حلقات إذاعية "الحج والتزكية" - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1059 - عددالزوار : 125872 )           »          طريقة عمل ساندوتش دجاج سبايسى.. ينفع للأطفال وللشغل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          وصفات طبيعية للتخلص من حب الشباب بخطوات بسيطة.. من العسل لخل التفاح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          طريقة عمل لفائف الكوسة بالجبنة فى الفرن.. وجبة خفيفة وصحية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          وصفات طبيعية لتقشير البشرة.. تخلصى من الجلد الميت بسهولة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          هل تظل بشرتك جافة حتى بعد الترطيب؟.. اعرفى السبب وطرق العلاج (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          استعد لدخول الحضانة.. 6 نصائح يجب تنفيذها قبل إلحاق طفلك بروضة الأطفال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          سنة أولى جواز.. 5 نصائح للتفاهم وتجنب المشاكل والخلافات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          طريقة عمل العاشوراء بخطوات بسيطة.. زى المحلات بالظبط (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          طريقة عمل لفائف البطاطس المحشوة بالدجاج والجبنة.. أكلة سهلة وسريعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام > ملتقى الحج والعمرة
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الحج والعمرة ملتقى يختص بمناسك واحكام الحج والعمرة , من آداب وأدعية وزيارة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 14-01-2020, 03:23 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,668
الدولة : Egypt
افتراضي حلقات إذاعية "الحج والتزكية"

حلقات إذاعية "الحج والتزكية": (1)
فضل الحج والحرص على تحقيقه


أ. د. سليمان بن قاسم بن محمد العيد






الحج والتزكية _ حلقات إذاعية

الحلقة الأولى

فضل الحج والحرص على تحقيقه

أيها المستمعون الكرام:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً بكم مع هذه الحلقة من برنامجكم (الحج وتزكية النفوس).

أخي المستمع الكريم:
إن تزكية النفس مما بعث الله به نبينا محمداً - صلى الله عليه وسلم، كما في قوله - سبحانه -: {كما أرسلنا فيكم رسولاً منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون}[1].

وبالتزكية دعا إبراهيم عليه السلام لهذه الأمة، كما أخبر الله - سبحانه وتعالى - عنه بقوله: {ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم يتلوا عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم }[2].

ومعنى يزكيهم: أي يطهرهم من رذائل الأخلاق، ودنس النفوس، وأفعال الجاهلية، ويخرجهم من الظلمات إلى النور.

كما أثنى الله - سبحانه وتعالى - على من زكى نفسه بقوله: {قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها} قد أفلح من زكى نفسه؛ أي: طهرها من الذنوب، ونقاها من العيوب، ورقاها بطاعة الله، وعلاها بالعلم النافع والعمل الصالح[3].

كما أن المصطفى - صلى الله عليه وسلم - وهو خير البشر يدعو الله - سبحانه وتعالى - بزكاة النفس، كما ورد في (صحيح مسلم) من حديث زيد بن أرقم - رضي الله عنه - قال: لا أقول لكم إلا كما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول، كان يقول: ((اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْجُبْنِ وَالْبُخْلِ، وَالْهَرَم،ِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ، اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا، وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا، أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ، وَمِنْ قَلْبٍ لَا يَخْشَعُ، وَمِنْ نَفْسٍ لَا تَشْبَعُ، وَمِنْ دَعْوَةٍ لَا يُسْتَجَابُ لَهَا))[4].

أخي المستمع الكريم:
إذا كان الأمر كذلك فإن وسائل تزكية النفس كثيرة، ومن وسائل تزكية النفس ما فرضه الله - سبحانه وتعالى - على عباده من الفرائض كالحج مثلاً.

فالحج من أعظم الوسائل في تزكية النفس، فلو تأملت أخي المستمع الكريم ما قاله المصطفى - صلى الله عليه وسلم - عن هذه الفريضة، وأثرها في تزكية النفس وطهارتها، كما ورد في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ))[5].

الرفث قال فيه ابن حجر في (الفتح): هو الجماع، وبطلق على التعريض به، وعلى الفحش في القول.

وقال الأزهري: الرفث اسم جامع لكل ما يريده الرجل من المرأة، وكان ابن عمر يخصه بما خوطب به النساء.
وقال عياض: هذا هو قول الله تعالى: {فلا رفث ولا فسوق}، والجمهور على أن المراد به في الآية: الجماع، والذي يظهر أن المراد به في الحديث ما هو أعم من ذلك، انتهى كلامه.

ولم يفسق : أي لم يأت بسيئة ولا معصية.

فمن خلا حجه من الرفث والفسوق حصل له من حجه أعظم زكاة لنفسه، وذلك بتنقيتها من ذنوبها، وكانت النتيجة أن يرجع من حجه كيوم ولدته أمه، أي بغير ذنوب، وقال ابن حجر في الفتح : ظاهره غفران الصغائر والكبائر والتبعات.

وقال ابن العربي في شرحه على صحيح الترمذي: الطاعات إنما تكفر الصغائر، فأما الكبائر فلا تكفرها إلا الموازنة، لأن الصلاة لا تكفرها فكيف العمرة والحج، وقيام رمضان، ولكن هذه الطاعات ربما أثرت في القلب فأورثت توبة تكفر كل خطيئة.

أخي المستمع الكريم:
إن تأثير الحج من هذا الجانب في تكفير الذنوب من أعظم الأمور في تزكية النفوس، فالنفس الزكية هي التي تطهرت من ذنوبها، وهي التي تخلصت من أدرانها وعيوبها . فمن رام زكاة نفسه، وخلاصها، فليحرص على تطهير حجه من الرفث والفسوق.

ومما يؤكد هذا الأثر للحج: ما ورد في سنن الترمذي من حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الْفَقْرَ وَالذُّنُوبَ كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلَيْسَ لِلْحَجَّةِ الْمَبْرُورَةِ ثَوَابٌ إِلَّا الْجَنَّةُ))[6]. فكما أن الكير ينقي الحديد مما علق به من الخبث، فإن الحج والعمرة فيهما زكاة للنفس ونقاء لها مما علق بها من الذنوب.

وفي هذا الجانب فإن الحاج يتهيأ له من الفرص في الخشوع والخضوع والانكسار بين يدي الله - سبحانه وتعالى - في طلب مغفرة ذنوبه، ما لا يتهيأ له في غيره، ومع هذا أيضاً فهو مسافر والمسافر مستجاب الدعوة، فربما دعا بما دعا به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لزكاة نفسه: ((اللهم آتِ نفسي تقواها، وزكِّها أنت خير من زكاها))، ونحو ذلك من الأدعية التي تعود عليه بزكاة النفس وطهارتها، فوافقت تلك الدعوات باباُ مفتوحاً فكانت سبباً لسعادته في دنياه ونجاته في أخراه.

أيها المستمعون الكرام، حجاج بيت الله الحرام:
إنها ولله فرصة عظيمة لمن وفقه الله للحج، أن يُزكِّي نفسه مما تراكم عليها من الذنوب الكثيرة، التي ربما يعلمها الإنسان وربما لا يعلمها، فإنه معرض للخطايا بالليل والنهار، كما ورد في الحديث القدسي: ((يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكم)).



ــــــــــــــــــــ
[1] سورة البقرة الآية 151.
[2] سورة البقرة، الآية 129.
[3] تفسير بن سعدي 7/633.
[4] كتاب الذكر والدعاء، حديث رقم 2722.
[5] كتاب الحج، حديث رقم 1820، 1521.
[6] كتاب الحج، حديث رقم 810.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 14-01-2020, 03:23 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,668
الدولة : Egypt
افتراضي رد: حلقات إذاعية "الحج والتزكية"

حلقات إذاعية "الحج والتزكية": (2) إخلاص النية في الحج








أ. د. سليمان بن قاسم بن محمد العيد



الحلقة الثانية



إخلاص النية في الحج




أيها المستمعون الكرام، حجاج بيت الله الحرام:
أهلاً بكم مع حلقة جديدة من برنامجكم (الحج وتزكية النفوس) نتأمل فيها تزكية النفوس من خلال إخلاص النية في الحج، ففي ذلك أثر عظيم على الحاج في حجه وبعده، ومن المعلوم أن الله - سبحانه وتعالى - أمر عباده بإخلاص العبادة له، كما في قوله - سبحانه -: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين}.

كما حذر - سبحانه وتعالى - من الرياء، كما في قوله - سبحانه -: {فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً}؛ أي: لا يرائي بعمله بل يعمله خالصاً لوجه الله تعالى[1].

كما ذم المرائين في قوله: {فويل للمصلين. الذين هم عن صلاتهم ساهون . الذين هم يراءون. ويمنعون الماعون}.

كما حذر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الرياء كما في (مسند الإمام أحمد) من حديث محمود بن لبيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال(إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ))، قَالُوا: وَمَا الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: ((الرِّيَاءُ، يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: إِذَا جُزِيَ النَّاسُ بِأَعْمَالِهِمُ، اذْهَبُوا إِلَى الَّذِينَ كُنْتُمْ تُرَاءُونَ فِي الدُّنْيَا، فَانْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ عِنْدَهُمْ جَزَاءً...))[2].

أخي المستمع الكريم:
إن الحج من الأعمال التي يدخلها الرياء من وجوه كثيرة، إما بكثرة النفقة، أو بجودة المركب وفخامته، أو بحسن المسكن وسعته في المشاعر، أو بكثرة الحاشية والأتباع، أو بكثرة الحج وتكراره، ولذا فعلى الحاج أن يحرص على إخلاص نيته لله - سبحانه وتعالى، وأن يحذر من الرياء والسمعة في حجه في شيء مما ذكر أو نحوه.

إن نبينا محمداً عليه الصلاة والسلام هو أتقى الناس لربه، وأخشاهم له وأكملهم زكاة لنفسه، وأحرص الناس على حجه، ومع ذلك فإنه - صلى الله عليه وسلم - يتعوذ من الرياء والسمعة في حجه، لما ورد في (سنن ابن ماجة) من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: حج النبي - صلى الله عليه وسلم - على رحل رث، وقطيفة تساوي أربعة دراهم، أو لا تساوي، ثم قال: ((اللهم حجة لا رياء فيها ولا سمعة))[3].

وكم للنية الخالصة في الحج من أثر عظيم في زكاة النفس وفلاحها، وهذا النفع العظيم يفوت على بعض الحجاج، إذا فوتوا الإخلاص في حجهم، وربما دخل الرياء في حج الإنسان من غير أن يشعر.

كان رجل من المتقدمين يحج ماشياً على قدميه كل عام فكان ليلة نائماً على فراشه فطلبت منه أمه شربة ماء، فصعب على نفسه القيام من فراشه لسقي أمه الماء، فتذكر حجه ماشياً كل عام، وأنه لا يشق عليه، فحاسب نفسه فرأى أنه لا يهونه عليه إلا رؤية الناس له، ومدحهم إياه، فعلم أنه كان مدخولاً؛ أي: مصاباً في الرياء بحجه ماشياً، وهو لم يعلم بذلك، إلا حينما تأمل حاله في عمل لا يراه فيه الناس شاق عليه وهو أهون من الحج ماشياً.

وقال بعض التابعين: رب محرم يقول: لبيك اللهم لبيك، فيقول الله: لا لبيك ولا سعديك، هذا مردود عليك. قيل له: لِمَ؟ قال: لعله اشترى ناقة بخمسمائة درهم، ورحلاً بمائتي درهم، ومفرشاً بكذا وكذا، ثم ركب ناقته ورجل رأسه ونظر في عطفيه، فذلك الذي يرد عليه، ومن هنا استحب للحاج أن يكون شعثاً أغبر، كما في حديث المباهاة يوم يباهي الله - عز وجل - ملائكته عشية عرفة، بأهل عرفة فيقول: ((انظروا إلى عبادي أتوني شعثا غبرا))[4].

قال رجل لابن عمر: ما أكثر الحجاج ! فقال ابن عمر: ما أقلهم.

وقال شريح: الحجاج قليل والركبان كثير، ما أكثر من يعمل الخير، ولكن ما أقل الذين يريدون وجهه.

أخي المستمع الكريم، أيها الحاج:
وفي جانب مهم من تزكية النفوس المتعلق بإخلاص النية في الحج تأمل قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة))، ومن أهم صفاته أن يكون خالصاً لله تعالى، فإذا وفق الحاج إلى الحج المبرور، كان أعظم زكاة لنفسه، بدليل أنه يجزى به الجنة، ولا يدخل الجنة إلا نفس زكية، وقد أخبر الله - سبحانه - عنها بقوله: {قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها}.

أخي المستمع الكريم:
إن كنت ممن عزم على الحج أو ممن شرع فيه، فاجتهد وفقك الله في إخلاص نيتك لمولاك، تزكو بذلك نفسك، وتدرك فلاحها، واعلم أن الإخلاص ليس بالأمر الهين؛ بل هو مما يحتاج إلى مجاهدة النفس عليه.

قال أيوب: تخليص النيات على العمال، أشد عليهم من جميع الأعمال.

وقيل لسهيل: أي شيء أشد على النفس؟ قال: الإخلاص، إذ ليس لها فيه نصيب.

وقال بعضهم: إخلاص ساعة نجاة الأبد، ولكن الإخلاص عزيز[5].

واعلم أيضاً، أنه لا يتخلص العبد من الشيطان إلا بالإخلاص لله عز وجل، كما في قوله - سبحانه وتعالى - حكاية عن إبليس: {قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين . إلا عبادك منهم المخلصين}، وروي أن أحد الصالحين كان يقول لنفسه: يا نفس أخلصي تتخلصي.

أخي المستمع:

اعلم أن كل حظ من حظوظ الدنيا تستريح إليه النفس، ويميل إليه القلب قل أم كثر، إذا تطرق إلى العمل، تكدر به صفوه، وزال به إخلاصه، والإنسان مرتبط في حظوظه منغمس في شهواته، قلما ينفك فعل من أفعاله، وعبادة من عباداته عن حظوظ وأغراض عاجلة من هذا الجنس، فإن الإنسان الذي يغلب على نفسه حب الدنيا، والعلو، والرياسة، وغير ذلك من الأمور الدنيوية، فلا تسلم له عبادة من حج وصوم وصلاة، وغير ذلك إلا نادراً.

وإذا كان الأمر كذلك فإن علاجه في علاجه كسر حظوظ النفس، وقطع الطمع في الدنيا، والتجرد للآخرة، بحيث يغلب ذلك على قلبه، فإن ذاك يتيسر به الإخلاص، وكم من أعمال يتعب الإنسان فيها، ويظن أنها خالصة لوجه الله، ويكون فيها من المغرورين؛ لأنه لم يدرك وجه الآفة فيها.

ــــــــــــــــــــ
[1] تفسير ابن سعدي 5/88.
[2] المسند ، حديث رقم 33119 (ترقيم إحياء التراث).
[3] كتاب المناسك ، حديث رقم 2890.
[4] مسند الإمام أحمد.
[5] تزكية النفوس وتربيتها ، كما يقره علماء السلف ص 16.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 14-01-2020, 03:24 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,668
الدولة : Egypt
افتراضي رد: حلقات إذاعية "الحج والتزكية"

حلقات إذاعية "الحج والتزكية": (3) الاستعداد للحج بالعلم النافع










أ. د. سليمان بن قاسم بن محمد العيد













الحلقة الثالثة








الاستعداد للحج بالعلم النافع






أيها المستمعون الكرام، حجاج بيت الله الحرام:
أهلاً بكم مع حلقة جديدة من برنامجكم (الحج وتزكية النفوس).

ومع جانب جديد من تزكية النفس في هذا الموسم العظيم، ألا وهو تزكيتها من خلال الاستعداد للحج، وهذا الجانب فيه ثلاث مسائل:
المسألة الأولى: الاستعداد بالعلم النافع.
والمسألة الثانية: الاستعداد بالنفقة الطيبة.
المسألة الثالثة: الاستعداد بالرفقة الصالحة.

ولكل من هذه الجوانب أثر كبير في تزكية النفس.





ولكن كيف تكون تزكية النفس من خلال الاستعداد للحج بالعلم النافع؟
إن الاستعداد للحج بالعلم النافع يكون بأمرين هامين:




الأمر الأول: الاستعداد بالعلم النافع فيما يتعلق بأعمال الحج، فتعلم كيف كان هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجه لتقتفي أثره، تحقيقاً لتوجيهه - صلى الله عليه وسلم - لأمته أن يأخذوا عنه مناسكهم، كما في (صحيح مسلم) من حديث جابر بن عبدالله - رضي الله عنه - قال: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يرمي على راحلته يوم النحر ويقول: ((لتأخذوا عني مناسككم، فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه))[1] .

فعلى الحاج أن يستعد بمعرفة صفة الحج على الهدي النبوي، فيتعلم كيف يحرم على هدي رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، لا كما يرى الناس، وكيف يطوف على هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم، لا كما يرى الناس، وكيف يسعى على هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم، لا كما يرى الناس، وكيف يقف على صعيد عرفات على هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم، لا كما يرى الناس، وكيف يرمي الجمار على هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم، لا كما يرى الناس . إلى غير من أعمال الحج، وسيكون لنا - بإذن الله تعالى - في حلقة قادمة وقفة مع هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجه.

أخي الحاج:
لو تأملت أحوال كثير من الناس في حجهم لرأيت أكثرهم مقلداً، فهو إما ينظر للناس من حوله فيعمل كما يعملون دون النظر إلى صحة وسلامة ذلك العمل، أو أنه جعل له قائداً يقوده في حجه يوجهه يمنة ويسرة، ويدعو له وهو يردد وراءه، وربما ردد دعاءً لا يفقهه، أو قد يردده خطأً، فيكون دعاءً عليه بدلاً من أن يكون دعاءً له. ومن كانت هذه حاله في حجه فهو كا لإمعة: إن أحسن الناس أحسن، وإن أساءوا أساء.

وما حصل لكثير من الحجاج هذا الأمر، إلا من قلة استعدادهم لحجهم بالعلم النافع، الذي يكون سبباً في قبول حجهم وسلامة أعمالهم، ومما يؤسف له أن كثيراً ممن هذه حاله من الناس المتعلمين، وقد يكونون من أصحاب الشهادات العالية، فكيف يعجز من هذه حاله عن الاستعداد للحج بتعلم كيفية الحج على الوجه الصحيح، وما أيسر ذلك وما أسهله لمن طلبه.

وأما الأمر الآخر من الاستعداد للحج بالعلم بالنافع: فهو العلم بما يتعلق بالسفر من عبادات وآداب، لما في ذلك من تزكية النفس وسلامتها من الآثام.

فيتعلم على سبيل المثال ما يتعلق بالصلاة في السفر من قصر وجمع، وما يتعلق بالمسح على الخفين إن احتاج له، وما يتعلق بالطهارة من تيمم ونحوه، وما يتعلق بالنافلة في السفر وجواز صلاتها على الراحلة على أي جهة، لما في صحيح البخاري من حديث عامر بن ربيعة، رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ عَلَى الرَّاحِلَةِ يُسَبِّحُ (أي: يصلي النافلة) يُومِئُ بِرَأْسِهِ قِبَلَ أَيِّ وَجْهٍ تَوَجَّهَ، وَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَصْنَعُ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ .وَقَالَ اللَّيْثُ حَدَّثَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ قَالَ سَالِمٌ كَانَ عَبْدُاللَّهِ بْنُ عُمَرَ - رَضِي اللَّهُ عَنْهُمَا - يُصَلِّي عَلَى دَابَّتِهِ مِنَ اللَّيْلِ وَهُوَ مُسَافِرٌ، مَا يُبَالِي حَيْثُ مَا كَانَ وَجْهُهُ. قَالَ ابْنُ عُمَر:َ وَكَانَ - صلى الله عليه وسلم - يُسَبِّحُ عَلَى الرَّاحِلَةِ قِبَلَ أَيِّ وَجْهٍ تَوَجَّهَ، وَيُوتِرُ عَلَيْهَا غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي عَلَيْهَا الْمَكْتُوبَةَ))[2].

ومما ينبغي للحاج أن يستعد به من العلم النافع في آداب السفر: معرفة دعاء السفر والعودة، كما كان هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك، لما في صحيح مسلم من حديث ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا اسْتَوَى عَلَى بَعِيرِهِ خَارِجًا إِلَى سَفَرٍ كَبَّرَ ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ: ((سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ فِي سَفَرِنَا هَذَا الْبِرَّ وَالتَّقْوَى، وَمِنَ الْعَمَلِ مَا تَرْضَى، اللَّهُمَّ هَوِّنْ عَلَيْنَا سَفَرَنَا هَذَا، وَاطْوِ عَنَّا بُعْدَهُ، اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ، وَالْخَلِيفَةُ فِي الْأَهْلِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ، وَكَآبَةِ الْمَنْظَرِ، وَسُوءِ الْمُنْقَلَبِ، فِي الْمَالِ وَالْأَهْلِ)). وَإِذَا رَجَعَ قَالَهُنَّ وَزَادَ فِيهِنَّ: ((آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ ))[3].

وكذلك ما يقوله المسافر إذا نزل منزلاً، كما كان هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم، لما في حديث خولة بنت حكيم السُّلَمِيَة قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((من نزل منزلا، ثم قال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، لم يضره شيء، حتى يرتحل من منزله ذلك))[4].




أخي المستمع الكريم:
إن زكاة النفس تحصل بالاستعداد للحج بالعلم النافع من وجوه كثيرة:




الأول: أنه وسيلة إلى الحج المبرور الذي جعل الله سبحانه وتعالى ثوابه الجنة، لما في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة))[5] .

الثاني: تحقيقاً للاقتداء برسول الله - صلى الله عليه وسلم، فقد أثنى الله - سبحانه وتعالى - على المقتدين به بقوله: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً}.

الثالث: أنه علامة على إرادة الخير للعبد، لما في صحيح البخاري من حديث معاوية - رضي الله عنه - قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين..))[6]، وتعلم كيفية الحج ومعرفته على الوجه الصحيح، إنما هو من الفقه في الدين.

الرابع: أن الحرص على طلب العلم النافع، الذي يقوم به الدين، هو طريق للجنة لما في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة))[7].

الخامس: السلامة مما يقع فيه كثير من الناس من البدع والآثام في حجهم، نتيجة لجهلهم، وقلة الاستعداد بالعلم لهذه الشعيرة العظيمة.





ــــــــــــــــــــــ




[1] كتاب المناسك، حديث رقم 1297.



[2] كتاب الجمعة، حديث رقم 1098.



[3] كتاب الحج، حديث رقم 1342.



[4] كتاب الذكر والدعاء، حديث رقم 2708.



[5] كتاب الحج، حديث رقم 1773.



[6] كتاب العلم، حديث رقم 71.



[7] كتاب الذكر والدعاء، حديث 2699.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 14-01-2020, 03:24 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,668
الدولة : Egypt
افتراضي رد: حلقات إذاعية "الحج والتزكية"

حلقات إذاعية "الحج والتزكية": (4) الاستعداد للحج بالنفقة الطيبة والرفقة الصالحة

أ. د. سليمان بن قاسم بن محمد العيد


الحلقة الرابعة

الاستعداد للحج بالنفقة الطيبة والرفقة الصالحة




أخي الحاج:
تذكر أن حج بيت الله الحرام فرصة عظيمة لك لتطهير نفسك من رذائل الأخلاق ودنس الذنوب، وفرصة للتوبة مما قد وقعت فيه من معصية الله والتقصير في طاعته.

وكما علمنا أن تزكية النفس في هذا الموسم العظيم يحصل لك من جوانب عديدة، منها: جانب الاستعداد الحج، وهذا الجانب فيه ثلاث مسائل:




المسألة الأولى: الاستعداد بالعلم النافع.
والمسألة الثانية: الاستعداد بالنفقة الطيبة.
المسألة الثالثة: الاستعداد بالرفقة الصالحة.

وقد سبق الحديث في الحلقة السابقة عن تزكية النفس من خلال الاستعداد بالعلم النافع.

أما ما يتعلق بالمسألة الثانية وهي الاستعداد في بالنفقة الطيبة وأثرها في تزكية النفس في هذا الموسم العظيم، فاعلم أخي الحاج أنك مأمور بأكل الطيبات في جميع أحوالك كما في قوله - سبحانه وتعالى: {يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون}[1]، ولكن في الحج على الخصوص يكون الأمر آكد ، لأن الأكل الحلال سبب لتقبل الدعاء والعبادة ، وكم هي خسارة النفس عندما لا يقبل الحج بسبب النفقة الحرام، وربما تكون هذا الحجة هي الحجة الوحيدة في العمر.

ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أيها الناس؛ إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: {يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم}، وقال: {يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم}، ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء، يا رب! يا رب! ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك))[2].

فأنت في حجك تدعو كثيراً بقبول عملك، وصلاح نفسك، وغفران ذنوبك، وغير ذلك من خيري الدنيا والآخرة، فكيف ترجو تحقيق ذلك وأنت لم تطب نفقتك.

ولكن - أخي الحاج - ماذا تعني النفقة الطيبة لحجك؟
إنها الكسب الحلال، فإن كنت موظفاً فإن إخلاصك في عملك، وأمانتك فيما وليت عليه، ونصحك فيه، سبب في كسبك للأجر الحلال على هذا العمل أو الوظيفة، وبالتالي فإن نفقة حجك من هذا الجانب هي نفقة طيبة إن شاء الله تعالى.

وإن كنت - أخي الحاج - تاجراًن فإن نصحك في تجارتك، وصدقك في معاملتك، وبعدك عن الغش والخديعة والاحتيال، سبب في كسبك الطيب، فإن كانت نفقة حجك منه فهي نفقة طيبة إن شاء الله تعالى. وهكذا الحال مهما كانت طبيعة عملك ونوع كسبك.

أخي الحاج:
ليس الحرص على الكسب الحلال هو من أجل النفقة للحج فحسب، لا، بل ليكون حجك هذا سبباً في زكاة نفسك في هذا الجانب، فتراجع نفسك وتقوم عملك وكسبك، ليكون مطعمك ومشربك وملبسك طول عمرك حلالاً، وكم من الخير تجنيه بهذا، فيكون الحج سبباً لزكاة نفسك وفلاحها.

أما المسألة الثالثة: وهي الاستعداد للحج بالرفقة الصالحة، هي أيضاً من أسباب زكاة النفوس في هذا الموسم العظيم.

وإن كنت - أخي المسلم - محتاج للرفيق الصالح في جميع أحوالك، فأنت في الحج أحوج لهذا الرفيق، لأنه معين لك على أداء نسكك على شرع الله وهدي رسوله - صلى الله عليه وسلم. وتأمل توجيه روسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الرفيق الصالح، كما ورد في (صحيح البخاري) من حديث أَبِي مُوسَى رَضِي اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: ((مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسَّوْءِ، كَحَامِلِ الْمِسْكِ، وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً))
[3].

ولكن - أخي الحاج، أي رفيق تختار في رحلة نسكك، إنه رفيق مجالسته شفاء، وموعظته دواء، تنتفع برؤيته قبل روايته، حزنه في قلبه وبشره في وجهه، رفيق خيره بادر وشره مضمحل، قليل الكلام، كثير العمل.

رفيق ليس عياباً ولا سباباً، ولا غياباً ولا مرتاباً، إذا ذُكر بالله ذكر، وإذا أعطي شكر، وإذا أبتلي صبر ... رفيق متسلح بالعلم والأدب، إن نطق فبذكر، وإن سكت فبكر، وثيق الصلة بالله عقيدة وسلوكاً، تعلماً وتعليماً.

رفيق معين على الخير مبعد عن الشر، إن رأى منك حسنة عدها، وإن رأى ثغرة سدها، إن جهلت علَّمَك، وإن غفلت ذَكَّرَك، وإن كسلت أعانَكَ.

أخي:
كم تزكو نفسك في هذا الموسم العظيم ، بصحبة هذا النوع من الرفقاء ، وهل زكاة النفوس إلا بنهيها، عن الباطل وإعانتها على الخير، وتزويدها بالعلم النافع والعمل الصالح، وكل هذه الأمور أخي الحاج تجنيها بصحبة مثل هذا الرفيق.

ــــــــــــــــــــ

[1] سورة البقرة، الآية 172.
[2] صحيح مسلم، كتاب الزكاة، حديث رقم 1015.
[3] كتاي الذبائح والصيد، حديث رقم 5534.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 14-01-2020, 03:25 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,668
الدولة : Egypt
افتراضي رد: حلقات إذاعية "الحج والتزكية"

حلقات إذاعية "الحج والتزكية": (5)
اغتنام الوقت في العمل الصالح


أ. د. سليمان بن قاسم بن محمد العيد




الحلقة الخامسة




اغتنام الوقت في العمل الصالح




يعيش المسلمون هذه الأيام في موسم عظيم من مواسم الطاعات، أيام عشر ذي الحجة، التي أخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنها أن العمل فيها أفضل من العمل في سائر أيام العام على الإطلاق، لما ورد في صحيح البخاري وغيره من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((ما العمل في أيام العشر أفضل من العلم في هذه)). قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء))[1].

وفي رواية للترمذي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ))، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ))[2].

دل هذا الحديث على أن العمل في هذه الأيام أحب إلى الله من العمل في أيام الدنيا من غير استثناء، وفي رواية ما من أيام العمل فيها أفضل. ففيها يكون العمل أفضل من غيره، وإن كان في غيرها مفضولاً، واستثني من ذلك المجاهد الذي خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء، فهذا الجهاد بخصوصه أفضل.

ومما يدل على فضل هذه الأيام: أن الله سبحانه وتعالى أقسم بها بقوله: {والفجر وليال عشر} والليالي العشر هي ليالي عشر ذي الحجة، كما ذكره ابن كثير عن ابن عباس وابن الزبير ومجاهد، وغير واحد من السلف والخلف، وقيل فيها: العشر الأول من محرم[3]، وقيل: العشر الأخير من رمضان، والصحيح الأول كما ذكره ابن كثير.

ومن ذلك أيضاً: اجتماع أمهات العبادات فيها: الصلاة والصوم، والصدقة والحج، والذكر والنسك.

وفيها أفضل الأيام عند الله وهو يوم النحر كما في الحديث: ((أفضل الأيام عند الله يوم النحر ثم يوم القر ))[4].

أيها المستمعون الكرام، حجاج بيت الله الحرام:
إن فضل هذه الأيام يشترك فيها الحاج وغير الحاج، إلا أن الحاج يتميز عن غيره في هذه الأيام بأنه يؤدى فيها عملاً من فضائل الأعمال وهو الحج، كما أخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن فضله، لما في (صحيح البخاري) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: ((إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ))، قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: ((جِهَادٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ))، قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: ((حَجٌّ مَبْرُورٌ))[5].

فاجتمع للحاج في سبيل الله عمل من أفضل الأعمال، في أفضل أيام العام على الإطلاق، ولا شك أن هذا الاجتماع فرصة عظيمة للحاج في تزكية نفسه وذلك بالحرص على تحقيق الحج المبرور الذي ليس له جزاء إلا الجنة.

ومن جانب آخر؛ فإن إدراك الحاج لقيمة هذه الأيام، واغتنامها في طاعة الله سبحانه وتعالى بما تيسر من أنواع الطاعات، وصنوف القربات، له أثر عظيم في تزكية النفس وفلاحها، وأنواع الطاعات كثيرة، ومنها على سبيل المثال:

المحافظة على الصلاة في وقتها، فهذا أيضاً من أفضل الأعمال، كما أخبر بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم، كما في (صحيح البخاري)، من حديث ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: ((الصَّلَاةُ لِوَقْتِهَا، وَبِرُّ الْوَالِدَيْنِ، ثُمَّ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ))[6].

وهذا أمر عظيم يجب على الحرص عليه. وكيف يتصور من حاج قطع الفيافي والقفار، وترك أهله وماله وعياله، حاجاً في سبيل الله أن يفرط في الصلاة؟! ومن فرط في الصلاة ففي حجه نظر.

ومما تزكو به نفس الحاج من الأعمال الصالحة في هذا الموسم العظيم:
حرصه على ما يتيسر له من الأعمال الفاضلة كالطواف والتلاوة والذكر والدعاء، والصدقة، وإرشاد الضال، وإعانة المحتاج، وخدمة الإخوان.

ولقد ضرب سلف هذه الأمة أمثلة رائعة في خدمة الإخوان في الحج، فقد قال مجاهد: صحبت ابن عمر في السفر لأخدمه، فكان يخدمني.

وكان كثيرٌ منهم يشترط على أصحابه في السفر أن يخدمهم اغتناماً لأجر ذلك؛ منهم: عامر بن عبد قيس ، وعمرو بن عتبة بن فرقد، مع اجتهادهما في العبادة في أنفسهما، وكذلك كان إبراهيم بن أدهم يشترط على أصحابه في السفر الخدمة والأذان.

وكان ابن المبارك يطعم أصحابه في الأسفار أطيب الطعام وهو صائم، وكان إذا أراد الحج من بلده مرو، جمع أصحابه، وقال: من يريد منكم الحج؟ فيأخذ منهم نفقاتهم، فيضعها عنده في صندوق فيقفل عليها، ثم يحملهم وينفق عليهم أوسع النفقة، ويطعمهم أطيب الطعام، ثم يشتري لهم من مكة ما يريدون من الهدايا والتحف، ثم يرجع بهم إلى بلده، فإذا وصلوا صنع لهم طعاماً، ثم جمعهم عليه، ودعا بالصندوق الذي فيه نفقاتهم، فرد إلى كل واحد نفقته.[7].

أيها المستمعون الكرام، حجاج بيت الله الحرام:
من الأعمال التي تزكو بها النفوس في هذا الموسم العظيم: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خاصة في موسم الحج، وفي المشاعر المقدسة، فكم يرى الإنسان من الأخطاء التي تقع منهم في الحج فعليه أن يجتهد في توجيه الناس وإرشادهم بما يتيسر من قول وفعل، ولكن كما قال - سبحانه وتعالى -: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة}.

فكثير من الناس في هذه المواسم بحاجة ماسة إلى من يوجههم ويرشدهم إلى ما يصلح حجهم.

كما لا ننسى أيضاً طرفاً من الأعمال الفاضلة التي تزكو بها النفوس التي يمكن للحاج القيام بها، وهي إطعام الطعام وسقاية الماء، فهناك بعض من الحجاج ينتقلون بين المشاعر لا يحملون معهم زاداً، إما لفقده أو لفقد ما يحملونه عليه.

وبالجملة أخي الحاج عليك أن تحرص على زكاة نفسك بإكثار الأعمال الصالحة في هذا الموسم العظيم.

ـــــــــــــــــــــ

[1] كتاب العيدين، حديث رقم 969 .
[2] كتاب الصوم، حديث رقم 757 (ترقيم أحمد شاكر) .
[3] ذكره ابن جرير ولم يعزه إلى أحد.
[4] أخرج الإمام أحمد وأبو داود برقم 1765.
[5] كتاب الحج ، حديث رقم 1519.
[6] كتاب التوحيد ، حديث رقم 7534.
[7] انظر : ابن رجب الحنبلي ، لطائف المعارف ص 247،148.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 14-01-2020, 03:25 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,668
الدولة : Egypt
افتراضي رد: حلقات إذاعية "الحج والتزكية"

حلقات إذاعية "الحج والتزكية": (6)
من آداب الحج


أ. د. سليمان بن قاسم بن محمد العيد




الحلقة السادسة


أيها المستمعون الكرام:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً بكم مع هذه الحلقة من برنامجكم (الحج وتزكية النفوس). نتأمل فيها تزكية النفس من خلال بعض آداب الحج.

أخي المستمع الكريم، أخي الحاج:
إن للحج أثراً عظيماً في تزكية النفس، وكما ذكرنا في حلقة سابقة، ويحصل هذا الأثر للحاج من جوانب عديدة ذكرنا بعضها، وفي هذه الحلقة نذكر بتزكية النفس من خلال ما ورد من آداب الحج، في قوله - سبحانه وتعالى - بقوله: {الْحَجّ أَشْهُرٌ مّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنّ الْحَجّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوّدُواْ فَإِنّ خَيْرَ الزّادِ التّقْوَىَ وَاتّقُونِ يَأُوْلِي الألْبَابِ}.

ففي هذه الآية: نهي عن الرفث، وعن الفسوق، وعن الجدال في الحج، وفيها أمر بالتزود من التقوى.

أما الرفث: فقد قال فيه ابن كثير: هو الجِماع، كما قال تعالى: {أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم}، وكذلك يحرم تعاطي دواعيه من المباشرة والتقبيل ونحو ذلك، كذلك التكلم به بحضرة النساء.

ويقول ابن عمر: الرفث إتيان النساء والتكلم بذلك للرجال والنساء إذا ذكروا ذلك بأفواههم.

وقال ابن عباس : إنما الرفث ما قيل عند النساء.

وقال عطاء بن أبي رباح: الرفث الجماع وما دونه من قول الفحش، وكذا قال عمرو بن دينار.

وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: الرفث غشيان النساء والقبلة والغمز، وأن يعرض لها بالفحش من الكلام ونحو ذلك.

فعلى الحاج الذي يريد سلامة حجه وزكاة نفسه، أن يتجنب ذلك كله، وهناك نفر من الناس هداهم الله اعتادوا مثل هذا الكلام في مجالسهم، من قبيل الممازحة، فيقعون في فحش القول، وربما لا يتورعون عن ذلك حتى في مواضع نسكهم وأيام حجهم، ولعل التأمل في هذا الأدب من آداب الحج يكون سبيلاً في تقويم ألفاظهم وتحسين عباراتهم، مما يعود عليهم بالنفع العظيم في زكاة أنفسهم.

وأما الأدب الثاني: هو قوله: {ولا فسوق} قال ابن عباس: هي المعاصي، وكذا قال عطاء ومجاهد وغيرهم .

وقال محمد بن إسحاق عن نافع عن ابن عمر، قال: الفسوق ما أصيب من معاصي الله صيداً أو غيره.

وقال ابن عمر : الفسوق إتيان معاصي الله في الحرم، وقال آخرون: الفسوق ههنا السباب ، وقد يتمسك هؤلاء بما ثبت في الصحيح «سباب المسلم فسوق وقتاله كفر.

وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: الفسوق ههنا الذبح للأصنام، قال الله تعالى: {أو فسقاً أهل لغير الله به}.

وقال الضحاك: الفسوق التنابز بالألقاب.

والذين قالوا: الفسوق ههنا هو جميع المعاصي الصواب معهم. والله أعلم.

وقال القرطبي : قوله تعالى: {وَلاَ فُسُوقَ} يعني: جميع المعاصي ، قاله ابن عباس وعطاء والحسن. وهو أصح، لأنه يتناول جميع الأقوال.

قال صلى الله عليه وسلم: ((مَن حَجّ فلم يَرْفُث ولم يفسُق رَجع كيوم ولدته أمه))، ((والحج المبرور ليس له جزاءٌ إلا الجنة))؛ خرّجه مسلم وغيره.

وقال الفقهاء: الحج المبرور هو الذي لم يُعص الله تعالى فيه أثناء أدائه.

لذا فعلى الحاج أن يكون حريصاً على تحيق الحج المبرور الذي يدرك به الجنة ببعده عن المعاصي في حجه، وإذا كان الأمر كذلك فإن الحج المبرور له آثرٌ عظيم في نفس الحاج، فيعود بعد حجه أحسن حالاً منه قبل ذلك.

أيها المستمعون الكرام، حجاج بيت الله الحرام:
وأما الأدب الثالث: فهو قوله: {ولا جدال في الحج}.

اختلفت العلماء في المعنى المراد به هنا: فقال ابن مسعود وابن عباس وعطاء: الجدال هنا أن تُماري مسلماً حتى تغضبه فينتهي إلى السّباب، فأما مذاكرة العلم فلا نهي عنها.

وقال قتادة: الجِدال السّباب.

وقال ابن زيد ومالك بن أنس: الجدال هنا أن يختلف الناس: أيّهم صادف موقف إبراهيم عليه السلام، كما كانوا يفعلون في الجاهلية حين كانت قريش تقف في غير موقف سائر العرب، ثم يتجادلون بعد ذلك.

فالمعنى على هذا التأويل: لا جدال في مواضعه.

وقالت طائفة: الجدال هنا أن تقول طائفة: الحج اليوم، وتقول طائفة: الحج غداً.

وقال مجاهد وطائفة معه: الجدال المماراة في الشهور حسب ما كانت عليه العرب من النّسيء، كانوا ربما جعلوا الحج في غير ذي الحجة، ويقف بعضهم بجَمْع وبعضهم بعَرَفة، ويتمارون في الصواب من ذلك.

فأياً كان معنى الجدال فإن الحاج منهي عنه، وعليه أن يصرف همه لما يصلح حجه، ويقربه من ربه، وفي هذا الزمان نجد أن الجدال في زمان الحج ومكانه لا وجود له، بل يكون الجدال في أمور أخرى، من الملاحظ على بعض الحجاج عدم التورع عن الجدل في أمور يسيرة فيما يتعلق بالمسكن أو المأكل أو المشرب أو نحو ذلك، مما يوقعه في المحذور ويفوت عليه خيراً عظيماً.

أيها المستمعون الكرام:
ومن الآداب الواردة في الآية السالفة الذكر: قوله: {وتزودوا فإن خير الزاد التقوى}.

عن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ أَهْلُ الْيَمَنِ يَحُجُّونَ وَلا يَتَزَوَّدُونَ، وَيَقُولُونَ: نَحْنُ الْمُتَوَكِّلُونَ فَإِذَا قَدِمُوا مَكَّةَ سَأَلُوا النَّاسَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى}[1] أمر لهم بأخذ ما يحتاجونه من الزاد الدنيوي، منأكل ومشرب ونحوه، فإن ذلك لاينافي قيقة التوكل علة الله سبحانه وتعالى.

وقوله: {فإن خير الزاد التقوى} لما أمرهم بالزاد للسفر في الدنيا أرشدهم إلى زاد الاَخرة، وهو استصحاب التقوى إليها، كما قال: {وريشاً ولباس التقوى ذلك خير} لما ذكر اللباس الحسي نبه مرشداً إلى اللباس المعنوي، وهوالخشوع والطاعة والتقوى، وذكر أنه خير من هذا وأنفع.

وقيل: فيه تنبيه على أن هذه الدار ليست بدار قرار. فذكّرهم الله تعالى سفر الاَخرة وحثّهم على تزوّد التقوى¹ فإن التقوى زاد الاَخرة.

قال الأعشى:

إذ أنت لم تَرْحل بزادٍ من التّقَى ولاقَيْتَ بعد الموت مَن قد تَزوّداً
نَدِمتَ على ألاّ تكون كمثله وأنك لم ترصُد كما كان أرْصدَا


أخي الحاج:
احرص على هذا التوجيه الرباني العظيم، وتزود لحجك ومن حجك بتقوى الله سبحانه وتعالى، وذلك باتقاء المنهيات، وفعل الطاعات، تدرك زكاة نفسك وفلاحها.

ــــــــــــــــــــ
[1] أخرجه البخاري، كتاب الحج، حديث رقم 1523 .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 111.96 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 107.98 كيلو بايت... تم توفير 3.98 كيلو بايت...بمعدل (3.55%)]