اختـلاف الاقتصـاد بين الإسـلام والرأسمـاليـة - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4518 - عددالزوار : 1311349 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4943 - عددالزوار : 2041927 )           »          تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1174 - عددالزوار : 131975 )           »          3 مراحل لانفصام الشخصية وأهم أعراضها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          متلازمة الشاشات الإلكترونية: كل ما تود معرفته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          ما هي أسباب التعرق الزائد؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          أضرار الوجبات السريعة على الأطفال: عواقب يُمكنك تجنبها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          الوقاية من القمل بالقرنفل: أهم الخطوات والنصائح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          علاج جفاف المهبل: حلول طبيّة وطبيعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          الوقاية من القمل في المدارس: دليل شامل للأهل والمعلم! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العام > ملتقى الحوارات والنقاشات العامة
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الحوارات والنقاشات العامة قسم يتناول النقاشات العامة الهادفة والبناءة ويعالج المشاكل الشبابية الأسرية والزوجية

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 11-04-2019, 09:07 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,857
الدولة : Egypt
افتراضي اختـلاف الاقتصـاد بين الإسـلام والرأسمـاليـة

اختـلاف الاقتصـاد بين الإسـلام والرأسمـاليـة
عدنان علي رضا النحوي




لقد وضع الإسلام الأسس الكفيلة لقيام نظام اقتصادي غير ربويّ يُحقِّق مصلحة الناس في واقعهم المادي في الحياة الدنيا، ويعين على نجاتهم في الدار الأخرى، لا نستطيع أن نطرق جميع الأسس الاقتصادية في الإسلام ولكننا نورد هنا الآيات المتعلقة بالربا من سورة البقرة:


(الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سراً وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون * الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبّطه الشيطان من المسّ ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرّم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون * يمحق الله الربا ويربى الصدقات والله لا يحبَ كلّ كفار أثيم * إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون * يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقى من الربا إن كنتم مؤمنين * فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله * وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون * وإن كان ذو عُسرةٍ فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون * واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله ثمّ توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون) [ البقرة : 275 ـ 281 ]

وعن عبد الله بن مسعود عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لعن الله آكل الربا وموكله وشاهده وكاتبه)) (1).

إِن هذا التحريم للربا هو أشدّ أَنواع التحريم التي وردت في كتاب الله، وتأكَّد التحريم في آيات أخـرى، وكذلك في الأحاديث النبوية، نذكر منها هنا حديثين شريفين:

فعن ابن مسعود عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((لعن الله الربا، وآكله، وموكله وكاتبه، وشاهده وهم يعلمون، والواصلة، والمستوصلة، والواشمة والمستوشمة، والنامصة والمنمّصة)) (2).

وكذلك في خطبة الرسول -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع، حيث قال: ((ألا وإن كل ربا في الجاهلية موضوع عنكم كله، لكم رؤوس أموالكم لا تَظْلِمون، وأول ربا موضوع هو ربا العباس بن عبد المطلب موضوع كله)) رواه ابن أبي حاتم(3).

ولم يكن تحريم الربا في رسالة محمد -صلى الله عليه وسلم- فقط، وإنما كان التحريم في الإسلام في رسالة جميع الأنبياء وخاصة في رسالة موسى ورسالة عيسى عليهما السلام، حيث أشار القرآن الكريم إلى ذلك:

(وأخذهم الربا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل وأعتدنا للكافرين منهم عذاباً أليماً) [ النساء : 161 ].

إن هذا التحريم للربا وامتداد التحريم قروناً طويلة جداً مع الأنبياء والرسل، لدليل واضح على شدة خطورة الربا وشدة إفساد في الحياة البشرية، وفساد النظام الاقتصادي القائم على الربا.

لقد مارس المسلمون أيام النبوة الخاتمة، وما تلاها من عصور، نظاماً اقتصادياً خالياً من الربا في واقعهم البشري، والمسلمون مكلفون بممارسة نفس النظام بقواعده العامة في كل واقع جديد، على أن يضعوا تفصيلات النظام من منهاج الله ومن حاجة الواقع الجديد الذي يُفَهَم من خلال منهاج الله.

والربا هو صورة من صور أكل أموال الناس بالباطل، فالتحريم من حيث الأساس هو تحريم لأكل أموال الناس بالباطل في جميع صوره وأشكاله.

والنظام الرأسمالي والشيوعي صورتان مفزعتان لأكل أموال الناس بالباطل، فقد دخلت انكلترا الهند متسللة بالحركات التنصيرية والشركات التجارية، ثم احتلتها عسكرياً، فنهبت الهند وكنوزها وخيراتها وشعبها، وما خرجت من الهند إلا وقد تركت الشعب فقيراً ممزّقاً، والبلاد متأخرة متخلفة، وقس على ذلك سائر الدول الرأسمالية التي دخلت أقطار العالم الإسلامي الغنيّة في ثرواتها وخيراتها، فما تركتها إلا وهي فقيرة ممزّقة متخلفة، لقد أكلت الدول الرأسمالية أموال العالم الإسلامي بالباطل أكلاً حراماً، وأنشأت النظام الرأسمالي فيه على نفس الأُسس من الظلم والعدوان ونهب الثروات وأكل المال الحرام، حتى أصبح العالم الإسلامي يسمىّ العالم الثالث المتخلف.

ولم يأكل العالم الرأسمالي أموال العالم الإسلامي وحده بالباطل، بل أكل أموال شعوبه بالباطل أيضاً، حتى تكوّنت طبقات على أُسس غير عادلة ولا أمينة، وحتى كثرت البطالة وتوالت الأزمات الاقتصادية، وتنافست الدول الرأسمالية في صراع محموم من أجل أكل الأموال بالباطل، وأقامت هذه الدول الرأسمالية مؤسساتها على نفس الأسس من أكل المال بالباطل، مهما اختلفت أسماءها وأشكالها وأنظمتها.

وقد وصف القرآن الكريم لنا هذا النشاط الماليّ الحرام يقوم به كثير من الأحبار والرهبان وصفاً جلياً:

(يا أيها الذين آمنوا إن كثيراً من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله والذين يكنزون الذهب والفضّة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم * يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون) [التوبة: 34، 35].

وهكذا بيّن الله -سبحانه وتعالى- أساس التعامل الحرام بالمال، إنه أكل أموال الناس بالباطل، والربا باب من أبوابه، أو أنه يجمع الأبواب كلها، وبيّن الإسلام أبواب الكسب الحلال وحثّ عليها، وبيّن أبواب الكسب الحرام وما يحرم من البيوع فنهى عن ذلك كله.

وارتبط أكل المال بالباطل في الآية السابقة بكنز الذهب والفضّة، وبعدم إنفاقها في سبيل الله، فجعل الإسلام للكسب الحلال شروطاً وقواعد، وجعل للإنفاق الحقّ شروطاً وقواعد، وذلك كله لصلاح الإنسان على الأرض، وصلاح الشعوب كلها إذا التزمت وتعاونت على ممارسة قواعد الإيمان.

فالنظام الرأسمالي ومؤسساته لا يقع المال الحرام فيه من باب واحد، ولكن من أبواب متعددة تجمعها كلمة (أكل أموال الناس بالباطل) (وكنز الأموال وعدم إنفاقها في سبيل الله) فأصبحت المؤسسات الرأسمالية تجمع الحرام من ناحيتين: من أكل أموال الناس بالباطل من جميع أبوابه وسبله الحرام، ومن الإنفاق في غير سبيل الله، من الإنفاق على الصدّ عن سبيل الله، والإِنفاق على الفتنة والفساد والكبائر كلها، حتى أَصبح هذا النظام ومؤسساته معجوناً بالربا والحرام عجناً.

ولقد غزا هذا النظام الشعوب كلها وغزا العالم الإسلامي، يقوده علوم وتقنية، ونظم إدارية متطورة تحميه وتحمي رجاله المتحكمين، وهيئات ومؤسسات تعمل ليل نهار، لتوفّر هذه العلوم والتقنية والإدارة والمؤسسات وسائل نهب الشعوب، وسائل الكسب الحرام والإنفاق الحرام، ويحمي هذا النظام الاقتصادي سياسة ونظام سياسي وقوة عسكرية نامية مدمرة.

وكـان من أهم آثار ذلك انتشار الأزمات الاقتصادية وانتشار البطالة، وانتشار الفتنة والفساد والجرائم، والحروب التي لا تكاد تتوقف، والمؤامرات في جوف الليل وفي وضح النهار، حتى ظهر الفساد في البّر والبّحر والجو.

وغزا هذا كله العالم الإسلاميّ كالطوفان، والمسلمون متفرّقون متخلّفون أنهكهم الصراع بينهم حتى استفاد عدوهم من ذلك، وامتدت المؤسسات الماليّة الرأسمالية إلى العالم الإسلامي، واضطرب المسلمون وحاروا كيف يتعاملون مع هذه المؤسسات، وصدرت فتاوى هنا وفتاوى هناك، فتاوى يناقض بعضها بعضاً.

وأول ملاحظة لنا على ذلك هو أنه كانت تآخذ القضية الجزئية الواحدة معزولة عن نظامها الكلي، فلا تبدو الصورة عندئذٍ على حقيقتها، ولا تبرز الجريمة في هذه الجزئية أو تلك بعد أن عُزِلت ثم زُخْرِفت بوسائل شتى من وسائل التجميل لإزالة القبح الكبير المتخفِّي، وقد لا يبدو وجه "الحرام" في هذه الجزئية بعد عزلها وإخفاء ارتباطها بالنظام الكلّي الذي نَبَعَتْ منه وحملت معها منه أشكالاً متعددة من الحرام!

لذلك اضطرب الرأي حول "الفائدة" التي تقدمها المؤسسات المالية؛ ولقد كان الرأي الأول أن يضع المسلم ماله فيها في "الحساب الجاري" الذي لا تُؤخذ معه الفائدة التي تُعْتَبر حراماً ومالاً خبيثاً. وصارت القناعة لدى عامة الناس أنهم إن فعلوا ذلك تجنَّبوا الحرام، وأنَّ تعاملهم مع المؤسسة المالية أصبح حلالاً لا إثم فيه ولا معصية، وغاب عن بال هؤلاء أنه لا فرق في عمل المؤسسات المالية مع الأموال بين حساب جارٍ وحساب غير جارِ إلا في الدفاتر أو في بعضها، أما الأموال عامة فتدخل في نشاط المؤسسة دون تفريق، ويكون لهذا الحساب " فائدة " ولذلك الحساب " فائدة " والفرق الوحيد أن " المودع " تَبَّرع بالفائدة عملياً للمؤسسة ويُعْتَبَرُ مال المودَع قد دخل في المعاملات التي استحقت "الفائدة".

فإن كانت الفائدة حراماً فقد دخل في الحرام كمن وضع ماله في حساب الفائدة، لأن حديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- جعل الإثم واللعنة على آكل الربا وموكله وشاهده وكاتبه، والمودِعُ شاهد على الأقل، وإذا ادّعى الجهل فهذا جهل لا يُعِذَر فيه، لأنه أمر عام عليه أن يستوضح قبل التورّط، وغاب عن بال هؤلاء، أنهم إذا اعتبروا الفائدة رباً حراماً، فلا يكون الإثم متوقفاً على قبض الفائدة وتسلمها، ولكن الإثم يبتدئ بالتعامل مع مؤسسة هو يعتبرها ربويّة.

ورأي آخر يقول: إِن أخذ " الفائدة " وهي رباً في نظره ومال خبيث، أفضل من أن يتركها للبنك، ولكن لا يُنْفِقُها على نفسه وأهله، بل يتصدّق بها، وليس له أجر على ذلك من عند الله، لأنها مال خبيث، وليس له إلا رأس ماله يبقي طيباً لقوله -سبحانه وتعالى-: (.. فلكم رؤوس أموالكم لا تَظْلِمون ولا تُظْلَمون).

ونعتقد أن هذا الرأي وقع في أخطاء، أولها أنه ليس لأحد من الخلق أن يطلق الأجر من عند الله أو يمنعه، فالله وحده يجزي كما يشاء من يشاء على ميزان عادل وحكمة بالغة لا يحيط بها الناس، فلا حاجة للتدخّل في هذا الأمر.

وثانياً أنه إذا كانت "الفائدة" رباً ومالاً حراماً خبيثاً فلا يعني هذا أن رأس المال يظلّ على طهارته، ولا يعني أن للناس رؤوس أموالهم حلالاً، ذلك لأن الله -سبحانه وتعالى- اشترط في نصّ القرآن لجواز أخذ رأس المال الذي يعمل في الربا، اشترط أن يتوقف التعامل بالربا فوراً وأن يتوب المسلم توبة صادقة فلا يعود إلى الربا.

فقد جاء النصّ في القرآن الكريم (.. فإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تَظلمون ولا تُظلمون) فالشرط هنا (فإن تبتم) أي إذا توّقفتم عن التعامل بالربا، أما إذا كان المال مستمراً في تعامله بالربا، ولم تقع التوبة، فإن رأس المال لا يكون طاهراً وقد عُجِن بالربا عجناً واستمَّر فيه.

والخطر من مثل هذا الرأي هو أن الناس تُقبل على التعامل مع مؤسسة يرون هم أنفسهم أنها ربوية، ويظنّون أَنهم بسلوكهم هذا قد حَلّ لهم التعامل مع المؤسسة الربويَّة، ثم يعتاد الناس ذلك ويألفونه، ويدعمونه ويصبحون قوة له، وتتهاون العزائم عن السعي إلى الحل الأمثل، وتصبح هذه الآراء أقرب للتخدير منها إلى التوعية.

وإن إقامة النظام الاقتصادي الإسلامي البديل يفرض ممارسة منهاج الله بكامله في الواقع البشري، ممارسة تقدّم النظام الاقتصادي الإسلامي البديل ليحلّ محل النظام الرأسمالي، والنظام الإداريّ الإسلامي البديـل، والنظام الاجتماعي الإسلامي البديل، والنظام السياسي الإسلامي البديل والعسكري الإسلامي، وهكذا في مختلف شؤون الحياة ذلك لأنه يتعذّر تطبيق جانب من الإسلام وإهمال الجوانب الأخرى.. إن نجاح الممارسة الإيمانية لأيّ جانب من الإسلام في حياة الإنسان أو الأُمة يفرض الممارسة الإيمانية لسائر الجوانب دون إغفال أي جزء من الإسلام.

إن الإسلام منهاج ربّني متكامل مترابط متناسق بعمل بكل أجزائه معاً.

(أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردّون إلى أشدّ العذاب وما الله بغافل عما تعملون) [البقرة: 85 ].

وكذلك: (وقل إني أنا النذير المبين * كما أنزلنا على المقتسمين * الذين جعلوا القرآن عضين * فوربك لنسألنهم أجمعين * عما كانوا يعملون) [الحجر: 89- 93].

إن محاولات التوفيق بين الإسلام والديانات الأُخرى التي خرجت منها العَلمانية، أو التوفيق الإسلام والعَلمانية، جهود ضائعة، خير منها أن تُبْذَلَ الجهود لإقامة دين الله –الإسلام- في الأرض كلها، من أجل سعادة الإنسان والشعوب كلها.

في واقع الشعوب اليوم مؤسسات ربوية واضحة، مؤسسات تخلط الربا بغيره، فيفسد العمل كله. وتواجه الشعوب اليوم هذا النظام الاقتصادي العالميّ الربَوي، النظام الذي أقامه أهل الكتاب والعَلمانيون واليهود بخاصة، والنظام العالمي يفرض بالقوة بكل وسائل نظامه الاقتصاديّ، دون أن يكون بديل يحل محله.

فكانت نتيجة المواجهة الاستسلام والعجز ومحاولات البحث عن مخرج بآراء ونظريات متناقضة متضاربة، أو ردود فعل ارتجالية ميداناً عن ميدان، وقضية عن قضية، فيفقد كل ميدان قوى تسانده، وتفقد كل قضية قوى تساندها.

إن بلوغ الحل الأمثل لا يمكن تحقيقه في واقعنا اليوم بين يوم وليلة، ولكنه فرض على المسلمين أن يسعوا إليه، وإن بلوغه يتطلب جهوداً واعية حقيقية، ونهجاً وتخطيطاً، وتعاوناً وبذلاً.

ولا يستطيع الفرد المسلم أن يجابه هذا الواقع وحده، ولكن كل مسلم يستطيع أن ينهض إلى مسؤولياته التي وضعها الله في عنقه وفرضها عليه حتى تجتمع الجهود وتصبّ كلها في مجرى واحد.

وخلال ذلك قد يجد المسلم الفرد أو الجماعة أو الأمة أنفسهم أمام واقع، يضطرون فيه إلى التعامل مع مؤسسات ربوية، فتصبح القضية هي التعامل تحت ضغط الضرورة، مع الإقرار بأن التعامل حرام لا يجوز إلا للضرورة، ومع واجب القيام بالمسؤوليات الشرعية التي أمر الله بها، والتي تسعى بتكاتفها إلى بلوغ الحل الأمثل.

إن تساؤل عن التعامل مع المؤسسات أَحلال أم حرام، وفي الوقت نفسه لا يوفي المسؤوليات التي كلفه الله بها، ولا يوفي الأمانة والعهد مع الله، هو تساؤل عاجز يعطل مسيرة المؤمنين إلى الحل الأمثل.

والضرورة تعتبر ضرورة آنيّة مادامت الجهود متكاتفة من أجل رفعها، والضرورة في هذه الحالة قد تأخذ عِدة أَشكال: ضرورة فردية يكون الفرد المسلم مسؤولاً عنها ومحاسباً عليها بين يدي الله، وعليه هو أن يُقدرّها ويقدّر مدى أهميتها وضغطها عليه، وضرورة قانونية قطرية لا يملك الفرد المسلم دفعاً لها، وضرورة دولية لمن يتعرّض لها، والنظام الرأسمالي اليوم ممتد في الأرض تدعمه القوى العَلمانية وتغذّيه وتحميه، وتفرضه حيناً بالقوة والقهر وحيناً بالفتنة والتضليل.

وحين حرّم الإسلام أكل أموال الناس بالباطل، وحرّم الربا، فإنه فرض الزكاة في المال، تؤخذ من الأغنياء وتردّ على الفقراء، وضع نظاماً مالياً متكاملاً يكفل حق المسلم في المال والرعاية والعمل والسعي، وبنى جيلاً مؤمناً قوّياً يحمل رسالة الله إلى الناس كافّة ويوفي بعهده مع الله، وينهض للتكاليف كلها، ليحمي نهجه ودينه.

وحين يطبَّق نظام الإسلام في الكسب وفي الإنفاق بجميع جوانبه تطبيقاً إيمانياً في أمّة مؤمنة، فإن مظاهر الظلم الاجتماعي تختفي إلا بمقدار ما يخالف الناس منهاج الله.

ولو أن الأغنياء كانوا يؤدّون ما فرض الله عليهم من زكاة وصدقات، لما كنت تجد في الأرض جزعى ومحتاجين ومظلومين، فحين أعلن مؤتمر التغذية الذي عقد في روما مؤخراً أن عدد الجوعى (840) مليوناً من البشر، فإن هذا يعني أن هنالك عدداً من المتخمين أخذوا حقوق غيرهم فأُتخموا وجاع الآخرون، وهذا الظلم لا يقع إلا في جو عَلماني ونظام رأسمالي.

وهذه صورة موجزة عن الاختلاف في الاقتصاد بين الإسلام وبين العَلمانية، وهذا الاختلاف يشير في الوقت نفسه إلى خلافات واسعة أخرى بين الإسلام والعَلمانية، فهناك اختلاف في النظرية السياسية، فالعلمانية تبني السياسة على المصالح المادية وحدها، والإسلام يضع أسساً أخرى تكفل البشرية تعاونها وتكفل حماية حقوق الشعوب كلها وتمنع الظلم والعدوان.

وينشأ خلاف آخر هام في الحياة الاجتماعية وتنظيم المجتمع ابتداء من حياة الفرد إلى الأسرة إلى الأُمة كلها، ونكتفي هنا بالإشارة إلى الاختلاف الأساسي، حيث لا مجال للتفصيل هنا، والتفصيل يحتاج إلى كتاب خاص.

ومن هذه الاختلافات كلها ينشأ اختلاف كبير بين حقوق الإنسان في العَلمانية وبينها في الإسلام.

ــــــــــــــ

(1) صحيح الجامع الصغير وزيادته: (ط:3) ـ حديث رقم ( 4970 ) وقال: الطبراني في الكبير

(2) ابن كثير في تفسير آيات الربا.

(3) ابن كثير في تفسير آيات الربا.







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 84.74 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 83.03 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (2.03%)]