|
|||||||
| ملتقى الحوارات والنقاشات العامة قسم يتناول النقاشات العامة الهادفة والبناءة ويعالج المشاكل الشبابية الأسرية والزوجية |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
|
حتى لا تملأ نفسك إحباطا أ. حسام الحفناوي فَطَر اللهُ تعالى نفوسَ البشر على الاقتداء، فما من إنسان إلا ويتَأَسَّى بمن يراه أهلًا لذلك، ويُكِنُّ له مشاعر الحب والتوقير، سواء كان ذلك بما عرفه عنه مباشرة من جميل الصفات، ومُسْتَحْسَن الشَّمائل، أو بما تَنَاهى إلى مَسامعه مما يَتَناقله الناسُ، ويَفْشُو بين الخاص والعام منهم. وقد نَصَب اللهُ تعالى للبشرية رُسُلَه عليهم الصلاة والسلام مَنارات يُهْتَدي بها، مما يُلَبِّي تلك الحاجة الفِطْرية إلى تَقَفِّي آثار القُدُوات، وتَتَبُّع سِيَر الأُسَا[1]، قال الله تعالى بعد أن ذكر العديد من الرسل والأنبياء الكرام عليهم السلام: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ﴾ [الأنعام:90]، وقال سبحانه عن خاتم رسله محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام:﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ﴾ [الأحزاب:21]. وقد جعل اللهُ تعالى أصحابَ سيد المرسلين في المرتبة التالية للرسل الكرام في الاقتداء؛ فقد اختارهم لصُحْبة خيرِ الرسل، وحَمَّلهم أمانةَ تبليغ آخر الرسالات السماوية المُنَزَّلة، ثم يليهم في المرتبة مَنْ اتَّبَعهم بإحسان من التابعين، ممن تَلَقَّى عنهم الشرع قولًا وعملًا، ثم أتباع التابعين ممن أخذ عن هؤلاء، وسار على مِنْوالهم. قال تعالى: ﴿ وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ الله عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً ذلك الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [التوبة:100]. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ".[2] وكلما اقترب العبدُ في التَّأَسِّي من خير القُدُوات، كلما صار أهلًا لأن يُقْتَدى به، بقَدْر اقْتِفائه لآثارهم، وتَبْقى القدوةُ البشرية المطلقة مُتَمَثِّلة في رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا يُقْتَدى بمن دونه إلا بقَدْر الاهتداء بهَدْيِه عليه الصلاة والسلام، فإن خالَفه في قليل أو كثير، رُدَّت عليه مخالفتُه. وكثيرًا ما يُفْرِطُ الناس في تعظيم القُدُوات المشاهير من المعاصرين لهم، ويرسمون صورًا خيالية مُوْغِلةً في المِثاليَّة والملائكيَّة عن صفاتهم، وطبائع نفوسهم، ويَحْلُمون بيوم يرونهم فيه عن قُرْب، ويتَشَوَّقون إلى مُشافَهتهم كِفاحًا[3]، ومُصافَحتهم دونما حائل، ويَعُدُّون مُعايَشَتَهم، ومُرافَقَتَهم من أَسْمى الأَمْانِي، وأَجَلِّ المَطامِح. فإذا قَدَّر الله تعالى لهم مُخالَطَتَهم، أو عرفوهم عن كَثَب، فإما أن يجدوهم على النحو الذي تَصَوَّروه في مُخَيِّلتهم - وربما أَمْثَل منه - فتُسَرُّ نُفوسُهم المُتَلَهِّفة للقُدوات العاملة، وتَسْعَد أَفْئِدتُهم المُتَشَوِّفة للأُسَا الرَّبانِيَّة، وإما أن يُصْدَموا باتساع الفرق بين الصورة الذِّهْنِيَّة المُتَخَيَّلة، والواقع الحقيقي المُعَاش، ويُفْجَعوا بما يرونه من الخِلال والسِّمات، التي لم يَجُل بخاطرهم يومًا أن يَتَّصِف بها من أَفْرَطوا في محبتهم، وأَوْغَلوا في رفع قَدْرهم. فمن نماذج الأول: أن عليَّ بن حُجْر قد الْتَقَى عليَّ بن خَشْرَم - وكلاهما من كبار حُفَّاظ الحديث وشيوخ الإمام مسلم وبعض أصحاب السنن والأول من شيوخ البخاري أيضًا - فقال علي بن حُجْر لعلي بن خَشْرَم: وُصِفْتَ فأَحْببناك من غير خِبْرةٍ ♦♦♦ فلما اخْتَبَرْنا حُزْتَ ما كنتَ تُوصَفُ فقال علي بن خَشْرَم له: ووافيتُ مُشتاقًا على بعد شُقَّةٍ ♦♦♦ فلما التقينا صَغَّر الخَبَرَ الخُبْرُ[4] ومن أمثلة سُمُو الخُبْر عن الخَبَر: ما رواه ابن إسحاق في سِيْرَته عمن لا يَتَّهِمه من رجال طَيِّئ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لما قَدِم عليه وَفْدُهم، وفيهم سَيِّدُهم زَيْدُ الخَيْل: "ما ذُكِرَ لي رجلٌ من العَرَبِ بفَضْلٍ، ثُمَّ جَاءَنِي، إلَّا رَأَيْتُهُ دُونَ مَا يُقَالُ فِيهِ، إلَّا زَيْدَ الْخَيْلِ؛ فَإِنَّهُ لَمْ يَبْلُغْ كُلَّ مَا كَانَ فِيهِ"، ثم سَمَّاه رسولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم زَيْدَ الْخَيْرِ.[5] وفي نفس المعنى قول الشاعر العربي القديم: كانت مُساءلةُ الرُّكْبانِ تُخْبِرُنِى ![]() عن أحمدَ بن سعيدٍ أَطْيَبَ الخبَرِ ![]() حتى التقَيْنا فلا والله ما سَمِعَتْ ![]() أُذْني بأَحْسَن مما قد رأى بَصَرِي[6] ![]() ومن نماذج الثاني: المَثَلُ العربي القديم: تَسْمَعُ بالمُعَيِديِّ خَيْرٌ مِنْ أنْ تَرَاهُ[7]، وكانت العرب تضرب بذلك المَثَلَ فيمن لم يوافق خُبْرُه خَبَرَه في الظاهر، ويَنْدَرِج فيه من باب أولى مَنْ خالَفت سيرتُه الفِعْلِيَّة صورتَه المُتَوَهَّمة في عقول الناس وقلوبهم. دخل كُثَيِّر عَزَّة على عبد الملك بن مروان يومًا - وكان قصيرًا دَمِيْمًا تزدريه العَيْن - فاستشهد عبد الملك بذلك المثل العربي، فقال كُثَيِّر: إنما المَرْءُ بأَصْغَرَيه، قلبه ولسانه، ثم أنشد يقول: تَرى الرجلَ النَّحيفَ فتَزْدَريهِ ![]() وفي أثْوابِهِ أسَدٌ هَصورُ ![]() ويُعْجِبُك الطَّريرُ فتَبْتَليهِ ![]() فَيُخْلِفُ ظنَّكَ الرجلُ الطَّريرُ ![]() بُغاثُ الطيرِ أطولُها رِقابًا ![]() ولَمْ تَطُلِ البُزاةُ ولا الصُّقورُ ![]() خَشاشُ الطيرِ أكْثرُها فِراخًا ![]() وأمُّ الصَّقْرِ مِقْلاتٌ نَزورُ ![]() ضِعافُ الأسْدِ أكْثرُها زَئيرًا ![]() وأَصْرمُها اللَّواتي لا تَزيرُ ![]() وقَدْ عَظُمَ البعيرُ بِغيرِ لُبًّ ![]() فلَمْ يَسْتَغْنِ بالعِظَمِ البَعيرُ ![]() يُنَوَّخُ ثُمّ يُضْربُ بالهَراوى ![]() فلا عُرْفٌ لَدَيْهِ ولا نَكيرُ ![]() يُقَوِّدُه الصَّبِيُّ بكلِّ أرْضٍ ![]() ويَنْحَرُه على التُّرْبِ الصَّغيرُ ![]() فما عِظَمُ الرِّجالِ لَهُمْ بِزَيْنٍ ![]() ولكِنْ زَيْنُهُمْ كَرَمٌ وخَيْرُ[8] ![]() يتبع
__________________
|
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |