|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() حوار سيدنا إبراهيم مع أبيه مصطفى البعزاوي الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خيرِ مَن حاور وجادل بالحسنى، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: فعلاقةً بموضوع الحوار، وما يماثل هذا المصطلح من مصطلحات أخرى، ارتأيتُ أن أشتغلَ بحوار نموذجي من خلال القرآن الكريم، باعتباره خاتمةً للكتب السماوية، الذي يمثل النموذج الرائع في الحوار، ويتجلَّى هذا في كيفية حوار أنبياء الله - عليهم السلام - مع أقوامهم. والنموذج الحواري الذي اخترتُه لبناء هذا العرض المتواضع هو مناظرة سيدنا إبراهيم - عليه السلام - لأبيه آزر، وسأتناول هذا العرض من تمهيد، وسبعة محاور؛ هي كالتالي: تمهيد: المحور الأول: مفهوم الحوار. المحور الثاني: مفهوم الجدل. المحور الثالث: مفهوم المناظرة. المحور الرابع: طرفا الحوار. المحور الخامس: موضوع الحوار. المحور السادس: نص الحوار وتحليله. المحور السابع: ما يستفاد من الحوار. تمهيد: يعتبر الحوار أداةً موصلة لبناء الفكر الصحيح، والحوار شيء لا بدَّ منه لتستمرَّ الحياة في حالة الحرب، أو في حالة السلم، ولو تتبَّعنا نماذج الحوار في القرآن الكريم لاستطعنا أن نخلصَ إلى الآليات الحقيقية - في عصرنا الحالي - لبناء حوارٍ ناجح مُثْمِر، كيف لا، وهو النموذج الأعلى في تبصُّرنا بالحوار كيف يكون؟ وحيال هذا الأمر، فإني اخترتُ مناظرة بين سيدنا إبراهيم - عليه السلام - مع والده آزر، وللإشارة، فإن القرآن الكريم عرض لنماذج من حوارات سيدنا إبراهيم - عليه السلام - تقربُ من عشرين سورة، وذلك في جوانبَ مختلفة من حياته بأساليب متنوِّعة من الحوار تمثَّلت في الجوانب التالية: • في حوار مع نفسه. • في حوار مع ربه. • في حوار مع قومه. • في حوار مع ابنه. • مع الملائكة الذين جاؤوا إليه في قصة لوط - عليه السلام. • مع طاغية زمانه النمرود. • مع والده آزر، الذي هو صميم هذا العرض. وقبل الدخول في صلب الموضوع، سأعرض بحول الله لمعنى الحوار والجدال والمناظرة. المحور الأول: مفهوم الحوار: أصل المادة اللغوية التي جاءت منها كلمة "الحوار"؛ هي: (ح و ر)، وجاء في "لسان العرب": وكلَّمته فما رجع إليَّ حوارًا ومحاورة ومَحُورة - بضم الحاء، بوزن مشورة - أي: جوابًا، وأحار عليه جوابه؛ أي: ردّه... والمحاورة: المجاوبة، والتحاور: التجاوب[1]. وفي معجم المصطلحات العربية في اللغة والأدب: الحوار (Dialogue) تبادل الحديث بين الشخصيات[2]. المحور الثاني: مفهوم الجدل: الجدل لغة: ترجع مادة (ج د ل) في جذرها اللغوي إلى معنى مادي، يفيد القوة والصلابة، كما في قولنا: جدل الحبل إذا حكم فتله[3]، وإلى معنى معنوي كما في دلالتها على اللدد في الخصومة والقدرة عليها[4]. الجدل في الاصطلاح: هو المفاوضة على سبيل المنازعة والمغالبة، وقيل: الأصل في الجدال الصراع، وإسقاط الإنسان صاحبه على الجَدَالة - بفتح الجيم والدال - وهي الأرض الصلبة[5]. المحور الثالث: مفهوم المناظرة: المناظرة لغة: مأخوذة من النظر، وهو الفكر في الشيء تقدره وتقيسه[6]، والمناظرة والجدل مصطلحان مترادفان من حيث المعنى، وتختلف مع الجدل من حيث الاشتقاق اللغوي، كما أورده الدكتور محمد رفيع - حفظه الله - في كتابه القيم: الجدل والمناظرة[7]. المحور الرابع: طرفا الحوار: إبراهيم - عليه السلام - مع والده آزر. المحور الخامس: موضوع الحوار: الدعوة إلى عبادة الله بدل عبادة الأصنام. المحور السادس: نص الحوار وتحليله: يقول الله - عز وجل -: ﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا * يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا * يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا * يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا * قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إبراهيم لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا * قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا * وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا ﴾ [مريم: 41 - 48]. من خلال هذا الحوار القرآني، نلمسُ أن سيدنا إبراهيم - عليه السلام - نهج حوارًا بنَّاءً مع أبيه، وناداه بصيغة "يا أبتِ" أربع مرات، وتاء التأنيث في أبتِ يؤتى بها للتعظيم والتبجيل في النداء. هذا، وقد استهلَّ إبراهيم - عليه السلام - في كل مرة نداءه بـ: "يا أبتِ"؛ نصيحة إيمانية قدَّمها لأبيه. بدأ هذه النصائح بتقديم البرهان العقلي لأبيه: ﴿ إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا ﴾؛ أي: هذه الأوثان جَمَاد لا تسمعُ دعاء عابدها، ولا تُبصِر مكانه، ولا تجلب له نفعًا، ولا تدفع عنه ضرًّا؛ فلِمَ يا أبتِ تعبدُها، والعقل يرفضها؟![8]. ثم ثنَّى - عليه السلام - بهذه النصيحة: ﴿ يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا ﴾ [مريم: 43]. ثم ثلَّث - عليه السلام - بنهي الأبِ عن عبادة الشيطان؛ ﴿ يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا ﴾. وأخيرًا: ربع إبراهيم - عليه السلام - بخاتمة نصائحه لأبيه آزر، وهي "تخويفه سوء العاقبة؛ ﴿ يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا ﴾[9]. هكذا كان خطاب الابن لأبيه؛ حيث تدرَّج معه في الدعوة، فبدأ معه بالأسهل فالأسهل، أخبره بعلمه، وأن ذلك مُوجِب لاتباعه إيَّاه، وأنه إن أطاعه اهتدى إلى صراط مستقيم، ثم نهاه عن عبادة الشيطان، وأخبره بما فيها من المضارِّ، ثم حذَّره عقابَ الله ونِقمته، إن أقام على حاله، وأنه إن فعل فسيكون للشيطان وليًّا. لكن مع هذا كله، فإن هذه الدعوة وهذا الأسلوب الدعوي لم ينفع ذلك الشقيَّ؛ بل أجاب بجواب جاهل، فقال: ﴿ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ ﴾؛ يعني: إن كنتَ لا تريد عبادتها ولا ترضاها، فانتهِ عن سبِّها وشتمها وعيبِها، فإنك إن لم تنتهِ عن ذلك، اقتصصتُ منك، وشتمتك وسببتك، وهو قوله: ﴿ لَأَرْجُمَنَّكَ ﴾، ﴿ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا ﴾، قال الحسن البصري: "زمانا طويلا"[10]. وعندها قال له إبراهيم: ﴿ سَلَامٌ عَلَيْكَ ﴾؛ أي: لا يصلك مني مكروه، ولا ينالك مني أذى، بل أنتَ سالم من ناحيتي، وزاده خيرًا، فقال: ﴿ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا ﴾، قال ابن عباس وغيره: أي لطيفًا، وقد استغفر له إبراهيم - عليه السلام - كما وعده في أدعيته، فلما تبيَّن له أنه عدوٌّ لله تبرأ منه؛ كما قال - تعالى -: ﴿ وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ ﴾ [التوبة: 114]. المحور السابع: ما يستفاد من هذا الحوار: 1- التحلِّي بأعلى درجات الفضيلة ومنها الصدق؛ قال - تعالى -: ﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا ﴾ [مريم: 41]. 2- دعوة أقرب الناس إلى الداعية. 3- اللِّين في الكلام، وحسن الخلق في المعاملة؛ قال: ﴿ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا ﴾. 4- بيان ضعف وعجز المعبودات من دون الله - تعالى. 5- النهي عن طاعة الشيطان، وأن طاعته تؤدِّي إلى عبادته. خاتمة: من خلال هذا الحوار الناجح والهادف، الذي يروم إيصال الحق إلى الآخر، يشكِّل وسيلة ناجحة لكل مَن يتصدى للدعوة والتبليغ في كل المجالات، بأسلوب لائق، ومنهجية رصينة، وما أحوجنا اليوم إلى الاستفادة من نماذج الحوار القرآني الذي يسعفنا إلى بناء أفكار صحيحة مُعَقْلَنة تتغيَّا نتيجة إيجابية. [1] لسان العرب لابن منظور، باب الحاء: 1/751، دار لسان العرب، بيروت. [2] معجم المصطلحات العربية في اللغة والأدب، لمجدي وهبة، وكامل المهندس، ج3، مكتبة لبنان، ص 154. [3] ينظر القاموس المحيط للفيروزآبادي، 3/443، ولسان العرب لابن منظور 11/103، وأساس البلاغة للزمخشري، ص 53. [4] القاموس 3/474، واللسان، 11/105. [5] المفردات في غريب القرآن/ أبو القاسم الحسن بن محمد الأصفهاني، مكتبة نزار مصطفى الباز، ط1، 1418هـ - 1997م، ج1، ص 117. [6] القاموس المحيط، 2/238. [7] الجدل والمناظرة أصول وضوابط، للدكتور محمد رفيع، طبعة أنفوبرانت فاس، ص: 8. [8] من لطائف التعبير القرآني حول سير الأنبياء والمرسلين، للأستاذ الدكتور/ فؤاد بن محمود بن محمد سندي، مكتبة مكة المكرمة، الطبعة الأولى 1424هـ - 2002م، ص 121 - 122. [9] المرجع السابق، ص 122. [10] أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشنقيطي (3/427).
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |