|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() ما أورده الحسن البصري من الآداب ومكارم الأخلاق د. أحمد عبدالوهاب الشرقاوي رُوِيَ عن الحَسَنِ - رَحِمَهُ اللهُ - أنَّهُ كانَ يقولُ: قضاءُ حاجَةِ أخٍ مسلمٍ أحبُّ إليَّ مِنِ اعْتكافِ شهرٍ. وسألَهُ رجلٌ عن حُسْنِ الخُلُقِ ما هو؟ فقالَ: البَذْلُ، والعَفْوُ، والاحْتِمَالُ. وَكَانَ يَقُولُ: مروءةُ الرَّجُلِ: صِدْقُ لِسانِهِ، واحْتِمَالُهُ مُؤْنَةَ إخْوانِهِ، وبذْلُهُ المعروفَ لأهلِ زمانِهِ، وكَفُّهُ الأذى عن جيرانِهِ. وَكَانَ يَقُولُ: لو شاءَ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ - لجعلَكُمْ أغنياءَ لا فقيرَ فيكم، ولو شاءَ لجعلَكُمُ فقراءَ ولا غَنِيٌّ فيكم، ولكنِ ابْتَلَى بعضَكُمْ ببعضٍ لِيَنْظُرَ كيفَ تَعْمَلُونَ. ثم دلَّ عِبادَهُ على مكارِمِ الأخلاقِ، فقالَ - جلَّ جلالُهُ -: ﴿ ويُؤْثِرُونَ عَلَى أنْفُسِهِم وَلَوْ كَانِ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمِنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ ﴾[1]. وقالَ: عِدَة الكريم: فِعْلٌ وتَعْجِيلٌ، وعِدَة اللَّئيمِ: تَسْويفٌ وتطويلٌ. وَكَانَ يَقُولُ: ما أنصفك من كلَّفكَ إجلالهُ، ومَنَعَكَ مالَهُ. وقالَ: كُنَّا نعد البخيل مِنَا الذي يُقْرِضَ أخاهُ الدِّرْهَمْ؛ إذْ كُنا نُعامِلَ بالمُشَارَكَةِ والإيثار. واللهِ! لقد كانَ أحدُ من رأيتُ وصَحِبْتُ يَشُقُّ إزارَهُ فَيُؤْثِرْ أخاهُ بنصفِه، ويبقى له ما بَقي، ولقد كانَ الرجلُ مِمَّنْ كانَ قبلَكُم يصوم، فإذا كانَ عندَ فِطْرِهِ، مَرَّ على بعضِ إخوانِهِ، فيقول: إني صُمْتُ هذا اليومَ للهِ، وأردْتُ إنْ تَقَبَّلَهُ اللهُ مني أن يكونَ لكَ فيه حظٌ، فهلم شيئاً من عشائِكَ، فيأتيه الآخرُ ما تَيَسَّرَ مِنْ ماءٍ وتمرٍ يُفْطِر عليه يبتغي أن يُكْسِبَهُ أجراً، وإنْ كان غَنياً عن الذي عندَهُ. وَكَانَ يَقُولُ: أدركتُ أقواماً، وإنَّ الرجلَ منهم لْيَخْلُفُ أخاهُ في أهلِهِ وَوَلَدِه أربعينَ سنةً بعد مَوْتِهِ. وَكَانَ يَقُولُ: إذا دخلَ الرجلُ بيتَ صديقِه، فلا بأسَ عليه أن يتناولَ مما حضَرَ من طعامِهِ وفاكهتِه بغيرِ إذْنِهِ. وَكَانَ يَقُولُ: ما من نفقةٍ إلا والعبدُ يُحاسَبُ عليها، إلا نفقَتَهُ على والِدَيْهِ فَمَنْ دُونهما، أو نفقَتهُ على أخيه في الله، وصاحبِهِ في طاعتِهِ؛ فإنه رُوِيَ أنَّ اللهَ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - يَسْتَحْيي أن يُحاسِبَهُ عليها. وَكَانَ يَقُولُ: ليسَ من المروءةِ أن يربحَ الرجلُ على أخيهِ. وَكَانَ يَقُولُ: احْذَرْ مِمَّنْ نَقَلَ إليكَ حديثَ غَيْرِكَ، فإنَّهُ سينقلُ إلى غيرِك حديثَكَ. وَكَانَ يَقُولُ: ابنَ آدّمّ! عملُكَ لكَ، انظُرْ على أيِّ حالٍ تُحِبُّ أن تلقَى عليها رَبَّكَ؟ وَكَانَ يَقُولُ: إن لأهلِ الخيرِ علامةً يُعرَفون بها: صِدْقُ الحديثِ، وأداءُ الأمانةِ، والوفاءُ بالعهدِ، وقِلَّةُ الفَخْرِ والخُيلاءِ، وصِلَةِ الرَّحِمِ؛ وَرَحْمَةُ الضعفاءِ، وبَذْلُ المعروفِ، وحُسْن الخُلُقِ، وسَعَةُ الحِلْمِ، وبثُّ العِلْمِ، وقِلَّةُ مُثَافَنَةِ النِّساءِ[2]. وَكَانَ يَقُولُ: ابنَ آدم! عِفَّ عنْ محارِمِ اللهِ تَكُنْ عابداً، وارْضَ بما قَسَمَ اللهُ تكنْ غَنِياً، وأَحْسَنُ جِوارَ مَنْ جَاوَرَكَ تَكُنْ مُؤْمِناً، وأحْبِبِ للناسِ ما تُحبُّ لِنَفْسِكَ تَكُنْ عَدْلاً، وأقلِلِ الضَّحِكَ؛ فإنَّه يُميتُ القلبَ كما يموتُ البدنُ. وَكَانَ يَقُولُ: أيُّهَا النَّاسُ! إنكم لا تَنالون ما تُحِبُّون إلا بِتَرْكِ ما تَشْتَهُونَ، ولا تُدْرِكُونَ ما تُأْمُلون إلا بالصبرِ على ما تَكْرَهونَ. وَكَانَ يَقُولُ: الصبرُ كنزٌ مِنْ كُنوزِ الجنَّةِ، وإنما يُدْرِكُ الإنسانُ الخيرَ كُلَّهُ بِصَبْرِ ساعةٍ. وَكَانَ يَقُولُ: مَنْ أُعْطِيَ دَرَجة الرِّضا، كُفِيَ المُؤَنَ، ومن كُفِيَ المُؤَنَ، صبر على المِحَنِ. وقيلَ: تَسَابَّ[3] رَجُلانِ بِحَضْرَةِ الحَسَنِ، فقامَ المَسْبوبُ وهوَ يَمْسَحُ العرقَ عن وَجْهِهِ، ويَتْلو: ﴿ وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ ﴾[4]، فقال الحَسَنُ: للهِ درُّهُ، عَقَلَها - واللهِ - حينَ ضَيَّعَها الجاهِلون. وقال: ابن آدَمَ! لتَصْبِرَنَّ أوْ لَتهْلِكُنَّ. وقال: لقد رُوِيَ: أن رجلاً شتم أبا ذر[5] - رَحِمَهُ اللهُ – فقالَ: إن بيني وبينَ الجَنَّةِ عَقَبَةٌ، إن جُزْتُها، فأنا خيرٌ مما تقولُ، وإنْ عُوِّجَ بي دُونَها إلى النار، فأنا أشرُّ مما قُلْت، فانْتهِ أيها الرجلُ؛ فإنكَ تصيرُ إلى منْ يعلمُ خائنةَ الأعيُنِ وما تُخْفي الصدورُ. وقيل: شتمَ رجلٌ رجلاً، فقالَ: لولا أنَّ اللهَ - عَزَّ وَجَلَّ - [يسمعُ، لأجَبْتُكَ]. وَكَانَ يَقُولُ: الصَّبْرُ صَبْران: صبرٌ عند المُصيبةِ، وصبرٌ عنِ المَعْصِيةِ، فمَنْ قَدَرَ على ذلكَ، فقد نالَ أفضلَ الصَّبْرَيْن. وَكَانَ يَقُولُ: ما مِنْ جُرْعَةٍ أحبُّ إلى اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - مِنْ جُرْعَةِ مُصيبةٍ مُوجِعةٍ يَتَجرَّعُهَا صاحبُها بِحُسْنِ عزاءٍ وصَبْرٍ، أو جُرْعَةِ غيظٍ يحملُها بِفَضْلِ عفوٍ وحلمٍ. وَكَانَ يَقُولُ: ابنَ آدمَ! إنك لن تجمعَ إيماناً وخِيانةً، كيف تكونُ مؤمناً ولا يَأْمَنُكَ جارُكَ؟ أو تكونُ مسلماً ولا يَسْلَمُ الناسُ منكَ، أليسَ قد رُوِيَ عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قالَ: (( لا إيمَانَ لِمَنْ لا أمَانَةَ لَهُ، ولا دِينَ لِمَنْ لا عَهْدَ لَهُ )) [6]. وكان - عَلَيْهِ السَّلامُ - يقولُ: (( ليسَ بمؤمنٍ مَنْ خَافَ جارُهُ بِوائِقَهُ )) [7]. ثم يقولُ الحَسَنُ - رَحِمَهُ اللهُ -: ابنَ آدمَ! إَّنكَ لا تستحقُ حقيقةَ الإيمانِ حتى لا تعيبَ الناسَ بعَيْبٍ هو فيكَ، فأصْلَحَ عيْبَ نفسِك، فإنَّك لا تُصْلِحُ عيباً إلا وجدتَ عَيباً آخرَ أنتَ أوْلى بإصلاحِهِ. ابنَ آدمَ! إن تكنْ عدلاً، فاجعلْ لكَ عن عُيوبِ الناسِ شُغْلاً؛ فإنَّ أحبَّ العبادِ إلى اللهِ مَنْ كانَ كذلكَ. وقيل: أنشَدَهُ رجلٌ يوماً: وأجْرَأُ مَنْ رَأيْتُ بِظَهْرِ غَيْبٍ ![]() عَلَى عَيْبٍ الرِّجالِ ذوو العُيوبِ[8] ![]() فقال: للهِ درُّ القائِلِ! إنهُ كما قال. وَكَانَ يَقُولُ: ابنَ آدمَ! ما أَوْهَنَكَ وأكْثَرَ غَفْلَتَكَ! تعيبُ الناسَ بالذنوبِ، وتَنْساها من نَفْسِكَ، وتُبْصِرُ القَذَى في عينِ أخِيكَ، وتَعْمَى عن الجِذْعِ مُعْتَرِضاً في عَيْنَيِكَ، ما أقلَّ إنْصَافَكَ، وأكثرَ حَيْفَك! وَكَانَ يَقُولُ: رُوِيَ أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (( أهلُ المعروفِ في الدُّنْيَا هم أهلُ المعروفِ في الآخرةِ )) [9]. وذلك أنَّ اللهَ - عَزَّ وَجَلَّ - غفرَ لهم ذنوبَهُم، بما أسْدَوْهُ من المعروفِ إلى خَلْقِهِ في دارِ الدُّنْيَا، ثم يقولُ لهمْ يَومَ القيامة: هَبُوا حَسَنَاتِكُمْ لِمْنْ شِئْتُم، فقد غَفَرْتُ لكمْ سَيِّئَاتكم، فيَهَبُون حسناتِهِمْ، فيكونونَ أهلَ معروفٍ في الآخرةِ، كما كانوا في الدُّنْيَا. يتبع
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]() ما أورده الحسن البصري من الآداب ومكارم الأخلاق د. أحمد عبدالوهاب الشرقاوي وسئل: أيُّ الأخلاقِ أفضلُ؟ فقالَ: الجُودُ والصِّدْقُ. وَكَانَ يَقُولُ: أدركتُ قوماً ما كان أحدُهم بدينارِه ولا بِدِرْهمِهِ أحقُّ به من أخيهِ المُسْلمِ، فما بالُكُمْ - معْشَرَ الناسِ - تَحْمِلونَ على ما بِهِ تُؤاخَذون، وعليه تُحاسَبون؟! وسمعَ رجلاً يُحاسِبُ آخرَ، ويقولُ: بقي لي عليك دانِقٌ، فقال: لا تُدنِّقوا فيُدَنِّقَ اللهُ عليكم، لعنَ اللهُ الدانِقَ، ومن دنَّقَ الدَّانِقَ[10]. وَكَانَ يَقُولُ: إنهُ لا دِينَ لِمَنْ لا مُروءةَ له. وَكَانَ يَقُولُ: من حَبَسَ الطَّعَامَ أربعينَ يوماً يَطْلُبُ إغلاءَهُ، ثمَّ لو طَحَنَه، وخَبَزَهُ، وأطْعَمَهُ المساكينَ، لَمْ يَنْجُ من إثْمِهِ، ولا يَسْلَمُ مِنْ ذَنْبِهِ. وَكَانَ يَقُولُ: ليس حُسْنُ الجِوارَ كَفَّ الأذَى، وإنما حُسْنُ الجوارِ احتمالُ الأذَى. وَكَانَ يَقُولُ: أربعٌ مَنْ كُنَّ فيه عَصَمَهُ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ - من الشيطانِ، وعافاهُ من النارِ: من مَلَكَ نَفْسَهُ عندَ الرَّهْبَةِ والرَّغْبَةِ، والحِدَّةِ والشَّهْوَةِ. وَكَانَ يَقُولُ: لا تكُنْ ممَّنْ يَجْمعُ علمَ العُلماء، وحِكَم الحُكَمَاءِ، ويَجْري في الحقِّ مَجْرَى السُّفَهَاءِ. وَكَانَ يَقُولُ: أربعٌ من كُنَّ فيه أدخلَهُ اللهُ الجنةَ، ونشرَ عليهِ الرحمةَ: مَنْ برِّ والِدَيهِ، ورَفَقَ بمَمْلُوكِهِ، وكَفَلَ اليتيمَ، وأعانَ الضعيفَ. وَكَانَ يَقُولُ: إن الحَسَدَ في دين المسلمِ أسرعُ من الآكِلَةِ في جَسِدِهِ. وَكَانَ يَقُولُ: رُوِيَ أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقولُ: (( العِلْمُ عِلْمَانِ: عِلْمٌ في القلب، فذلكَ العِلْمُ النافِعُ، وعلمٌ على اللسانِ، فذلكَ حُجَّةُ الله على ابنِ آدمَ)) [11]. وَكَانَ يَقُولُ: المؤمنُ الكيِّسُ[12] الفَطِنُ[13]، الذي كُلَّمَا زادَهُ اللهُ إحساناً، ازداد من الله خوفاً. وَكَانَ يَقُولُ: المؤمنُ أحسنُ عملاً، وأشدُهُمْ من اللهِ خوفاً، لو أنفقَ في سبيل اللهِ مِلْءَ الأرضِ ذَهَباً، ما أَمِنَ حتى يُعايِنَ، ويقولُ أبداً: لا أنْجُو، لا أنجو، والمنافقُ يقولُ: سوادُ الناسِ كثيرٌ، وما عسى ذنبي في جُمْلَةِ الذنوب؟ إن اللهَ رحيمٌ، وسَيَغْفِرَ لِي. ثم يقولُ الحَسَنُ: ابنَ آدمَ! تعملُ بالسيئاتِ، وتَتَمنَّى على اللهِ الأماني؟! وَكَانَ يَقُولُ: من ساء خلقه، عذَّبَ نَفْسَهُ، ومَنْ كَثُرَ مالُهُ، كَثُرَتْ ذنوبُه، ومَنْ كَثُرَ كَلامُهُ، كَثُرَ سَقَطُهُ. وَكَانَ يَقُولُ: لولا العِلْمَ، كانَ الناسُ كالبهائم. ورُوِيَ عنه: أنَّ عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - كان يقولُ: إنَّ مِمَا يُصْفِي لكَ وُدَّ أخيكَ أنْ تَبْدَأهُ بِالسَّلامِ إذا لقيتَهُ، وأن تَدْعُوهُ بأحبِّ الأسماءِ إليهِ، وأن تُوَسِّع لَهُ فِي المَجْلِس، ثمَّ يقولُ الحَسَنُ: لقد عَلَّمَكُمُ السَّلَفُ الصالحُ الأدبَ ومكارِمَ الأخلاقِ، فتعلَّموا، رَحِمَكُمُ اللهُ. وَكَانَ يَقُولُ: مَا بالُنا يَلْقى أحدُنا أخاهُ فَيُحْفِي السؤالَ عنهُ، ويَدْعو لهُ ويقولُ: غَفَرَ اللهُ لَنَا ولَكَ، وأَدْخَلَنَا جَنَّتَهُ، فإذا كانَ الدينارُ والدِّرْهَمُ، فهيهات؟! ويَحْكُمُ ما هكذا كان سَلَفُكُمُ الصالحُ، فعَلامَ تَرَكْتُمُ الاقْتِداءَ، وقَدْ أُمِرْتُمْ بِه؟! وَكَانَ يَقُولُ: أيُّهَا النَّاسُ! ما بالُنا نتقارَبُ في العافِيةِ، وإذا نَزَلَ البلاءُ تبايَنًا؟! مَا هَكَذَا كانَ أصْحَابُ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نعوذُ باللهِ من خِلافٍ عليهم. وسَمِعَ رجُلاً يُكْثِرُ الكلامَ، فقال: يا ابنَ أخي! أمسِكْ عليكَ لسانَكَ، فقد قيل: ما شيءٌ أحقُّ بِسِجْنٍ مِنْ لسانٍ. ورُوِيَ أن النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (( وهَلْ يَكُبُّ الناسَ على منَاخِرِهِم في النارِ إلا حَصَائِدُ ألسِنَتِهِم )) [14]. وَكَانَ يَقُولُ: لسانُ العارِفِ مِنْ وراءِ قلبِهِ، فإذا أرادَ أن يتكلَّمَ تَفَكَّرَ، فإنْ كانَ الكلامُ لهُ، تكلم به، وإنْ كانَ عليه، سَكَتَ، وقلبُ الجاهِلِ وراءَ لسانِه، كُلَّما هَمَّ بكلامٍ، تكلَّمَ به. وَكَانَ يَقُولُ: رُوِيَ أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قالَ: (( إنَّ بُدَلاءَ أُمَتِي لا يَدْخُلُونَ الجنَّةَ بكَثْرةِ صَلاةٍ ولا صِيامٍ، ولكنْ يدخلونَها برحمةِ اللهِ، وسَلامَةِ الصُّدورِ، وسَخَاوَةِ الأنْفُسِ، والرَّحمَةِ لكافَّةِ المُسلمين )) [15]. وَكَانَ يَقُولُ: رُوِيَ أن مُنَادِياً يُنادِي يومَ القيامة: لِيقُمْ من كانَ لهُ أجرٌ على اللهِ، فلا يقومُ إلا رجلٌ قضَى لأخيهِ حَاجَةً، أو عفا له عن مَظْلَمَةٍ، أو أسْدَى إليه نِعْمَةً. وَكَانَ يَقُولُ: العاقل لا يشتري عداوة رجلٍ واحدٍ بمودة ألف رجلٍ، إنه إن فعل ذلك، خسر ولم يربح. وَكَانَ يَقُولُ: عِزُّ الشريفِ أدَبُه، وتَقْواه حَسَبُهُ. وَكَانَ يَقُولُ: مَنْ رَمَى أخاهُ بذنبٍ قد تابَ إلى اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - منه؛ لم يَمُتْ حتى يُبْتَلَى بمثلِ ذلكَ الذنبِ. وقيل: سَأَلَهُ الربيعُ بنُ صُبَيْحٍ[16]، فقال: يا أبا سعيد! ما تقولُ في العَشْرِ ركعاتٍ التي بعد صَلاةِ العِشَاء، أتَطَوُّعٌ هِيَ أمْ سُنّةٌ؟ فَقَالَ: لَيْسَتْ بِسُنَّةٍ، إنَّها لَوْ كَانَتْ سُنَةً، مَا وَسِعَ المسلمَ تَرْكُهَا، ولكن يا ابنَ أخي! منْ أدبِ العبدِ المسلمِ، وقوامِ أمره إذا عوَّدَ نفسَهُ منَ الخيرِ عادةً، أو تعبَّد للهِ عبادةً، أن يدأبَ فيها، ويُقيمَ دَهْرَهُ عليها. وَكَانَ يَقُولُ: مكتوبٌ في التوراةِ: الغِنَى في القَنَاعَةِ، والسلامةُ منَ الناس، والعافيةُ في رَفْضِ الشهوة، والنجاةُ في تَرْكِ الرَّغْبَةِ، والتَّمتُّعُ في الدَّهْرِ الطويل بالصَّبْرِ في العُمْرِ القَصير. ثم يقولُ: تَأدَّبُوا - رحمكمُ اللهُ - بآدابِ اللهِ؛ وحافِظوا على ما في كُتُبِ الله؛ تكونوا من أولياءِ اللهِ. وَكَانَ يَقُولُ: ما أنعمَ اللهُ على عبدٍ نعمةً؛ إلا وعليهِ فيهَا تِبَاعَةٌ، إلا مَا كانَ مِنْ نِعْمَتِهِ على سُليمانَ بنِ داودَ - عليهما السلامُ -؛ فإنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ - يقول: ï´؟ هَذَا عَطَاؤنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ï´¾[17]. وَكَانَ يَقُولُ: ما أطالَ عبدٌ الأمَلَ إلا أَسَاءَ العَمَلَ. وَكَانَ يَقُولُ: إنَّمَا أنْتَ أيُّها الإنسانُ عدد، فَإذَا مَضَى لَكَ يَوْمٌ، فَقَدْ مَضَى بَعْضُكَ. وَكَانَ يَقُولُ: رَحِمَ اللهُ ابنَ مسعودٍ[18] كأنه عَايَنَكُم حينَ قالَ: زاهِدُكم راغِبٌ ومُجْتَهِدُكُمْ مُقَصِّرٌ، وعالِمُكُمُ جَاهِلٌ. وَكَانَ يَقُولُ: مَنْ خَافَ اللهَ، أخَافَ اللهُ سُبْحَانَهُ منه كُلِّ شيءٍ، ومَنْ خافَ الناسَ، أخافَهُ اللهُ من كُلِّ شَيءٍ. وَكَانَ يَقُولُ: قال عمرُ بنُ الخطَّابِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: خالِطُوا وَزَايِلوا [19]. [1] سورة الحشر، الآية 9. [2] يقال: ثافنتُ فلاناً أُثافنه مُثافَنة، إذا جاثَيْتَه تحادثه وتلازمه وتكلمه. وقال أبو زيد: ثافَنْت الرجل مُثافنة، أي صاحبته حتى لا يخفى عليّ شيءٌ من أمره، وذلك أن تصحبه حتى تعلم أمره. وثفن الشيء يثفنه ثفنا: لزمه، وثافنت فلانا: جالسته. انظر، ابن منظور: لسان العرب؛ الأزهري: تهذيب اللغة. [3] أي سب كلاهما الآخر، تبادلا السباب والشتائم. [4] سورة الشورى، الآية 43. [5] أبوذرّ الغفاريُّ)؟ - 32هـ/؟ - 652م). جُنْدُب ابن جنادة بن سفيان بن عُبيد بن حرام بن غفار، أخي ثعلبة، ابني مُلَيْل بن ضمرة، أخي ليث والدِّيل، أولاد بكر، أخي مُرة، والد مُدلج بن مرة، ابني عبدمناة بن كنانة، وكنيته أبوذر. صحابي جليل ومحدِّث فقيه ومن السابقين إلى الإسلام. كان من أهل الصُّفَّة. وأبو ذر، رضي الله عنه، من السابقين إلى الإسلام، أسلم بمكة بعد أربعة وكان خامسًا، وقصّة إسلامه في الصحيحين، وقد أسلمت قبيلة أبي ذر، فقال صلى الله عليه وسلم )غفار غفر الله لها (رواه مسلم). وكان حامل راية غفار يوم حنين وشهد فتح بيت المقدس مع عمر. روي له 281 حديثًا، وأخباره كثيرة وقد روى عنه ابن عباس وأنس بن مالك، وابن عمر وخلق كثير من الصحابة وكبار التابعين، وكان يفتي في خلافة أبي بكر، وعمر، وعثمان رضي الله عنهم. كان رأسًا في الزهد، والصدق، والعلم والعمل، قوالاً بالحق، لا تأخذه في الله لومة لائم، على حدَّة فيه، وهو أول من حيّا رسول الله صلى الله عليه وسلم بتحية الإسلام. ورُوي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أبوذر يمشي على الأرض في زهد عيسى بن مريم). توفي أبو ذر سنة اثنتين وثلاثين بالربذة، وصلى عليه عبدالله بن مسعود؛ فإنه كان مع أولئك الركب الذين مروا بالربذة وشهدوا وفاته، وحملوا عياله إلى عثمان بن عفان رضي الله عنهم بالمدينة، فضم ابنته إلى عياله، وقال: يرحم الله أبا ذر. (انظر: الموسوعة العربية العالمية، المملكة العربية السعودية، 2004م). [6] قال العجلوني في كشف الخفاء (الحديث 2984): لا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له. رواه أبو يعلى والبيهقي عن أنس رفعه، ورواه الطبراني في الأوسط عن ابن عمر بلفظ: لا إيمان لمن لا أمانة له ولا صلاة لمن لا طهور له ولا دين لمن لا صلاة له وموضع الصلاة من الدين كموضوع الرأس من الجسد. [7] "ألا إن أربعين دارا جوار، و لا يدخل الجنة من خاف جاره بوائقه"، قيل للزهري: أربعين دارا ? قال: أربعين هكذا، وأربعين هكذا. قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة (1 / 443): ضعيف. [8] من الأبيات السائرة، ذكر كثيرا في كتب الأدب دون عزو، وعزاه بعض المحدثين إلى خالد المنقري، كما عزاه الميمني في سمط اللآلي إلى رجل من ثقيف. [9] رواه البخاري في الأدب المفرد، وقال: حدثنا على بن أبى هاشم قال حدثني نصير بن عمر بن يزيد بن قبيصة بن يزيد الأسدي عن فلان قال سمعت برمة بن ليث بن برمة أنه سمع قبيصة بن برمة الأسدي قال: كنت عند النبي صلى الله عليه و سلم فسمعته يقول أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة وأهل المنكر في الدنيا هم أهل المنكر في الآخرة، صحيح لغيره. [10] الدانق من الأوزان، وربما قيل داناق كما قالوا للدرهم درهام، وهو سدس الدرهم، وفي حديث الحسن: لعن الله الدانق ومن دنق، الدانق - بفتح النون وكسرها - كأنه أراد النهي عن التقدير والنظر في الشيء التافه الحقير، ويقال للأحمق دانق ودائق ووادق وهرط. والدانق: الساقط المهزول من الرجال. انظر، ابن منظور: لسان العرب. [11] جاء في كتاب العلل المتناهية في الأحاديث الواهية لجمال الدين بن الجوزي: قال المؤلف: هذا حديث لا يصح وفي الطريق الأول: يحيى بن يمان. قال أحمد: ليس بحجة في الحديث وقال أبو داؤود يخطئ في الأحاديث ويقلبها وفي الطريق الثاني أبو الصلت وهو كذاب بإجماعهم. [12] الكيس: خلاف الحمق، الكيس الجود والظرف والعقل. انظر، المعجم الوسيط؛ الجوهري: الصحاح. [13] فطن: الأمر فطنة تبينه وعلمه، (فطن) فطنا وفطنة وفطانة صار ذا فطنة وللأمر وبه وإليه تنبه له فهو فاطن وفطن وفطين، (الفطانة) قوة استعداد الذهن لإدراك ما يرد عليه (الفطنة) الفطانة والحذق والمهارة (ج) فطن. انظر، المعجم الوسيط. [14] جاء في كتاب خلق أفعال العباد للبخاري: ويذكر عن عبد الرحمن بن غنم، عن معاذ رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله أنؤاخذ بما نقول كله ويكتب علينا؟ قال: "وهل يكب الناس على مناخرهم في جهنم إلا حصائد ألسنتهم؟". [15] قال محمد ناصر الدين الألباني في السلسلة الضعيفة: وروى مجاشع بن عمرو عن ابن لهيعة عن ابن هبيرة عن عبدالله بن زبير عن علي قال: سألت رسول الله صلي الله عليه وسلم عن الأبدال؟ قال: "هم ستون رجلاً". قلت: يا رسول الله! حلهم لي؟ قال: "ليسوا بالمتنطعين، ولا بالمبتدعين، ولا بالمتعمقين، لم ينالوا ما نالوه بكثرة صيام، ولا صلاة، ولا صدقة، ولكن بسخاء النفس، وسلامة القلوب، والتضحية لأمتهم، إنهم يا علي! في أمتي أقل من الكبريت الأحمر". أخرجه ابن أبي الدنيا في "الأولياء" (ص 102 رقم 8). قلت: وهذا موضوع؛ آفته مجاشع هذا؛ فإنه أحد الكذابين؛ كما قال ابن معين. ثم روى برقم (58) عن صالح المري قال: سمعت الحسن يقول:... فذكره مرفوعاً بلفظ: "إن بدلاء أمتي لم يدخلوا الجنة بكثرة صلاة، ولا صوم، ولا صدقة، ولكن دخلوها برحمة الله، وسخارة النفس، وسلامة الصدر". قلت: وهذا مرسل؛ الحسن: هو البصري. وصالح المري ضعيف. [16] الربيع بن صبيح (... - 160 ه =... - 777 م) الربيع بن صبيح السعدي البصري، أبو بكر: أول من صنف بالبصرة. كان عابدا ورعا، وفي روايته للحديث ضعف. خرج غازيا إلى السند فمات في البحر ودفن في إحدى الجزر. انظر، الزركلي: الأعلام، 6/28 [17] سورة ص، الآية 39. [18] عبداللهبنمسعود: (32ه- - 653م) من أكابر الصحابة، هُذَلي النسب، من مكة، ومن السابقين إلى الإسلام. هاجر عبدالله رضي الله عنه إلى الحبشة مرتين. وشهد جميع الغزوات مع الرسول صلى الله عليه وسلم وكان خادمه الأمين ورفيقه في حله وترحاله. وفي غزوة بدر أجهز على أبي جهل. كان رضي الله عنه أول من جهر بقراءة القرآن بمكة، وتلقى أذى قريش واحتسب ذلك في سبيل الله. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذوا القرآن عن أربعة. وذكر أولهم عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وقال عنه عمر بن الخطاب رضي الله عنه: كُنَيْفٌ ملئ علمًا. ولاه الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه بيت مال الكوفة، كما ولاه القضاء فيها، وظل في منصبه ردحًا من الزمن مثالاً للتقى والورع. قدم عبد الله بن مسعود رضي الله عنه المدينة في خلافة عثمان رضي الله عنه، وتوفي فيها وكان عمره نحو ستين عاماً، وصلى عليه عثمان رضي الله عنه، ودفن في البقيع. روى رضي الله عنه 848 حديثاً عن الرسول - صلى الله عليه وسلم -. (انظر: الموسوعة العربية العالمية، المملكة العربية السعودية، 2004م). [19] خالِطوا الناسَ وزايِلُوهم أَي فارِقوهم في الأَفعال التي لا تُرْضي اللهَ ورَسُولَه انظر، ابن منظور: لسان العرب.
__________________
|
#3
|
||||
|
||||
![]() ما أورده الحسن البصري من الآداب ومكارم الأخلاق (2) د. أحمد عبدالوهاب الشرقاوي يقول الحسن: خالطوا الناس في الأخلاق الكريمة، وزايلوهم في الأفعال القبيحة. وكان يقول: يجب على المسلم لأهل ملَّته أربعة أشياء: معونة مُحسنِهم، وإجابة داعيهم، والاستغفار لمُذنبِهم، والدعوة إلى الحق لمُدبِرهم. وكان يقول: من وافق من أخيه المسلم شهوةً، أو قضى له حاجةً، غُفر له ما تقدم من ذنبه. وكان يقول: رُوي أن الله - عز وجل - قال لآدم عليه السلام: "يا آدم، أربع فيهن جميع الأمر لك ولولدك من بعدك؛ واحدة لي، وواحدة لك، وواحدة بيني وبينك، وواحدة بينك وبين الناس؛ فأما التي لي: فأن تعبدني لا تشرك بي شيئًا، وأما التي لك: فعملك أجزيك به أفقرَ ما تكون إليه، وأما التي بيني وبينك: فعليك الدعاء، وعليَّ الإجابة، وأما التي بينك وبين الناس: فأن تَصحبهم بما تريد أن يَصحبوك به"[1]. وكان يقول: الفهم وعاء العلم، والعلم دليل العمل، والعمل قائد الخير، والهوى مركب المعاصي، والمال داء المُنكِرين، والدنيا سوق الآخرة، والويل كل الويل لمن قويَ بنِعَم الله على معاصيه. وكان يقول: ابن آدم، إن الإيمان ليس بالتحلي ولا بالتمني، ولكنه بما وقر في القلب، وصدقته الأعمال. وقيل: نُعي داود الطائي[2] للحسن - رحمه الله - فقال: غفَر الله له، والله لقد كان كالعافية لا يُعرَف قدرها إلا عند فقدها، سمع ذلك حبيب بن أوس[3] فقال: والحادِثات وإن أصابك بؤسها ![]() فهو الذي حقًّا أنال نعيمها[4] ![]() وقيل: دعاه يومًا رجل من المتكبِّرين، فناداه: "يا أبو سعيد"! فقال: شُغْلُك بالدوانيق وجَمعِها منعَك يا بن أخي أن تقول: "يا أبا سعيد"! ثم قال: تعلموا - رحمكم الله - العلم للأديان، والطبَّ للأبدان، والنحو لتقويم اللسان. وكان يقول: من لحَن في القرآن، فقد كذب على الله؛ لأن الله - سبحانه وتعالى - قال: ï´؟ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ï´¾ [فصلت: 42]، واللحن مِن أكبر الباطل. وقال له رجل: إنك يا أبا سعيد لا تلحَن! فقال: يا بن أخي، لقد سبقتُ اللحنَ. وكان يقول: إذا لم تكن حليمًا فتحلَّم، وإذا لم تكن عالمًا فتعلم، فقلَّما تشبَّه رجل بقوم إلا كان منهم. وكان يقول: إلى مَن يشكو المسلم إذا لم يشكُ لأخيه المسلم؟ ومَن ذا الذي يلزمه من نفسه مثل الذي يلزمه؟ إن المسلم مرآة أخيه المسلم، يُبصِّره عيبه، ويَغفر له ذنبه، قد كان من قبلكم من السلف الصالح يَلقى الرجلُ الرجلَ فيقول: يا أخي، ما كل ذنوبي أُبصِر، ولا كل عيوبي أَعرِف؛ فإذا رأيتَ خيرًا فمُرْني، وإذا رأيتَ شرًّا فانْهَني، وقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: رحمَ الله امرأً أهدى إلينا مَساوينا، وكان أحدهم يَقبل موعظة أخيه، فيَنتفع بها. وكان يقول: المؤمن شُعبة من المؤمن، يَحزن إذا حزن، ويَفرح إذا فرح. وكان يقول: إن لك مِن خليلك نصيبًا، فتخيَّر الإخوان والأصحاب، وجانِبِ الأمرَ الذي يُعاب. وكان يقول: ترفَّعوا عن بعض الأمر؛ فإن الرجل ليأكل الأكلة، ويدخل المدخل، ويجلس المجلس بغير قلبه، ويذهب دينه، وهو لا يَشعُر. وقيل له: يا أبا سعيد، إن قومًا يَحضرون مجلسك يحفظون عليك سقطات كلامك؛ ليُعنتوك بذلك، فقال: يا بن أخي، لا يكن في ذلك عليك شيء؛ فإني طمعت نفسي في دخول الجنان، ومجاوَرة الرحمن، ومرافقة الأنبياء عليهم السلام، ولم أُطمِعها في السلامة من الناس. وكان يقول: من طلب العلم لله، لم يَلبث أن يُرى ذلك في خشوعه، وزهده، وتواضُعه. وكان يقول: احرصوا على حضور الجنائز؛ فإن فيها ثلاثة أجور: أجرًا لمن عزى، وأجرًا لمن صلى، وأجرًا لمن وارى، وقد رُوي: ((إن من تبع جنازةً توارى غفر له سبعون موبقةً))[5]. وقيل: لما تُوفيت النوار زوجة الفرزدق[6]، حضر جنازتَها وجوهُ أهل البصرة، وحضر الحسن، فسايَرَه الفرزدق؛ وقال له: أتدري ما يقول الناس يا أبا سعيد؟ قال: وما يقولون؟ قال: يقولون: حضر هذا القبرَ خير الناس، وشر الناس، قال الحسن: ومَن يُريدون بذلك؟ قال: يَزعُمون أنك - رحمك الله - خير الناس، وأني شر الناس، فقال الحسن: لستُ بخيرهم، ولستَ بشرِّهم، ولكن ما أعددتَ لمثل هذا اليوم؟ فقال: شهادة أن لا إله إلا الله منذ ستين سنةً، فلما دُفنَت النوار قال الفرزدق: أخاف وراء القبر إن لم تُعافِني ![]() أشد من القبر التهابًا وأضيَقَا ![]() إذا قادَني يوم القيامة قائد ![]() عنيفٌ، وسوَّاقٌ يَسوقُ الفرزدقا ![]() لقد خاب مِن أولاد آدم مَن مشى ![]() إلى النار مغلول القلادة أزرقا[7] ![]() فبكى الحسن حتى انتحب، وقال: إن من الشعر لحكمةً، ثم قال: يرحمك الله أبا فراس! اعمل لمثل اليوم إن كنتَ ذا نظر صحيح؛ فإنك تَقدَم على جواد عدل، وكأن قد، ثم افترَقا، ومات الفرزدق، فرُئي في النوم وهو يقول: رُحمتُ بيَومي مع الحسن. وكان الحسن يقول: أيها الناس، إياكم والتسويف؛ فإني سمعتُ بعض الصالحين يقول: نحن لا نريد أن نموت حتى نتوب، ثم لا نتوب حتى نموت. وكان يقول: في الطعام اثنتا عشرة خصلةً: أربع فريضة، وأربع سنة، وأربع أدب. أما الفريضة: فالتسمية، واستطابة الأصل، والرضا بالموجود، والشُّكر على النِّعمة. وأما السنة: فالجلوس على الرِّجل اليُمنى، والأكل من بين يدي الآكل، وتناول الطعام بثلاثة أصابع اليد اليمنى، ولعق الأصابع. وأما الأدب: فغسل اليد قبل الطعام وبعده، وتصغير اللقم، وإجادة المضْغ، وصرف البصر عن وجوه الآكلين. وقيل: جلس يومًا، فأتته امرأة لم ترَ الناس مثلها، فقالت: يا أبا سعيد، أيجوز للرجل أن يتزوج من النساء أربعًا؟ قال: نعم، فقالت: فهل يجوز مثل ذلك للنساء؟ قال: لا، قالت: فلمَ؟ قال: لأن الله - عز وجل - أحلَّ ذلك للرجال، وحرَّمه على النساء، فقالت: بعيشك - يا أبا سعيد - لا تُفتِ بذلك أزواج النساء، ثم انصرفت، وأتبعها الحسن بصره، وقال: ما على مَن ملك هذه ألا يَرى غيرها، قيل: وما رُئي الحسن قبلها ولا بعدها مال إلى شيء من الدنيا ولا عرج عليه. وقيل: كان لرجل من الصالحين عند رجل وديعة، فمات المودَع فجأةً، فسأل صاحبها عنها، فقال ورثة الميت: ما نعلم لها موضعًا، فجاء الرجل إلى الحسن فأخبره، فقال له: ائت زمزم فتوضَّأ وصلِّ مخلصًا، ثم ادع باسم صاحبك الذي أودعته، فإن أجابك، فسله عن أمانتك التي أودعته، ففعل، ولم يجبه أحد، فأتى الحسن فأخبره، فقال له: ائت اليمن فقف عند وادي بَرَهُوت[8]، وادع صاحبك باسمه، فإذا أجابك فسله، فأتى اليمن، وفعل ما أمره الحسن به، فأجابه الرجل، فسأله عن أمانته، فعرَّفه مكانها، ثم قال السائل: يا أخي، ألم تك رجلاً صالحًا، فما الذي دهاك حتى أُلقيتَ حيث أنت؟ فقال: كنتُ قاطعًا للرحم، نعوذ بالله من سوء القضاء. يتبع
__________________
|
#4
|
||||
|
||||
![]() ما أورده الحسن البصري من الآداب ومكارم الأخلاق (2) د. أحمد عبدالوهاب الشرقاوي وكان الحسن يقول: جهد البلاء أربعة: كثرة العيال، وقِلَّة المال، وجار السوء في دار المقام، وزوجة تجور. وكان يقول: أعزُّ الأشياء: درهم حلال، وأخٌ في الله؛ إنْ شاورتَه في دنياك وجدته متين الرأي، وإن شاورته في دينك وجدتَه بصيرًا به. وكان يقول: يكون الرجل عالمًا ولا يكون عابدًا، ويكون عابدًا ولا يكون عاقلاً، ولقد كان مسلم بن يسار[9] عابدًا عالمًا عاقلاً. وكان يقول: لله در بكر بن عبدالله، لقد سمعته يأمر بالحِلم، ويحثُّ على العفو، ويقول: أيها الناس، أطفئوا نار الغضب بذكر نار جهنم؛ فقد كان أبو الدرداء[10] يقول: أقرب ما يكون العبد مِن غضَب الله إذا غضِب. وكان الحسن يقول: من تسربل العقل[11]، أمن من الهلكة. وكان يقول: المغبون من غُبنَ عقله[12]. وكان يقول: اصحب الناس بمكارم الأخلاق؛ فإن الثواء بينهم قليل. قال يونس بن حبيب[13]: سمعتُ الحسن البصري - رحمه الله - يقول: اثنان لا يصطحبان أبدًا: القناعة والحسد، واثنان لا يفترقان أبدًا: الحرص والحسد. وكان يقول: يسود الرجل بعقله وبحيائه وحلمه. وكان يقول: لا تأتِ إلا مَن تأمُل نائله، أو تخاف سطوته، أو ترجو بركة دعائه، أو تقتبس مِن علمه. [1] لم أجد تلك الرواية بهذا اللفظ أو قريب منه في كتب السنَّة. [2] داود بن نصير، أبو سليمان الطائي، الكوفي، الإمام، العالم، العامل، العابد، الزاهد، أحد أصحاب الإمام، وعين أعيان أئمة الأنام، سمع عبدالملك بن عمير، وسليمان الأعمش، وغيرهما، وروى عنه جماعة؛ منهم: إسماعيل بن علية، وغيره. وكان داود ممن شغل نفسه بالعلم، ودرس الفقه وغيره من العلوم، ثم اختار بعد ذلك العزلة والانفراد والخلوة، ولزم العبادة، واجتهد فيها إلى آخر عمره، وقدم بغداد في أيام المهدي، ثم عاد إلى الكوفة، وبها كانت وفاته. قال أبو نعيم: مات سنة ستين ومائة؛ قال الذهبي: سنة اثنتين وستين ومائة؛ انظر: التقي الغزي: الطبقات السنية في تراجم الحنفية. [3] أبو تمام (190 - 231 هـ / 806 - 846 م): حبيب بن أوس الطائي، من أعلام الشعراء في العصر العباسي، وقيل: إن والده اسمه تدرس، وكان نصرانيًّا فأسلم وتَسمَّى بأوس وانتمى لقبيلة طَيِّئ، والصواب أنه من أصول عربية، ولد بجاسم إحدى قرى حوران في بلاد الشام، وهي تَبعد عن دمشق إلى الجنوب 40كم. اختلف في ولادته فقيل: 172هـ أو نحو 190هـ، كما اختلف في تاريخ وفاته بين 228هـ، و231هـ. نشأ بالشام نشأة فقيرة، فاشتغل عند حائك ثياب في دمشق، ثم انتقل إلى حمص، ورحل بعدها إلى مصر، وكان يسقي الناس الماء في جامع عمرو بن العاص، وتردد على مجالس الأدب والعلم، واطَّلع على علوم عصره الدينية والعربية والعلوم المترجمة من منطق وفلسفة وحكمة، وساعده على ذلك ذكاؤه وقوة ذاكرته وحصافة تفكيره. وتوفي بالموصل في العراق. نظم أبو تمام الشعر في فترة مبكرة من حياته، ولم يزل يُجوِّده حتى نبه ذكره، فعاد إلى الشام من مصر، ومدح القادة والعظماء فيها، ثم توجه إلى حمص والتقى هناك بالشاعر البُحتري، ثم توجه إلى العراق ومدح الوزراء فأوصلوه إلى أبواب الخلفاء، كان أبو تمام ولوعًا بالأسفار، حاضر البديهة، ذكيًّا قويَّ الذاكرة، واسع الثقافة، رُوي عنه أنه كان يحفظ 14 ألف أرجوزة، له ديوان شعر طُبع عدة مرات، جمع فيه كل فنون الشعر. ويعدُّ أبو تمام أول شاعر عربي عُني بالتأليف، فقد جمع مختارات من أجمل قصائد التراث الشعري في كتاب سماه الحماسة، ويمتاز أبو تمام عن شعراء عصره بأنه صاحب مذهب جديد في الشعر، وله أبيات سيارة؛ (انظر: الموسوعة العربية العالمية، المملكة العربية السعودية، 2004م). [4] البيت لأبي تمام، وصحته: والحادثات وإن أصابَك بؤسُها ![]() فهو الذي أنباكَ كَيف نعيمُها ![]() وقال بعده: فلَقَبْلُ أَظهَرَ صَقلُ سَيفٍ أثْرَه ![]() فبدا وهذَّبَتِ القُلوبَ هُمومُها ![]() [5] جاء في كتاب: "اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان"؛ لمحمد فؤاد عبدالباقي: حديث أبي هريرة وعائشة؛ حدث ابن عمر أن أبا هريرة رضي الله عنه يقول: "مَن تبع جنازةً، فله قيراط"، فقال: أكثر أبو هريرة علينا، فصدَّقت - يعني عائشة أبا هريرة - وقالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله، فقال ابن عمر: لقد فرَّطنا في قراريط كثيرة؛ أخرجه البخاري في: 13 كتاب الجنائز: 58 باب فضل اتباع الجنائز. [6] الفرزدق (38 - 110 هـ / 658 - 728): همام بن غالب بن صعصعة بن ناجية بن عقال، شاعر عربي من قبيلة تميم، انقادت له ولزميليه جرير والأخطل زعامة الشعر في العصر الأموي، نشأ في بيت شرف وسؤدد لا تُدفع مآثره، وكان لذلك أثر شديد في نفسيته؛ إذ كان يعتد بآبائه اعتدادًا شديدًا، وقد غلب عليه لقب الفرزدق، وهو الخبزة الغليظة التي تتخذ منها النساء الفتوت. وقد اشتبك مع كثير من الشعراء، هجاهم وهَجا قبائلهم، وقد حُبس في عهد هشام بن عبدالملك. ثقف الفرزدق بثقافة العصر، وحضر مجالس الحسن البصري، فكان شِعرُه شديد التأثر بلغة الوعاظ، وقد عد الفرزدق أحد مصادر اللغة حتى قيل: لولا شِعره لذهب ثلث اللغة. ودارت أشعاره في كتب اللغة وعلى ألسنة النحاة، كما أن شِعره مصدر من مصادر كتب التاريخ؛ لكثرة حديثه عن أيام العرب وعن مناقبهم ومثالبهم وأنسابهم، ولا يَقتصر شعره على ذلك، بل إنه يسجِّل أحداث الخوارج وأحداث خراسان في عصره، رثاه خصمه القديم جرير في قصيدتين من أجمل المراثي، وضعه ابن سلام في الطبقة الأولى من شعراء الإسلام، وقد حفل ديوان الشعر العربي بكثير من أبياته التي صارت مضربًا للمثل والاستشهاد؛ (انظر: الموسوعة العربية العالمية، المملكة العربية السعودية، 2004م). [7] الواقعة بتمامها في "الأمالي الشجرية"؛ لابن الشجري، و"الفاضل"؛ للمبرد، وللبيتين بقية، هي: يُساق إلى نار الجحيم مُسربلاً ![]() سرابيل قطران لباسًا محرّقا ![]() إذا شربوا فيها الصديد رأيتهم ![]() يذوبون من حرِّ الصديد تمزّقا ![]() [8] بَرَهُوت - بضم الهاء وسكون الواو وتاء فوقها نقطتان - وادٍ باليمن يُوضع فيه أرواح الكفار، وهو الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن فيه أرواح الكفار والمنافقين))، وهي بئر عادية في فلاةِ وادٍ مُظلم، وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال: "أبغض بقعة في الأرض إلى الله - عز وجل - وادي برهوت بحضرموت؛ فيه أرواح الكفار، وفيه ماؤها أسود منتن تأوي إليه أرواح الكفار"؛ انظر: ياقوت الحموي: معجم البلدان، دار الفكر، بيروت، 1981م، 1 / 405. [9] مسلم بن يسار (.. - 108 هـ =.. - 726 م) مسلم بن يسار الأُموي بالولاء، أبو عبدالله: فقيه، ناسك من رجال الحديث، أصله من مكة، سكن البصرة، فكان مفتيها، وتوفي فيها؛ انظر: الزركلي: الأعلام، 16 / 58. [10] أبو الدرداء (؟ - 32هـ / ؟ - 652م): عويمر بن قيس بن زيد، ويقال: ابن زيد بن قيس، ويقال: عامر بن مالك، ولقبه: عويمر الخزرجي، صحابي أنصاري من قبيلة الخزرج بالمدينة، كان أبو الدرداء يعمل بالتجارة، وقد تأخَّر إسلامه إلى ما بعد غزوة أحد، وشهد المواقع التي حدثت بعدها، آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين سلمان الفارسي رضي الله عنه، وعُرف أبو الدرداء رضي الله عنه بشجاعته، وكان من النُّسَّاك، حكيمًا عالمًا حريصًا على المعرفة، وله حكم مشهورة، منها قوله: "الدنيا كدَر، ولن ينجو منها إلا أهل الحذر". كان أبو الدرداء أحد الذين جمعوا القرآن حفظًا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. انتقل أبو الدرداء إلى بلاد الشام، وأقام فيها، وولاه معاوية رضي الله عنه القضاء بدمشق بأمر من الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه. توفي أبو الدرداء في خلافة عثمان رضي الله عنه، ودفن في دمشق في مقبرة الشهداء، روى أبو الدرداء رضي الله عنه 179حديثًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ (انظر: الموسوعة العربية العالمية، المملكة العربية السعودية، 2004م). [11] السربال - بالكسر -: القميص أو الدرع أو كل ما لبس، وقد تسربل به وسربلته، (تسربل) بالسربال لبسه، (ج) سرابيل، وفي التنزيل العزيز: ï´؟ وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ ï´¾ [النحل: 81]؛ انظر: المعجم الوسيط، الفيروزابادي: القاموس المحيط. [12] (غبن) رأيه غبنًا: نقص وضعف، ويقال: غبن الرجل رأيه والشيء غبنًا: نسيه، الغبن في الشراء والبيع، يقال: غبنه يغبنه غبنًا، والغبن: ضعف الرأي، يقال: في رأيه غبن؛ انظر: المعجم الوسيط، الفيروزابادي: القاموس المحيط، الأزهري: تهذيب اللغة. [13] يونس بن حبيب (94 - 182 هـ / 713 - 798 م) يونس بن حبيب الضبي بالولاء، أبو عبدالرحمن، ويعرف بالنحوي: علامة بالأدب، كان إمام نحاة البصرة في عصره، وهو من قرية "جبل" على دجلة، بين بغداد وواسط، أعجمي الأصل، أخذ عنه سيبويه والكسائي والفراء وغيرهم من الأئمة، قال ابن النديم: كانت حلقته بالبصرة، يَنتابها طلاب العلم وأهل الأدب وفصحاء الأعراب ووفود البادية، وقال أبو عبيدة: اختلفتُ إلى يونس أربعين سنة أملأ كل يوم ألواحي من حفظه، وقال ابن قاضي شهبة: هو شيخ سيبويه الذي أكثر عنه النقل في كتابه. من كتبه "معاني القرآن" كبير، وصغير، و"اللغات" و"النوادر" و"الأمثال"، ومن كلامه: "ليس لعيي مروءة، ولا لمنقوص البيان بهاء"؛ انظر، الزركلي: الأعلام، 18 / 195.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |