حكم قراءة الفاتحة للمأموم في الصلاة السرية والجهرية - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4938 - عددالزوار : 2028008 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4513 - عددالزوار : 1304721 )           »          تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 959 - عددالزوار : 122017 )           »          الصلاة دواء الروح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          أنين مسجد (4) وجوب صلاة الجماعة وأهميتها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »          عاشوراء بين ظهور الحق وزوال الباطل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »          يكفي إهمالا يا أبي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          فتنة التكاثر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          حفظ اللسان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          التحذير من الغيبة والشائعات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام
التسجيل التعليمـــات التقويم

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 28-07-2019, 09:23 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,460
الدولة : Egypt
افتراضي حكم قراءة الفاتحة للمأموم في الصلاة السرية والجهرية

حكم قراءة الفاتحة للمأموم في الصلاة السرية والجهرية
عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني


إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وبعد:

اختلف العُلماء في حُكم قراءة الفاتحة للمأموم في الصلاة السرية والجهرية على ثلاثة أقول:
القول الأول:
تجب قراءة الفاتحة على المأموم في جميع الركعات السرية والجهرية، سواء سمِعَ المأمومُ قراءةَ الإمام في الجهرية أم لم يسمَعْها، وسواء مكنه الإمامُ من قراءة الفاتحة أم لم يُمكنْه.

وهذا قول عُمر بن الخطاب، وعُبادة بن الصامت، وعبدالله بن عمرو بن العاص، وأبي هريرة، والبُخاري، وابن حزم، والشافعي في الجديد، وعليه أكثر أصحابه، وقال به إسحاق بن راهويه، والأوزاعي، والليث، واختاره ابن حزم الظاهري، والشوكاني، والصنعاني، ورجَّحه الشيخ ابن باز، والشيخ ابن عثيمين، والشيخ محمد بن محمد المُختار الشنقيطي.

واستدلُّوا بما يلي:
الدليل الأول:
عن عُبادة بن الصامت، قال: كنا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الفجر، فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فثقلت عليه القراءة، فلما فرغ قال: ((لعلكم تقرؤون خلف إمامِكم؟))، قلنا: نعم هذا يا رسول الله قال: ((لا تفعلوا إلَّا بفاتحة الكتاب؛ فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها))؛ رواه أبو داود والترمذي والبيهقي وابن حِبَّان وابن خُزيمة وأحمد والحاكم والدارقطني والبزار، وضعفه الشيخ الألباني رحمه الله.

وجه الدلالة من هذا الحديث: قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب))؛ أي: لا تقرؤوا وراء الإمام إلا أن تكون القراءة بفاتحة الكتاب، فدلَّ هذا دلالة واضحة على وجوب قراءة فاتحة الكتاب على المأموم مُطلقًا دون تفريق بين الصلاة السرية والجهرية.

قال الخطابي رحمه الله: (هذا الحديث نص بأن قراءة فاتحة الكتاب واجبة على من صلى خلف الإمام، سواء جهر الإمام بالقراءة أو خافت بها، وإسناده جيد، لا طعن فيه)؛ ا هـ.

وقال المُباركفوري رحمه الله: (الأمر كما قال الخطابي لا شك أن هذا الحديث نصٌّ صريحٌ بأن قراءة فاتحة الكتاب واجبة على من صلى خلف الإمام في جميع الصلوات سرية كانت أو جهرية، وهذا القول الراجح المنصور عندي)؛ ا هـ.

وأجيب عن ذلك: بأن هذا الحديث ضعيف، فيه ثلاث عِلل؛ فلا يُبنى عليه حُكم:
العِلة الأولى: أنه من رواية مكحول، وهو مُدلِّس، وقد عنعن في جميع الطرق المروية عنه.

العِلة الثانية: أنه من رواية محمد بن إسحاق، وهو وإن كان صرح بالتحديث فقد انفرد بهذه الزيادة: ((لعلكم))؛ ولذلك لم يعتمدها البُخاري في صحيحه، فروى أصل الحديث: ((لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب))، وقد قال الحافظ أبو زرعة الرازي: (إذا انفرد ابن إسحاق بالحديث لا يكون حُجة، ثم روى له حديث القراءة خلف الإمام وما ورد من متابعات لمحمد بن إسحاق فلا يعوَّل عليها لضعفها)؛ ا هـ.

العِلة الثالثة: أن إسناده مُضطرب عن مكحول، فمرة يرويه عن عُبادة، ومرة عن محمود عن عُبادة، ومرة عنه، عن نافع عن عُبادة، وكلها في سُنن أبي داود، ومرة عن محمود عن أبي نعيم عن عُبادة، رواه الدارقطني.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (وهذا الحديث مُعلل عند أئمة الحديث بأمور كثيرة، ضعَّفه أحمد وغيره من الأئمة، وقد بسط الكلام على ضعفه في غير هذا الموضع وبيَّن أن الحديث الصحيح قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا صلاة إلا بأُمِّ القرآن))، فهذا هو الذي أخرجاه في الصحيحين، ورواه الزُّهْري عن محمود بن الربيع عن عُبادة، وأما هذا الحديث فغلط فيه بعض الشاميين، وأصله أن عُبادة كان يؤمُّ ببيت المقدس، فقال هذا فاشتبه عليهم المرفوع بالموقوف على عُبادة)؛ ا هـ.

وقال الشيخ الألباني رحمه الله: (هذا لا يدل على وجوب الفاتحة وراء الإمام كما يُظنُّ بل على الجواز؛ لأن الاستثناء جاء بعد النهي وذلك لا يُفيد إلا الجواز، وله أمثلة في الاستعمال القرآني، وتفصيل ذلك لا يتَّسِع له المقام، فمن شاء التحقيق، فليرجع إلى كتاب "فيض القدير" للشيخ أنور الكشميري، ويشهد لذلك ما في رواية ثابتة في الحديث بلفظ: ((لا تفعلوا إلا أن يقرأ أحدكم بفاتحة الكتاب))، فهذا كالنص على عدم الوجوب فتأمل)؛ ا هـ.

الدليل الثاني:
عن عُبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب))؛ رواه البُخاري ومُسلم.

وجه الدلالة من هذا الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا صلاة)) وصلاة هنا نكرة، والقاعدة في الأصول: "أن النكرة في سياق النفي تدلُّ على العُموم".

وهذا يدل على أن هذا الحُكم عامٌّ لكل مُصلٍّ سواء كان إمامًا أو مُنفردًا أو مأمومًا؛ أي: إن الصلاة لا تصح سواء كانت من الإمام أو المُنفرد أو المأموم إذا كانت صلاة سرية أو جهرية، إذا لم يقرأ بفاتحة الكتاب، وهذا يدل على وجوب قراءة فاتحة الكتاب على المأموم.

وكذلك قوله: ((لا صلاة)) نفي، والأصل في النفي أن يكون نفيًا للوجود، فإن لم يُمكن فهو نفي للصحَّة، ونفي الصحة نفيٌ للوجود الشرعي، فإن لم يُمكن فلنفي الكمال، فهذه مراتب النفي، فمثلًا: إذا قلت: لا خالق إلَّا الله فهذا نفي للوجود إذ لا خالق إلا رب العالمين.

وإذا قلت: لا صلاة بغير وضوء، فهذا نفي للصحة؛ لأن الصلاة قد تفعل بلا وضوء.

وإذا قلت: لا صلاة بحضرة طعام، فهو نفيٌ للكمال؛ لأن الصلاة تصحُّ مع حضرة الطعام.

فقوله: ((لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)) إذا نزلناه على هذه المراتب الثلاث وجدنا أنه قد يُوجد من يُصلِّي ولا يقرأ الفاتحة، وعلى هذا فلا يكون نفيًا للوجود.

فإذا وجد من يُصلي ولم يقرأ الفاتحة، فإن الصلاة لا تصحُّ؛ لأن المرتبة الثانية هي نفي الصحة، وعلى هذا فلا تصح الصلاة، والحديث عامٌّ، لم يُستثن منه شيء، والأصل في النُّصوص العامة أن تبقى على عُمومها، فلا تخصص إلا بدليل شرعي إما نص أو إجماع أو قياس صحيح، ولم يُوجد واحد من هذه الثلاثة بالنسبة لعُموم قوله: ((لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)).

ونُوقش ذلك: بأن هذا الحديث يتعلَّق حُكمه بالإمام والمُنفرد، أما المأموم فلا يشمله هذا الحُكم في الصلاة الجهرية بدلالة الآية: ﴿ وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [الأعراف: 204]؛ لأن الآية تدل على الأمر بالاستماع لقراءة القرآن في الصلاة الجهرية، فيحمل مدلول الآية على الصلاة الجهرية، ويحمل مدلول الحديث على الصلاة السرية جمعًا بين دلائل الكتاب والسُّنة، فيكون الحديث بهذا بشأن الإمام والمُنفرد، أما المأموم فينصت لقراءة إمامه إذا جهر بدلالة هذه الآية، وأجيب عن ذلك: بأن الحديث حُكمه عامٌّ، وتخصيصه بالمُنفرد يحتاج إلى حديث صحيح مرفوع.

الدليل الثالث:
عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن، فهي خِداج ثلاثًا غير تمام))، فقيل لأبي هريرة: إنا نكون وراء الإمام، فقال: اقرأ بها في نفسك..."؛ رواه مُسلم.

وجه الدلالة من هذا الحديث: أن قوله: ((صلاة)) نكرة تفيد العُموم، ولم يُفرِّق النبي صلى الله عليه وسلم بين صلاة المأموم والإمام، ولم يُفرِّق بين جهرية وسرية، والقاعدة في الأصول: "أن الأصل في العام أن يبقى على عُمومه حتى يدل الدليل على التخصيص"، قالوا: ولو كان المأموم مُستثنى لقال: إلا المأموم أو إلا من كان يُصلِّي وراء الإمام.

وقوله: ((فهي خِداج)) يعني فاسدة.

لأن الخِداج: يُطلق على النقص الذاتي؛ أي: النقص الحاصل بفوات ركن الشيء وجزئه، لا على النقص الوصفي؛ أي: الحاصل بفوات وصف من أوصاف الشيء.

ونُوقش ذلك: بأن الخِداج يُطلق على النقص الذاتي والنقص الوصفي كليهما.

وأجيب عن ذلك: بأنه إذا كان الاستماع للقراءة الزائدة على الفاتحة واجبًا بالكتاب والسُّنة والإجماع، فالاستماع لقراءة الفاتحة أوجب، وأن الخِداج لا يُطلق إلا على النقص الذاتي.

قال الخطابي رحمه الله: (تقول العرب: أخدجت الناقة: إذا ألقت ولدها وهو دم، لم يستبن خلقه، فهي مخدج والخِداج: اسم مبني منه)؛ ا هـ.

فظهر من هذه العبارة أن الخِداج لا يُطلق إلا على النقص الذاتي.

ويتضح ذلك أيضًا أنه يظهر من نُصوص القاموس وغيره أن معنى الخِداج إلقاء الناقة ولدها ناقص الخَلْق أو تام الخلق؛ لكنه ميت لا ينتفع به فإرادة النقص الوصفي من الخِداج ليس بصحيح.

وإن سلم أن الخِداج في لغة العرب يُطلق على النقص الوصفي أيضًا، فمع ذلك يتعيَّن في الحديث معنى النقص الذاتي؛ وذلك لأنه استعمل للصلاة، وإذا أطلق على الصلاة يُراد به النقص الذاتي بفوات بعض أركانها.

الدليل الرابع:
عن يزيد بن شريك أنه سأل عمر رضي الله عنه عن القراءة خلف الإمام، فقال: (اقرأ بفاتحة الكتاب، قلت: وإن كنت أنت؟ قال: وإن كنت أنا، قلت: وإن جهرت، قال: وإن جهرت)؛ رواه البيهقي والحاكم الدارقطني، وقال: رواته كلُّهم ثقات وصدق، فإن البُخاري ومسلم قد احتجَّا بجميع رواته.
وقال الشيخ الألباني رحمه الله: سنده صحيح.

القول الثاني:
لا تجب قراءة الفاتحة على المأموم لا في الركعات السرية ولا الجهرية وهو قول الحنفية ورواية عند الحنابلة، وبه قال علي بن أبي طالب، وزيد بن حارثة، وجابر بن عبدالله، وسعد بن أبي وقاص، وعبدالله بن عباس، وعبدالله بن مسعود، وعبدالله بن عمر.

واستدلوا بما يلي:
الدليل الأول:
عن جابر رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من كان له إمام، فقراءة الإمام له قراءة))؛ رواه ابن ماجه، وأحمد، وحسنه الشيخ الألباني رحمه الله.

وقال الزيلعي رحمه الله: (له طُرق أخرى، وهي وإن كانت مدخولة؛ ولكن يشدُّ بعضُها بعضًا)؛ ا هـ.

وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم نص على أن المأموم يحمل عنه الإمام القراءة، وهذا شامل لفاتحة الكتاب وغيرها.
ونُوقِش هذا الحديث: بأنه ضعيف.

قال البخاري رحمه الله: (هذا خبر لم يثبت عند أهل العلم لإرساله وانقطاعه)؛ ا هـ.
وقال ابن كثير رحمه الله: (في إسناده ضعف، وقد رُوي من طرق، ولا يصحُّ شيء منها عن النبي صلى الله عليه وسلم)؛ ا هـ.
وقال ابن حجر رحمه الله: (له طُرق عن جماعة من الصحابة وكلها معلولة)؛ ا هـ.
وقالوا: ولو صح فهو محمول على غير الفاتحة جمعًا بين الأدلة لا سيما وأن أدلة قراءة الفاتحة أقوى سندًا من هذا الحديث.
وقيل: هذا الحديث يحمل على الصلاة الجهرية لا السرية؛ لأن المأموم في صلاة الجهرية أمر بالإنصات لقراءة الإمام.

الدليل الثاني:
عن أبي بكرة رضي الله عنه: أنه انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو راكع، فركع قبل أن يصل إلى الصف، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ((زادَكَ اللهُ حرصًا ولا تعد))؛ رواه البُخاري.

قالوا: هذا الحديث يُبيِّن أن أبي بكرة رضي الله عنه صحَّتْ منه الركعة، وهو لم يقرأ الفاتحة ولا سمِعَ قراءتها، وهذا يدل على أنها ليست بواجبة.

وأجيب عن ذلك: بأن هذا الحديث خاصٌّ بمن جاء والإمام في الركوع، فإنه يُكبِّر تكبيرةَ الإحرام، وهو واقف، ثم يُكبِّر للركوع، ويركع مع الإمام، ويكون مُدركًا للركعة، ولا تلزمه قراءة الفاتحة في هذه الحالة؛ لأن محل قراءة الفاتحة هو القيام وقد فات فتسقط عنه الفاتحة.

القول الثالث:
تجب قراءة الفاتحة على المأموم في الركعات السرية، وكذلك إذا لم يسمع قراءة الإمام في الركعات الجهرية لبُعْد المكان أو لصَمَمٍ فيجب عليه قراءة الفاتحة عملًا بالأصل، ولا تجب عليه قراءتها في الركعات الجهرية إذا كان يسمع قراءة الإمام، وهو قول جُمهور العُلماء من المالكية والحنابلة في المشهور والقول القديم للشافعي.

وبه قال سعيد بن المُسيب وابن شهاب وابن المبارك وإسحاق والزُّهْري والثوري، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وذكر أنه المُتواتر عن الصحابة والتابعين، ورجحه الشيخ عبدالرحمن السعدي، والشيخ ابن جبرين، والشيخ عبدالله البسام، والشيخ عبدالله بن عقيل، والشيخ صالح الفوزان.

واستدلوا: على وجوبها في الركعات السرية بعُموم الحديثين السابقين: حديث عبادة بن الصامت، وحديث أبي هريرة رضي الله عنهما.

وقالوا: إن هذه الأحاديث عامة، تشمل الإمام والمُنفرد والمأموم، واستثنوا من عُموم هذه الأدلة عدم وجوب قراءتها عليه في الركعات الجهرية، واستدلوا بما يلي:
الدليل الأول:
قوله تعالى: ﴿ وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [الأعراف: 204]، وجه الاستدلال في هذه الآية على النحو التالي:
1- أجمع أهل التفسير أن هذه الآية نزلت في الصلاة؛ قال الإمام أحمد رحمه الله: (أجمع الناس على أن هذه الآية في الصلاة)؛ ا هـ.
وقال القُرطبي رحمه الله: (قال النقاش: أجمع أهل التفسير أن هذا الاستماع في الصلاة المكتوبة وغير المكتوبة)؛ ا هـ.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (وقد استفاض عن السلف أنها نزلت في القراءة في الصلاة، وقال بعضهم في الخطبة، وذكر أحمد بن حنبل الإجماع على أنها نزلت في ذلك)؛ ا هـ.

2- أن هذه الآية تدل بعُمومها على الإنصات والاستماع للقرآن في الصلاة وفي خارج الصلاة، والإنصات في الصلاة أظهر؛ لأنه مقام الاستماع.

وبناءً عليه تسقط عنه قراءة الفاتحة في الركعات الجهرية؛ لأنه مشغول بالاستماع لقراءة الإمام؛ لأن الأمر صدر بـ﴿ إذا ﴾، وإذا: من أسماء الشرط، وأسماء الشرط من ألفاظ العُموم، والعام يدخل فيه جميع أفراده، ولأنه لم يقل أحد من المُسلمين أنه يجب الاستماع خارج الصلاة، ولا يجب في الصلاة، ولأن استماع المُستمع إلى قراءة الإمام الذي يأتم به ويجب عليه مُتابعته أولى من استماعه إلى قراءة من يقرأ خارج الصلاة.

فالاستماع في الآية إما على سبيل الخُصوص، وإما على سبيل العُموم، وعلى التقديرين فالآية دالة على أمر المأموم بالإنصات لقراءة الإمام سواء كان أمر إيجاب أو استحباب.

3- الآية أمرت بالإنصات إذا قُرئ القُرآن، والفاتحة أُمُّ القُرآن، وهي التي لا بد من قراءتها في كل صلاة، والفاتحة أفضل سُور القرآن، وهي التي لم ينزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في القرآن مثلها، فيمتنع أن يكون المُراد بالآية الاستماع إلى غيرها دونها مع إطلاق لفظ الآية وعُمومها مع أن قراءتها أكثر وأشهر، وهي أفضل من غيرها فقوله: ﴿ وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ ﴾ يتناولها كما يتناول غيرها، وشُموله لها أظهر لفظًا ومعنى.

4- أن العادل عن استماعها إلى قراءتها إنما يعدل؛ لأن قراءتها عنده أفضل من الاستماع، وهذا غلط يخالف النص والإجماع، فإن الكتاب والسُّنة أمرت المُؤتم بالاستماع دون القراءة، والأُمة مُتَّفقة على أن استماعه لما زاد على الفاتحة أفضل من قراءته لما زاد عليها، فلو كانت القراءة لما يقرؤه الإمام أفضل من الاستماع لقراءته لكانت قراءة المأموم أفضل من قراءته لما زاد على الفاتحة، وهذا لم يقل به أحد.

5- أن المصلحة الحاصلة له بالقراءة تحصل بالاستماع لما هو أفضل منها بدليل استماعه لما زاد على الفاتحة، فلولا أنه يحصل له بالاستماع ما هو أفضل من القراءة، لكان الأولى أن يفعل أفضل الأمرين، وهو القراءة، فلما دلَّ الكتاب والسُّنة والإجماع على أن الاستماع أفضل له من القراءة، عُلم أن المُستمع يحصل له أفضل مما يحصل للقارئ، وهذا المعنى موجود في الفاتحة وغيرها، فالمُستمع لقراءة الإمام يحصل له أفضل مما يحصل بالقراءة، وحينئذٍ فلا يجوز أن يُؤمر بالأدنى، ويُنهى عن الأعلى، وثبت أنه في هذه الحال قراءة الإمام له قراءة، كما قال ذلك جماهير السلف والخلف من الصحابة والتابعين لهم بإحسان.

وبذلك يَتَبَّين أن الاستماع إلى قراءة الإمام أمرٌ دلَّ عليه القرآن دلالةً قاطعةً؛ لأن هذا من الأُمور الظاهرة التي يحتاج إليها جميع الأُمَّة فكان بيانها في القرآن مما يحصل به مقصود البيان، وجاءت السُنَّة مُوافقةً للقُرآن.

وقد نُوقِش هذا الاستدلال: بأن الآية لم يُتَّفق على أنها نزلت في الصلاة؛ بل إن سبب نزولها مختلف فيه، فقيل في الصلاة وقيل في الخطبة وقيل في الصلاة والخطبة معًا، وقيل غير ذلك.

وأجيب عن ذلك: بأنه حتى وإن حصل الخلاف في سبب نُزول الآية لكن جُمهور العُلماء يقولون: إنها نزلت في الصلاة وقد سبق بيان ذلك.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 117.10 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 115.38 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (1.47%)]