور، فالآيات تضمنت مأمورات بتركهن ومأمورات بفعلهن، وسنفصل كل وصية على حدة وهن كالتالي: الوصية الأولى: قوله- تبارك وتعالى -: (أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا)، النهي عن الشرك: الشرك هو صرف شيء من العبادة لغير الله تبارك وتعالى، الشرك هو أكبر معصية وهو أكبر كبيرة، وهو الذنب الذي لا يغفر قال الله- تبارك وتعالى -: (إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا) [النساء: 48]، وأخبر - سبحانه - بأن من أشرك بالله فإنه ضل ضلالاً بعيداً فقال: (وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا)[النساء: 116]، وأوصى لقمان ابنه باجتناب الشرك كما في قوله: (يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)[لقمان: 13]، وقال - سبحانه - مبيناً خطر الشرك: (حُنَفَاء لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ)[الحج: 31]، وقال مخبراً بأن الجنة محرمة على المشركين، وأن مأواهم النار: (إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ)[المائدة: 72]، وقال مخاطباً نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم -: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[الزمر: 65]، وورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في خطر الشرك وأنه سبب في دخول النار والحرمان من الجنة كثير من الأحاديث نذكر بعضاً منها حديث أبي ذر: عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أتاني جبريل فبشرني أنه من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة))([3])، وسئل النبي - صلى الله عليه وسلم - كما في حديث جابر عن ما الموجبتان؟ فقال: ((من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة، ومن مات يشرك بالله شيئا دخل النار))([4])، وغيرها من الأحاديث. الوصية الثانية: قوله - تعالى -: (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)، الوصية بالإحسان للوالدين: إن حق الوالدين عظيم؛ لذا أوصى الله- تبارك وتعالى -بالإحسان إليهما في هذه الآية، وفي سور متعددة منها قوله: (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)[العنكبوت: 8]، وقرن حقه - سبحانه - بحقهما كما في قوله: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً)[البقرة: 83]، وقال: (وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)[النساء: 36]، وقال: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا)[الإسراء: 23]، وأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن العقوق من الكبائر([5]). الوصية الثالثة: قوله - تعالى -: (وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ)، الوصية بالنهي عن قتل الأولاد خشية الفقر: أوصى الله- تبارك وتعالى -الآباء بعدم قتل الأبناء خشية الفقر، فإنه - سبحانه - هو الرزاق، رزق الأبناء على الله كما رزق الآباء على الله قال الحافظ ابن كثير: "لما أوصى - تعالى -بالوالدين والأجداد عطف على ذلك الإحسان إلى الأبناء والأحفاد فقال - تعالى -: (وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ)، وذلك أنهم كانوا يقتلون أودلاهم كما سولت لهم الشياطين ذلك فكانوا يئدون البنات خشية العار وربما قتلوا بعض الذكور خشية الافتقار ولهذا ورد في الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أنه سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أي الذنب أعظم؟ قال: ((أن تجعل لله ندا وهو خلقك)) قلت: ثم أي؟ قال: ((أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك))، قلت: ثم أي؟ قال: ((أن تزاني حليلة جارك)) ثم تلا: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ)[الفرقان: 68]الآية"([6])، وقوله - تعالى -: (مِّنْ إمْلاَقٍ) قال ابن عباس وقتادة والسدي وغيره: هو الفقر أي ولا تقتلوهم من فقركم الحاصل وقال في سورة الإسراء: (وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ) [الإسراء: 31] أي لا تقتلوهم خوفاً من الفقر في الأجل، ولهذا قال هناك: (نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ) فبدأ برزقهم للاهتمام بهم، أي: لا تخافوا من فقركم بسبب رزقهم فهو على الله وأما في هذه الآية فلما كان الفقر حاصلا قال: (نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ)لأنه الأهم ههنا"([7]). الوصية الرابعة: قوله - تعالى -: (وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ)، الوصية بالنهي عن قربان الفواحش بأنواعها: ثم نهى الله - تعالى -عن مقاربة الفواحش، والفاحشة هي كل ما عظم قبحه من الأقوال والأفعال، وقد كان ابن مسعود يقول: "لا أحد أغير من الله ولذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا شيء أحب إليه المدح من الله ولذلك مدح نفسه"([8]). الوصية الخامسة: قوله - تعالى -: (وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ)، الوصية بالنهي عن قتل النفس التي حرمها إلا بالحق: نهى الله- تبارك وتعالى -في هذه الآية الكريمة عن قتل النفس المعصومة التي لا يجوز قتلها بغير حق، وقد قال الله مبيناً جُرم هذه الفِعلة: (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا)[النساء: 93]، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - كما في حديث ابن عمر: ((لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما))([9])، وقال ابن سعدي مبيناً من هي النفس المعصومة: " وهي: النفس المسلمة، من ذكر وأنثى، صغير وكبير، بر وفاجر، والكافرة التي قد عصمت بالعهد والميثاق، (إِلا بِالْحَقِّ) كالزاني المحصن، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة"([10])، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث ابن مسعود: ((لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث النفس بالنفس والثيب الزاني والمفارق لدينه التارك للجماعة))([11])، فالنفس التي لا يجوز قتلها هي النفس المعصومة، وتكون غير معصومة بأمور: منها ما بينه حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - المتقدم. الوصية السادسة: قوله - تعالى -: (وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ)، النهي عن أموال اليتامى إلا بالتي هي أحسن: ونهى الله عن مقاربة مال اليتيم، ومن باب أولى أكله إلا بالتي هي أحسن، ولا يُفهم من قوله: (حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ)، أنه يجوز قربان وأكل أموال اليتامى إذا بلغوا أشدهم، بل المراد ببلوغ الأشد أنه تدفع إليهم أموالهم كما بين ذلك قول ربنا في كتابه: (وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَن يَكْبَرُواْ... )[النساء: 6]، وقال الله- تبارك وتعالى -محذراً من أكل أموال الناس: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا)[النساء: 10]. الوصية السابعة: قوله - تعالى -: (وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ)، أوصى الله بالأمر بإيفاء المكيال والميزان بالقسط: ويأمر الله في هذه الآية بإقامة العدل في الكيل والوزن، وقال شعيب - عليه السلام - لقومه: (يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلاَ تَنقُصُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّيَ أَرَاكُم بِخَيْرٍ وَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ)[هود: 84]، قال الحافظ ابن كثير: " أمر - تعالى -بإقامة العدل في الأخذ والإعطاء، كما توعد على تركه في قوله - تعالى -: (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ* وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ... )، إلى قوله: (النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ)[المطففين: 1-6]، وقد أهلك الله أمة من الأمم كانوا يبخسون المكيال والميزان"([12])، ثم قال: " وقوله - تعالى -: (لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا) أي: من اجتهد في أداء الحق وأخذه، فإن أخطأ بعد استفراغ وسعه وبذل جهده فلا حرج عليه"([13]). الوصية الثامنة: قوله - تعالى -: (وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى)، أوصى الله وأمر بقول الحق والعدل فيه ولو كان على أولي القربى: وأمر الله في هذه الآية بأن يعدل الإنسان في أقواله وأفعاله حتى مع أقرب الناس إليه، كما قال في آية أخرى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ)[النساء: 135]. الوصية التاسعة: قوله - تعالى -: (وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ)، أوصى وأمر بإيفاء العهد: ثم أمر الله بالوفاء بعهده، قال الحافظ ابن كثير: "قال ابن جرير: يقول وبوصية الله التي أوصاكم بها فأوفوا، وإيفاء ذلك أن تطيعوه فيما أمركم ونهاكم، وتعملوا بكتابه وسنة رسوله، وذلك هو الوفاء بعهد الله (ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)، يقول - تعالى -: هذا أوصاكم به وأمركم به وأكد عليكم فيه (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) أي: تتعظون وتنتهون عما كنتم فيه قبل هذا"([14]). الوصية العاشر: قوله - تعالى -: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ)، أمر الله باتباع صراط الله المستقيم ونهى عن التفرق واتباع السبل: وبعد أن ساق - سبحانه - ما تقدم من الوصايا وطلب العمل بما جاء من الأوامر، وترك ما نهى عنه - سبحانه -، وحصل بذلك البيان والإرشاد من تلك الوصايا الجامعة، فاتضح طريق الحق وبان؛ لأن هذه الوصايا تمثل الصراط المستقيم قال - سبحانه - مشيراً إليها: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً)، فدين الله - سبحانه - وشريعته هي الصراط المستقيم، ثم أمرهم باتباعه فقال: (فَاتَّبِعُوهُ)، ونهاهم عن اتباع السُبل المخالفة لهذا المنهج القويم فقال: (وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ)، قال الحافظ ابن كثير: " أمر الله المؤمنين بالجماعة ونهاهم عن الاختلاف والتفرقة، وأخبرهم أنه إنما هلك من كان قبلهم بالمراء والخصومات في دين الله ونحو هذا، قاله مجاهد وغير واحد، وروى الإمام أحمد بسنده عن عبد الله هو ابن مسعودرضي الله عنه: قال: خط رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطاً بيده، ثم قال: "هذا سبيل الله مستقيماً" وخط عن يمينه وشماله ثم قال: ((هذه السبل ليس منها سبيل إلا عليه شيطان يدعو إليه))، ثم قرأ: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ)"([15])"([16]). فالله - سبحانه - جمع في هذه الوصايا بين الأمر بإتباع سبيل الحق، والنهي عن سبيل الضلال المقابلة له، وفقنا الله للزوم صراطه المستقيم والحمد لله رب العالمين. ---------------------------- [1]) رواه الحاكم في المستدرك على الصحيحين، برقم (3138)، وقال:"هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه". ([2]) تفسير ابن كثير ت سلامة (3/ 359-360). ([3]) رواه البخاري، برقم (7487). ([4]) رواه مسلم، برقم (93). ([5]) رواه البخاري برقم(5632)، ومسلم برقم(88)، كما في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه. ([6]) رواه البخاري برقم(4483)، ورقم(6468). ([7]) تفسير ابن كثير (2/251). ([8]) رواه البخاري برقم(4358)، ومسلم برقم(2760). ([9]) رواه البخاري برقم (6469). ([10]) تفسير السعدي(279). ([11]) رواه البخاري برقم(6484)، وبنحوه رواه مسلم برقم(1676). ([12]) تفسير ابن كثير(2/231)، بتصرف يسير. ([13]) تفسير ابن كثير(2/231). ([14]) تفسير ابن كثير(2/232). ([15]) رواه أحمد في المسند، برقم (4437)،وقال محققوه: "إسناده حسن من أجل عاصم، وهو ابن أبي النجود، وبقية رجاله ثقات رجال الشيخين غير أبي بكر - وهو ابن عياش - فمن رجال البخاري، وأخرج له مسلم في " المقدمة"". ([16])تفسير ابن كثير(2/232) بتصرف.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |