|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() أطوار الاجتهاد الفقهي (1-3) د.عبد الله الزايد توطئة إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه, ونستغفره ونتوب إليه, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ومن نزغات الشياطين, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد, فإنه لمن دواعي رغبتي في الكتابة أن أتقدم ببحثي هذا إلى مجلة البحوث الإسلامية التي تصدر عن الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد, فلها قيمتها العلمية الخاصة بين طلاب العلم ومحبي المعرفة ورواد البحث, أو أنه يجب أن تكون لها هذه المنزلة لديهم, وأرجو أن يكون هذا البحث مما يجدر أن تضمه هذه المجلة الرائدة. وقد اشتمل البحث على أطوار الاجتهاد من عهد الصحابة - رضوان الله عليهم - إلى ما بعد عهود التابعين - رحمهم الله - وقد راعيت فيه أن يكون متمشياً مع كل الأطوار التي استدعت ما يناسبها من الاجتهاد، وقد حاولت أن يستنتج القارئ بنفسه في كثير من فصول البحث الفرق بين أطوار الاجتهاد, وسيجد ذلك واضحاً في الفرق بين اجتهاد الصحابة رضوان الله عليهم, وبين اجتهاد من جاء بعدهم, وهكذا الفرق بين اجتهاد التابعين وبين اجتهادات غيرهم. وإلى جانب ذلك سيجد القارئ الكريم تراجم للأعلام الذين جاء ذكرهم في البحث أو أكثرهم. وأرجو أن يمنَّ الله بفرصة أستطيع أن أواصل فيها البحث عن أهم أبواب الأصول, وأكثرها صلة بحياة الناس وإفادة الباحثين وطلاب المعرفة, والله يقول الحق وهو يهدي السبيل. وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه في البدء وفي الانتهاء وسلم. الطور الأول من أطوار الاجتهاد في عهد الخلفاء الراشدين: إن مما لا جدال فيه أن مصدر التشريع في عصر النبوة كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم, وأن الرسول - عليه الصلاة والسلام - كان موئل الاستفتاء والاستقصاء, فلما لحق بربه - عز وجل - وانقطع الوحي بذلك انقلبت قيادة الأمة في أمور الدنيا والدين إلى خلفائه الراشدين, وكبار الصحابة فاضطلعوا بهذه المهمة, ونهضوا بأعبائها على خير وجه, كيف لا وقد استفادوا من صحبته - صلى الله عليه وسلم - وعلوا بعد أن نهلوا من مجالستهم إياه سفراً وحضراً, سلماً وحرباً ما أكسبهم الذوق التشريعي السليم حين تعرض عليهم الحوادث, فيزنونها بميزان الشرع, ولهذا كان حكمهم أصح من أحكام غيرهم, ذلك بالإضافة إلى ما قد رباهم النبي - صلى الله عليه وسلم - تربية تشريعية محكمة يشاهدونه وهو يجتهد في حادثة ؛ لأنها تشتمل على وصف كذا, ويرون تطبيقه لأحكام القرآن في غير ما حادثة, والقرآن قد ينزل على سبب فيطبق على سببه وعلى غيره, كل ذلك أكسبهم هذا الذوق وصدق التقدير الشرعي فيما لم ينص على حكمه. ولقد دفعتهم سرعة الأحداث ومجريات الأمور إلى ولوج باب الاجتهاد، والتصدي للفتوى ببصيرتهم النافذة, فلم تمض لحظات على وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى خطب أبو بكر في الناس يفتيهم في أمرهم, ويوضح لهم ما ينبغي أن تكون عليه الحال بعد أن اختلفت وجهات القوم وكاد يتفاقم الأمر فيما بين المسلمين، فكان لكلامه بين الناس الواقع الجميل، وللفتاته على النفس برد وسلام ردهم إليه به من هويات كادت تعصف بالأمة في أودية من الخلاف, الذي ما إن ينشب بمخلب واحد حتى يمزق الأمة, كما حصل في عهود الخلاف والتفرق. أولم يكن الصديق رضي الله عنه صاحب الموقف الأول، ذلك الموقف الإيجابي البديع حين ترامى إلى مسامع الناس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد بكت على وفاته السماء والأرض, وقال قائلهم: إنه لم يمت. وهدد آخر بقوله: من قال إن محمداً مات فلأفعلن به ولأفعلن. فقال الصديق رضي الله عنه: من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات, ومن كان يعبد الله فإنَّ الله حي لا يموت. وتلا قوله تعالى رضي الله عنه: { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ } (سورة آل عمران الآية 144). وما إن استقر أمر الخلافة حتى واجهتهم المهمة الشاقة باتساع الفتوحات, وامتداد نفوذ المسلمين إلى ما وراء الجزيرة إلى مصر والشام وفارس والعراق، حتى دخل الناس في دين الله أفواجا, وانضوت أمم وشعوب مختلفة تحت راية الإسلام, ولا بد أن لهذه الشعوب من العادات والأعراف والنظم الاجتماعية والاقتصادية وسائر أمور تعاملهم في الحياة ما هو غريب على عهد المسلمين الذين فتح الله على أيديهم هذه الأمصار والأقاليم. فتطلب الأمر من المجتهدين البحث عن أحكام شرعية لتلك الأمور حتى يقام منهج الله, وغني عن القول إنه لم ينص على أشخاص الحوادث لا في الكتاب العزيز ولا في السنة المطهرة, فكان لزاماً عليهم أن يجتهدوا في تطبيق القواعد الكلية المقررة لنص من الكتاب والسنة على أشخاص هذه الحوادث الطارئة عليهم, فبذلوا قصارى جهدهم ووقفوا نشاطهم على استنباط أحكام ما جد من مسائل دون أن يتجاوزوها إلى الافتراضيات. وكان اجتهاد الصحابة - رضي الله عنهم - بمعناه الواسع, فقد نظروا في دلالة النصوص, وقاسوا واستحسنوا إلى غير ذلك من العمل بالأمارات وقرائن الأحوال, إلا أنهم كانوا يطلقون كلمة الرأي على ما يراه القلب بعد فكر وتأمل وطلب لمعرفة وجه الصواب فيما تتعارض فيه الأمارات. وإذ هم يستعملون الرأي بمعناه الواسع لم يكونوا ليطلقوا على أضرب الاجتهاد مصطلحاته الأصولية التي عرفت فيما بعد, كالاستحسان والمصالح المرسلة, والقياس بأنواعه, وقاعدة سد الذرائع, وعموم البلوى ونحو ذلك. وقد كان الاجتهاد في هذا العصر- كما أشرنا - مقصوراً على استنباط الأحكام لما هو واقع, دون أن يلجأوا إلى الافتراضات, فلم يكونوا يفترضون مسائل لم تقع ثم يبحثون عن حكمها, كما سيأتي فيمن بعدهم. وقد روي عن بعض الصحابة نهي الناس عن الخوض فيما لم يقع, ومن ذلك ما روي عن زيد بن ثابت (هو زيد بن ثابت بن الضحاك الأنصاري الخزرجي النجاري - أي: من بني النجار, وكنيته أبو سعيد - شهد أحداً والخندق وكان فيمن حفره, وقد أثنى عليه الرسول، وفي غزوة تبوك سلم إليه الرسول راية بني مالك بن النجار بعد أن أخذها من عمارة بن حزم, واستخلفه عمر على المدينة ثلاث مرات، كما استخلفه عثمان. هو الذي استدعاه أبو بكر وأمره بتتبع القرآن وجمعه, ففعل. من الفتح المبين 1 \ 79) رضي الله عنه, أنه كان إذا استفتي في مسألة سأل عنها, فإن قيل له: وقعت. أفتى فيها, وإن قيل له: لم تقع. قال: دعوها حتى تكون. ويروى مثل ذلك عن عمر رضي الله عنه (ارجع إلى إعلام الموقعين إن شئت 1 \ 69 وما بعدها, ونشأة الفقه لمحمد السايس ص24). أسباب ترك الصحابة الافتراض في الأحكام: لم يترك الصحابة رضي الله عنهم افتراض المسائل وتقدير أحكامها لأنهم منصرفون عن ذلك بجهاد أو غيره. إذ العلم من الجهاد بل من أعظم الجهاد, وإذا دعت الحاجة إليه فلا ينبغي أن يشغل عنه شاغل, ولكن حقيقة تركهم تعود إلى أمرين مهمين: أحدهما: أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يسلك هذا المسلك, وهو المدرسة المعصومة التي تخرج فيها هؤلاء الصفوة. ولو سلك التشريع هذا المسلك- أعني الافتراض- لنتج عنه محذورات ثلاثة: المحذور الأول: أن هذا خلاف كون الشريعة جاءت أحكامها عامة كلية في غير ما تناولته وقت الوحي، أو المسائل التي لا يجوز فيها الاجتهاد. وقد تقرر أن الشريعة جاءت أحكامها كلية وعامة, بل حتى ما نزل به الوحي مفصلاً في حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم - من الأوامر والنواهي يعد كلياً بالنسبة لما بعد التشريع حين نزوله. المحذور الثاني: لو سلك التشريع هذا المسلك لكانت الشريعة غير ما قص الله علينا من أنه ما جعل علينا في الدين من حرج, ووجه الحرج هاهنا أن الصور لا نهاية لها إلا بقيام الساعة, وهذا أمر مستحيل عادة أن يتحمله جيل لكل الأجيال إلى ذلك الحين, ولكن الله عز وجل تكرم ولطف بأن جعل الشريعة يسراً لا حرج فيها, كما شرع تعالى لا تبديل لشرعه كما لا تبديل لخلقه. المحذور الثالث: لو سلك التشريع مسلك الافتراض لأدى بكثير من العقول إلى الفتنة التي جاءت الشريعة منقذة منها, والفتنة والكفر أو الحيرة التي أنقذ الله منها بهداه من شاء من عباده, وإنما الحيرة من دعوة الشيطان يستهوي بها إلى الضلال بعض الغاوين. ووجه ذلك أن كثيراً من الأمور التي تتناولها قواعد الشريعة الكلية وعموم أحكامها, لو ذكرت تفاصيلها للأجيال الأولى لأدت إلى ما قلنا, مع أنه لا حاجة إليهم بذكر التفاصيل، ويكفي من بعدهم وضع التقعيد العام الذي ينتظم حكم ما سيجد بينهم, ولنضرب لذلك مثلاً في الركوب وحمل الأثقال والمتاع والزينة, فإنه قد جد لهذه المرافق من أمور الناس من الطائرات السابحة في أجواء الفضاء على اختلاف أنواعها, ومن السفن الماخرة في عباب المحيطات كذلك, سواء منها ما يجري على متون البحار, أو يسير في قيعانها, ومن وسائط النقل البري المختلفة من حاملة ضخمة إلى (سيارة) لا تحمل إلا شخصين أو ثلاثة وتلك أمور تستدعي أحكاماً متعددة: 1 - من جهة حل ركوبها واستعمالها وقد جاء قوله تعالى: { وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } (سورة النحل الآية 5) { وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ } (سورة النحل الآية 6) { وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ } (سورة النحل الآية 7) { وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ } (سورة النحل الآية 8). فجملة: { وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ } (سورة النحل الآية 8) تنتظم جميع هذه الوسائل وغيرها مما هو في علمه تبارك وتعالى. 2 - ومن جهة الأحكام المتعلقة بالسفر والترخص بقصر الصلاة الرباعية والفطر في رمضان, فقد جاءت أحكام ذلك صالحة لكل سفر سواء ما كان معروفاً في زمن الوحي أو في زمننا هذا, إذ لم تحدد بمسافة بل جيء بما يصلح لكل زمان من إطلاق اسم السفر دون إشارة إلى ذكر آلات السفر. فلو ذكرت هذه على وجه التفاصيل لعاش كثير من الناس في صراع مع الحيرة داخل أعماق نفوسهم إذ العقل لا قبل له بتسليم هذه الأشياء إلا في عالم الذهنيات إلا أن يكون قد بلغ في الإيمان مبلغ أبي بكر وعمر ونحوهما. ولأدت هذه الحيرة إلى اهتزاز الإيمان في النفس والبعد كثيراً عن الإيمان بالله ورسوله بعد أن دخلوا فيه دون أن يكون ثمة داع إلى إقحام العقول في مثل هذه الورطة, وإنك لترى التشريع ينحو هذا النحو حتى عند تطلع الصحابة إلى معرفة بعض أمور لا حاجة إليها سوى المعرفة بحقيقتها, ومن ذلك ما قيل في سبب نزول قوله تعالى: { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ } (سورة البقرة الآية 189). فقد ذكر القرطبي أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح (بفتح فسكون) الأنصاري الخزرجي الأندلسي القرطبي المفسر, كان من عباد الله الصالحين والعلماء العارفين الورعين, الزاهدين في الدنيا المشغولين بالآخرة, سمع من الشيخ أبي العباس أحمد بن عمر القرطبي بعض شرحه (المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم), وحدث عن الحافظ أبي علي الحسن بن محمد بن محمد البكري, وحدث أيضا عن الحافظ أبي الحسن علي بن محمد بن علي بن حفص اليحصبي وغيرهما, وقد جمع في تفسير القرآن كتاباً كبيراً سماه: (الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمن من السنة وآي الفرقان) وهو من أجل التفاسير وأعظمها نفعاً, أسقط منه القصص والتواريخ وأثبت عوضها أحكام القرآن, واستنباط الأدلة وذكر القراءات والإعراب والناسخ والمنسوخ, وهو مطبوع متداول الآن بين الناس, وله كتاب الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى, وله تواليف وتعاليق مفيدة غير هذا, وكان مطرحاً للتكلف يمشي بثوب واحد وعلى رأسه طاقية, وكان مستقراً بمنية ابن خصيب وتوفي ودفن بها سنة 671 هـ رحمه الله تعالى. مقدمة الطبعة الثانية لكتاب الجامع لأحكام القرآن عن الديباج المُذَهَّب في معرفة أعيان علماء المَذْهَب لابن فرحون ونفح الطيب) في تفسيره أن معاذا (معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس الأنصاري الخزرجي ويكنى بأبي عبد الرحمن, صحابي جليل, أسلم وهو شاب, وشهد المشاهد كلها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - امتدحه الرسول بأنه أعلم المسلمين بالحلال والحرام, وهو من الأربعة الذين حفظوا القرآن على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد بعثه الرسول - صلى الله عليه وسلم - في السنة العاشرة قاضياً ومُعَلِّماً لأهل اليمن, وكان يرى الاجتهاد بالرأي عند عدم وجود نص من الكتاب والسنة وقد أقره الرسول على ذلك, وما زال باليمن قاضياً حتى توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعاد إلى المدينة, والتحق بجيش أبي عبيدة في غزوة بلاد الشام. وقد روى عنه كثير من الصحابة منهم عمر وابنه عبد الله وأنس بن مالك وتوفي رضي الله عنه سنة 18 هـ وعمره ثمان وثلاثون سنة. ودفن بناحية شرق الأردن وقال فيه عمر ''عجزت النساء أن يلدن مثل معاذ, ولولا معاذ لهلك عمر''. وهو الذي روى الحديث المشهور في اتجاه الرأي. من الفتح المبين 1 \ 61) رضي الله عنه قال: يا رسول الله, إن اليهود تغشانا ويكثرون مسألتنا عن الأهلة ؟ فما بال الهلال يبدو دقيقاً, ثم يزيد حتى يستوي ويستدير, ثم ينتقص حتى يعود كما كان ؟ فأنزل: { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ } (سورة البقرة الآية 189) الآية. وقيل: إن سبب نزولها سؤال قوم من المسلمين النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الهلال وما سبب محاقه (المحاق يقال بكسر الميم وفتحها وضمها وهو استرار القمر ليلتين فلا يرى غدوة ولا عشية) وكماله ومخالفته لحال الشمس قاله ابن عباس وقتادة والربيع وغيرهم (الجامع لأحكام القرآن 2 \ 341). وقال العوفي: عن ابن عباس, سأل الناس رسول صلى الله عليه وسلم عن الأهلة, فنزلت هذه الآية: { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ } (سورة البقرة الآية 189) يعلمون بها حل دينهم وعدة نسائهم ووقت حجهم (تفسير ابن كثير 1 \ 225). فإن الحاجة داعية إلى معرفة ما أجيبوا به لا ما سألوا عنه. ولقد كان من طبع اليهود كثرة المسائل التي تورث الاختلاف منهم على أنبيائهم, وقد نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصحابة عن ذلك بقوله عليه السلام «إنما أهلك من كان قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم» (صحيح البخاري الاعتصام بالكتاب والسنة (6858),صحيح مسلم الفضائل (1337),سنن الترمذي العلم (2679),سنن النسائي مناسك الحج (2619),سنن ابن ماجة المقدمة (2),مسند أحمد بن حنبل (2/508). فاليهود في هذه الأمة - عليهم لعنة الله - أرادوا أن يشغلوا المسلمين بما ارتكسوا فيه من الشغب والتفرق عن الحق والمعاندة للرسل, فحمى الله صدر هذه الأمة ؛ لأنه المثال الخير لكل القرون بعده. وكان من تلك الحماية هذا المسلك الرائد إلى الهدى على يد معلم الهدى - صلى الله عليه وسلم - حتى لا تضل القرون وتهلك الأمة في متاهات الحيرة والتشكك. وقد جنت الأمة بعد الجيل الأول من ثمار هذه التربية خيراً كثيراً بما هيئ لهم من فرض الاجتهاد وترك تنزيل الأحكام على الحوادث، رهناً باجتهاد ذوي الاجتهاد في كل بلد بما يناسب الحال في إطار الشريعة الإسلامية السمحة فيما لا نص فيه من كتاب أو سنة. يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |