|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() الفكر الغربي في ضوء التصور الإسلامي د. رمضان عمر الغرب المعاصر لا يرى في الشرق إلا نقطة امتداد تسير في مداره الفلَكي؛ فهو ينطلق من مركزية أوروبية[1]، تصوِّر الآخَرَ دونيًّا ناقصًا من خلال رؤية شوفينية[2] متعالية، وعنصرية مقيتة؛ فالشرق - عندهم - عالم ثالث يحتاج للتنمية والتوعية وتصدير الفكر، وليس له إلا أن يستجيب، ولا يعترف الغرب بالآخر إلا إذا تبنى ما عند الغرب من نُظم وأفكار؛ فالمجتمعات الإسلامية ذات نظرة متخلفة، وتعاني القمع بسبب الدين[3]، وهذه النَّظرة تشكَّلت في لاوعيه من خلال موروث أيديولوجي (بروثمية)[4]، كانت وراء هذه المركزية؛ فطبقًا للتصور الغربي، ليس الغربُ عالمَ الثروة والقوة فقط، بل هو أيضًا عالَم العلم والعقلانية والتسامح والاعتراف بالتعدد في الرأي، واحترام حقوق الإنسان والديمقراطية. الغرب كذلك هو عالَم الاعتراف بمبدأ مساواة الفرص، والعدالة الاجتماعية! فهو أفضل العوالم الموجودة على الأرض، سواء أكان في الماضي أو الحاضر؛ إذ إن بقية العوالم إلى الآن لم تتفوَّق عليه من أية وجهة نظر، سواء أكان من حيث الثروة والقوة، أم من حيث إنجاز الديمقراطية والعدالة الاجتماعية! وتلك العوالم لن تُنجز تقدُّمًا إلا بقدر ما سوف تقبَل الاقتداء بالغرب وحضارته؛ لأن أوضاعها المتردية تعودُ إلى تحكم ثقافات رجعية (مثل الإثنية أو السلفية الدينية..). وبحسب الطرح المُعلن نفسه، يُعد "فتح العالم، عسكريًّا أو اقتصاديًّا أو علميًّا، على أيدي الغربيين خطوة بروميثية، ترمي للتنوير، ونشر المعرفة، ونقل الشعوب غير الغربية إلى مرحلة جديدة من التاريخ، لا بد وأن تؤدي بتلك الشعوب المتخلِّفة إلى اللحاق بالمستوى الغربي الأعلى؛ فالفتح الغربي للعالَم أمرٌ إيجابي!"[5]، ومن هنا فإن العنصرية الغربية جزءٌ من التشكل البنيوي للعقيدة الاجتماعية الأوروبية القائمة على هذه النظرة الشوفينية؛ ففي القرن التاسع عشر ظهرت نظريات تتوافق - كلية - مع تطور أوروبا، من حيث إنها قوى استعمارية هائلة ممثلة في الاستعمار الفرنسي والإنجليزي والإسباني والبرتغالي والإيطالي والألماني، بكيفية أقل، من بين هذه النظريات تلك التي تقضي بوجود الأجناس البشرية، من حيث إنها تتفاضل فيما بينها، أما أرقى الأجناس وأقدرها على الإبداع الحضاري، فهو الجنس الآري، وأما في الدرجة الدنيا، فنحن نجِدُ الجنسَ السامي "والعرب - كما نعلم - ينتسبون إلى هذا الأخيرِ"[6]. والمعيار الذي تنقاس فيه حضارة الشعوب - وفق النظرة الشوفينية الغربية - هو الديمقراطية، فبقدر ما يتحقق منها في عالمنا نكونُ قد انطلقنا في قطار التنمية، وأصبَحْنا مؤهَّلين للحوق ركب الحضارة، مع أن الشواهد والأدلة تُثبِت أن الغربَ لا يدعم عمليًّا سوى دكتاتوريات القمع، وثقافات التهويد. والحقيقة أن النظرة الغربية تُعاني من إشكالية ثانية غير إشكالية التعالي والمركزية، فهم لا يُدركون جوهرَ الإسلامِ، ولا يستطيعون تصوُّر الفارق بين علمية المنهج الإسلامي وخرافات التزوير الكنسي؛ فمثلاً يعتقد كثير من الباحثين الغربيين أن الإسلامَ يقف موقفًا سلبيًّا من المرأة، فيما يتعلَّق بمسألة النوع، وخاصة في قوانين السلوك أو القِيم الأخلاقية التي تضبطُ العلاقة بين الجنسين، إلى الحد الذي يبدو في أذهان الغربيين كأنه اضطهاد وإقصاء، مع أن تاريخَ الغرب لا يُبشِّرُ بكثير خير في حق المرأة؛ "فالمرأة البريطانية - مثلاً - مُنحت حق التملك على نحو مستقل عن زوجها عام 1870 فقط، بينما تمتَّعت المرأة المسلمة بهذا الحق على الدوام"[7]. ويكفي أن نشير هنا إلى أن المرأة في أوروبا لم تحصل على حق التصويت حتى القرن العشرين، فبريطانيا أقرَّت حق التصويت للمرأة في مرحلتين، وذلك في عامي 1918/ 1928، كما منحتها الولايات المتحدة الأمريكية حق الاقتراع بوساطة تعديل دستوري عام 1920، وتأخر لحاق فرنسا حتى عام 1944، فيما لم تسمَحْ سويسرا للمرأة بالتصويت في الانتخابات إلا عام 1971[8]. هذه التناقضية الواضحة بين الادِّعاء الغربي بالأفضلية وَفق الرؤية الشوفينية، والواقع الغربي المنحط في عالم القِيَم والحقوق - تدعو للتشكيك الفعلي في مصداقية القِيَم الغربية ومثاليَّتِها. وسيتجلى هذا التناقض بصورة أوضح عند الحديث عن موضوع الدِّين والقداسة والنظرة الجمودية؛ فمع أن الغرب يعتبر أن جل مشكلات العالم الإسلامي وعيوبه تكمُن في الدين الإسلامي، إلا أن الفكر الديني هو المحرِّك الأساس للسياسة في أمريكا وأجزاء كبيرة من أوروبا؛ ففي الولايات المتحدة الأمريكية ثمة فصلٌ بين الكنيسة والسلطة بحكم الدستور، إلا أن الواقع العملي يقول: إن السياسة الأمريكية ليست علمانيَّةً تمامًا؛ ذلك أنه لم يتم انتخاب رئيس غير بروتستانتي في أمريكا سوى مرة واحدة (كِندي) الكاثوليكي، بل إن لليهود خصوصية تجعلهم بسبب ديانتهم فوق القانون، بل إن هناك قانونًا فصل بالمقاس الصِّهيوني، هو معاداة السامية؛ بيد أن النَّظرة إلى الدين الإسلامي التي تسود أوروبا هي محاربة الإسلام، واعتباره إرهابًا، حتى على مستوى الحجاب كما في فرنسا وغيرها، مع أن النظرة الإسلامية لحماية الأقليات الدِّينية كانت قمة في التميز والألق الحضاري، من خلال مفهوم الشمولية الكونية عبر مراحل تاريخه الطويل، ولليهود والنصارى وضعٌ خاص بوصفهم أهل كتاب؛ كما حظيت الأقليات الدِّينية الأخرى لاحقًا بوضع حماية الأقليات (أهل الذِّمة)[9]. ثم إن أبرز وجوه التمايز بين الغرب والشرق تكمُن في النظرة الفوقية القائمة على التمييز والعنصرية؛ فقد "أورد تقرير لوكالة الاتحاد الأوروبي لتطبيق الحقوق الأساسية، نشَرَه موقع "أوروسيرفير" على الشبكة العنكبوتية، أن ظاهرة العنصرية وكراهية الأجانب بالنسبة للأقليات القومية في دول الاتحاد الأوروبي وصلت إلى مستويات "مروعة". وبيَّنت نتائج هذا البحث، الذي شمل 23 ألف شخص، أن 22 % من أصول إفريقية من جنوب الصحراء قد تعرَّضوا للتمييز العنصري على أساس العِرق أثناء بحثهم عن عمل، و17 % من الغجَر تعرَّضوا لنفس المشاكل أثناء مراجعتهم للمراكز الطبية للعلاج، و11 % من الأفارقة من منطقة المغرب العربي تعرَّضوا لنفس المشاكل أثناء ارتيادِهم للمحالِّ التجارية. وأشار التقرير - أيضًا - إلى أن أكثر المتعرضين للتفرقة العنصرية هي الجالية الغجَرية المقيمة في تشيكيا، ويدخل الغجرُ المقيمون في هنغاريا وبولندا واليونان في قائمة المجموعات العشر الأكثر ضعفًا، ويدخل الأفارقة المقيمون في مالطا وإيرلندا وإيطاليا وفنلندا والدانمارك في عداد الأقليات القومية الأكثر تعرضًا للتَّمييز العنصري. ومن ناحية أخرى، أعلن كلُّ ثالث مسلم من المستطلعة آراؤهم عن حالات تعرَّض فيها للتفرقة العنصرية. وورد في التقرير أيضًا، أن القوميات الروسية والتركية، وكذلك المهاجرين من دول البلقان، ومن دول أوروبا الشرقية والوسطى المقيمين في دول أوروبا الغربية الأعضاء في الاتحاد الأوروبي - يدخُلون ضمن مجموعة الأشخاص الذين يتعرَّضون للتَّفرقة العنصرية"[10]. هذا الإفلاس القِيَمي الذي عرَّى الحضارة الغربية الحديثة، وكشَف عن زيف ادعائها في مواضيع الحرية والعدالة والمساواة - لا يجوز أن يقارن بنضارة الإسلام، وبرفعته، وسماحته؛ فموضوع السماحة في الإسلام يُعَد من أسس العقيدة، ومبدأً خالدًا من مبادئ الشريعة، بل هو أساس التقوى؛ كما جاء في كتاب الله: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [الحجرات: 13]. وفي خطبة الوداع التي مثَّلت دستورًا للأمة، قرَّر - صلى الله عليه وسلم - في بيان واضحٍ أنه لا فضلَ لعربي على أعجميٍّ، ولا لأبيضَ على أسود إلا بالتقوى، بل إن الَّرسولَ - صلى الله عليه وسلم - قد طبَّق هذا المبدأ في حياته العملية: فآخَى صهيبًا، وآوى بلالاً ![]() ونادَى بسَلْمانَ في الأقربين ![]() [1] النزعة المركزية الأوروبية: موقف يقوم على إخضاع كل القضايا التي يكون النظر فيها إلى منظور أوروبي محض، يصح القول - في عبارة أخرى -: إن أوروبا تغدو عند أصحاب هذه النزعة ودُعاتِها، هي المركز الذي يكون الانطلاق منه، ثم الرجوع إليه، وهي المنظارُ الذي لا يدرك العالم - مع شساعته - إلا بالنظر إليه من خلاله. النزعة المركزية الأوروبية ترى في أوروبا (يمكن الكلام بنفس الكيفية عن "الغرب") ذاتًا ثقافية جماعية، غير أنها - في الحقيقة - ذاتٌ متوهّمة لا واقعية؛انظر: سعيد بن سعيد العلوي، المركزية الفكرية الأوروبية إلغاء لحوار الحضارات، جريدة الشرق الأوسط، الخميـس 22 جمـادى الثانية 1432 هـ، 26 مايو 2011 العدد: 11867. [2] الشوفينية: هي المغالاة في التعصب؛ ففي حال التعصب القومي وحب الوطن يعتبر الشوفيني وطنَه أفضل الأوطان، وأمته فوق كل الأمم، وخصوصًا عندما تكون هذه المغالاة مصحوبة بكرهٍ للأمم أخرى. وقد جاءت هذه الكلمة من اسم نيكولا شوفان الجندي الفرنسي الذي جرح عدة مرات في حروب الثورة الفرنسية وحروب نابليون، ولكنه ظل أبدًا يقاتل في سبيل مجد فرنسا ومجد نابليون، وتستعمل الشوفينية حاليًّا في مجال الاستهجان، وعدم الاستحسان، وتمثل النازية الألمانية قمة التعصب الشوفيني. وبمعنى آخر: الشوفينية فكرة متطرفة وغير معقولة، وهي التحزب باسم المجموعة التي ينتمي إليها الفرد، وخاصة عندما يتضمن الحزب حقدًا وكراهية تجاه أي فريق منافس؛ كأصحاب التمييز العرقي (حركة منشؤها بريطانية). في الوقت الحاضر الشوفينية هي مصطلح شائع ومنتشر الاستخدام، يدل على عنجهية الرجل (بالإنجليزية: male chauvinism)، والتي تشير إلى الاعتقاد بأن الذكور تتفوق على الإناث، كذلك الأمر بالنسبة للإناث الشوفينيات (بالإنجليزية: female chauvinism) التي تعتقد أن الإناث أعلى من الذكور. [3] انظر: علي الأمين المزروعي، القيم الإسلامية والقيم الغربية، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية، العدد 21، ص 7. [4] أسطورة يونانية ترى أن الإله بروميثيوس أحب الإنسان كثيرًا، وأشفق عليه، لما قُضي عليه من خوف وذل وأمل عقيم، فسرق النار الإلهية؛ نار المعرفة، ومنحها لبني الإنسان، فكان عقابه الأبدي أن شدَّه كبير الآلهة بالأغلال الفولاذية التي لا يمكن تحطيمها، إلى صخرة مرتفعة، ذات نتوءات بارزة، تُطل على ماء المحيط، وأطلق عليه النسور تنهش جلده، وكلما طلَع الصباح كساه جلدًا جديدًا لتطعم به النسور! عذاب أبدي، شاركت الماردَ المُعذب فيه كلُّ عناصر الطبيعة! بيد أن كبير الآلهة لم يكفِه من بروميثيوس كل هذا العذاب الجسدي، فأرسل إليه وفدًا من ربات الانتقام يعذبنه! فبروميثيوس - ككلِّ الأبطال - له روح قوية لا تكسرها الآلامُ الجسدية، ولكن يكسرها أن تُفجع فى الفكرة التى تمثلها! [5] انظر: حازم خيري، الحضارة الغربية والبروميثية الغائبة، معابر: http: //maaber.50megs.com/issue_march09/spotlights4.htm [6] سعيد بن سعيد العلوي، المركزية الفكرية الأوروبية إلغاء لحوار الحضارات، جريدة الشرق الأوسط، الخميس 22 جمـادى الثانية 1432 هـ 26 مايو 2011 العدد 11867. [7] القيم الإسلامية والقيم الغربية، 8. [8] نفسه، ص9. [9] نفسه، ص15. [10] المهاجرون يشتكون من التمييز العنصري في أوروبا، مجلة مدارك، من الإنترنت.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |