شهر الانتصار - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 859 - عددالزوار : 118677 )           »          شرح كتاب الحج من صحيح مسلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 56 - عددالزوار : 40153 )           »          التكبير لسجود التلاوة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 40 )           »          زكاة التمر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          صيام التطوع (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          كيف تترك التدخين؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          حين تربت الآيات على القلوب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          تفسير القرآن الكريم ***متجدد إن شاء الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 3096 - عددالزوار : 366909 )           »          تحريم الاستعانة بغير الله تعالى فيما لا يقدر عليه إلا الله جل وعلا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 37 )           »          فوائد ترك التنشيف بعد الغسل والوضوء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام
التسجيل التعليمـــات التقويم

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 27-03-2019, 08:18 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,235
الدولة : Egypt
افتراضي شهر الانتصار

شهر الانتصار
عبد اللّه بن محمد البصري


الخطبة الأولى:
أَمَّا بَعدُ، فَأُوصِيكُم - أَيُّهَا النَّاسُ - وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ - عز وجل – (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)
أَيُّهَا المُسلِمُونَ، مَن عَلِمَ حَقَارَةَ الدُّنيَا وَسُرعَةَ فَنَائِهَا لم يَأسَفْ عَلَى مَا فَاتَهُ مِنهَا، وَمَن عَلِمَ حَقِيقَةَ الآخِرَةِ وَبَقَاءَ نَعِيمِهَا حَرِصَ عَلَى أَلاَّ يَفُوتَهُ شَيءٌ مِن فُرَصِهَا، أَمَّا وَقَد مَضَى مِن رَمَضَانَ أَكثَرُ مِن نِصفِهِ، فَإِنَّ عَلَى المُسلِمِ أَن يَقِفَ مَعَ نَفسِهِ وَقفَةَ مُحَاسَبَةٍ جَادَّةً، يَسأَلُ فِيهَا نَفسَهُ: مَاذَا قَدَّمَ فِيمَا مَضَى؟ وَعَلامَ هُوَ عَازِمٌ فِيمَا بَقِيَ؟ هَل وَعَى الدَّرسَ الرَمَضَانيَّ الكَبِيرَ فَانتَصَرَ عَلَى نَفسِهِ وَقَتَلَ شَهَوَاتِهَا وَحَطَّمَ أَصنَامَهَا؟ هَل حَقَّقَ العُبُودِيَّةَ التَّامَّةَ لِرَبِّهِ امتِثَالاً وَاجتِنَابًا؟ إِنَّ عَلَى المُسلِمِ وَقَد مَضَى أَكثَرُ شَهرِهِ وَقَدَّمَ فِيهِ مَا قَدَّمَ، أَن يَحذَرَ مِن آفَةٍ طَالما أَصَابَتِ السَّالِكِينَ فَجَعَلَتِ استِفَادَةَ بَعضِهِم مِن مَوَاسِمِ العِبَادَةِ لَيسَت بِتِلكَ، تِلكُم هِيَ آفَةُ الفُتُورِ بَعدَ النَّشَاطِ وَالتَّرَاخِي بَعدَ الشِّدَّةِ،، وَالَّتي مِنَ البَلاءِ أَنَّهَا لا تُصِيبُ صَاحِبَهَا إِلاَّ في خِتَامِ الشَّهرِ وَلَيَالي العَشرِ، وَبَدَلاً مِن الازدِيَادِ وَالتَّزَوُّدِ بَعدَ التَّعَوُّدِ، تَخُورُ القُوَى وَتَفتُرُ العَزَائِمُ، وَيَظهَرُ الكَلالُ وَيَدِبُّ إِلى النُّفُوسِ المَلالُ، وَمَا هَكَذَا يَنبَغِي أَن يَكُونَ المُؤمِنُ، كَيفَ وَقَد قَالَ اللهُ - تعالى -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ) فَطَرِيقُ الفَلاحِ فِيهِ مِنَ الطُّولِ مَا فِيهِ، وَيَعتَرِي سَالِكَهُ مِنَ التَّعَبِ مَا يَعتَرِيهِ، وَقَد حُفَّتِ الجَنَّةُ بِالمَكَارِهِ، وَمَن بَعُدَت عَلَيهِ الشُّقَّةُ وَاستَهوَتهُ الأَعرَاضُ القَرِيبَةُ، تَقَاصَرَت هِمَّتُهُ دُونَ اتِّبَاعِ الهَادِي، وَتَخَلَّفَ عَن رَكبِ النَّاجِينَ، وَمِن ثَمَّ كَانَ لا بُدَّ مِن الصَّبرِ وَالمُصَابَرَةَ وَالمُرَابَطَةِ، وَإِتقَانِ العَمَلِ وَالإِحسَانِ وَالمُجَاهَدَةِ، وَبَذلِ الجُهدِ وَتَقوَى اللهِ قَدرَ الاستِطَاعَةِ، لَعَلَّ الفَلاحَ أَن يَكُونَ خَاتِمةَ العَبدِ وَثَمَرَةَ عَمَلِهِ، وَلَعَلَّ رَبَّهُ أَن يَرزُقَهُ مِن مَعِيَّتِهِ مَا يَتَقَوَّى بِهِ عَلَى طَاعَتِهِ وَيَهتَدِي بِهِ إِلى سُبُلِ مَرضَاتِهِ (إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا وَالَّذِينَ هُم مُحسِنُونَ) (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهدِيَنَّهُم سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ المُحسِنِينَ) ثُمَّ إِنَّ رَمَضَانَ -أَيُّهَا المُسلِمُونَ-، لم يَكُنْ لَدَى أُمَّةِ الإِسلامِ في يَومٍ مِنَ الأَيَّامِ شَهرَ كَسَلٍ وَلا مَوسِمَ بَطَالَةٍ، وَلا عَرَفَ الأَسلافُ فِيهِ الخُمُولَ وَلا الضَّعفَ وَلا الوَهْنَ، وَلا استَسلَمُوا فِيهِ وَلا استَكَانُوا، ذَلِكُم أَنَّ هَذَا الشَّهرَ الكَرِيمَ كَانَ مَولِدَ الإِسلامِ وَمَشرِقَ نُورِهِ، وَفِيهِ بَعَثَ اللهُ مُحَمَّدًا - صلى الله عليه وسلم - بِالهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ، وَلِيُخرِجَ بِهِ النَّاسَ مِن ظُلُمَاتِ الشِّركِ وَأَسرِ الهَوَى، إِلى نُورِ الإِيمَانِ وَسَعَةِ الهُدَى، وَيَشهَدُ التَّأرِيخُ الإِسلامِيُّ المَجِيدُ أَنَّ كَثِيرًا مِنَ المَعَارِكِ الفَاصِلَةِ الَّتي انتَصَرَ فِيهَا المُسلِمُونَ عَلَى أَعدَائِهِم، وَأَنَّ عَدَدًا مِن تِلكَ الفُتُوحِ الَّتي فَرَّقَت بَينَ الحَقِّ وَالبَاطِلِ، وَأَنَّ تَحطِيمَ أَكبَرِ الأَصنَامِ وَإِرغَامَ أُنُوفِ أَلَدِّ الأَعدَاءِ، كَانَ في شَهرِ رَمَضَانَ، في رَمَضَانَ يَومُ الفُرقَانِ، يَومَ التَقَى الجَمعَانِ، ثَلاثُ مِئَةٍ وَبِضعَةَ عَشَرَ رَجُلاً مِنَ المُوَحِّدِينَ الصَّابِرِينَ، يَهزِمُونَ أَلفًا مِنَ المُشرِكِينَ بِإِذنِ اللهِ، لِيَثبُتَ أَنَّ النَّصرَ لَيسَ بِالعَدَدِ الكَثِيرِ وَلا بِالسِّلاحِ الوَفِيرِ، وَلَكِنَّهُ ثَمَرَةُ إِخلاصٍ مَقرُونٍ بِجَمِيلِ تُوَكُّلٍ عَلَى اللهِ وَصِدقِ التِجَاءٍ إِلَيهِ، وَفي رَمَضَانَ جَاءَ نَصرُ اللهِ وَكَانَ فَتحُ مَكَّةَ، فَجَاءَ الحَقُّ وَزَهَقَ البَاطِلُ، وَتَهَاوَت أَنصَابُ الشِّركِ وَطُهِّرَ البَيتُ الحَرَامُ مِنَ الرِّجسِ، وَفي رَمَضَانَ رَجَعَ المُسلِمُونَ مِن غَزوَةِ تَبُوكَ بَعدَ مَوَاقِفِ بَذلٍ مَشهُودَةٍ وَمَقَامَاتِ صِدقٍ رَائِعَةٍ، وَفِيهِ دَخَلَ المُسلِمُونَ الأَندَلُسَ لِيُقِيمُوا فِيهَا الإِسلامَ أَكثَرَ مِن خَمسَةِ قُرُونٍ، وَفي رَمَضَانَ فُتِحَت عَمُّورِيَّةُ استِجَابَةً لِصَرخَةِ امرَأَةٍ مَكلُومَةٍ، وَفي رَمَضَانَ انتَصَرَ المُسلِمُونَ عَلَى التَّتَارِ في مَعرَكَةِ عَينِ جَالُوتَ، وَفِيهِ - عَلَى خِلافٍ بين المُؤَرِّخِينَ - وَقَعَت مَعرَكَتَا الزّلاقَةِ وَبَلاطِ الشُّهَدَاءِ.
نَعَم - أَيُّهَا المُسلِمُونَ -، لَقَد كَانَ رَمَضَانُ مَولِدًا لِلإِسلامِ ومُبتَدَأَ نَصرٍ لِلمُسلِمِينَ، وَمَشرِقَ فَتحٍ مُبِينٍ وَمِفتَاحَ مَجدٍ كَرِيمٍ؟ فِيهِ انتَصَرُوا عَلَى الطُّغَاةِ المُعتَدِينَ، وَفيهِ أَذَلُّوا الجَبَابِرَةَ المُشرِكِينَ؟ وَفِيهِ هُدِمَ هُبَلُ وَمَعَهُ أَكثَرُ مِن ثَلاثِ مِئَةٍ وَسِتِّينَ صَنَمًا حَولَ الكَعبَةِ المُشَرَّفَةِ، وَفِيهِ بَعثَ الرَّسُولُ - صلى الله عليه وسلم - خَالِدَ بنَ الوَلِيدِ لِيَهدِمَ العُزَّى فَهَدَمَهَا، وَفِيهِ بَعثَ عَمرَو بنَ العَاصِ لِيَهدِم سُوَاعًا فَهَدَمَهُ، وَفِيهِ بَعَثَ سَعدَ بنَ زَيدٍ لِيَهدِمَ مَنَافًا فَهَدَمَهُ.
وَللهِ في تَقدِيرِ كُلِّ تِلكَ الانتِصَارَاتِ وَالفُتُوحَاتِ الحِكمَةُ البَالِغَةُ، وَإِنَّهَا لإِشَارَاتٌ بَالِغَةٌ وَدُرُوسٌ لِلمُسلِمِينَ عَظِيمَةٌ، تَبقَى مُعتَبَرًا في كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ وَفي كُلِّ عَصرٍ وَمِصرٍ، تَفهَمُهَا الأَجيَالُ لاحِقًا بَعدَ سَابِقٍ، وتَستَلهِمُهَا النُّفُوسُ خَلَفًا بَعدَ سَلَفٍ، لِيُوقِنَ المُسلِمُونَ أَنَّ شهَرَهُم شَهرُ جِدٍّ لا شَهرَ كَسَلٍ، وَشَهرُ عَطَاءٍ وَإِقدَامٍ لا شَهرَ بَخلٍ وَنُكُوصٍ، وَشَهرُ انتِصَارٍ وَعِزٍّ لا شَهرَ هَزِيمَةٍ وَذُلٍّ، وَشَهرُ وُضُوحٍ وَفُرقَانٍ لا شَهرَ مُصَانَعَةٍ وإِدهَانٍ، فَلا يَذِلُّوا وَلا يُدَاهِنُوا، وَلا يَنهَزِمُوا أَمَامَ أَيِّ عَدُوٍّ وَلا يَقِفَ أَمَامَهُم أَيُّ صَنَمٍ، سَوَاءً هَوَى نَفسٍ كَانَ أَو دَاعِيَ شَهوَةٍ، أَو عَادَةً شَخصِيَّةً أَو عُرفًا اجتِمَاعِيًّا، أَو قُوَّةً مَادِّيَّةً بَاهِرَةً أَو تَقَدُّمًا حَضَارِيًّا سَاحِرًا، أَو دِعَايَاتٍ إِعلامِيَّةً مُضَلِّلَةً، أَو مَشَاهِدَ تَمِثِيلِيَّةً فَاتِنَةً.
إِنَّ رَمَضَانَ بِأَيَّامِهِ المُبَارَكَةِ وَلَيَالِيهِ المُشرِقَةِ كَانَ وَمَا زَالَ فُرصَةً لِلمُؤمِنِ الصَّادِقِ لِيُظهِرَ اعتِزَازَهُ بِدِينِهِ، وَلِيُعلِنَ اعتِدَادَهُ بِعَقِيدَتِهِ، وَلِيُنَادِيَ مُفتَخِرًا بِاتِّبَاعِهِ شَرِيعَةَ رَبِّهِ وَتَمَسُّكِهِ بِسُنَّةِ نَبِيِّهِ، وَلِيُعَلِّقَ قَلبَهُ وَقَالَبَهُ بِمَولاهُ - جل وعلا - وَحدَهُ دُونَ سِوَاهُ، وَلِيَنصُرَهُ - تبارك وتعالى - في أَوَامِرِهِ وَنَوَاهِيهِ، لِيَنصُرَهُ رَبُّهُ كَمَا وَعَدَهُ حَيثُ قَالَ: (إِن تَنصُرُوا اللهَ يَنصُرْكُم وَيُثَبِّتْ أَقدَامَكُم).
أَلا فَاتَّقُوا اللهَ أَيُّهَا المُسلِمُونَ، وَانَصُرُوهُ بِتَقدِيمِ مَا يُحِبُّهُ وَيَرضَاهُ عَلَى مَا تُحِبُّونَ وَتَشتَهُونَ، اُنصُرُوهُ بِنَصرِ الحَقِّ وَأَهلِهِ، بَل قَبلَ كُلِّ ذَلِكَ انتَصِرُوا عَلَى نُفُوسِكُمُ الَّتي بَينَ جُنُوبِكُم، انتَصِرُوا عَلَى شَهَوَاتِكُم ومَلَذَّاتِكُم، حَقِّقُوا العُبُودِيَّةَ التَّامَّةَ للهِ - سبحانه - وَالاستِسلامَ لَهُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، حَطِّمُوا الأَصنَامَ الَّتي في الصُّدُورِ؛ فَإِنَّهُ لا نَصرَ لِلأُمَّةِ وَلا غَلَبَةَ، وَلا عِزَّ لَهَا وَلا تَمكِينَ، إِلاَّ بِأَن يَنتَصِرَ أَفرَادُهَا عَلَى أَعدَائِهِمُ الدَّاخِلِيَّينَ وَيَهزِمُوهُم، مِن نُفُوسِهِمُ الأَمَّارَةِ بِالسُّوءِ، وَشَيَاطِينِ الإِنسِ وَالجِنِّ الَّذِينَ لا يَأَلُونَهُم خَبَالاً، أَمَّا أَن يَنهَزِمَ المُسلِمُونَ أَمَامَ هَوَى نُفُوسِهِم وَشُحِّهَا، وَيَستَسلِمُوا لِنَزَغَاتِ شَيَاطِينِهِم وَيُسَلِّمُوا لهمُ القِيَادَ، وَيَسقُطُوا في مَعرَكَةِ سَاعَةٍ أَو نِصفِ سَاعَةٍ أَو دَقَائِقَ مَعدُودَةٍ، يُوَاجِهُهُم فِيهَا مُمَثِّلُونَ طَائِشُونَ، ويَستَرِقُّهُم فِيهَا مُغَنُّونَ مَاجِنُونَ، فَيَطرَحُونَهُم أَرضًا يَضحَكُونَ وَيَستَهزِئُونَ بِدِينِهِم وَهُم سَامِدُونَ، أَو يُخلِدُوا لِلفُرُشِ وَيُقَدِّمُوا النَّومَ عَلَى الصَّلاةِ، أَو تُلهِيَهُم أَموَالُهُم وَأَولادُهُم عَن ذِكرِ اللهِ، فَمَا أَحرَاهُم حِينَئِذٍ أَن تَدُومَ هَزِيمَتُهُم وَتَظهَرَ إِهَانَتُهُم (وَمَن يُهِنِ اللهُ فَمَا لَهُ مِن مُكرِمٍ إِنَّ اللهَ يَفعَلُ مَا يَشَاءُ) وَ(مَن كَانَ يُرِيدُ العِزَّةَ فَلِلَّهِ العِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيهِ يَصعَدُ الكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالعَمَلُ الصَّالِحُ يَرفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُم عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ).
نَعَمْ - عِبَادَ اللهِ - لا عِزَّةَ إِلاَّ بِاللهِ، وَلا نَصرَ إِلاَّ مِن عِندِهِ، وَلا عِزَّةَ وَلا نَصرَ إِلاَّ بِالكَلِمِ الطَّيِّبِ وَالعَمَلِ الصَّالِحِ، هَذِهِ هِيَ العِزَّةُ الحَقِيقِيَّةُ وَالعُلُوُّ التَّامُّ وَالسُّلطَانُ القَاهِرُ، إِنَّهَا الاستِعلاءُ عَلَى شَهَوَاتِ النَّفسِ وَتَحطِيمُ أَصنَامِ الهَوَى وَالعَادَاتِ، والانفِكَاكُ مِن قُيُودِ الرَّغَبَاتِ وَالنَّزَعَاتِ، وَالتَّخَلُّصُ مِن ذُلِّ البُخلِ وَقَهرِ الشُّحِّ، إِنَّهَا خَشيَةٌ للهِ وَتَقوَى، وَمُرَاقَبَةٌ لَهُ في السِّرِّ وَالنَّجوَى، فَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ، أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ: (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمسِ إِلى غَسَقِ اللَّيلِ وَقُرآنَ الفَجرِ إِنَّ قُرآنَ الفَجرِ كَانَ مَشهُودًا * وَمِنَ اللَّيلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَن يَبعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحمُودًا * وَقُلْ رَبِّ أَدخِلْني مُدخَلَ صِدقٍ وَأَخرِجْني مُخرَجَ صِدقٍ وَاجعَلْ لي مِن لَدُنْكَ سُلطَانًا نَصِيرًا * وَقُلْ جَاءَ الحَقُّ وَزَهَقَ البَاطِلُ إِنَّ البَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا * وَنُنَزِّلُ مِنَ القُرآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحمَةٌ لِلمُؤمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالمِينَ إِلاَّ خَسَارًا).
الخطبة الثانية:
أَمَّا بَعدُ، فَأُوصِيكُم - أَيُّهَا النَّاسُ -، وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ - عز وجل – (يَا قَومِ إِنَّمَا هَذِهِ الحَيَاةُ الدُّنيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ القَرَارِ * مَن عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجزَى إِلاَّ مِثلَهَا وَمَن عَمِلَ صَالِحًا مِن ذَكَرٍ أَو أُنثَى وَهُوَ مُؤمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدخُلُونَ الجَنَّةَ يُرزَقُونَ فِيهَا بِغَيرِ حِسَابٍ).
أَيُّهَا المُسلِمُونَ، صُمتُم أَيَّامًا مَعدُودَاتٍ وَقُمتُم لَيَاليَ نَيِّرَاتٍ، وَذَهَبَ الظَّمَأُ وَابَتَلَّتِ العُرُوقُ وَثَبَتَ الأَجرُ إِن شَاءَ اللهُ، لَقَد قَدَّمتُم مَا قَدَّمتُم وَاجتَهَدتُم وَبَذَلتُم، وَذَهَبَ الكَثِيرُ وَلم يَبقَ إِلاَّ القَلِيلُ.
غَدًا تُوَفَّى النُّفُوسُ مَا كَسَبَت *** وَيَحصُدُ الزَّارِعُونَ مَا زَرَعُوا
إِن أَحسَنُوا أَحسَنُوا لأَنفُسِهِم *** وَإِن أَسَاؤُوا فَبِئسَ مَا صَنَعُوَا
أَيُّهَا المُسلِمُونَ، لَقَد كَانَ السَّلَفُ الصَّالِحُ يَجتَهِدُونَ في إِتمَامِ العَمَلِ وَإِكمَالِهِ وَإِتقَانِهِ، ثُمَّ يَهتَمُّونَ بَعدَ ذَلِكَ بِقَبُولِهِ وَيَخَافُونَ مِن رَدِّهِ، أَلا وَإِنَّ مِن إِتقَانِ العَمَلِ الحِرصَ عَلَى الإِحسَانِ في الخَوَاتِيمِ، فَكَيفَ إِذَا كَانَتِ الخَوَاتِيمُ هِيَ العَشرَ المُبَارَكَةَ الَّتي فِيهَا لَيلَةُ القَدرِ، العَشرُ الَّتي كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَجتَهِدُ فِيهَا مَا لا يَجتَهِدُ في غَيرِهَا، وَالَّتي كَانَ إِذَا دَخَلَت شَدَّ مِئزَرَهُ وَأَحيَا لَيلَهُ وَأَيقَظَ أَهلَهُ، لَقَد كَانَ - صلى الله عليه وسلم - يَخلِطُ العِشرِينَ بِصَلاةٍ وَنَومٍ، فَإِذَا دَخَلَتِ العَشرُ شَمَّرَ وَشَدَّ المِئزَرَ؛ وَمَا ذَاكَ إِلا لِعِلمِهِ بما في هَذِهِ العَشرِ مِنَ الأُجُورِ المُضَاعَفَةِ وَالحَسَنَاتِ المُتَكَاثِرَةِ، فَكَانَ لِهَذَا يَجتَهِدُ فِيهَا اجتِهَادًا عَظِيمًا وَيَتَفَرَّغُ لِلطَّاعَةِ تَفَرُّغًا تَامًّا، حَتَّى إِنَّهُ كَانَ يَعتَكِفُ فِيهَا فَيَلزَمُ المَسجِدَ وَيَقطَعُ العَلائِقَ بِالخَلائِقِ، كُلَّ هَذَا مِن أَجلِ أَن يُوَافِقَ لَيلَةَ القَدرِ، تِلكَ اللَّيلَةُ المُبَارَكَةُ الَّتي يَعدِلُ العَمَلُ فِيهَا عَمَلَ ثَلاثٍ وَثَمَانِينَ سَنَةً وَنَيِّفٍ، في الصَّحِيحَينِ عَن عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَت: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَعتَكِفُ العَشرَ الأَوَاخِرَ مِن رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللهُ، ثُمَّ اعتَكَفَ أَزوَاجُهُ مِن بَعدِهِ، وَفي صَحِيحِ مُسلِمٍ عَن أَبي سَعِيدٍ الخُدرِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - اعتَكَفَ العَشرَ الأَوَّلَ مِن رَمَضَانَ، ثُمَّ اعتَكَفَ العَشرَ الأَوسَطَ في قُبَّةٍ تُركِيَّةٍ عَلَى سُدَّتِهَا حَصِيرٌ، قَالَ: فَأَخَذَ الحَصِيرَ بِيَدِهِ فَنَحَّاهَا في نَاحِيَةِ القُبَّةِ، ثُمَّ أَطلَعَ رَأسَهُ فَكَلم النَّاسَ فَدَنَوا مِنهُ فَقَالَ: ((إِنِّي اعتَكَفتُ العَشرَ الأَوَّلَ أَلتَمِسُ هَذِهِ اللَّيلَةَ، ثُمَّ اعتَكَفتُ العَشرَ الأَوسَطَ، ثُمَّ أُتِيتُ، فَقِيلَ لي: إِنَّهَا في العَشرِ الأَوَاخِرِ، فَمَن أَحَبَّ مِنكُم أَن يَعتَكِفَ فَليَعتَكِفْ)) فَاعتَكَفَ النَّاسُ مَعَهُ... الحَدِيثَ.
وَقَد أَرشَدَ - صلى الله عليه وسلم - أُمَّتَهُ إِلى تَحَرِّي هَذِهِ اللَّيلَةِ وَالتِمَاسِهَا وَطَلَبِ مُوَافَقَتِهَا، في البُخَارِيِّ عَن عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَت: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((تَحَرَّوا لَيلَةَ القَدرِ في الوِترِ مِنَ العَشرِ الأَوَاخِرِ مِن رَمَضَانَ)) وَفي مُسلِمٍ عَنِ ابنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((التَمِسُوهَا في العَشرِ الأَوَاخِرِ - يَعني لَيلَةَ القَدرِ -، فَإِن ضَعُفَ أَحَدُكُم أَو عَجَزَ فَلا يُغلَبَنَّ عَلَى السَّبعِ البَوَاقِي)) أَلا فَاتَّقُوا اللهَ - أَيُّهَا المُسلِمُونَ -، مَا استَطَعتُم، وَقَدِّمُوا لأَنفُسِكُم خَيرَ مَا تَجِدُونَ، فَإِنَّ اللهَ لا يَمَلُّ حَتى تَمَلُّوا


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 77.97 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 76.26 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (2.20%)]