|
ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() شرح أحاديث باب التوبة من كتاب رياض الصالحين (1) سماحة الشيخ محمد بن صالح العثيمين قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: قال العلماء: التوبة واجبة من كل ذنب؛ فإن كانت المعصية بين العبد وبين الله تعالى، لا تتعلق بحق آدمي؛ فلها ثلاثة شروط: أحدها: أن يُقلع عن المعصية. والثاني: أن يندم على فعلها. والثالث: أن يعزم أن لا يعود إليها أبدًا. فإن فَقَد أحد الثلاثة لم تصح توبته. وإن كانت المعصية تتعلق بآدمي، فشروطها أربعة: هذه الثلاثة، وأن يبرأ من حق صاحبها، فإن كانت مالًا أو نحوه، ردَّه إليه، وإن كانت حد قذف ونحوه، مكَّنه منه، أو طلب عفوه، وإن كانت غِيبة، استحله منها. ويجب أن يتوب من جميع الذنوب؛ فإن تاب من بعضها، صحَّت توبته - عند أهل الحق - من ذلك الذنب، وبقي عليه الباقي. وقد تظاهرت دلائل الكتاب والسنة وإجماع الأمة على وجوب التوبة: قال الله تعالى: ï´؟ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ï´¾ [النور: 31]. وقال تعالى: ï´؟ وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ ï´¾ [هود: 3]. وقال تعالى: ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا ï´¾ [التحريم: 8]. قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: قال المؤلف - رحمه الله تعالى -: «باب التوبة»: التوبة لغة: مِن تاب يتوب، إذا رجع. وشرعًا: الرجوع من معصية الله تعالى إلى طاعته. وأعظمها وأوجبها التوبة من الكفر إلى الإيمان؛ قال الله تعالى: ï´؟ قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ ï´¾ [لأنفال: 38]. ثم يليها التوبة من الكبائر؛ كبائر الذنوب. ثم المرتبة الثالثة: التوبة من صغائر الذنوب. والواجب على المرء أن يتوب إلى الله - سبحانه وتعالى - من كل ذنب. وللتوبة شروط ثلاثة: كما قال المؤلف - رحمه الله - ولكنها بالتتبع تبلغ إلى خمسة: الشرط الأول: الإخلاص لله؛ بأن يكون قصد الإنسان بتوبته وجه الله - عز وجل - وأن يتوب الله عليه، ويتجاوز عما فعل من المعصية؛ لا يقصد بذلك مراءاةَ الناس، والتقربَ إليهم، ولا يقصد بذلك دفعَ الأذية من السُّلُطات وولي الأمر. وإنما يقصد بذلك وجهَ الله والدارَ الآخرة، وأن يعفو الله عن ذنوبه. الشرط الثاني: الندم على ما فعل من المعصية؛ لأن شعور الإنسان بالندم هو الذي يدل على أنه صادق في التوبة؛ بمعنى أن يتحسر على ما سبق منه، وينكسر من أجله، ولا يرى أنه في حِلٍّ منه حتى يتوب منه إلى الله. الشرط الثالث: أن يُقلع عن الذنب الذي هو فيه؛ وهذا من أهم شروطه. والإقلاع عن الذنب: إن كان الذنب ترك واجب؛ فالإقلاع عنه بفعله؛ مثل أن يكون شخص لا يزكي، فأراد أن يتوب إلى الله، فلابد من أن يخرج الزكاة التي مضت ولم يؤدها، وإذا كان الإنسان مقصِّرًا في بر الوالدين؛ فإنه يجب عليه أن يقوم ببرهما، وإذا كان مقصرًا في صلة الرحم؛ فإنه يجب عليه أن يصل الرحم. وإن كانت المعصية بفعل محرَّم، فالواجب أن يُقلع عنه فورًا، ولا يبقى فيه ولا لحظة. فإذا كانت من أكل الربا مثلًا، فالواجب أن يتخلص من الربا فورًا، بتركه والبُعْد عنه، وإخراج ما اكتسبه عن طريق الربا؛ إذا كانت المعصية بالغش، والكذب على الناس، وخيانة الأمانة؛ فالواجب عليه أن يقلع عن ذلك، وإذا كان قد اكتسب مالًا من هذا الطريق المحرَّم؛ فالواجب عليه أن يرده إلى صاحبه، أو يستحله منه، وإذا كانت غِيبة، فالواجب أن يُقلع عن غِيبة الناس، والتكلم في أعراضهم؛ أمَّا أن يقول: إنه تائب إلى الله، وهو مُصِرٌّ على ترك الواجب، أو مُصِرٌّ على فعل المحرَّم، فإنَّ هذه التوبة غير مقبولة؛ بل إن هذه التوبة كالاستهزاء بالله عز وجل؛ كيف تتوب إلى الله - عز وجل - وأنت مُصِرٌّ على معصيته؟! لو أنك تعامل بشرًا من الناس، تقول: أنا تبت إليك وأنا نادم، لا أعود، ثم في نيتك وفي قلبك أنك ستعود، وعدتَ؛ فإن هذه سخرية بالرجل، فكيف بالله رب العالمين؟! فالإنسان التائب حقيقة هو الذي يُقلع عن الذنب. ومن الغريب أن بعض الناس تجلس إليه، وتجده يتأوه من وجود الربا، وهو في نفسه يرابي والعياذ بالله، أو يتأوه من الغِيبة وأكل لحوم الناس؛ وهو من أكثر الناس غيبة - نسأل الله العافية - أو يتأوه من الكذب وضياع الأمانة في الناس، وهو من أكذب الناس وأضيعهم للأمانة!! على كل حال، الإنسان لابد أن يقلع عن الذنب الذي تاب منه، فإن لم يقلع فتوبته مردودة لا تنفعه عند الله عز وجل. والإقلاع عن الذنب إما أن يكون إقلاعًا عن ذنب يتعلق في حق الله - عز وجل - فهذا يكفي أن تتوب بينك وبين ربك، ولا ينبغي - بل قد نقول: لا يجوز - أن تُحدِّث الناس بما صَنَعْتَ من المحرَّم، أو ترك الواجب؛ لأن هذا بينك وبين الله، فإذا كان الله قد مَنَّ عليك بالستر، وسترك عن العباد، فلا تُحدِّث أحدًا بما صنعت، إذا تبت إلى الله. وقد قال النبي - عليه الصلاة والسلام -: «كُلُّ أُمَّتِي مُعَافَى، إِلَّا الْمُجَاهِرِينَ». ومن المجاهرة؛ كما جاء في الحديث: «أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلًا، ثُمَّ يُصْبِحُ وَقَدْ سَتَرَهُ اللهُ، فَيَقُولُ: يَا فُلَانُ، عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا»، إلى آخره. إلا أن بعض العلماء قال: إذا فعل الإنسان ذنبًا فيه حَدٌّ، فإنه لا باس أن يذهب إلى الإمام الذي يقيم الحدود - مثل الأمير - ويقول: إنه فعل الذنب الفلاني ويريد أن يُطهِّره منه، ومع ذلك فالأفضل أن يستر على نفسه، هذا هو الأفضل. يعني: يباح له أن يذهب إلى ولي الأمر إذا فعل معصية فيها حَدٌّ؛ كالزنا مثلًا، فيقول: إنه فعل كذا وكذا؛ يطلب إقامة الحد عليه؛ لأن الحد كفارة للذنب. أما المعاصي الأخرى فاسترها على نفسك كما سترها الله، وكذلك الزنا وشِبْهه، استره على نفسك - بالنسبة لغير ولي الأمر - لا تفضح نفسك؛ ما دمت أنك قد تبت فيما بينك وبين الله تعالى، فإن الله تعالى يقبل التوبة عن عباده، ويعفو عن السيئات. أما إذا كان الذنب بينك وبين الخلق، فإن كان مالًا فلابد أن تؤديه إلى صاحبه، ولا تُقبل التوبة إلا بأدائه؛ مثل أن تكون قد سرقت مالًا من شخص، وتبت من هذا، فلابد أن توصل المسروق إلى المسروق منه. أو جحدت حقًّا لشخص؛ كأن يكون في ذمتك دين لإنسان، وأنكرته، ثم تبت، فلابد أن تذهب إلى صاحب الدين الذي أنكرته، وتقر عنده وتعترف حتى يأخذ حقه. فإن كان قد مات، فإنك تعطيه ورثته، فإن لم تعرفهم، أو غاب عنك هذا الرجل ولم تعرف له مكانًا، فتصدق به عنه تخلُّصًا منه، والله - سبحانه وتعالى - يعلمه ويعطيه إياه. أما إذا كانت المعصية التي فعلتها مع البشر ضربًا وما أشبهه، فاذهب إليه، ومكِّنه من أن يضربك مثل ما ضربته؛ إن كان على الظهر، فعلى الظهر، وإن كان على الرأس فعلى الرأس، أو في أي مكان ضربته فليقتص منك؛ لقول الله تعالى سبحانه: ï´؟ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا ï´¾ [الشورى:40]، ولقوله: ï´؟ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ ï´¾ [البقرة: 194]. وإذا كان بقول؛ أي: أذية بالقول؛ مثل أن تكون قد سَبَبْته أمام الناس، ووبَّخْتَه وعيَّرْته، فلا بد أن تذهب إليه وتستحل منه بما تتفقان عليه، حتى لو قال: لا أسمح لك إلا بكذا وكذا من الدراهم، فأعطه. الرابع: أن يكون الحق غِيبة؛ يعني: أنك تكلمت به في غيبته، وقدحت فيه عند الناس وهو غائب. فهذه اختلف فيها العلماء؛ فمنهم من قال: لا بد أن تذهب إليه، وتقول له: يا فلان إني تكلمت فيك عند الناس، فأرجوك أن تسمح عني وتحللني. وقال بعض العلماء: لا تذهب إليه، بل فيه التفصيل! فإن كان قد علم بهذه الغيبة، فلابد أن تذهب إليه وتستحله، وإن لم يكن علم، فلا تذهب إليه، واستغفر له، وتحدث بمحاسنه في المجالس التي كنت تغتابه فيها؛ فإن الحسنات يذهبن السيئات. وهذا القول أصح؛ وهو أن الغيبة إذا كان صاحبها لم يعلم بأنك اغتبته، فإنه يكفي أن تذكره بمحاسنه في المجالس التي اغتبته فيها، وأن تستغفر له، تقول: اللهم اغفر له، كما جاء في الحديث: «كَفَّارَةُ مَنِ اغْتَبْتَهُ أَنْ تَسْتَغْفِرَ لَهُ»[1]؛ فلابد في التوبة من أن تصل الحقوق إلى أهلها. يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |