|
ملتقى الحوارات والنقاشات العامة قسم يتناول النقاشات العامة الهادفة والبناءة ويعالج المشاكل الشبابية الأسرية والزوجية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() مؤشرات الارتباط بين الماسونية وعلم الاجتماع د. أحمد إبراهيم خضر الحلقة الرابعة مؤشرات الارتباط بين الماسونية وعلم الاجتماع أخيرًا، سلَّم أحدُ رجال الاجتماع في بلادنا واعتَرَف بأنَّ الشُّكوك تحيطُ بنشأة علم الاجتماع؛ شكوكٌ تتعلَّق باختِيار اسمه ومَجالاته، ومَناهِجه وإجْراءاته، ولماذا تفجَّرَ التبشيرُ بهذا العِلم الجديد في الرُّبع الأوَّل من القَرن الماضي بالذات؟ هل لإقناع الناس بضَرُورة وُجودِه ومشروعيَّته، أم لأنَّ هُناك أهدافًا حقيقيَّة كانت تعمَل من وَراء سِتار؟ يَكفِينا هذا الاعتراف كنُقطةِ بِدايةٍ، وإن توَقف صاحبه عند هذا الحدِّ في كتابه الذي كرَّسَه لخِدمة توجُّهاته الماركسيَّة[1]. واقع الأمر أنَّ تأسيس عِلم الاجتماع - ذلك الذي يُدرَّس في كلِّ جامعاتنا، بما فيها الجامعات الإسلاميَّة - يرتَبِط ارتِباطًا وثيقًا باسم الفيلسوف الفرنسي (أوجست كونت)، وقليلاً ما يُشار إلى هذا الدور المهمِّ الذي لَعِبَه أستاذُه (سان سيمون) في تأسيس هذا العلم، إنَّ (سان سيمون) هذا هو مِفتاحُنا في بَيان مُؤشِّرات العلاقة بين الماسونيَّة وتأسيس علم الاجتماع. الماسونيَّة في حقيقتها حركةٌ تنظيميَّة ذات طابع عالمي، ولكنَّها ذات هدفٍ يهودي على وجه التحديد تكرِّس كلَّ صور العصر وأدواته للحِفاظ على الإنسان اليهودي، وتُمكِّنه من السَّيْطرة على مَسار المجتمعات الإنسانيَّة، وتوجيه خُطاها بالتحرُّر من كلِّ ضَوابط الإيمان بالله، وهي أيضًا حركةٌ سياسيَّة تعمَل على تَقوِيض أركان كُلِّ سُلطة، دينيَّةً كانت أم مدنيَّةً، وهي في أصلها مؤسَّسة يهوديَّة في تاريخها ودَرجاتها وتعاليمها وكلمات السر فيها؛ أي: إنها يهوديَّة من الألف إلى الياء، وكل ماسوني ما هو إلا تجسيدٌ للعامل اليهودي، وهي في مُعتَقداتها ومُثُلِها ولُغتها وتنظيمها تُعبِّر عن الرُّوح اليهوديَّة، وتَتطلَّع إلى الآمال التي تَتطلَّع إليها إسرائيل وتدعَمُها، وخاصَّة ما يتعلَّق منها بالقدس[2]. أمَّا (سان سيمون)، فهو مفكِّر فرنسيٌّ، وُلِدَ في باريس في 17 أكتوبر 1760 م، كان منذ طُفولته ميَّالاً إلى التحرُّر من الدين ومن سُلطة الأسرة، ألحَقَه والدُه بدير (سان لازار) فترةً من الوقت، لكنَّه كان يُفضِّل السجن عن الالتزام بتعاليم الدِّين، عاش (سان سيمون) في الحي المعروف (رويال بالاس بباريس)، وهو الحي الذي كان يجمع في ذلك الوقت وزارةَ المالية والبورصةَ وبيوتَ اللعب والدعارة، كلاًّ في آنٍ واحد، عاشَر (سان سيمون) امرأةً اسمها (جولي جوليان) عشر سنوات، ثم بعَث بها إلى أحد أصدقائه بعد أنْ وجَدَها عِبئًا عليه، حاوَل الانتِحار فأطلق الرصاص على نفسه، ولم يمتْ؛ لكنَّه فقَد عينَه اليمنى، كانت تصرُّفاته مثيرةً للشك، وباعثةً على الريبة، كان لا يتَّخذ مذهبًا واحدًا في تفكيره، بل يعلن للناس مذهبًا، ويبطن آخَر يسرُّه إلى أصدقائه وخاصَّته، صادر البوليس كتاباته ومخطوطاته، واتَّهمه بالتضليل وهدم المبادئ الدينيَّة[3]، وهو عين ما تسعى إليه الماسونيَّة. تعرَّف (أوجست كونت) على (سان سيمون) في عام 1817م بعد أنْ بلغ الأخير الستين من عمره، أعجب سان بكونت وجعَلَه سكرتيرًا له مدَّة ست سنوات، وكان من أقرب المقرَّبين إليه، تأثَّر كونت بسان سيمون تأثُّرًا كبيرًا، واستَقَى منه العديدَ من الأفكار المدمِّرة للدِّين؛ كفكرة الإنسانيَّة العالميَّة، وقانون المراحل الثلاث، والفلسفة الوضعيَّة، كان كونت يقول عن أستاذه سان سيمون: إنَّه "إنسان أصيل وطريف، وإنَّه يحمل له صداقة أبديَّة، ويُكنُّ له الحبَّ كوالده"، وما أنْ توتَّرت العلاقة بينهما لم يعدْ كونت يتحدَّث إلا عن "التأثير المشؤوم لصداقته المنحوسة مع أحد المشعوذين المختلِّين الذين التَقَى بهم في المرحلة الأولى من شبابه!"[4] ويقصد به سان سيمون. وفي حين يرى البعض أنْ سان سيمون وأوجست كونت هما المؤسِّسان الرسميَّان لعلم الاجتماع الغربي، فإنَّ البعض الآخَر ينسب لـ(سان سيمون) وحدَه فضْل إقامة دَعائِم علم الاجتماع الحديث، وعلى رأس هذا البعضِ الفيلسوفُ الفرنسي الماسوني الشهير (برودون)، وهو أحدُ تلامذة سان سيمون، وأحدُ أبرز دُعاة الاشتراكيَّة، لم يكنْ برودون يُخفِي احتِقاره لكونت، وكان يرى أنَّ نظريَّات كونت ليست إلاَّ تكرارًا لنظريَّات سان سيمون[5]. ويرى رجال الاجتماع العرب أنَّ سان سيمون هو مؤسِّس علم الاجتماع الحديث في أوروبا، وأنَّ أهميَّته تَكمُن في أنَّه هو المفكِّر الوحيد الذي استَطاع أنْ يُؤثِّر على كلِّ اتِّجاهات علم الاجتماع المحافظة منها والراديكالية[6]، وهنا تُوضَع علامة استفهام كبرى! حقيقة الأمر أنَّ الماركسيَّة (سلاح الجناح الراديكالي في علم الاجتماع)، وعلم الاجتماع المحافظ (ممثَّلاً في أوجست كونت) - نبعَا من مصدرٍ واحد، هو علم الاجتماع الغربي، وقد حدَّد (جولدنر) العلاقةَ بين علم الاجتماع والماركسيَّة من ناحية، وسان سيمون من ناحية أخرى، بقوله: إنَّ التصوُّرات السوسيولوجية التي قدَّمها كلٌّ من ماركس وكونت تجدُ جذورها العميقة في فِكر سان سيمون، وقد تحرَّك نصفُ علم الاجتماع المتمثِّل في الماركسية نحو الشرق بعد نهاية الحرب العالمية الأولى، حتى أصبَحَ العلم الاجتماعي الرسمي في الاتِّحاد السوفياتي، أمَّا النصف الثاني من علم الاجتماع المتمثِّل في علم الاجتماع الأكاديمي، فقد تحرَّك نحو الغرب وشكَّل جُزءًا مهمًّا من الثقافة الأمريكيَّة[7] والماركسيَّة، كما جاء في بَيان المشرق الفرنسي الماسوني الأعظم لعام 1904 بـ(وليدة الماسونيَّة)، وكان مُؤسِّساها (كارل ماركس وفريدريك إنجلز) من ماسونيي الدرجة الحادية والثلاثين، ومن مُؤسِّسي المحفل الإنجليزي، وكانا من الذين أداروا الماسونيَّة السريَّة، وصدَر بفضلهما البَيان الشيوعي المشهور. وكان النورانيون الماسون قد دعوا في مؤتمرهم في عام 1829م بنيويورك إلى ضمِّ الحركات الفوضويَّة في روسيا وأوربا الوسطى والمجتمعات الإلحاديَّة في أوربا إلى بعضها البعض، وجعلها في منظمة عالمية يُطلَق عليها الشيوعيَّة، وكلف ماركس وإنجلز بِمُقتَضى ذلك بوضْع المبادئ والنظريَّات التي من شأنها تنفيذ المشروع، وتَمَّ إمدادهما بالمال، فكتَبَا في حيِّ سوهو بلندن كتابهما: "رأس المال والبيان الشيوعي". هذا، وتدلُّ كافَّة الأبحاث السياسيَّة ودراسة التاريخ التحليلي للظواهر الاجتماعيَّة والسياسيَّة على أنَّ الشيوعيَّة ما هي إلا شكلٌ من أشكال العمل الماسوني اليهودي السري الموجَّه[8]. لم يكن كارل ماركس يُكِنُّ أيَّ احترامٍ لأوجست كونت، وكان يعتَبِره مُهرِّجًا سياسيًّا، وعالمًا ضعيفًا[9]. تصدَّى ماركس للدِّفاع عن سان سيمون، وخاصَّة في كتابه "الاقتصاد السياسي والفلسفة"، وهناك عبارات بأكملها استمدَّها ماركس من سان سيمون، وعلى الأخص المتعلقة منها بفكرة علوم الإنسان، والأهم من كلِّ هذا وذاك هو أنَّ كثيرًا من الفقرات التي تضمَّنها المنشور أو البيان الشيوعي الذي أصدره ماركس وإنجلز وردت بصياغات مختلفة في أوَّل استعراض شامل قدَّمه (بازار) أحد تلامذة سان سيمون لمذهبه، وكان (بازار) هو أوَّل مَن استخدم عبارة (استغلال الإنسان لأخيه الإنسان)، وهو التعبير الذي استخدمه من بعده ماركس وأتباعه من الشيوعيين[10]. أمَّا دور كايم عالم الاجتماع الفرنسي اليهودي المعروف، الذي كان يُهدِي روَّاد علم الاجتماع في بلادنا كتبهم إلى روحه، وتعدَّدت الرسائل العلميَّة لطلابنا إعجابًا به وهيامًا به، فقد أكَّد في كتابه عن (الاشتراكيَّة): أنَّه "يجب أنْ ننسب إلى سان سيمون وحدَه الشرف الذي يُنسَب إلى أوجست كونت بأنَّه أنشَأ علمًا جديدًا، هو علم الاجتماع". ويُضِيف دور كايم أنَّ سان سيمون لم يرسم فقط خطَّة هذا العلم الجديد؛ بل إنَّه حاوَل أنْ ينفذها، ويقول أيضًا بأنَّ جميع الأفكار التي تسود عالمنا اليوم تجد جذورها عند سان سيمون، ويؤكِّد (ماكسيم لروا) أنَّ سان سيمون وليس أوجست كونت هو الذي أنشأ علم الاجتماع، ويعتبر (لروا) أنَّ سان سيمون هو الأستاذ المشترك لكلٍّ من ماركس وبرودون ودور كايم، وأنَّه هو الذي مهد الطريق إلى الاشتراكيَّة. مهَّد سان سيمون لأفكار ماركس، وأكَّد عالِم الاجتماع (جورج جيرفيتش) في محاضراته بالسوربون عن كارل ماركس وسان سيمون أنَّ ماركس قد تأثَّر بآراء سان سيمون التي عرفها أتْباعه عام 1829 - 1830، كان ماركس صديقًا للشاعر الألماني (هن)، وكان (هن) يتردَّد على صديقه ماركس كثيرًا، وكان يرشده وصديقه الشخصي في العاصمة الفرنسيَّة التي قَدِمَ إليها قبل ماركس، وهو الذي عرَّفه بأتباع سان سيمون وجعَلَه على صلةٍ وثيقة بهم[11]. ويكفي القارئ أنْ يعلم أنَّ هؤلاء الأتْباع الذين كان ماركس على صلةٍ وثيقة بهم قد رحَلُوا إلى مصر خصيصى لضرب الإسلام بأفكار سان سيمون، تمكنوا من احتلال أعلى المناصب، التي كان منها قيادة حرس محمد علي، ونذكِّر القارئ هنا مرَّة أخرى بمقولة ماركس التي امتدح فيها محمد علي لضربه الإسلام قائلاً: "إنَّ محمد علي هو الشخص الوحيد القادر على إحلال رأس حقيقي محلَّ عمامة المراسم"[12]. كان سان سيمون قد التَقَى - كما يقول المؤرخ (ألبير ماتييه) - في عام 1791 بالزعيم الشيوعي (بابيف)، وأصبح سان سيمون بعد هذا اللقاء واحدًا من كِبار الأثرياء بعد أنْ تعدَّدت أسفاره. هذا، ويمكن بوضوح شديد تلمُّس أفكار كارل ماركس عن الطبقات والصِّراع الطبقي، وتضامُن الطبقة العاملة (البروليتاريا) في فكْر سان سيمون، كان الأخير يرى أنَّ طبقة الصنَّاع يجب أنْ تشغل الصفَّ الأول؛ لأنها أكثر الطبقات أهميَّة؛ لأنَّ الغالبيَّة العُظمَى من المُواطِنين في أيِّ مجتمع ينضَوُون بالضرورة تحت طبقة الصنَّاع، ولكنَّ أفراد هذه الطبقة يفتَقِرون إلى الإحساس بروح التضامُن الطبقي الذي يجمع شملهم، وأنَّه لا بُدَّ من تضافُر الصنَّاع للقَضاء على الطبقة غير المنتجة[13]. هذه المبادئ الاشتراكيَّة - كما تكشف واحدةٌ من المجلات الألمانيَّة الماسونيَّة الصادرة في عام 1894 - كانت خيرَ عضدٍ للماسونيَّة، فناصرَتْها تمامًا، كما جاء في البروتوكول الثالث من بروتوكولات اليهود: "إنَّنا نقصد أنْ نَظهَر كما لو كنَّا المحرِّرين للعمَّال، جِئنا لنُحرِّرهم من هذا الظُّلم، حينما ننصَحُهم بأنْ يلتَحِقوا بطبقات جيوشنا من الاشتراكيين والفوضويين والشيوعيين، ونحن على الدَّوام نتبنَّى الشيوعيَّة ونحتضنها، متظاهرين بأنَّنا نُساعِدُ العمال طوعًا لمبدأ الأخوَّة والمصلحة العامَّة للإنسانيَّة، وهذا ما تُبشِّر به الماسونيَّة الاجتماعيَّة"[14]. ومن أبرز المبادئ الاشتراكيَّة التي دعا إليها سان سيمون "إلغاء حقِّ الوراثة وإلغاء الملكيَّة الفرديَّة"، تصوَّر سان سيمون أنَّ فَساد المجتمعات ناتجٌ عن وجود الملكيَّة الفرديَّة، ورأى أيضًا أنَّ حقَّ الوراثة يُفسِد العلاقات الاجتماعيَّة[15]. وعن علاقة إلغاء حقِّ الملكيَّة والوراثة بالماسونيَّة هناك مشروع (آدم وايز هوايت) - أستاذ اللاهوت والقانون الديني بجامعة (أنغولد شتات) - الذي اعتَنَق اليهوديَّة، واستَأجَرَه اليهود في عام 1770 لإعادة تنظيم البروتوكولات اليهوديَّة القديمة في ثوبٍ جديدٍ، أنهى (هوايت) مشروعَه في عام 1776، وكان أهم ما تضمَّنته بنود المشروع: إلغاء الإرث، وإلغاء الملكيَّة الخاصَّة، إلى جانب إلغاء الأديان بالطبع[16]. وكما كانت الماسونيَّة وسان سيمون وَراء المبادئ الاشتراكيَّة والنظام الشيوعي، كانا أيضًا وَراء الرأسماليَّة ووَراء العُلوم الاجتماعيَّة، والفلسفة، والاقتصاد، والدِّين، والسياسة، والتاريخ، والتقنية، والصناعة، والحرب الأمريكيَّة، وإنشاء الممرَّات حول العالم، وصِياغة مواثيق عُصبة الأمم لخِدمة الأهداف الماسونيَّة. يقول جي نورمانو - الأستاذ بجامعة هارفارد - في مقالةٍ يصفُ فيها عالميَّة وإسهامات سان سيمون: "كلُّ العلوم الاجتماعيَّة خصَّبَتْها كتابات سان سيمون، الاشتراكيَّة من صُنع سان سيمون، وهو في نفس الوقت بنى الرأسماليَّة التي تُعَدُّ إحدى الإنجازات التي كان يحلم بها والتي تُميِّز عالمنا اليوم، أثر سان سيمون في الفلسفة والاقتصاد، وفي التاريخ والدِّين والسياسة، هو المؤسِّس الأوَّل لعلم الاجتماع، وهو الذي صاغَ مسوَّدة عُصبة الأمم في عام 1814، وهو فوق كلِّ ذلك قائدٌ للنُّخبة الجديدة من السياسيين والصحفيين ورجال التقنية والصناعة، وهو المتحدِّث الرسمي باسم الجيل الذي يحمل روح التحديث الثائرة، شارَك في الحرب الأمريكيَّة في عام 1779، سافَر إلى المكسيك ليعرض على حاكِمها مَشرُوعًا لإنشاء ممرٍّ يُوصل المحيط بالبحر"[17]. من أين لرجلٍ بمفرده كلُّ هذه القدرات التي تحدَّث عنها نورمانو في مقالته التي كتَبَها دِفاعًا عن سان سيمون وأتباعه؟ سرعان ما تنكَشِف الحقيقة حينما يظهَر ارتباط سان سيمون برجال المال والبنوك اليهود في أوروبا وأمريكا، وعلى رأسهم (روتشيلد). لَمَع اسم (روتشيلد الأول) - الذي عاش من عام 1743 إلى عام 1812م - في ميادين الصيرفة والمراباة وسائر المعاملات الماليَّة، فوجَّه الحاخامات اليهود أنظارهم لاستِخدامه واستخدام أسرته في تنفيذ مُخطَّطاتهم العالمية الكبرى، ونبَغ في هذا المجال أحدُ أبنائه (ناتان روتشيلد)، فحمل مع أبيه ومن بعده بالاشتراك مع جماعةٍ من رِجال المال اليهود من المُرابين العالميين تنفيذ مخطَّطات الحاخامات اليهود، وكان (روتشيلد الأول) قد دعا اثني عشر يهوديًّا من أرباب المال العالميين إلى (فرانكفورت)، وكان إذ ذاك في الثلاثين من عمره، وعقد المجتمِعون مؤتمرًا لتأسيس احتكارٍ عالمي يَسُوقون فيه أموال العالم إلى سُلطانهم؛ لتَسخِيرها في تحقيق الأهداف اليهوديَّة العالميَّة[18]. أُعجِب (روتشيلد) بأفكار (سان سيمون)، وتُشِير المذكِّرات المعاصرة إلى تَعاطُف (آل روتشيلد) اليهود مع أتْباع سيمون وأفكارهم، تلك التي حمَلُوها معهم إلى مصر وحاوَلُوا تطبيقها، هناك أيضًا علاقة سيمون مع رجل البنوك اليهودي (أوليند رودريج)، الذي أخَذ على عاتِقِه مهمَّة نشْر أفكاره وتحمل تكاليف ذلك. يُضاف إلى ذلك أنَّ أخلص تلاميذ سان سيمون - وهو (إنفانتان)، قائد حملة الأتباع إلى مصر - كان ابنًا لأحد رجال البنوك، وكان (سان سيمون) على علاقةٍ وثيقة (بفرنسيسكو كابرس) مؤسس بنك (سانت تشارلز) بإسبانيا، الذي عرض بالاشتراك معه على الحكومة الإسبانية مشروع قناة (إنبار تيرو). وكما كان الشيوعيُّون وراء سان سيمون وهو يتحدَّث عن تضامُن الطبقة العاملة والصِّراع الطبقي وإلغاء الملكيَّة الفرديَّة وحق الإرث - كان الرأسماليون وراءه أيضًا، كان رجال الأعمال من أكبَرِ المدافعين عنه وهو يتحدَّث عن ضرورة سَيْطرتهم على الثروات العامَّة، والانفِراد بحكم البلاد، وضرورة أنْ يعهد إليهم بإدارة الثروات العامَّة؛ لأنهم - في نظره - هم الذين يستطيعون تحقيق رغبات الرأي العام[19]. وبذلك تمكَّن اليهود من إحكام سَيْطرتهم المالية على العالم بمختلف نُظُمِه التي كانوا وراءها، سواء أكانت اشتراكيَّة أم رأسماليَّة. إنَّ وقفةً دقيقة عند الكلمات التي أشرنا إليها لنورمانو عن سان سيمون، وارتباطات الأخير برجال البنوك والمال اليهود، وخاصَّة (آل روتشيلد)، وكذلك عند مقولة (دور كايم): "إنَّ جميع الأفكار التي تَسُودُ عالمنا اليوم تجدُ جذورها عند سان سيمون" - لَتَكشِفُ بوضوحٍ أنَّ عِلم الاجتماع لم يكنْ إلاَّ اختراعًا ماسونيًّا يهوديًّا، رُوعِي فيه أنْ يحتوي ويشتَمِل على مختلف التيَّارات الفكريَّة التي تُوجِّه حركة المجتمع، سواء أكانت محافظة أو ثوريَّة، بحيث لا تَخرُج عن الأُطُر التي حُدِّدتْ لها، لكن هذه التيَّارات مهما اختلفَتْ، فإنها تتَّفِق على شيءٍ واحد، وهو (ضرب الدِّين). يضرب الاتِّجاه المحافظ الدِّين بدعوى الإيمان بالقيم الإيجابية للجوانب غير العقلانيَّة من السلوك؛ كالتقاليد والخيال والمشاعر والدِّين، مع القول باستحالة إقامة ما يُسمُّونه بالعقائد الدينيَّة التقليديَّة بشَكلِها القديم، ثم العمل على إيجاد مجموعةٍ من المعتقدات والقِيَم التي تَظهَر في دِيانةٍ وضعيَّة علميَّة يلتفُّ الناس حولها، لكنَّها ليس لها ارتباطٌ بإلهٍ أو جنَّة أو نار، ويضرب الاتجاه الثوري الدِّين ضربًا مباشرًا بنَقدِه العنيف للدِّين، ورفضه ما يسمِّيه بالعقليَّة اللاهوتيَّة الغيبيَّة. وتُعتَبر الثورة الفرنسيَّة أحد أوجُهِ الارتِباط بين سان سيمون والماسونيَّة، مهَّدت الماسونيَّة للثورة الفرنسيَّة كما جاء في مجلَّتها آكاسيا الصادرة في عام 1903، ولعبت الماسونيَّة - كما جاء في محفل إنكرس الأكبر الماسوني عام 1923 - أهم الأدوار في إشْعال الثورة الفرنسيَّة، وقال الماسون فيها: "يجب أنْ نكون على أُهبَة الاستعداد للقِيام بأيِّ ثورةٍ منتظرة في المستقبل"[20]. عاصَر سان سيمون هذه الثورة وعايَش أحداثها، وتكشف سجلات الثورة المدوَّنة أنه أصبح في فترات لاحقةٍ أكثر ولاءً وحماسًا لها، وشارَك في بعض إجراءاتها، بل إنَّه مُنِحَ في عام 1793 شهادة المواطن الصالح مرَّتين، وشارَك أيضًا في خريف العام نفسه كعضوٍ فعَّال في الحلقات الثوريَّة المتطرِّفة في باريس[21]. أمَّا أبرز صُوَرِ العلاقة بين سان سيمون والماسونيَّة، فهي (فكرة الإنسانية) التي تُعتَبر المحور الأساس الذي تدورُ في فلكه نظريَّات علم الاجتماع[22]. يقول (هاوكنز) في "موسوعة الدِّين والأخلاق": "إنَّه يمكن أنْ ننظُر إلى الماسونيَّة على أنها دِين من صُنع الإنسان"[23]. أمَّا جيمس كارتر، فيقول: "إنَّ الماسونيَّة تُحاوِل أنْ تنمِّي دينًا جديدًا يتَّفق عليه كل الناس"[24]. وفكرة الإنسانيَّة العالميَّة هذه فكرةٌ ماسونيَّة تهدف إلى أنْ تحلَّ عبادة الإنسانيَّة محلَّ العبادة بدلاً من الله، وقد جاء في مضابط الشرق الأعظم الماسوني عام 1913 قولهم: "وسوف نتَّخذ الإنسانية غايةً من دون الله"[25]، وجاء أيضًا في كتاب "معنى الماسونيَّة" قول (ولمشهرست): "لا يَزال المعبد غير مكتمل الآن ولم ينتهِ بعد، إنَّه هذا الكيان الجمعي من الإنسانيَّة نفسها، ونحن نعرف كيف نُكمِله"[26]. والمذهب الإنساني أو النَّزعة الإنسانيَّة كما يَراه عالِمَا الاجتماع (ماكيفر وبيج) مذهب يَنزِع إلى التخلِّي عن أحكام ما فوق الطبيعة المتعلقة بالخلق والجنَّة والنار، وما تنطَوِي عليه النَّفس من خطيئة، وما أشبَهَ ذلك... ثم يعمل جاهدًا على أنْ يجمع الناس على أساسٍ من قواعد الأخلاق الاجتماعيَّة، لا على أساس المذهب الديني، أو الجماعات الدينيَّة، أو المعتقدات بوجهٍ عام[27]. والنَّزعة الإنسانيَّة طريقةٌ للتفكير تؤكِّد على أهميَّة الإنسان في طبيعته ومكانه في العالَم، وتجعَل من الإنسان وليس الله محورَ الكون؛ ولهذا فإنَّ الإنسانيَّة في جملتها وتفصيلها ثورة ضد الدِّين الذي لا تؤمن به ولا بالتدخُّل الإلهي، وترفض الله والغيبيَّات، وليس فيها مكانٌ لما هو مقدَّس أو مُوحًى به، وترى أنَّ مستقبل الحياة على الأرض يقَع على أكتاف الإنسان وحده؛ ولذا فهي تُركِّز على الحياة الدنيا دون الآخرة. هذا، وقد أعادَ أصحاب النَّزعة الإنسانيَّة في العصر الحديث تعريف (الدين والله) بصورةٍ تؤدِّي إلى الاستِغناء عنهما بطريقةٍ مُستترةٍ غير مباشرة، لا بطريقةٍ صريحة مكشوفة. (الله) عند البعض منهم: هو المُثُل الإنسانيَّة العليا والمبادئ الاجتماعية وحدَها، وعند البعض الثاني: هو الذات الشاملة في كلٍّ منَّا، وعند البعض الثالث: هو التفاعُل المتبادَل بين الأفراد، ومن ثَمَّ تبتَعِد هذه التعريفات عن المفهوم الحقيقي للألوهيَّة، وتقطع الصلة تمامًا بينها وبين مفهوم (الله) المألوف عند الناس. يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |