|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() من أحكام الكسوف خير الدين عوير إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله الله بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً، بالدين الحق ليظهره على الدين كله، وكفى بالله شهيداً، صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه، وسلم تسليما كثيراً، أما بعد. فإن من رحمة الله بعباده أن شرع لهم في كل موسم وحدث عام عبادات يتقربون إليه بها، ويرجعون إليه فيها بالتوبة والاستغفار، والتزود لدار القرار، وكان من تلك الحوادث العظام كسوف الشمس أو القمر، فهما من آيات الله تعالى ابتداء، فكيف إذا طرأ عليهما التغيير بما تحار فيه العقول، وتتعجب منه، ويهرع الناس طلباً لرؤيته؟! مع غفلة جمهورهم عن الحكمة من ذلك، وعما يشرع عند هذه الآية الكونية العظيمة، الدالة على عظيم قدرة الله تعالى، وعلمه وحكمته، فلا إله إلا هو خالق كل شيء، وهو على كل شيء وكيل. ولما كنت قد جمعت شيئاً يتعلق بهذا الموضوع قبل سنوات، وكان من توفيق الله تعالى أن قرأه شيخنا ابن عثيمين - رفع الله درجته في عليين - وصوّب ما يحتاج لتصويب بقلمه المبارك، فجزاه الله عني أفضل الجزاء، وكان ذلك عندما كان يقرأ عليه أبواب الكسوف من صحيح الإمام مسلم رحمه الله تعالى، فأحببت أن أنشره الآن، وإن كنت أرغب في بسط القلم فيه أكثر، ولكن رأيتني عن ذاك بعيداً، وقد حدث كسوف للشمس يوم الأربعاء 29-7-1430هـ، وكان واضحاً في بلاد الهند والصين وما جاورهما، فرأيتها فرصة مناسبة لنشره، وأؤجل بسطه لحينه، أسأل الله تعالى التوفيق والسداد، وأن يبارك لنا في أوقاتنا وأعمارنا، ويجعلنا مباركين حيثما كنا، وأن يغفر لنا ولوالدينا، ومن علّمنا وتعلمنا منه. وقد سرت في رقم هذه الأحرف على مايلي: أولاً: رأيت الاعتماد على ما رواه الإمام مسلم في صحيحه في ذكر صلاة الكسوف. ثانياً: اخترت رواية أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها كأصل؛ لأنها أكمل الروايات وأوفاها سياقاً - في نظري - ثم ألحقت بها سائر الروايات الأخرى، ولم أخرج فيها عن صحيح مسلم. ثالثاً: اجتنبت ما أنكره الأئمة الحفاظ من الروايات الشاذة. رابعاً: ذكرت ما يستفاد من الحديث من أحكام وفوائد، بطريقة مختصرة. خامساً: الفوائد والأحكام التي ذكرتها، هي لثلاثة علماء كبار: الإمام النووي، والحافظ ابن حجر، وشيخنا ابن عثيمين، رحمهم الله تعالى، ولم أميز بينها، ولعله يكون في المستقبل إن شاء الله تعالى، أسال الله تعالى أن ينفع به، وأن يكتب لي أجره، ولمن سبقني من العلماء، ويجزيهم عن المسلمين خيراً، وأن يلحقنا بهم في جنات النعيم. روى الإمام مسلم رحمه الله تعالى في صحيحه في كتاب الكسوف عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت[1]: خسفت الشمس في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في يوم شديد الحر[2]، يوم مات إبراهيم بن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال الناس: إنما انكسفت لموت إبراهيم[3]، فقام فزعاً يخشى أن تكون الساعة[4]، فبعث منادياً: الصلاة جامعة، فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المسجد فكبَّر وصف الناس وراءه، فاقترأ رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قراءة طويلة، جهر بقراءته، قدر نحو سورة البقرة[5]، حتى جعلوا يخرون[6]، ثم كبر فركع ركوعاً طويلاً، نحواً مما قام[7]، ثم رفع رأسه فقال: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، ثم قام فاقترأ قراءة طويلة، هي أدنى من القراءة الأولى، ثم كبر فركع ركوعاً طويلاً، نحواً مما قام[8]، هو أدنى من الركوع الأول، ثم قال: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد، ثم انحدر بالسجود فسجد سجدتين[9]، ثم فعل في الركعة الأخرى مثل ذلك حتى استكمل أربع ركعات وأربع سجدات، ما ركعت ركوعا قطّ، ولا سجدت سجودا قطّ، كان أطول منه، ثم تأخرنا وتأخرت الصفوف حتى انتهينا إلى النساء، ثم تقدم وتقدم الناس معه، حتى قام في مقامه، فانصرف حين انصرف وقد آضت الشمس[10][11]، ثم قام فخطب بالناس، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: أما بعد، يا أيها الناس، إنما الشمس والقمر آيتان من آيات الله[12]، وإنما لا ينخسفان لموت أحد من الناس[13] ولا لحياته، ولكنهما من آيات الله يخوف بهما عباده، وإنهم كانوا يقولون: إن الشمس والقمر لا يخسفان إلا لموت عظيم، فإذا رأيتموهما فكبروا، وادعوا الله، وتصدقوا، وفي رواية: فافزعوا للصلاة، وقال أيضاً: فصلوا حتى يفرج الله عنكم[14]، وفي رواية: فإذا رأيتم منها شيئاً فافزعوا إلى ذكره ودعائه واستغفاره[15]، رأيت في مقامي هذا كل شيء وُعِدْتُم وفي رواية: ما من شيء توعدونه إلا وقد رأيته في صلاتي هذه[16]، لقد رأيت النار يَحْطِمُ بعضها بعضاً حين رأيتموني تأخرت؛ مخافة أن يصيبني من لفحها[17]، فلم أر كاليوم منظراً قط[18]، ورأيت فيها ابن لُحَيٍّ، وهو الذي سَيَّبَ السوائب، يجر قُصْبَه في النار[19]، وحتى رأيت فيها صاحب المحجن يجر قصبه في النار، كان يسرق الحاج بمحجنه فإن فُطِن له قال: إنما تعلق بمحجني، وإن غُفل عنه ذهب به، وحتى رأيت فيها صاحبة الهرة - امرأة من بني إسرائيل[20]- التي ربطتها فلم تطعمها، ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض حتى ماتت جوعاً[21]، ورأيت أكثر أهلها النساء، قالوا: بم يا رسول الله؟ قال: بكفرهن، قيل: أيكفرن بالله؟ قال: بكفر العشير، وبكفر الإحسان، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر ثم رأت منك شيئاً قالت: ما رأيت منك خيراً قط![22]، ثم جيء بالجنة، وذلكم حين رأيتموني تقدمت، حتى قمت في مقامي، ولقد مددت يدي أريد أن أتناول من ثمرها؛ لتنظروا إليه، ثم بدا لي أن لا أفعل[23]وفي رواية: فتناولت منها عنقوداً، ولو أخذته لأكلتم ما بقيت الدنيا[24]، فما من شيء توعدونه إلا رأيته في صلاتي هذه[25]، إني قد رأيتكم تفتنون في القبور كفتنة الدجال، فكنت أسمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك يتعوذ من عذاب النار وعذاب القبر، وفي رواية: وإنه قد أوحي إلي أنكم تفتنون في القبور قريباً أو مثل فتنة المسيح الدجال - لا أدري أيَّ ذلك قالت أسماء - فيؤتى أحدكم فيقال: ما علمك بهذا الرجل؟ فأما المؤمن أو الموقِن - لا أدري أي ذلك قالت أسماء - فيقول: هو محمد، هو رسول الله جاءنا بالبينات والهدى، فأجبنا وأطعنا، ثلاث مرارٍ، فيقال له: نم، قد كنا نعلم أنك لتؤمن به، فنم صالحاً، وأما المنافق أو المرتاب - لا أدري أي ذلك قالت أسماء - فيقول: سمعت الناس يقولون شيئاً فقلتُ[26]، يا أمة محمد! إنْ من أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته، يا أمة محمد! والله لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيراً ولضحكتم قليلاً، ألا هل بلغت؟ وفي رواية لها: ثم رفع يديه فقال: اللهم هل بلغت؟[27]. الفوائد والأحكام: 1- الكسوف ويقال الخسوف بالتبادل، هو: انحجاب ضوء الشمس أو القمر جزئياً أو كلياً. والفقهاء يعبرون بالذهاب وليس هو ذهاباً؛ لما عُلِم من سبب ذلك، فيتم كسوف الشمس إذا حال القمر دونها ودون الأرض، وكسوف القمر يتم بأن يحول بينه وبين الشمس الأرض؛ لأن نوره مكتسب من الشمس، هذا سببه الكوني، وأما سببه الشرعي فهو: تخويف الله العباد من عذاب انعقدت أسبابه، فهو آية كونية، وصلاته آية شرعية. ولم تخسف الشمس في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا مرة واحدة، يوم مات ابنه إبراهيم - عليه السلام -، في التاسع والعشرين من شوال، سنة عشر من الهجرة. 2- فيه اهتمام النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذا الأمر خشية أن يكون عذاباً، وهذا كان معروفاً عنه - صلى الله عليه وسلم - في غير هذا الموضع ومن ذلك ما رواه مسلم في صحيحه[28] عن عائشة رضي الله عنها قالت:كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كان يوم الريح والغيم عُرِفَ ذلك في وجهه، وأقبل وأدبر، فإذا مَطََرت سُرَّ به، وذهب عنه ذلك، قالت عائشة: فسألته فقال: إني خشيت أن يكون عذاباً سُلِّطَ على أمتي، ويقول إذا رأى المطر: رحمةٌ. 3- وفي الحديث ما كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - من خشية لربه وتعظيم له. 4- فيه استجاب أن ينادى لصلاة الكسوف الصلاة جامعة، وأجمعوا أنه لا يؤذن لها، ولا تقام لها الصلاة. 5- فيه مبادرة النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى صلاة الكسوف، ويؤخذ منه المسارعة إلى التوقي من أسباب العذاب، بالتوبة والإقلاع عنها، والرجوع إلى الله. 6- فيه مشروعية الجماعة لصلاة الكسوف وأنها سنة وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد. 7- وفيه التكبير للإحرام بعد الوقوف في موضع الصلاة. 8- وفيه تعديل الصفوف للصلاة، وقد جاء الأمر به في غير ما حديث، ففي الصحيحين عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: سووا صفوفكم؛ فإن تسوية الصفوف من تمام الصلاة[29]. 9- فيه استحباب إطالة القراءة في الركعة الأولى. 10- وفيه استحباب الجهر بالقراءة، سواء في كسوف الشمس أو القمر، وهو مذهب أحمد، والجمهور على أن الجهر في كسوف القمر دون الشمس. 11- فيه استحباب إطالة الركوع. 12- فيه مشروعية قول: "سمع الله لمن حمده" عند الرفع من كل ركوع. 13- فيه أن القراءة الثانية من الركوع الثاني أدنى من قراءة الركوع الأول. وهل تقرأ الفاتحة قبلها؟ مذهب مالك والشافعي وأحمد وجوب قراءتها، وأن الصلاة لا تصح بدونها. 14- فيه مشروعية سجدتين مع كل ركوعين، وهل يطيل فيهما كما يطيل في الركوع؟ الصحيح أنه يطيل؛ لقول عائشة رضي الله عنها: ما ركعت ركوعاً، ولا سجدت سجوداً قط، كان أطول منه. وهل مثله إطالة القيام من الركوع الذي يليه السجود، وكذا الجلوس بين السجدتين؟ الجواب: نعم يطيل، كما جزم به ابن حجر؛ لما رواه النسائي 1482 وصححه ابن خزيمة 1393 والحافظ ابن حجر في الفتح 2-627 من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: ثم ركع فأطال حتى قيل: لا يرفع، ثم رفع فأطال حتى قيل: لا يسجد، ثم سجد فأطال حتى قيل: لا يرفع، ثم جلس فأطال حتى قيل: لا يسجد، ثم سجد. 15- وفيه أنه يفعل في الركعة الثانية مثل ما فعل في الأولى. 16- فيه أن صلاة الكسوف أربع ركعات وأربع سجدات، وهي ما اتفق البخاري ومسلم عليه، وكل ما خالف هذه الصفة فهو شاذ، وقول من قال: إن الصفات الواردة من باب تنوع العبادة، كألفاظ التشهد، وصيغ الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، ضعيف؛ لأن الكسوف لم يحدث في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا مرة واحدة، قال الحافظ ابن حجر في بيان ضعف ما خالف هذه الرواية الفتح:2-618: "...ولا يخلو إسناد منها عن علة، وقد أوضح ذلك البيهقي وابن عبد البر، ونقل صاحب الهدي عن الشافعي وأحمد والبخاري أنهم كانوا يعدون الزيادة على الركوعين في كل ركعة غلطاً من بعض الرواة؛ فإن أكثر طرق الحديث يمكن رد بعضها إلى بعض، ويجمعها أن ذلك يوم مات إبراهيم - عليه السلام -، وإذا اتحدت تعين الأخذ بالراجح"اهـ. 17- فيه جواز الحركة في الصلاة للحاجة، والحركة في الصلاة على خمسة أقسام: أ. حركة واجبة: كخلع رداء نجس أو نعل نجس. ب. حركة مندوبة: كسد فرجة في الصف. جـ. حركة مباحة: كحك الجلد ونحوه. د. حركة محرمة: كالحركة الكثيرة المتوالية لغير ضرورة. هـ. حركة مكروهة: كإصلاح ثوب أو غترة أو عمامة، ونحو ذلك. 18- فيه استحباب حضور النساء صلاة الكسوف مع الرجال في المسجد، ويصلين خلف صفوف الرجال. 19- فيه تأكيد تقدم الإمام على المأمومين؛ وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما تأخر تأخّر معه الصف الأول. 20- فيه تطابق الشرع والقدر وتوازنهما، ويترتب على ذلك بيان حكمة الله؛ وذلك أن الكسوف أمر كوني على غير العادة، وصلاة الكسوف على غير المشروع في غيرها من الصلوات. 21- وفيه أن الإمام لا ينصرف حتى ينجلي القمر أو الشمس، وهل إذا انصرف من صلاته ولم تنجل الحال يعيد صلاته أم لا؟ الجواب: نعم يعيد الصلاة، فإن رأى في الناس كسلاً وتعباً وعظهم، وأمرهم بالدعاء والصدقة. 22- فيه مشروعية الخطبة بعد صلاة الكسوف، وهل هي راتبة أو عارضة؟ الجواب: الصحيح أنها راتبة، وهو مذهب الشافعي. 23- فيه أن يشرع في هذه الخطبة القيام. 24- فيه أن الخطبة لا تسقط بالانجلاء، بخلاف ما لو انجلى الكسوف قبل الشروع في الصلاة، فإنهما يسقطان جميعاً، الصلاة والخطبة. 25- فيه سنية ابتداء الخطيب خطبته بحمد الله والثناء عليه، وهو أحق الحقوق علينا لله. 26- فيه مشروعية قول الخطيب في الخطبة: أما بعد، وهي كلمة يؤتى بها للدخول في الموضوع، خلافاً لما قاله بعضهم من أنها يؤتى بها عند الانتقال من أسلوب لآخر. 27- فيه استعمال النداء في الخطبة والموعظة لتنبيه السامعين ولفت أنظارهم. 28- فيه أن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، الدالة على قدرته وعلمه، وعظمته وحكمته. 29- فيه أن الكسوف من الآيات التي يظهرها الله لعباده تخويفاً لهم وترهيباً، قال تـعـالى:{وَمَا نُرسِلُ بِالآَيَاتِ إِلاَّ تَخوِيفًا}، ويترتب على هذا إثبات رحمة الله بعباده؛ إذ يرسل مثل هذه الآيات تخويفاً لهم وترهيباً لهم من عقابه، وشديد عذابه، حتى يتوبوا إليه، ويرجعوا إلى دينه. 30- فيه أن الشمس والقمر لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته، وأن ذلك من عقائد الجاهلية. 31- فيه صدق النبي - صلى الله عليه وسلم - وبعده كل البعد عن تعظيمه لنفسه. 32- وفيه أن الحق لا ينصر بالباطل والبدع. 33- فيه أنه لا عبرة بالحساب الفلكي في الكسوف وإنما العبرة برؤيته. 34- فيه أنه ينبغي بيان ما يخشى اعتقاده على غير الصواب. 35- فيه الاعتبار بآيات الله الكونية. 36- أن في الكسوف إشارة إلى تقبيح من يعبد الشمس والقمر؛ لأنه الوقت الذي يناسب الإعراض عن عبادتهما؛ لما يظهر فيهما من النقص والتغير، المنزه عنه المعبود جل وعلا. 37- فيه إشارة إلى سلوك طريق الخوف والرجاء. 38- وفي الحديث رد على من زعم من أهل الهيئة، أن الكسوف أمر عادي لا يتأخر ولا يتقدم؛ إذ لو كان كما يقولون،لم يكن في ذلك تخويف، ويصير بمنزلة المد والجزر، قال ابن دقيق العيد[30]: "وربما يعتقد معتقد أن ذلك ينافي قوله عليه السلام: يخوف الله بهما عباده، وهذا الاعتقاد فاسد؛ لأن لله تعالى أفعالاً على حسب الأسباب العادية، وأفعالا خارجة عن تلك الأسباب؛ فإن قدرته تعالى حاكمة على كل سبب ومُسَبَّبٍ، فيقطع ما شاء من الأسباب والمسببات بعضها عن بعض، فإذا كان ذلك كذلك فأصحاب المراقبة لله تعالى ولأفعاله، الذين عقدوا أبصار قلوبهم بوحدانيته، وعموم قدرته على خرق العادة، واقتطاع المسببات عن أسبابها، إذا وقع شيء غريب حدث عندهم الخوف؛ لقوة اعتقادهم في فعل الله تعالى ما شاء، وذلك لا يمنع أن يكون ثمة أسباب تجري عليها العادة، إلى أن يشاء الله تعالى خرقها"اهـ. 39- فيه المبادرة بالطاعة عند رؤية ما يحذر منه، واستدفاع البلاء بذكر الله وأنواع طاعته. 40- فيه الأمر بالصلاة عند رؤية هذا الحدث العظيم، وهل هي واجبة أو مستحبة؟ الجواب: جمهور العلماء على استحبابها، مستدلين بحديث الأعرابي لما أخبره النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن الله افترض خمس صلوات، فقال: هل علي غيرها؟ قال: لا إلا أن تطوع. وأجيب عن دليلهم بأنه متعلق بالصلوات المستمرة الراتبة، ولا يعم كل الصلوات، فالصحيح أن صلاة الكسوف واجبة للأمر المطلق بها، وهل هي واجبة على الكفاية أو على الأعيان؟ جزم شيخنا ابن عثيمين بالأول، وتوقف في الثاني، وقال: "لكن لا ينبغي للإنسان أن يدعها". 41- فيه أن صلاة الكسوف تفعل على الصفة والهيئة الواردة في الحديث. وهل يجوز أداؤها كباقي النوافل؟ بعض العلماء أجاز ذلك، والصواب عدم الجواز؛ لمخالفته للسنة، ويؤيد ذلك ما رواه البخاري في صحيحه 2-35 أن ابن شهاب الزهري قال لعروة: إن أخاك يوم خسفت بالمدينة لم يزد على ركعتين مثل الصبح، قال: أجل؛ لأنه أخطأ السنة. 42- أن صلاة كسوف القمر تؤدى كما تؤدى كسوف الشمس، وهو قول الشافعي وأحمد، وفقهاء أصحاب الحديث. 43- أنه لا وقت معين لصلاة الكسوف؛ لأن الصلاة علقت برؤيته وهي ممكنة في كل وقت من النهار. 44- جواز أداء صلاة الكسوف فرادى؛ للأمر بالمبادرة بها، وهو أمر مطلق، يشمل الجميع، ولخشية فواتها بانجلاء الشمس أو القمر، فتشرع للمرأة والمسافر والعبد، وسائر من تصح صلاته. 45- أنه يشرع أداء هذه الصلاة في المسجد، وهل ذلك واجب؟ الجواب: الجمهور على وجوبه، قال شيخنا: "وهو قول وجيه". 46- مشروعية التكبير والصدقة والاستغفار عند رؤية الكسوف، وفي البخاري 1054 عن أسماء رضي الله عنها قالت: لقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالعتاقة في كسوف الشمس، فيؤخذ منه مشروعية العتق واستحبابه. 47- أن الحوادث الفلكية لا تؤثر في الحوادث الأرضية، وكذا العكس. 48- جواز الاشتغال بشئ في الصلاة من غيرها. 49- عظم النار وشدة التهابها. 50- وجوب التأخر عن مواضع الهلاك والعذاب. 51- فيه أن بعض الناس معذب في نفس جهنم الآن. 52- أن تسييب السوائب من ضلال الجاهلية، قال تعالى: {مَا جَعَلَ الله مِنْ بَحِيرَةٍ وَلاَ سَائِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ وَلَكِنْ الذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرٌونَ عَلَى الله الكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ}، والسائبة هي الحيوان من بهيمة الأنعام كان المشركون إذا بلغ سناً معيناً تركوه حراً، لا ينتفعون به أكلاً ولا ركوباً ولا غيره، ولا يعترضه أحد، تقرباً لطواغيتهم وأصنامهم. 53- أن أول من سن لأهل الجاهلية تسييب السوائب ابن لحي، وهو الآن معذب في النار. 54- عظم ذنب سرقة الحاج في الحرم وأنه من الكبائر الموجبة للعذاب في النار. 55- أن تعذيب الحيوان من الكبائر الموجبة للعذاب في النار. 56- أن النساء هن أكثر أهل النار. 57- أن الشارع قد يطلق لفظ الكفر على غير الكفر بالله من المعاصي، ومن ذلك ما رواه البخاري 48 ومسلم 64 عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر، مع أنه أثبت للمتقاتلين من المسلمين وصف الإيمان، كما قال سبحانه: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا}. 58- ذم كفران الحقوق لأصحابها، وأن ذلك موجب للنار. 59- وجوب شكر المنعم. 60- حث النساء على إحسان معاشرة أزواجهن. 61- أن الجنة والنار مخلوقتان الآن، خلافاً للمعتزلة. 62- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى الجنة والنار رؤية حقيقية. 63- عظم نعيم الجنة، وأنه لا ينفد ولا يفنى. 64- إثبات عذاب القبر وفتنته، وقد ورد في القرآن ما هو كالنص في ذلك قال تعالى:{وَلَو تَرَى إِذْ الظَالِمُونَ فِي غَمْرَاتِ المَوتِ وَالمَلاَئِكَةُ بَاسِطُوا أَيْدِيهِم أَخْرِجُو أَنفُسَكُمْ اليَومَ تُجْزَونَ عَذَابَ الهُونِ بِمَا كُنتُم تَقُولُونَ عَلَى الله غَيرَ الحَقِ وَكُنتُم عَن آيَاتِهِ تَسْتَكبِرُونَ} وقال تعالى في آل فرعون: {النَّارُ يُعرَضُونَ عَلَيهَا غُدُوًا وَعَشِيَا وَيَومَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرعَون أَشَدَّ العَذَابِ} . مسألة: هل العذاب يكون على الروح والجسد، أو على الروح وحدها؟ الجواب: الأصل أن العذاب على الروح، وقد تتصل بالبدن فيقع العذاب عليهما، وقد تشاهد بعض الأبدان في قبورها محترقة. 65- إثبات سؤال الملكين للمؤمن والمنافق في قبريهما عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي فتنة القبر، فالمؤمن يثبت عند الجواب والمنافق يرتاب ولا يستطيع جواباً. 66- إثبات الدجال، وأن فتنته عظيمة. 67- أن العصاة من أهل التوحيد يُعَذَّبون على معاصيهم، إلا أن يغفر الله لهم. 68- استحباب التعوذ من عذاب النار وعذاب القبر، ويتأكد عقب التشهد الأخير في الصلاة ففي البخاري 1377 ومسلم 588 واللفظ له، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع يقول: اللهم إني أعوذ من عذاب جهنم، وعذاب النار، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال. 69- أن الإتيان بما يثير النفس، وتكراره أثناء الخطبة والموعظة، من البلاغة والبيان. 70- عظم فاحشة الزنا من الرجال أو من النساء؛ لإيجابه غيرة الله عز وجل. 71- إثبات صفة الغيرة لله عز وجل على وجه الحقيقة، من دون تمثيل ولا تعطيل، وهو مذهب السلف الصالح، أهل السنة والجماعة. 72- جواز قسم الإنسان على الشيء وإن لم يُستقسم، ولكن لا ينبغي أن يكون إلا على الأمور العظيمة. 73- أنه ينبغي للواعظ حال وعظه أن لا يأتي بكلام فيه تضخيم لنفسه وتعظيم لها، بل يبالغ في التواضع؛ لأنه أقرب إلى انتفاع من يسمعه. 74- قوة صبر النبي - صلى الله عليه وسلم - وشدة تحمله. 75- التحقق مما سيصير إليه المرء من الموت والفناء. 76- استعمال التخويف في الموعظة، وخاصة عند ركوب الناس المعاصي، وتساهلهم فيها، والطبيب الحاذق يقابل العلة بما يضادها، لا بما يزيدها. 77- تقرير أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد بلغ البلاغ المبين. 78- جواز قول العالم:" ألا هل بلغت" إذا بلغ أمراً من أمور الشريعة. 79- حرص الصحابة رضي الله عنهم على نقل أقوال النبي - صلى الله عليه وسلم - وأفعاله ليقتدى به فيهما[31]. هذا آخر ما تيسر لي جمعه، فلله الحمد أولاً وآخراً، وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد ألا إله أنت، أستغفرك وأتوب إليك، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. ــــــــــــــــــــــ [1] رقم (901)(1) بترقيم الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي، والرقم الأول هو للحديث باعتبار جميع أحاديث الصحيح، والثاني لرقم الحديث في الباب. [2] رواية جابر - رضي الله عنه - (904)(9). [3] رواية جابر - رضي الله عنه - (904)(10). [4] رواية أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - (912)(24). [5] رواية ابن عباس رضي الله عنهما (907)(17). [6] رواية جابر - رضي الله عنه - (904)(9). [7] رواية جابر - رضي الله عنه - (904)(10). [8] رواية جابر - رضي الله عنه - (904)(10). [9] رواية جابر - رضي الله عنه - (904)(10). [10] (آضت الشمس) أي: رجعت إلى حالها الأول قبل الكسوف. [11] رواية جابر - رضي الله عنه - (904)(10). [12] رواية جابر - رضي الله عنه - (904)(9). [13] رواية جابر - رضي الله عنه - (904)(9). [14] رواية لعائشة رضي الله عنها (901)(3). [15] رواية أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - (912)(24). [16] رواية جابر - رضي الله عنه - (904)(10). [17] رواية جابر - رضي الله عنه - (904)(10). [18] رواية ابن عباس رضي الله عنهما (907)(17). [19] رواية جابر - رضي الله عنه - (904)(9). [20] رواية جابر - رضي الله عنه - (904)(9). [21] رواية جابر - رضي الله عنه - 904)(10). [22] رواية ابن عباس رضي الله عنهما (907)(17). [23] رواية جابر - رضي الله عنه -904)(10). [24] رواية ابن عباس رضي الله عنهما (907)(17). [25] رواية جابر - رضي الله عنه - (904)(10). [26] رواية أسماء رضي الله عنها (906)(16). [27] رواية لعائشة رضي الله عنها (901)(2). [28] (899)(14). [29] البخاري (723)، ومسلم (433)(124). [30] في إحكام الأحكام (ص351) ط/دار الجيل بتحقيق العلامة أحمد شاكر. [31] كتب شيخنا رحمه الله تعالى وقدس روحه في آخر هذه الأحرف متواضعاً كعادته: (أفادك الله وأثابك، وجعل ذلك باكورة عملك، لا منتهاه)، وأنا أسأل الله تعالى أن يجعل هذه الكتابة في ميزان حسنات الشيخ، ويجزيه عني خير الجزاء، فأياديه عليّ كثيرة، ولا أملك إلا الدعاء له بالرحمة والمغفرة.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |