نعمة الأمن - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         دعاء الشفاء ودعاء الضائع (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          تخريج حديث: رقيت يوما على بيت حفصة، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم على حاجته، مستقبل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          أسماء العقل ومشتقاته في القرآن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          كيف نكتسب الأخلاق الفاضلة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: المؤمن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          وقفات تربوية مع سورة التكاثر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          {وما كان لنبي أن يغل} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          بين الاجتهاد الشخصي والتقليد المشروع: رد على شبهة «التعبد بما استقر في القلب» (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          الإسلام والحث على النظافة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          فتنة تطاول الزمن.. قوم نوح عليه السلام نموذج (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام
التسجيل التعليمـــات التقويم

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 17-04-2019, 01:15 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,587
الدولة : Egypt
افتراضي نعمة الأمن

نعمة الأمن
مهران ماهر عثمان نوري



الخطبة الأولى:
أما بعد: فقد أمر الله - تعالى - عباده المؤمنين والناس أجمعين أن يذكروا نعمه عليهم، فقال - تعالى -مخاطبًا المؤمنين: (يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَليْكُمْ) [المائدة: 11]، وقال: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَليْكُمْ) [فاطر: 3]. وإن من أعظم نعم الله التي يجب أن نذكرها ونذكّر بها "نعمة الأمن".
وإن مما يدلل على ذلك من نصوص الشرع قوله - تعالى -: (وَإِذْ قَال إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَل هَـَذَا بَلدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ قَال وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَليلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ المَصِيرُ) [البقرة: 126]، وقوله - تعالى -: (وَإِذْ قَال إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَل هَـذَا البَلدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ) [إبراهيم: 35]. فبدأ بالأمن قبل الرزق لأن استتباب الأمن سبب للرزق، فإذا شاع الأمن واستتب ضرب الناس في الأرض، وهذا مما يدرّ عليهم رزق ربهم ويفتح أبوابه، ولا يكون ذلك إذا فقد الأمن، ولأنه لا يطيب طعام ولا يُنتفَع بنعمة رزق إذا فقد الأمن.
ومن أعظم أدلة ذلك أنه مطلب الناس أجمعين؛ فإبراهيم - عليه السلام - يدعو الله أن يحقق هذه النعمة لموطنه، ويوسف - عليه السلام - يطلب من والديه دخول مصر مخبرًا باستتباب الأمن بها: (فَلمَّا دَخَلُواْ عَلى يُوسُفَ آوَى إِليْهِ أَبَوَيْهِ وَقَال ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللهُ آمِنِينَ) [يوسف: 99]، ولما خاف موسى أعلمه ربه أنه من الآمنين؛ ليهدأ روعه وتسكن نفسه: (وَأَنْ أَلقِ عَصَاكَ فَلمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلى مُدْبِرًا وَلمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِل وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الآمِنِينَ) [القصص: 31].
ومما يدل على أهمية هذه النعمة أن رسولنا –صلى الله عليه وسلم- كان إذا رأى الهلال قال: ((الله أكبر، اللهم أَهِلَّهُ علينا بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، والتوفيق لما تحب وترضى، ربنا وربك الله)) أخرجه الترمذي والدارمي.
ومن ذلك أنه –صلى الله عليه وسلم- لما رحم أهل مكة يوم فتحها ذكرهم بما ينالون به الأمن؛ مما يدل على أهميته لدى المؤمنين والكافرين، فقال: ((من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن ألقى السلاح فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن)) أخرجه مسلم.
وهل أدل على أهمية هذه النعمة من أن العبادات لا يتأتّى الإتيان بها على أكمل صورها إلا بنعمة الأمن؟! فالصلاة قال الله فيها: (حَافِظُواْ عَلى الصَّلوَاتِ والصَّلاَةِ الوُسْطَى وَقُومُواْ للهِ قَانِتِينَ * فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُواْ اللهَ كَمَا عَلمَكُم مَّا لمْ تَكُونُواْ تَعْلمُونَ) [البقرة: 238- 239]، وقال: (وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لهُمُ الصَّلاَةَ فَلتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَليَأْخُذُواْ أَسْلحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُواْ فَليَكُونُواْ مِن وَرَآئِكُمْ وَلتَأْتِ طَآئِفَةٌ أُخْرَى لمْ يُصَلواْ فَليُصَلواْ مَعَكَ وَليَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ وَأَسْلحَتَهُمْ وَدَّ الذِينَ كَفَرُواْ لوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَليْكُم مَّيْلةً وَاحِدَةً وَلاَ جُنَاحَ عَليْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُم مَّرْضَى أَن تَضَعُواْ أَسْلحَتَكُمْ وَخُذُواْ حِذْرَكُمْ إِنَّ اللهَ أَعَدَّ للكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا * فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاَةَ فَاذْكُرُواْ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلى المُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا) [النساء: 102- 103]. (فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ) أي: أدّوها بكمالها وصفتها التامة.
ومن شروط وجوب الحج الأمن، فإذا وجد الإنسان نفقة الحج ولم يكن الطريق إليه آمنًا فلا يجب عليه الحج قولاً واحدًا، قال الله - تعالى -: (فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالعُمْرَةِ إِلى الحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الهَدْيِ) [البقرة: 196]. ولما أخبر الله نبيه بأنهم سيدخلون البيت الحرام ويؤدون نسكهم بعدما صدّهم المشركون عنه قرن ذلك بالأمن فقال: (لقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولهُ الرُّؤْيَا بِالحَقِّ لتَدْخُلُنَّ المَسْجِدَ الحَرَامَ إِن شَاء اللهُ آمِنِينَ مُحَلقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخَافُونَ فَعَلمَ مَا لمْ تَعْلمُوا فَجَعَل مِن دُونِ ذَلكَ فَتْحًا قَرِيبًا) [الفتح: 27].
وإن انتشار الدعوة الإسلامية المباركة يكون في وقت الأمن أكثر من غيره من الأوقات، ألا ترون أن رسولنا –صلى الله عليه وسلم- خرج إلى الحديبية ومعه خمسمائة وألف من أصحابه، فلما انعقد الصلح وكان من بنوده وقف الحرب عشر سنوات يأمن فيها الناس؛ دخل كثير منهم في دين الله؟! فبعد عامين وبضعة أشهر خرج مع النبي –صلى الله عليه وسلم- لفتح مكة عشرة آلاف من المسلمين.
وقال الله عن موسى - عليه السلام -: (فَمَا آمَنَ لمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلى خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لعَال فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لمِنَ المُسْرِفِينَ) [يونس: 83]، ولكن لما أغرق الله فرعون ودمّر ما كان يصنعه وقومه دخل كثير من الناس في دين الله، حتى رأى النبي –صلى الله عليه وسلم- في منامه سوادًا عظيمًا، قال في حديث السبعين ألفًا الذين يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب: ((ورأيت سوادًا كثيرًا سَدَّ الأفق، فرجوت أن تكون أمتي، فقيل: هذا موسى وقومه)) أخرجاه في الصحيحين.
ولأهمية الأمن أكرم الله به أولياءه في دار كرامته؛ لأنه لو فقد فقد النعيم، قال رب العالمين: (ادْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ آمِنِينَ) [الحجر: 46]، وقال: (يَدْعُونَ فِيهَا بِكُل فَاكِهَةٍ آمِنِينَ) [الدخان: 55]، وقال: (وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُم بِالتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلفَى إِلا مَنْ آمَنَ وَعَمِل صَالحًا فَأُوْلئِكَ لهُمْ جَزَاء الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الغُرُفَاتِ آمِنُونَ) [سبأ: 37].
ولذا قال نبينا –صلى الله عليه وسلم- مُعَرِّفًا الناس بعظيم مكانة هذه النعمة: ((مَن أصبح منكم آمنًا في سِرْبه، معافًى في جسده عنده قوت يومه، فكأنما حِيزَت له الدنيا)) أخرجه الترمذي.
عباد الله: لقد امتن الله –تعالى- في القرآن بهذه النعمة فقال: (لإِيلافِ قُرَيْشٍ * إِيلافِهِمْ رِحْلةَ الشِّتَاء وَالصَّيْفِ * فَليَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا البَيْتِ * الذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ) [سورة قريش]، وقال: (أَوَلمْ نُمَكِّن لهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِليْهِ ثَمَرَاتُ كُل شَيْءٍ) [القصص: 57]، وقال - سبحانه -: (أَوَلمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلهِمْ أَفَبِالبَاطِل يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللهِ يَكْفُرُونَ) [العنكبوت: 67]، وقال: (وَإِذْ جَعَلنَا البَيْتَ مَثَابَةً للنَّاسِ وَأَمْناً) [البقرة: 125].
وامتنّ الله –تعالى- بها على أصحاب نبيه –رضوان الله عليهم-، فقال: (وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَليلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لعَلكُمْ تَشْكُرُونَ) [الأنفال: 26]. وقال صالح - عليه السلام - لقومه: (أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ) [الشعراء: 146].
أيها المؤمنون: حري بالمسلم أن يتعرف على وسائل حفظ هذه النعمة؛ لأن الحياة لا تُطاق بدونها، ومن ذلك: شكر الله عليها وإدامة ذلك، فالنعم تثبت بالشكر وتذهب بالجحود، قال - تعالى - في ذلك: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لشَدِيدٌ) [إبراهيم: 7]، وقال في خصوص نعمة الأمن: (لقَدْ كَانَ لسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَال كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لهُ بَلدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ * فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلنَا عَليْهِمْ سَيْل العَرِمِ وَبَدَّلنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَي أُكُل خَمْطٍ وَأَثْل وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَليل * ذَلكَ جَزَيْنَاهُم بِمَا كَفَرُوا وَهَل نُجَازِي إِلا الكَفُورَ * وَجَعَلنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ القُرَى التِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا ليَاليَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ * فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلمُوا أَنفُسَهُمْ فَجَعَلنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُل مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلكَ لآيَاتٍ لكُل صَبَّارٍ شَكُورٍ) [سبأ: 15-19]، وقال: (وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُل مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذَاقَهَا اللهُ لبَاسَ الجُوعِ وَالخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ) [النحل: 112]. قال القرطبي - رحمه الله -: "سماه لباسًا؛ لأنه يظهر عليهم من الهزال، وشحوبة اللون، وسوء الحال ما هو كاللباس"[1].
ومن وسائل حفظه: تحقيق توحيد الله –تعالى-، فالتوحيد -عباد الله- أمن في الدنيا والآخرة، قال - تعالى -: (وَعَدَ اللهُ الذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالحَاتِ ليَسْتَخْلفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلفَ الذِينَ مِن قَبْلهِمْ وَليُمَكِّنَنَّ لهُمْ دِينَهُمُ الذِي ارْتَضَى لهُمْ وَليُبَدِّلنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلكَ فَأُوْلئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ) [النور: 55]. فلا أمن إلا بإقامة العبادة الخالية من شوائب الشرك؛ فلا يُدْعَى غير الله، ولا يستغاث إلا بالله، ولا تشيد الأضرحة، ولا يطاف بها، ولا يتبرك بترابها، وغير ذلك من صور الشرك الأكبر المخرج عن دين الإسلام. وأما في الآخرة فقد قال الله - تعالى -: (الذِينَ آمَنُواْ وَلمْ يَلبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلمٍ أُوْلـئِكَ لهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ) [الأنعام: 82]، مهتدون في الدنيا، آمنون في الآخرة.
ومن وسائل حفظه: تطبيق الحدود، فإقامة حدّ الحرابة والقتل أمن من إراقة الدماء، وإقامة حد الزنا أمن من انتهاك الأعراض، وقطع اليد أمن من انتشار السرقات فيأمن الناس على أموالهم، وحد القذف يمنع من الوقيعة بالباطل في أعراض المسلمين، فيأمن المسلم على عرضه أن يلغ فيه أحد، وحدّ شرب الخمر أمن من فساد المفسدين، وهكذا.
وقد دلت السنة النبوية على ارتباط الأمن بإقامة الحدود وتحكيم أحكام الله في عباد الله، قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: ((وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم)) أخرجه ابن ماجه، فيرتفع الأمن بذلك، وصدق الله إذ يقول: (أَلا يَعْلمُ مَنْ خَلقَ وَهُوَ اللطِيفُ الخَبِيرُ) [الملك: 14].
ومن وسائل حفظه: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال - تعالى -: (فَلمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الذِينَ ظَلمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ) [الأعراف: 165]، وسكت عمن سكت ولن ينكر، ولم يخبر بحالهم.
ألا وإن مما يذهب بأمن الناس: انتشار المفاهيم الخاطئة حيال نصوص القرآن والسنة، وعدم فهمهما بفهم السلف الصالح، وهل كفِّر الناس، وأُرِيقت الدماء، وقُتِل الأبرياء، وخفِرت الذمم بقتل المستأمنين، وفجِّرَت البقاع إلا بهذه المفاهيم المنكوسَة؟!
يا شباب الإسلام: إياكم وهذه الدعوات الخطيرة التي تدعو إلى التكفير والتفجير، واعلموا أن من أعظم الواجبات الرجوع لأهل العلم الموثوق بعلمهم فيما يشكل عليكم؛ لأن الله جعلهم هداة مهتدين. نسأل الله أن يجتثّ هذه الأفكار الدخيلة من بيننا.
ومن وسائل حفظه: -أخيرًا- معاملة الحاكم بمنهج السلف، فلا يخرج عليه، ولا ينصح من على المنابر؛ فإن هذا سبب لحرمان الناس من الأمن وإراقة الدماء ووقوع البلابل والفتن.
بارك الله لي ولكم في القرآن الكريم، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم وللمؤمنين، فاستغفروه إنه غفور رحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير المرسلين وخاتم النبيين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فيا عباد الله، إن الإسلام هو دين الأمن، ولا يمكن أن يتحقق الأمن للناس إلا إذا دانوا بهذا الدين العظيم، فقد حرم قتل النفس وسرقة المال وأكله بالباطل، ونهى النبي –صلى الله عليه وسلم- عن ترويع المسلم، وقال: ((والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن)).، قيل: ومن يا رسول الله؟ قال: ((الذي لا يأمن جاره بوائقه)) أخرجه البخاري ومسلم. ولعن من أشار بالسلاح لأخيه المسلم، وحرم علينا الجنة حتى نؤمن ويحب بعضنا بعضًا، وأخبر بأن ذلك يتحقق بإفشاء السلام الذي يأمن الناس معه، وهو من شعائر الإسلام العظيمة، وقال –صلى الله عليه وسلم-: ((المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده)) أخرجه البخاري ومسلم، وقال–صلى الله عليه وسلم- في حق الكافر المعاهد: ((من قتل معاهدًا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عامًا)) أخرجه البخاري، وقال –صلى الله عليه وسلم-: ((ألا من ظلم معاهدًا أو انتقصه أو كلّفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئًا بغير طيب نفس فأنا حَجِيجه يوم القيامة)) أخرجه أبو داود.
معشر المؤمنين: أعظم أمن يجب على الناس أن يسعوا لتحقيقه الأمن من عذاب الله، قال - تعالى -: (أَفَمَن يُلقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ القِيَامَةِ) [فصلت: 40]؛ فإن أردت أن تفوز به فقف على الآيات التي بشر الله بها عباده بقوله: (فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ)، وإن مما يحقق لنا ذلك الاستقامة على دين الله، قال الله –تعالى-: (إِنَّ الذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَليْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) [الأحقاف: 13].
الأمن من عذاب الله يكون بالسير على دروب الخير وبالإكثار من الحسنات، قال - تعالى -: (مَن جَاء بِالحَسَنَةِ فَلهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ) [النمل: 89].
فاللهم لا تحرمنا هذه النعمة...
ــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] الجامع لأحكام القرآن (10/194)
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 59.03 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 57.36 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.83%)]