الانسجام بين الروح والمادة - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 609 - عددالزوار : 114402 )           »          كيف نحمي أطفالنا من الآثار الضارة للألعاب الإلكترونية (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 1 - عددالزوار : 14 )           »          أغض للبصر وأحصن للفرج (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          مواعظ نبوية بشأن الصلاة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          عدسة الانتقاء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          من معالم النصرة الواجبة بين المسلمين: استثمار العاطفة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          عبادة إيناس الوحشان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          هل بعض الآثار الخارقة موجودة قبل آدم؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          التطرف والغلو في ميزان الشرع (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          هل محمد عليه الصلاة والسلام لا يورَث دون غيره من الأنبياء؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 27-11-2019, 05:35 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 156,846
الدولة : Egypt
افتراضي الانسجام بين الروح والمادة

الانسجام بين الروح والمادة
عبد الرشيد سالم



إنَّ الطَّريق الذي رسمَه اللهُ لعبادِه في القرآن الكريم يبرزُ تلك الوحدةَ "الرُّوحية والمادية"، ويبيِّنُ أنَّ كمالَ العبادة لا يتحقَّقُ إلا بهما؛ (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ)[الأعراف: 32]، (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ)[الملك: 15]، (نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ)[فصلت: 31]، (إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى * فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى)[الليل: 4 - 10]، (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا)[مريم: 96]، (وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا * مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا)[الكهف: 2، 3]، هذا الطَّريقُ الواضح في الإسلامِ يبين أنَّ تكريمَ الله للوجودِ الإنساني يكفلُ له مقامَه وكرامتَه، ويجعل حياتَه ومقوِّماته أكرمَ من أن تُمَسَّ في سبيل توفير أيةِ قيمةٍ مادية أخرى، وذلك مع عدم الإخلال بالقِيَمِ المادية وبالإبداع في عالمِ المادة، فالوحدةُ بين الرُّوحِ والمادةِ من أساسياتِ البناء الإسلامي، وتكريم الإنسان بهما لا يفصِلُه عن واحدةٍ منهما؛ لأنَّ انفصالَه عن واحدةٍ يسلبُه قيمةَ الأخرى، وإذا حدثَ ذلك فإنَّه واقعٌ لا محالةَ في تِيهٍ وحيرة، ويتحوَّلُ إسلامُه إلى شكلٍ بلا مضمون؛ (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ)[آل عمران: 142]، (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)[التوبة: 105].
بهذا التوجيه يستشعرُ المسلمُ أنَّ وجودَه على الأرضِ ليس فلتةً عابرة، إنَّما هو قدرٌ مقدور مرسومٌ له طريقُه ووجهتُه وغايتُه، وأنَّ وجودَه على الأرض يقتضي حركةً وعملاً إيجابيًّا في ذاتِ نفسِه وفي الآخرينَ من حوله، وفي هذه الأرضِ التي هو مستخلَفٌ فيها، وفي هذا الكونِ المحسوبِ والمحسوم في تصميمِه، وأنَّه لا يبلغُ شكرَ نعمةِ الله عليه بالوجود، ونعمةِ اللهِ عليه بالإيمانِ، ولا يطمعُ في النَّجاةِ من حساب اللهِ وعذابِه إلا بأنْ يؤدِّيَ دورَه الإيجابي في خلافةِ الأرضِ، وَفْقَ شرطِ الله ومنهجِه، وتطبيق هذا المنهج في حياتِه له ولغيرِه.
إنَّ الإسلام دينٌ للواقعِ، دينٌ للحياةِ، دينٌ للحركةِ، دينٌ للإبداعِ، دينٌ للعملِ والإنتاج والنَّماء، دينٌ تطابقُ تكاليفُه للإنسان فطرةَ هذا الإنسانِ؛ بحيث تعملُ جميعُ الطَّاقاتِ الإنسانيةِ المقدَّر لها، عن طريقِ العلمِ والحركة، وتلبيةِ الطَّاقات والأشواق، لا عن طريقِ كبْتِها أو كفِّها عن العمل، ولا إهدارِ قيمتِها واستبعادِ دوافعِها، ومن ثَمَّ تتحقَّقُ صفةُ "الواقعية" للمنهجِ الإسلامي الموضوعِ للحياةِ البشريَّةِ، ويتطابَقُ التصوُّرُ الاعتقادي والمنهج العَمَلي في هذا الدِّين تطابقًا لا تفاوُتَ فيه، ومن ثَمَّ ينطلقُ الإنسان بكلِّ طاقاتِه، يعمِّر الأرضَ وينمي في موجوداتِها، ويطوِّر ويبدعُ في عالمِ المادةِ ما شاءَ اللهُ له أن يبدِعَ، لا يقفُ في وجهِه حاجزٌ من التصوُّرِ الاعتقادي، ولا من المنهجِ العملي، فكلاهما واقعيٌّ، مطابقٌ لواقعيةِ الكينونة الإنسانية، وللظروفِ الحقيقية المحيطةِ بها في هذا الكَوْن، وكلاهما صادرٌ من الجهةِ التي صدرَ عنها الإنسانُ، والتي زودتْه بطاقاتِه واستعداداته، ومن ثَمَّ يتسنَّى للإنسان المؤمنِ بهذه العقيدة، المدركِ لحقيقة التصور الإسلامي وللمنهجِ الإسلامي المنبثق عنه، أنْ ينشئ من الآثار الواقعية في هذه الأرضِ، وأن يحقِّق من الإبداع المادي فيها وَفْقَ ما يقتضيه الصَّلاحُ الأخلاقي؛ (فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)[الروم: 30]، وحين عرف المسلمونَ ذلك وأدركوا أبعادهَ استطاعوا أنْ يتفرَّقوا في جميع العلومِ والمعارف، وأنْ ينشئوا حضارةً مادية بهرتْ كلَّ أممِ الأرض، وهي حضارةٌ ممزوجة بالرُّوح المؤمنةِ تنشدُ سعادةَ الإنسان وراحتَه وأمنَه، وتسابقتْ كلُّ أممِ الأرض تأخذُ عنهم وتسعى إليهم.
فلما غفلوا عن ذلك، وانقسموا إلى شِيَعٍ وأحزابٍ يضربُ بعضُها بعضًا؛ ضلُّوا وتاهوا في دروبِ الحياة، فتكالبتْ عليهم الأممُ تنهشهم، وتنالُ منهم، وهم لا حولَ لهم ولا قوة، وطال عليهم الأمدُ قرنًا بعد قرنٍ، وكان من الضَّروري أن يتعلَّموا من المحن وأن يأخذوا العِظةَ والعِبْرة من الأحداث المتتالية، ولكنَّهم لم يفعلوا، حتَّى نكبوا بالاستعمارِ من كلِّ لونٍ وجنس، فحرمَهُم من العلمِ، وأبعدَهم عن منابعِهم الثقافيةِ الواعية، وتلاعبَ في تراثِهم وزيَّن لهم ما لديه، وبغَّضَهم في قيمِهم.
إنَّ الانسجام بينَ الرُّوح والمادةِ هو الذي يحفظُ القيمَ ويساعدُ على التقدُّم، ويبني إنسانًا يعرفُ اللهَ، ويعملُ جاهدًا على تحقيقِ حاجاته في إطارِ هذه المعرفةِ، والقرآنُ الكريم يوجِّه نظرَ الإنسانِ إلى هذا الكونِ، كدليلٍ على وجود خالِقِه ووحدانيتِه، وقدرتِه وإرادته، وهيمنتِه وتدبيره، وعلمِه وتقديره، إنَّه يوجِّهُهُ إلى حقيقةٍ واقعية يراها ويلمسُها، ويعيش بين مضامينِها، ويلمسُ آثارَ اللهِ فيها، ومن خلالها يأتي إيمانُه صادقًا، خاليًا من الانحرافات والجهالة، وتأتي معرفتُه بالله بعيدةً عن مِثالياتِ الفلاسفة، وأوهام "البراهمة" وشَطَحاتِ "البوذيين" وغيرِهم ممن يتوارون أنَّ الله أعظمُ من أنْ يفعلَ شيئًا؛ لهذا كان الإسلامُ هو الدِّين الوحيد الباقي على الأرضِ، الذي يحمِلُ تصورًا صحيحًا عن اللهِ الخالقِ المبدع بعد انحرافِ أصحابِ الدِّيانات الأخرى، وتصويرِهم للهِ محبًّا للشِّواء وملتهمًا له كما عند اليهود، وتجسيمه وجعله مصارعًا ليعقوبَ كما في تلمودِهم، لم يبقَ في الأرض تصورٌ دينيٌّ صحيح عنِ اللهِ إلا التصور الذي جاء به القرآنُ الكريم، ووضَّحَه للبشرية خاتمُ الرُّسلِ "محمد" - صلى الله عليه وسلم - قال - تعالى -: (أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ * أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ * أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ * أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ - تعالى -اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ * أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ)[النمل: 60 - 65]، هذا هو الإلهُ القادِرُ العالم المريدُ الذي يصلِّي المسلمون له، ويمتثلُ الصَّالحون منهم لأوامِرِه وتعاليمه، عرض القرآنُ علينا صفاته، وأفعاله، وبيَّن آثارَه في الكون وفي النَّاس، وقرَّب إلى الأفهام مظاهرَ قدرتِه وعلمه وحكمته، وتفرُّدِه في الخلقِ والإبداع لهذا الكونِ وما فيها، إنه من صنعِ الله؛ السَّمواتُ والأرض، النُّجومُ والكواكب، الكائناتُ الحية والميتة، الليلُ والنهار، النُّورُ والظَّلام، المطرُ والبرق والرَّعد، الظِّلُّ والحرور، النباتُ والأزهار، الأشجارُ والثِّمار، البحارُ والأنهار، السُّحبُ والأفلاك والمجرَّات، الطُّيورُ والحيوان والنبات والحشرات، الأحوالُ والأطوار المختلفة لكلِّ ذلك، يعرِفُ الإنسانُ أنها من صنعِ الله، وأنَّه - سبحانه - المهيمنُ عليها والقائمُ بأمرِها والمتصرِّفُ فيها، لذلك فإنَّ المسلمَ الحقَّ البصيرَ بأمورِ دينِه لا يجد فاصلاً بين الجدِّ والعملِ في هذه الكائنات وبين أداءِ العِباداتِ المفروضَةِ عليه لكمال دينِه، إنَّ الانسجامَ بين الرُّوح والمادةِ من أساسياتِ البِناء الإسلامي، وضرورةٌ ملحةٌ لكمالِ الدِّين والفلاح في الدُّنيا..
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 52.83 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 51.16 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (3.16%)]