|
ملتقى الشباب المسلم ملتقى يهتم بقضايا الشباب اليومية ومشاكلهم الحياتية والاجتماعية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() صفات القائد الشيخ طه محمد الساكت عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس، وكان أجود الناس، وكان أشجع الناس؛ ولقد فزع أهلُ المدينة ذات ليلة، فانطلق الناسُ قِبَلَ الصوت، فتلقَّاهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم راجعًا وقد سبقهم إلى الصوت، وهو على فرسٍ لأبي طلحة عُرْي، في عنقه السيف وهو يقول: ((لم تُراعُوا، لم تُراعوا))، قال: ((وجدْناه بحرًا، أو إنه لبحر))، قال: وكان فرسًا يُبطَّأُ؛ رواه الشيخان، واللفظ لمسلم [1]. حاضر العالم الإسلامي ونهضاته: في حاضر العالم الإسلامي نهضات إصلاحية متعددة النواحي: فمنها التشريعي، ومنها التهذيبي، ومنها الاقتصادي، ومنها التوجيهي، إلى غير أولئك مما يُكمِّل بعضه بعضًا، ويشدُّ بعضه أزرَ بعض، ويتعاون في جملته وتفصيله على البعث والتحرير، والإنشاء والتعمير، أو حينما نُحاوِل إحسانَ الظن - على إعادة مجد الإسلام، وإحياء فضائله الأولى - والأعمال بالنيات، ولكل امرئ ما نوى. قادة النهضات: لا جَرَم أن لكل نهضة من هذه النهضات قائدًا مسؤولاً عنها، وعن مدى إخلاصه وإصلاحه فيها، ثم عن مدى توجُّهه وتوجيهه إلى الخير حتى يُنْجِزه في أقرب زمن مُستطاع، من أقرب طريق مشروع، فكم من مشروعات نافعة أماتها البطء فيها، أو الحقد الدفين على مبتكريها، أو كثرة الخلاف والتعقيد في طرائق إنقاذها! وعلى قَدْر المهمة الملقاة على عاتق القائد مسؤوليَّته، وعلى حسبها يكون حسابه أمام الله والتاريخ! المسلمون إلى خير، ولكن الضعف في القيادة: ولما كان من الحقائق التي شاع العلمُ بها في العالم الإسلامي بالعشرين سنة الأخيرة أن المسلمين إلى خير، ولكن الضعف في القيادة، كما جاء في الجزء السابق لهذه المجلة، على لسان رئيس تحريرها الجليل[2] - أحببنا أن نُذكِّر قادتَنا بشيء من صفات قائدهم الأعلى، غير مُدافَع ولا مُنازَع صلوات الله وسلامه عليه؛ عسى أن يتَّخِذوا منها نِبراسًا يُضيء لهم طريق القيادة المُثلى، ويهديهم في كل نهضة إصلاحية للتي هي أقوم. القائد الأعلى: وفي مقدمة هذه الصفات التي نُذكِّر بها قادتَنا: الجود والشجاعة، وقد بلغ فيهما وفي غيرهما صلوات الله وسلامه عليه - المثلَ الأعلى، والغاية القصوى، مما لا مَطمَع لأحد - كائنًا مَن يكون - أن يُدانيه فيها، بل أن يساويه. فإذا كان صلوات الله وسلامه عليه - بنعمة ربه - أحسن الناس، في كلِّ صفةٍ من صفات الخير، وكل فضيلة من مكارم الأخلاق؛ فذلك لأنَّه - تعالى شأنُه - أدَّبه فأحسن تأديبه، وهذَّبه فأكمل تهذيبه، وآتاه ما لم يُؤتِ أحدًا من خَلْقه، وأثنى عليه بما هو أهله، ما لم يُثنِ على أحدٍ من قبله. جوده صلى الله عليه وسلم وشجاعته ومصدرهما: وإذا كان صلى الله عليه وسلم أجود الناس؛ فذلك لأنه أوثق الناس بربِّه، ولا ريب أن كرَم العبد وإنفاقه على قدْر ظنه بسيِّده، وحسْبك أنه ما سُئل عن شيء قط، فقال: لا[3]، إن كان عنده أعطاه، وإلا سكت، أو قال لسائله: ((ما عندي شيء، ولكن ابتع عليَّ، فإذا جاءنا شيء قضيناه))[4]. وقد قال له عمر ذات مرة: ما كلَّفك الله ما لا تَقدِر عليه، فرُئِيَتِ الكراهية في وجهه صلى الله عليه وسلم، حتى إذا قال له رجل من الأنصار: أَنفِق يا رسول الله، ولا تخشَ من ذي العرش إقلالاً، تبسَّم وعُرِف البِشْر في وجهه، وقال: ((بهذا أُمِرت))[5]. شجاعته عليه الصلاة والسلام: وإذا كان صلى الله عليه وسلم أشجع الناس كافَّة؛ فلأنه أجود الناس كافَّة؛ وذلك لأن الجود والشجاعة صفتان مُتحالِفتان، لا تكادان تَفترِقان، ويَنبوعهما هو الثقة بالله تعالى والإيمان به، وما مِن شجاع إلا وقد أُحصيتْ عليه هَفْوة، أو عُدَّت عليه كَبوة، إلا سيد الشجعان صلى الله عليه وسلم، فقد فرَّت الفرسان من حوله غير مرة، وهو مُقْبل لا يَبرَح، وثابت لا يُدبِر ولا يتزحزح. ومن آيات شجاعته ما رواه أنس رضي الله عنه في هذا الحديث من أن أهل المدينة اضطربوا وفزعوا ذات ليلة، وظَنُّوا أن عدوًّا أغار عليهم، فأسرع أناسٌ من شجعانهم نحو الصياح الذي سمِعوا، فما راعهم إلا أن يجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عائدًا بعد أن استبرأ الخبر، واستكشَف الأمر، واطمأنَّ على المدينة وأهلها، ثم طمأنهم وأزال مخافتهم. ومن عجيب فروسيَّته وشجاعته أن يركب فرسًا لأبي طلحة معروفًا بالبطء والعجز وسوء السير، يمتطيه عاريًا من السرج، فيَثبُت عليه وهو مُتقلِّد سيفه في عنقه، ثم يَنقلِب الفرس سريعًا ببركته صلى الله عليه وسلم كأنه بَحْر. أبو طلحة الأنصاري: وأبو طلحة هو زيد بن سهل الأنصاري الخزرجي، زوج أم سليم والدة أنس بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم وراوي هذا الحديث، كان من فضلاء الصحابة وشجعانهم، وذوي الجود والكرم منهم، وكان راميًا مشهورًا، يجثو بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في ميدان الحرب ويقول: نَفْسي لنفسك الفِداء ![]() ووجهي لوجهك الوِقاء ![]() ثم يَنثُر كنانتَه بين يديه، كان يتطاول بصدره؛ ليقي به رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول: نَحْري دون نحرك[6]. ولا ريب أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تخلَّقوا بخُلقه، وبلغوا من الشجاعة والكرم والفضل، بمقدار حبِّهم له وإيمانهم به، وذلك ميزان سليم مستقيم، تُوزَن به فضائل من بعدهم إلى يوم القيامة. أثر الجود والشجاعة في بناء المجد: وبعد، فلسنا بسبيل تفصيل جوده وشجاعته صلى الله عليه وسلم وعظيم أثرهما في صادقي الإيمان به من أمته، فقد تكفَّلتْ بذلك المؤلفات الكثيرة في سيره وشمائله، وإن لم تَبلُغ الغاية في شرح مكارمه وفضائله، ولكنا بسبيل الدعوة إلى التخلُّق بأخلاقه العامة، وبهاتين الفضيلتين منها خاصة، إن كنا جادِّين في نهضاتنا، صادقين في عزماتنا، واثقين بعون الله لنا على احتمال التَّبِعات الجِسام المُلقاة على عواتقنا. وأجدر الناس بقَبُول هذه الدعوة والاستجابة لها هم قادتنا وأولو الأمر منا، إن كانوا يؤمنون بأنه صلوات الله وسلامه عليه هو قائدهم الأعلى، وأنهم لن يُحقِّقوا لأممهم ما يرجون لها من العزَّة والسيادة، إلا إذا كانوا تحت رايته، مُستظلِّين بظل هدايته. الشجاعة والكرم في أوسع معانيهما، وأبعد مراميهما: وإذا ذكرنا الشجاعة، فلا نعني بها مجرد الشجاعة الحربيَّة التي تُفسَّر بأنها ثبات القدم عند مواقع القتال، ومكافحة الأبطال، وإنما نعني بها الشجاعة في أوسع معانيها، وأبعد مراميها، ولا سيما الشجاعة الأدبية التي تَقصِد إلى مناصرة الحق، وإظهاره في إخلاص وصِدْق، دون مبالاة بذي جاهٍ أو سلطان، ولن تُؤْتي هذه الشجاعة أُكلَها، إلا إذا تقبَّلناها من أهلها، وشجعناهم على المضي فيها ما كانوا إلى الخير داعين، وإلى الحق قاصدين ﴿ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ﴾ [المائدة: 54]. وإذا ذكرنا الكرمَ، فلا نعني به ما يُنفَق من أموال طائلة في مظاهر الفخر والأبهة، فإن ذلك إسراف وتبذير، عظيم الضرر، وخيم العاقبة! وإنما نعني به الأريحية للإنفاق في سبيل الله، وتحرير الوطن، وإحياء موات الأمة، وإزاحة ما ضُرِب عليها من الذِّلة والمسكنة. إن هذه المُثُل العليا التي ندعو إليها القادةَ والمشرفين على نهضاتنا الحاضرة، وفي مقدمتها الشجاعة والكرم والتضحية والبذل - ليست من أمهات الفضائل وحسب، ولا من صفات القائد المثالي وكفى، ولكنها إلى ذلك كله من الدعائم الأساسية الأولى، لتحرير الشعب، وإنقاذ الوطن، وبناء المجد. المصدر: من ذخائر السنة النبوية؛ جمعها ورتبها وعلق عليها الأستاذ مجد بن أحمد مكي [*] مجلة الأزهر، العدد العاشر، المجلد الرابع والعشرون، (1372 = 1953). [1] أخرجه البخاري (3040) في الجهاد، ومسلم (2307) في الفضائل. [2] الأستاذ محب الدين الخطيب - رحمه الله تعالى. [3] أخرجه البخاري (6034)، ومسلم (2311)، والترمذي في "الشمائل" (350) من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما. [4] سيأتي تخريجه من حديث عمر، وقوله: ((ابتع عليَّ))؛ اشترِ إلى أجل، وأنا أدفع الثمن عند حلول الأجل. [5] رواه الترمذي في "الشمائل" (353)، والبغوي في "الأنوار في شمائل النبي المختار" (367)، وأخرجه البزار (3662)، وابن أبي الدنيا في "مكارم الأخلاق" (390)، والخرائطي في "المنتقى من مكارم الأخلاق" (278) وغيره، وذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10: 241 - 242)، وقال: "رواه البزار وفيه: إسحاق بن إبراهيم الحنيني، وقد ضعَّفه الجمهور، ووثَّقه ابن حبان، وقال: يخطئ، ولفظه من حديث عمر بن الخطاب: أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما عندي شيء، ولكن ابتع عليَّ، فإذا جاءني شيء قضيتُه))، فقال عمر: يا رسول الله، قد أعطيتَه، فما كلَّفك الله ما لا تَقدِر عليه، فكَرِه النبي صلى الله عليه وسلم قولَ عمر، فقال له رجل من الأنصار: يا رسول الله، أَنفِق، ولا تخف من ذي العرش إقلالاً، فتبسَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم وعُرِف البِشْر في وجهه لقول الأنصاري، ثم قال: ((بهذا أُمِرت))، والحديث إسناده ضعيف؛ فيه هارون بن أبي موسى بن أبي علقمة المديني عن أبيه هارون، وهارون لا بأس به، ولكن أباه مجهول. [6] روى البخاري (3811) في فضائل الأنصار، ومسلم (1811) في الجهاد والسير من حديث أنس رضي الله عنه، قال: لما كان يوم أُحد، انهزم الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو طلحة بين يديه مُجَوِّبٌ عليه بجحفة، وكان راميًا شديد النَّزع، كسر يومئذٍ قوسين أو ثلاثة، وكان الرجل يَمر معه الجعبة من النبل، فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((انثرها لأبي طلحة))، ثم يُشرِف إلى القوم، فيقول أبو طلحة: "يا نبي الله بأبي أنت، لا تُشرِف، يُصيبُك سهمٌ، نحري دون نحرك"، ومعنى مُجوِّبٌ؛ أي: مُترِّسٌ عليه، يَقيه بها، ويقال للتُّرس أيضًا: جَوْبة.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |