|
ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون زغلول النجار {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} [الأنعام :1]. هذا النص القرآني المعجز جاء في مطلع سورة الأنعام، وهي سورة مكية، ومن طوال سور القرآن الكريم، إذ يبلغ عدد آياتها (165) بعد البسملة، وهي السورة الخامسة بعد فاتحة الكتاب في ترتيب سور المصحف الشريف، وقد سميت بهذا الاسم لورود ذكر الأنعام فيها. ومن خصائص هذه السورة المباركة أنها نزلت دفعة واحدة وحولها سبعون ألفا من الملائكة فعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : نزلت سورة الأنعام بمكة ليلا جملة واحدة، وحولها سبعون ألف ملك يجأرون بالتسبيح. وعن أنس بن مالك (رضي الله عنه) أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " «نزلت سورة الأنعام معها موكب من الملائكة تسد ما بين الخافقين، ولهم زجل بالتسبيح، والأرض بهم ترتج ورسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول : سبحان الله العظيم، سبحان الله العظيم » . ويدور المحور الرئيسي للسورة حول القواعد الأساسية للعقيدة الإسلامية من مثل قضايا الألوهية، والربوبية، والوحدانية، وعبودية المخلوقين لخالقهم، إنزاله الوحي رحمة بهم على سلسلة من الأنبياء والمرسلين، كان ختامهم أجمعين النبي الخاتم والرسول الخاتم، سيد الأولين والآخرين، سيدنا محمد بن عبد الله (صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى أنبياء الله ورسله أجمعين) وكانت مهمتهم جميعا إبلاغ الناس بحقيقة الدين الإسلامي الحنيف، وإرشادهم إلى عبادة الله وحده ـ بغير شريك، ولا شبيه ولا منازع، ولا زوجة، ولا ولد. وعبادته تعالى بما أمر ـ بغير ابتداع ولا اختراع ولا إحداث بشري ـ، وإقامة عدل الله في الأرض، والسعي إلى اكتساب مكارم الأخلاق، والاستعداد للبعث والنشور والعرض الأكبر أمام الله (سبحانه وتعالى) للحساب والجزاء، ثم الخلود في الجنة أبدا لمن أطاعوا داعي الله أو في النار أبدا، لمن كفروا بالله أو أشركوا به وكذبوا برسالاته، وهذه القضايا تمثل صلب رسالة الإنسان في وجوده، ومن هنا وجب أخذها مأخذ الجد، والنظر فيها بعين العقل، لا بالميراث والتقليد، وكلاهما لا ينفع صاحبه، ولا يصلح عذرا أمام الله (تعالى) " في مساحة الحساب {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ. إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} (الشعراء:89-88). وتستهل سورة الأنعام بحمد الله (تعالى) الذي يشهد له بالألوهية، والربوبية، والوحدانية خلق السماوات والأرض، وإبداع الظلمات والنور، وخلق الإنسان من طين، وتحديد آجال الناس، وتحديد يوم البعث والحساب، وعلمه بالسر والجهر، وبما تكسب كل نفس لأنه إله السماوات والأرض ومن فيهن، وقيومهما، ومليكهما، وعلى الرغم من ذلك يكفر به وبنعمه الكافرون، ويشرك به المشركون، ويزيغ عن هديه الضالون...!! وانطلاقا من ذلك كله تبدأ السورة الكريمة بمواجهة الكافرين والمشركين والضالين في كل عصر، وفي كل حين بشكر الله والثناء عليه فتقول : (الحمد لله)، وهو شكر استهلت به خمس من سور القرآن الكريم (هي : الفاتحة، الأنعام، الكهف، سبأ، وفاطر) وتتبع الحمد بعدد من الآيات الكونية الدالة على الخالق (سبحانه وتعالى)، وعلى شمول علمه وكمال حكمته، وطلاقة قدرته، ثم تثني بعرض صور من مواقف المكذبين، ومصارع الغابرين، وتنصح بالسير في الأرض لإدراك كيف كان عاقبة المكذبين. وتنتقل سورة الأنعام إلى استعراض عدد من الشواهد الحسية الدالة على ألوهية الخالق (سبحانه وتعالى) وربوبيته ووحدانيته، ومنها خلق السماوات والأرض وخلق ما فيهن ومن فيهن، ورعاية كل ذلك وصونه من الهلاك، فالله (تعالى) هو رب السماوات والأرض ومن فيهن، وهو رب ما سكن في الليل والنهار، وهو (سبحانه) الرزاق الذي يطعم ولا يطعم، وهو (تعالى) الذي يملك أن يعذب من يشاء في الدنيا والآخرة، ويملك الضر والخير، وهو على كل شيء قدير، وهو القاهر فوق عباده، وهو الحكيم الخبير. ثم تستعرض السورة الكريمة تأكيد الله الخالق (سبحانه وتعالى) على صدق نبوة ورسالة خاتم الأنبياء والمرسلين (صلى الله عليه وسلم) الذي تطالبه السورة بإعلان المفاصلة التامة بينه وبين المشركين، وذلك بقول الحق (تبارك وتعالى) :{قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إلى هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُلْ لا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ} [الأنعام :19]. وتؤكد سورة الأنعام معرفة أهل الكتاب بأن القرآن الكريم هو كلام الله الخالق تماما كما يعرفون أبناءهم، وعلى الرغم من ذلك فهم لا يؤمنون به، انطلاقا من ظلمهم لأنفسهم وخسرانهم لها، وتصف السورة الكريمة، افتراءهم الكذب على الله، وتكذيبهم بآياته بأنه من أبشع صور الظلم للنفس، وتشير إلى مواقف الحسرة والذلة والمهانة التي يقفها هؤلاء المشركون يوم القيامة، وهم يسألون : {وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ. ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [الأنعام:23-22]. وتذكر السورة الكريمة أن من الكفار والمشركين من يستمع إلى القرآن الكريم بآذان صم، وقلوب عمي فلا يكادون يفقهون شيئا منه، ولا يدركون شيئا من إعجاز آياته، ويصفونه زورا بأنه من أساطير الأولين، وهم إذ ينهون غيرهم عنه، وينأون بأنفسهم هروبا منه يهلكون أنفسهم في الدنيا والآخرة وهم لا يشعرون. وتصور الآيات حال هؤلاء الكافرين والمشركين وهم موقوفون على النار نادمين على ما سبق منهم من تكذيب بآيات الله، طالبين من الله (تعالى) أن يردهم إلى الدنيا لكي لا يكذبوا بآيات الله ويكونوا من المؤمنين، وترد عليهم السورة بقول الحق (تبارك وتعالى) وهو أعلم بهم : {بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [الأنعام :28] وهؤلاء الذين كذبوا بالبعث سوف يفاجأون بموقفهم أمام ربهم وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم، وقد خسروا كل شيء لتفاهة الحياة الدنيا الفانية بالنسبة إلى الآخرة الباقية. ثم تنتقل سورة الأنعام إلى مخاطبة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بالا يحزن لتكذيب الكافرين والمشركين لبعثته الشريفة، فقد كذب الرسل من قبله، وفي ذلك يقول له ربنا (تبارك وتعالى) : {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ. وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَأِ الْمُرْسَلِينَ} (الأنعام:34-33). وتستمر الآيات في استعراض شيء من طبائع النفس البشرية في حالات الرخاء والشدة، فحيث يتجلى سلطان الله محيطا بالعباد فإنهم يتجهون إلى الله (تعالى) وحده يرجون رحمته، فإذا كشف الضر عنهم رأيتهم يعودون إلى معصية الله، وإنكار الحق، والجور على الخلق، وقد قست قلوبهم وتحجرت مشاعرهم...!! وتصف الآيات حال الكافرين والمشركين اليوم، وقد فتح الله عليهم أبواب كل شيء ليأخذهم بغتة وهم مبلسون، ويقطع دابر الظالمين. وعلى الرغم من ذلك كله فإن آيات سورة الأنعام تبشر التائبين بصدق بأن الله غفور رحيم وتؤكد الآيات إحاطة علم الله بالغيوب والأسرار، وبالأنفاس والأعمار، مع الهيمنة الكاملة على كل شيء في هذا الوجود، والسيطرة التامة في البر والبحر، وبالنهار والليل، وفي كل لحظة من لحظات الحياة والممات، وفي كل ذرة من لبنات بناء كل من الدنيا والآخرة. وتروي السورة المباركة جانبا من سيرة نبي الله إبراهيم (على نبينا وعليه من الله السلام) مع قومه من الكفار والمشركين، وتعرض لاهتدائه إلى معرفة خالقه (سبحانه وتعالى) بالتأمل في بديع صنع الله (تعالى) في الكون، ثم باصطفاء الله (تعالى) له، ووهبه النبوة والرسالة، ووهبه ـ كذلك ـ ذرية صالحة على الكبر. كذلك ألمحت السورة إلى عدد من أنبياء الله ورسله (صلى الله وسلم وبارك عليه وعليهم أجمعين) من أمثال ساداتنا : نوح، وداود، وسليمان، وأيوب، ويوسف، وموسى، وهارون، وزكريا ويحيى، وعيسى، وإلياس، وإسماعيل، واليسع، ويونس، ولوط (صلوات الله وسلامه على نبينا وعليهم أجمعين). وتؤكد الآيات في سورة الأنعام كذلك وحدة رسالات السماء، على تكاملها في القرآن الكريم، وفي سنة خاتم الأنبياء والمرسلين (صلى الله وسلم وبارك عليه وعليهم أجمعين) وبصفتهما الرسالة الخاتمة فقد تعهد الله (سبحانه وتعالى) بحفظهما حفظا كاملا إلى يوم الدين بنفس لغة الوحي (اللغة العربية). وتصف الآيات في هذه السورة المباركة حال كل من الكافرين والمشركين في لحظات الاحتضار، وما يتعرضون له من مهانة وإذلال وفي ذلك يقول الحق (تبارك وتعالى) : {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قَالَ أُوحِيَ إلى وَلَمْ يُوحَ إليهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ } (الأنعام :93). ثم تعرض السورة لعدد من الآيات الكونية ـ مرة أخرى ـ في مقام الاستدلال على ألوهية الخالق (سبحانه وتعالى)، وربوبيته، ووحدانيته (بغير شريك، ولا شبيه، ولا منازع، ولا صاحبة، ولا ولد) وفي ذلك يقول ربنا (تبارك وتعالى): {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الأنعام:101] ولذلك تأمر الآيات بعبادة الله (تعالى) وحده فتقول: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ. لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الأنعام:103-102]. وتذكر الآيات أن المشركين طالبوا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ببعض المعجزات الحسية للتدليل على صدق نبوته، وترد عليهم بأن من عميت بصائرهم لا تفيدهم المعجزات الحسية ولو أنزلت عليهم وذلك لتأصيل الضلال فيهم. وتؤكد الآيات في سورة الأنعام مرة أخرى أن أهل الكتاب يعلمون أن القرآن الكريم هو كلام الله، ولكنهم على الرغم من ذلك يصرون على الضلال، وتأتي الآيات للرد عليهم على لسان خاتم الأنبياء والمرسلين (صلى الله عليه وسلم) لتقول: {أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِليْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ. وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعليمُ} [الأنعام:115-114]. وتفصل سورة الأنعام ما حرم الله (تعالى) على عباده المؤمنين من الطعام، وتأمر بترك ظاهر الإثم وباطنه وتمايز بين أهل الهداية وأهل الضلال والغواية وتقول: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ} [الأنعام:125]. وتذكر الآيات في سورة الأنعام أن من البشر من شرح الله (تعالى) صدورهم، وأنار قلوبهم فآمنوا واهتدوا، وأن منهم من أتبع نفسه هواها، وأطاع شياطين الجن والإنس فضل وغوى، وأن الله (تعالى) سوف يحشر الخلائق جميعا إليه يوم القيامة للحساب والجزاء على ما قدم كل واحد منهم في حياته الدنيا. كذلك تذكر الآيات عن المشركين من أهل الكتاب أنهم حرموا على أنفسهم أشياء لم يحرمها الله (تعالى) عليهم تطاولا وتجاوزا وإجراما، فكانوا يحرمون ذكور الأنعام تارة، وإناثها تارة، وصغارها تارة أخرى، افتراء منهم على الله (تعالى) واختلاقا، وتقرر الآيات ظلم من كذب على الله (تعالى) فنسب إليه ما لم يشرع، وتأمر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أن يبين للناس ما حرم الله (تعالى) عليهم. وتؤكد الآيات أن الله (تعالى) {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأنعام:141]. وتأمر الآيات بالأكل من تلك الثمار، وبإعطاء حقها يوم حصادها دون إسراف، لأن الله (تعالى) لا يحب المسرفين، وتؤكد أن الله (تعالى) أنزل ثمانية أزواج من الأنعام (ذكرا وأنثى من كل من الضأن، والمعز، والإبل، والبقر). وتختم سورة الأنعام بعدد من الوصايا السلوكية الرفيعة، تحرم ما حرم الله، وتحل ما أحله (بغير تقصير أو تجاوز أو مخالفه) وتدعو إلى الالتزام بمكارم الأخلاق، وبسنة سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم)، وتؤكد أن من أبلغ صور الظلم التكذيب بآيات الله، والإعراض عنها، وأن الله (تعالى) سيجزي الذين يصدفون عن آياته سوء العذاب بما كانوا يصدفون. وتندد الآيات في ختام السورة بالذين حرفوا دينهم من أهل الكتاب وصاروا شيعا، ويكذبون بعثة سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) فتقول: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [الأنعام:159] وتنتهي السورة الكريمة بحديث على لسان الرسول الخاتم (صلى الله عليه وسلم) فتقول: {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ * قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عليها وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ. وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} [الأنعام:161-165]. وفي مقال سابق قمنا بتلخيص كل من ركائز العقيدة الإسلامية والتشريع الإسلامي والآيات الكونية التي وردت في سورة الأنعام ولذلك لا أرى داعيا لتكرارها هنا حيث سنركز الحديث على الآية الأولى من هذه السورة المباركة، وقبل الوصول إلى ذلك لابد من استعراض سريع لأقوال عدد من المفسرين في شرحها. يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |