|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() عامٌ يطوى وعملٌ يبقى متعب بن محمد المهابي الحمد لله الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا، والذي جعل اختلاف الليل والنهار آياتٌ لأولي الألباب، والذي يُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ. والصلاة والسلام على خير من العابدين من أمره ربه بالتزود من هذه الدنيا بالعمل الصالح في حياته حتى أتاه اليقين (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين) أما بعد: إن لنا مع نهاية العام وقفة تأمل إذ معها انطواء عام من عمر الإنسان، وكل ما انتهى عام وأقبل عام تجدنا غافلين لاهين لم نتأمل أن هذه الأيام التي أنقضت هي من أعمارنا، ولم نتفكر في أن هذه الأيام نقص من حياتنا الموفق فيها من كان من أهل الاعتبار إذ الأيام التي تنقضي لا ترجع ومواسم الخير والغنائم ربما لا تدرك وكلما تقدم بنا الزمن كان تقارب الزمان أسرع (يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ) النور: 44، وهذه الدنيا ما الإنسان فيها إلا كراكب أستظل تحت شجرة فيها يمكث تحتها قليلاً وسرعان ما يرتحل منها ويتركها. وقد شبه لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هذه الدنيا في حديث عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه -، قَالَ: نَامَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عَلَى حَصيرٍ، فَقَامَ وَقَدْ أثَّرَ في جَنْبِهِ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، لَوْ اتَّخَذْنَا لَكَ وِطَاءً. فَقَالَ: ((مَا لِي وَلِلدُّنْيَا؟ مَا أَنَا في الدُّنْيَا إِلاَّ كَرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا)) رواه الترمذي، وقال: ((حديث حسن صحيح)) وفي هذا عظةٌ وعبرةٌ لأولي الادكار الذين لا يغترون بالدنيا وزخرفها ولا تغرهم الأماني. وهكذا الدنيا سرعان ما تتصرم فيها الأيام والأعوام فما يؤذن بانتهاء عام إلا ويطرق الباب بداية عام أخر يقودنا ذلك لزيادة الإيمان بأن الكون يسير وفق نظام بديع من بديع السماوات والأرض، قال تعالى: (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38) وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (39) لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) يسن 38-40 ومن يتأمل في آيات الله الدالة على عظمته وصدق وعده قاده ذلك لأن يعلم بأن التعلق بالله وحده وعمل الصالحات هو الغالب على كل غفلةٍ تغمرنا في ظل ظهور مغريات الحياة وتقدم تكنولوجيا العصر، ولا يكن الإنسان منتظراً موقفاً مؤثراً يكون سبباً لأن يكون في سبق المهتدين، فما لك في الدنيا من ضامن لأجل أن تعيش للحظة فلا تكن أنت من يهتدي الناس بسببه بعد موته فلا تجعل أملك البقاء في الدنيا، بل لأن تكون فيها كالغريب أو عابر السبيل يتقلل من متاعها ويعمل عملاً صالحاً لله، فعن ابن عمر -رضي الله عنهما-، قَالَ: أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بِمَنْكِبَيَّ، فقال: ((كُنْ في الدُّنْيَا كَأنَّكَ غَرِيبٌ، أَو عَابِرُ سَبيلٍ)) وَكَانَ ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما -، يقول: "إِذَا أمْسَيتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ المَسَاءَ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ، وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ". رواه البخاري. قالوا في شَرْحِ هَذَا الحديث معناه: لاَ تَرْكَنْ إِلَى الدُّنْيَا وَلاَ تَتَّخِذْهَا وَطَناً، وَلاَ تُحَدِّثْ نَفْسَكَ بِطُولِ البَقَاءِ فِيهَا، وَلاَ بِالاعْتِنَاءِ بِهَا، وَلاَ تَتَعَلَّقْ مِنْهَا إِلاَّ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْغَريبُ في غَيْرِ وَطَنِهِ، وَلاَ تَشْتَغِلْ فِيهَا بِمَا لاَ يَشْتَغِلُ بِهِ الغَرِيبُ الَّذِي يُريدُ الذَّهَابَ إِلَى أهْلِهِ. والإنسان في هذه الحياة الدنيا كمثل المسافر يقول ابن القيم -رحمه الله-: الناس منذ خلقوا لم يزالوا مسافرين، وليس لهم حط رحالهم إلا في الجنة أو في النار، والعاقل يعلم أن السفر مبني على المشقّة وركوب الأخطار، ومن المحال عادة أن يطلب فيه نعيم ولذّة وراحة، إنما ذلك بعد انتهاء السفر، ومن المعلوم أن كل وطأة قدم، أو كل آن من آنات السفر غير واقفة، ولا المكلف واقف، وقد ثبت أنه مسافر على الحال التي يجب أن يكون المسافر عليها من تهيئة الزاد الموصل، وإذا نزل أو نام أو استراح فعلى قدم الاستعداد للسير. (الفوائد ص 120-121) ويقول ابن الجوزي في صيد الخاطر: "من تفكر بعواقب الدنيا أخذ الحذر، ومن أيقن بطول الطريق تأهب للسفر، ما أعجب أمرك يا من يوقن بأمر ثم ينساه، ويتحقق ضرر حال ثم يغشاه! وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه. تغلبك نفسك على ما تظن، ولا تغلبها على ما تستيقن، أعجب العجائب، سرورك بغرورك، وسهوك في لهوك، عما قد خبئ لك، تغتر بصحتك وتنسى دنو السقم، وتفرح بعافيتك غافلاً عن قرب الألم، لقد أراك مصرع غيرك مصرعك، وأبدى مضجع سواك -قبل الممات- مضجعك، وقد شغلك نيل لذاتك، عن ذكر خراب ذاتك: كأنك لم تسمع بأخبار من مضى *** و لم تر في الباقين ما يصنع الدهر فإن كنت لا تدري فتلك ديارهم *** محاها مجال الريح بعدك والقبر! كم رأيت صاحب منزل ما نزل لحده، حتى نزل! وكم شاهدت والي قصر وليه عدوه لما عزل! فيا من كل لحظة إلى هذا يسري، وفعله فعل من لا يفهم لو لا يدري. وكيف تنام العين وهي قريرة؟ ولم تدر من أي المحلين تنزل؟ الإنسان في هذه الدنيا كثيرةُ أماله، يشغل نفسه بالليل والنهار من أجلها وتلهيه الدنيا بزينتها وبهجتها لأملٍ ينتظره أو عمل يدركه أو صفقة يبرمها إنها أمال، ولكن يظل نعيم هذه الدنيا نعيمُ زائل فليترك الإنسان ما يشغل منها عن طاعةِ الله وليتفرغ لطاعة الله تعالى فإنها هي مضمار التنافس (وفي ذلك فليتنافسِ المتنافسون). والبقاء في هذه الدنيا غير مضمون وغير مملوك لأحد مهما على ولو يباع لاشتراه الناس، ولنكن من الرجال الذين قال الله فيهم: (رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37) لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) النور37-38. فبما أننا جميعاً مقرون بأننا لم نخلق عبث، وأن أعمارنا تمضي سريعة في بحر متقلب بأفراحه ومتاعبه وأحزانه فلماذا لا نسارع إلى تغيير أنفسنا في عامنا الجديد ونصحح أخطاء ما مضى وانطوى من ماضينا القديم ولنجعل عامنا هذا عاماً غير وخير لنا وللأمةِ جمعاء.. ولنبدأ بعقيدتنا وتوحيدنا لله كيف ثباتها مع مرور الأيام كيف هو توكلنا على الله ورجاؤنا به وخوفنا منه كيف حبنا له وأعمالنا، هل هي خالصة له؟ ثم كيف هو تمسكنا بسنه رسولنا - صلى الله عليه وسلم - هل طبقناها وسعينا إلى نشرها؟ ثم كيف هو حال صلاتنا هل حافظنا عليها وتلدننا بأدائها؟ ثم كيف هو حال إنفاقنا وصدقتنا؟ هل أبقينا جزءاً من أموالنا ننفقه في سبيل الله؟ ثم كيف هو حالنا مع أقاربنا هل وصلناهم وبررناهم وكنا لهم أنساً في الحياة؟ ثم كيف هو حالنا مع الناس هل سعينا إلى نصحهم والتودد إليهم وتفريج كربهم وقضاء حوائجهم؟ تساؤلات كثيرة والإجابة تحتاج منا إلى الاستعانة بالله ومجاهدة أنفسنا والعزم على تغيير ما نحن عليه من أخطاء لنجعل أيامنا مشرقه بالخير والطاعة فتتحقق لنا السعادة في الدنيا والآخرة قال الله تعالى (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) الروم: 69، ومن أراد أن يكون أسعد الناس وأحسنهم فليغتنم كل حياته وأيامه ولياليه بحسن العمل الذي يرضي الله تعالى، فعن أبي صفوان عبد الله بن بسر الأسلمي - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((خير الناس من طال عمره وحسن عمله)) رواه الترمذي، وقال: حديث حسن. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |