|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() حكم الاختلاط وحقيقته إن الحمد لله نحمد ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله, صلوات الله وسلامه وبركاته عليه وعلى اله وأصحابه وأتباعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فاتقوا الله - عباد الله – فإنّ تقوى الله خير زاد ليوم المعاد (وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى) [البقرة : 197] أيها الإخوة في الله: تعدُّ مسألة (الاختلاط) من المسائل التي تأتي على رأس أولويات التيار التغريـبـي المنافق في بلاد المسلمين؛ إذ أنها تسهل له مهمته القائمة على سلخ المجتمع المسلم من دينه وأخلاقه، وجعله مجرد تابع ذليل للغرب, يشكلونه كيفما شاءوا, ويغرقونه من خلال هذا (الاختلاط) في الشهوات المحرمة التي تزيد من تقييده وتبعيته وانصرافه عن عوالي الأمور. وهذا الطابور الخامس من أذناب الغرب لدينا قد حقق شيئاً مما يريد في مجتمعات إسلامية كثيرة بعد معارك وصراعات مع أهل الإسلام، ولا زال - أركسه الله - يطمع بالمزيد([1]). وَلَمَّا ارتَعَدَت في بِلادِنَا أُنُوفُ الغَيُورِينَ وَتَعالَت أَصوَاتُ المُصلِحِينَ، وَحَشَدَ النَّاصِحُونَ الأَدِلَّةَ عَلَى تَحرِيمِ الاختِلاطِ وَأَنكَرُوهُ؛ نُصحًا لِلأُمَّةِ، وَحَذَّرُوا مِنهُ وَجَلَّوا آثَارَهُ وَأَظهَرُوا عَوَارَهُ؛ إِبرَاءً لِلذِّمَّةِ - لم يَجِدْ هَؤُلاءِ المُحَرِّفُونَ لِلكَلِمِ عَن مَوَاضِعِهِ إِلاَّ أَن يَدَّعُوا أَنَّ الاختِلاطَ مُصطَلَحٌ مُبتَدَعٌ مُختَرَعٌ، لا أَصلَ لَهُ في الإِسلامِ وَلا ذِكرَ لَهُ لَدَى الفُقَهَاءِ.(2) أَيُّهَا المُسلِمُونَ: إِنَّ اختِلاطَ الرِّجَالِ وَالنَّسَاءِ الَّذِي يُحَاوِلُ المُنَافِقُونَ, وَمَنِ انخَدَعَ بِمَقُولاتِهِم أَن يُشَوِّشُوا عَلَى النَّاسِ بِمُنَاقَشَتِهِ عَلَى أَنَّهُ مُصطَلَحٌ لا أَسَاسَ لَهُ في الشَّرعِ، إِنَّهُ لأَمرٌ حَرَّمَهُ العُلَمَاءُ المُحَقِّقُونَ؛ لِمَا يَؤُولُ إِلَيهِ مِنَ الخَلوَةِ المُحَرَّمَةِ قَطْعًا، وَإِنَّ المُتَأَمِّلَ بِشَيءٍ مِنَ الإِنصَافِ في الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، المُتَضَلِّعَ بِفِقهِ المَقَاصِدِ وَالمَآلاتِ - لَيُدرِكُ في وُضُوحٍ وَيُسرٍ حِرصَ الإِسلامِ عَلَى إِبعَادِ الجِنسَينِ غَيرَ المَحَارِمِ عَن بَعضِهِمَا، وَأَنَّهُ لا يُحَبِّذُ الاختِلاطَ مَا لم تَفرِضْهُ الضَّرُورَةُ المُلِحَّةُ وَبِقَدرِهَا. لقد أمر الله المؤمنين عند النزاع بالرجوع إلي الكتاب والسنة, وجَعَل ذلك ميزانا للإيمان (فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) [النساء : 59] أيها الإخوة الكرام : قد دلت الكتاب والسنة على منع الاختلاط بين الجنسين وتحريمه, وتحريم جميع الوسائل المؤدية إليه. فمن أدلة الكتاب ما جاء في أمر المرأة بالقرار في البيت، وعدم الذهاب بداءة إلى أماكن وجود الرجال، قال تعالى: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى) [الأحزاب : 33]، حيث أمر سبحانه بالقرار في البيوت؛ لما في ذلك من صيانتهن وإبعادهن عن وسائل الفساد؛ لأن الخروج لغير حاجة قد يفضي إلى شرور عدة: كالتبرج والخلوة بالأجنبي. وأمر الله نبيّه محمدا صلى الله عليه وسلم بأن يأمر أزواجه وبناته وعامة نساء المؤمنين بستر أجيامهن؛ وعلل بأن ذلك علامة على حشمتهنّ, فيمتنع الرّجال من إيذائهنّ، قال جلّ شأنه: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ) [الأحزاب: 59]، فإذا كان الأمر بهذه المثابة, فما بالك بنـزولها إلى ميدان الرجال, واختلاطها معهم, وإبداء حاجتها إليهم بحكم الوظيفة، والتنازل عن كثير من أنوثتها لتنـزل إلى مستواهم، وذهاب كثير من حيائها؛ ليحصل بذلك الانسجام بين الجنسين المختلفين معنى وصورة؟!. وأمر الله سبحانه المؤمنين بغضّ أبصارهم وحفظ فروجهم عن النساء من غير المحارم، وأمر المؤمنات بغضّ أبصارهنّ وحفظ فروجهن عن الرجال الأجانب ، وهذان الأمران يتضمّنان تحريم الاختلاط بطريق الأَوْلَى؛ إذ الاختلاط يستلزم النظر المحرم، وهو سبيل إلى الزنا، فقال سبحانه: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ)[النور :30،31], فلو كان الاختلاط سائغا في الشرع لكان في هذه الأوامر الربانية تكليف للعباد بما لا يطيقون؛ إذ كيف تختلط المرأة بالرجل، وتجلس بجواره في العمل أو الدراسة، ولا ينظر كل واحد منهما للآخر وهما يتبادلان الأعمال والأوراق والدروس؟! وهكذا أمر الله المؤمنات بغضّ البصر, وحفظ الفرج, وعدم إبداء الزينة إلا ما ظهر منها, وأمرهن الله بإسدال الخمار على الجيوب المتضمن ستر رأسها ووجهها؛ لأن الجيب محل الرأس والوجه، فكيف يحصل غضّ البصر وحفظ الفرج وعدم إبداء الزينة عند نزول المرأة إلى ميدان الرجال واختلاطها معهم في الأعمال، والاختلاط كفيل بالوقوع في هذه المحاذير، وكيف يحصل للمرأة المسلمة أن تغض بصرها وهي تسير مع الرجل الأجنبي جنباً إلى جنب؛ بحجة أنها تشاركه في الأعمال, أو الفتاة إلى جانب الشاب على مقاعد الدراسة؟!. والإسلام يحرم جميع الوسائل والذرائع الموصلة إلى الأمور المحرمة, ولذلك نجده حرم على النساء خضوعهن بالقول للرجال؛ لكونه يفضي إلى الطمع فيهن, كما في قوله تعالى: (فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ) [الأحزاب : 32]، يعني مرض الشهوة، فكيف يمكن التحفُّظ من ذلك مع الاختلاط؟!!. ومن أدلة الكتاب الدالة على تحريم الاختلاط قوله جلّ شأنه: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) [الأحزاب : 53]، فهذا يدل على أن سؤال أي شيء من النساء الأجنبيات إنما يكون من خلف ستر يستر الرجال عن النساء, والنساء عن الرجال. فلو كان الاختلاط بهنّ جائزاً – كما يقوله الجاهلة بشرع الله – لما كان للأمر بالسؤال من وراء الحجاب معنى!. إخوة الإسلام: وإلى جانب ما ذكرنا من أدلّة الكتاب، فقد جاءت السنّة أيضا بتحريم الاختلاط والتحذير منه أشد الحذر فمن الأحاديث الدالة على ذلك: فقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم أن خيرَ صفوف النساء أبعدها عن الرجال، وذلك إرشاد منه صلى الله عليه وسلم للنساء بأن يكنّ بمنأىً عن الرجال حتى في أداء أفضل فريضة فرضها الله، وهي الصلاة المكتوبة، فروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها"، وهذا مع أن المسلم في المساجد تضعف شهواته, وتخف وساوس الشيطان وإغوائه له, بل إن النبي صلى الله عليه وسلم خصّص للنساء بابًا في مسجده، ومنع الرجال من الدخول أو الخروج منه، فكيف في غير الصلاة, وفي غير مجتمع الصحابة الطاهر؟!! ولهذا قالت عائشة رضي الله عنها: " لو شهد النبي صلى الله عليه وسلم ما أحدثه النساء بعده؛ لمنعهن من الخروج للمساجد", فهذا كله مما يدل على ضرورة منع الاختلاط بين الجنسين في ميادين العمل وغيرها. ومما يدلّ على تحريم الاختلاط كذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم منع اختلاط الرجال بالنساء في الطريق أثناء خروجهم من المسجد، فعن أبي أسيد الأنصاري رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم - وهو خارج من المسجد فاختلط الرجال مع النساء في الطريق - يقول للنساء: " استأخرن فإنه ليس لَكُنَّ أن تحققن الطريق( أي: تمشين في وسطه), عليكن بحافات الطريق, فكانت المرأة تلتصق بالجدار حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به"رواه أبو داود، وهذا مع ان هذا الاختلاط غير مقصود، وفي لحظات الخروج من المسجد، وعقب عبادة عظيمة، والرجال فيه والنساء من المصلين والمصليات، وهم وهن أقرب للتقوى، وأبعد عن الريبة، ومع هذا كله بادر النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإنكار، وأشار بما يحفظ وقوع ذلك في المستقبل. ومما يدل على استقرار هذا الحكم – أعني منع النبي صلى الله عليه وسلم اختلاط الرجال بالنساء أثناء الخروج من المسجد – في أذهان الصحابة ما روى البخاري عن أم سلمة رضي الله عنها: أن النساء في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كن إذا سلمن من المكتوبة قُمْن, وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن صلى من الرجال ما شاء الله, فإذا قام رسول الله صلى الله عليه وسلم قام الرجال", وذلك لأجل ألاّ يختلط الرجال بالنساء إذا انصرفوا في وقت واحد. وهذه– والله – من أكبر الأدلّة والبراهين على تحريم الاختلاط في الإسلام، فيا ليت يَعِيَهُ المرجفون. أيها المسلمون: ومما دل على تحريم الاختلاط ما روى الترمذيّ (1183) وغيره عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان، وأقرب ما تكون إلى ربها وهي في قعر بيتها", قال الهيثمي: " رجاله رجال الصحيح". قال الطِّيبي: "والمعنى المتبادر أنها ما دامت في خدرها لم يطمع الشيطان فيها وفي إغواء الناس، فإذا خرجت طمع وأطمع؛ لأنها حبائله وأعظم فخوخه"، وقال المنذري: فيستشرفها الشيطان " أي ينتصب ويرفع بصره إليها ويَهمُّ بها، لأنها قد تعاطت سبباً من أسباب تسلطه عليها، وهو خروجها من بيتها". ومن أدلة تحريم اختلاط المرأة بالرجال كذلك: أن جعل الشرع صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد، بل وضع عنها الجماعة لأسباب منها هذا المعنى وهو حفظها عن الخلطة بالرجال الأجانب، روى ابن خزيمة في صحيحه عن أم حميد الساعدية رضي الله عنها أنها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إني أحب الصلاة معك، فقال: "قد علمت أنك تحبين الصلاة معي، وصلاتكِ في بيتك خير لكِ من صلاتكِ في حجرتكِ، وصلاتكِ في حجرتكِ خير لك من صلاتكِ في داركِ، وصلاتكِ في داركِ خير لكِ من صلاتكِ في مسجد قومكِ، وصلاتكِ في مسجد قومكِ خير لكِ من صلاتكِ في مسجدي". فبيَّن النبي صلى الله عليه وسلم لهذه الصحابية أفضل مكان لأداء صلاتها فيه، فذكر لها بأن أفضل الرُّتب أن تصلّي بدارها؛ إذ أنه أشد الأماكن ستراً لها وبعداً عن مخالطة الرجال الأجانب, ثم بعد الدار مسجد قومها؛ لأنه أقرب المساجد إلى سكنها، والنـزول إليه لا يقتضي منها السير كثيراً، وبعد مسجد قومها يأتي مسجده صلى الله عليه وسلم، وهو أبعد فتضطر معه إلى السير لمسافة أطول، وحينئذ يكون استشراف الشيطان لها أطول مدة وأشد تمكيناً؛ ولذا نصحها صلى الله عليه وسلم بالصلاة في بيتها، ومنه يتبين حرص النبي صلى الله عليه وسلم على صيانة المرأة إلى هذا الحد الذي ليس وراءه ما بعده؛ لأنه مدرك لما ينتج عن خروجها من بيتها من أخطار على الفرد والأسرة والمجتمع. وإذا كان خروج المرأة الصالحة التقية للصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجده غير مستحب، فما القول في خروج النساء إلى الأندية, وميادين الدراسة والعمل, وساحات السياسة, ومسيرات الاحتجاج, وغيرها مما ينادي أصحاب هذه الدعوى إلى خروج المرأة المسلمة إليها ؟!!. أيها المسلمون: ومما يستدلّ به على تحريم الاختلاط: الأحاديث التي يحذر فيها النبي صلى الله عليه وسلم من الدخول على النساء والخلوة بهن، ومن ذلك: ما روى البخاري عن عتبة بن عامر رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إياكم والدخول على النساء، فقال رجل من الأنصار: أفرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت". الحمو: أقارب الزوج غير آبائه وأبنائه. وروى البخاري أيضاً عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله وعليه وسلم: " لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم". وعن عامر بن ربيعة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ألا لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان". رواه أحمد والترمذي. ومن المعلوم لكل مجرب أنه يستحيل التحرّز عن الوقوع فيما حذَّرت عنه هذه الأحاديث في تلك المجتمعات التي تجيز اختلاط الجنسين ببعضهما في ميادين العمل والتعليم ونحوها. معاشر المسلمين: ومن أدلة تحريم الاختلاط أيضا: الأحاديث التي تأمر بغض البصر، إذ ان الاختلاط مستلزم للنظر المحرم, عن جرير ابن عبد الله رضي الله عنه أنه قال: "سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظرة الفجأة، فأمرني أن أصرف بصري".رواه مسلم. وما روي عن بريدة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: " يا علي لا تتبع النظرة النظرة، فإن لك الأولى وليست لك الآخرة". روه أحمد وأبو داود وروى الإمام مسلمٌ عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال: " كان الفضل بن عباس رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءته امرأة من خثعم تستفتيه، فجعل الفضلُ ينظر إليها وتنظر إليه، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصرف وجهَ الفضل إلى الشقِّ الآخر". وكذلك ما روي عن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت: " كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده ميمونة، فأقبل ابن أم مكتوم، وذلك بعد أن أُمرنا بالحجاب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: احتجبا منه، فقلنا: يا رسول الله أليس أعمى لا يبصرنا ولا يعرفنا؟، فقال صلى الله عليه وسلم: أفعمياوان أنتما؟ ألستما تبصرانه". رواه أحمد وأبو داود والترمذي وقال: "حديث حسن صحيح". ومما لا شك فيه أنه لن يتسنى للرجال ولا للنساء غض البصر في ظل إباحة اختلاطهما ببعضهما في ميادين العمل والتعليم وغيرها, ولو كان ذلك بقصد تبليغ الدعوة الإسلامية. أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم الخطبة الثانية الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أنّ محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلّى الله عليه وعلى آله وصَحبه وإخوانه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا. معاشر المسلمين: نذكر موقف سلف هذه الأمة من الاختلاط, لقد فَقِهَ الصحابة رضوان الله تعالى عليهم الأدلة الشرعية الدالة على تحريم الاختلاط وامتثلوا لها، فاجتنبوا الاختلاط ومنعوه, وما نُقل عنهم في هذا الجانب يُثبت هذا ويقرره، ومن تلك المواقف: ما روى الشافعي في مسنده أن مولاةً لعائشة رضي الله عنها دخلت عليها، فقالت: " يا أم المؤمنين طُفْتُ بالبيت سبعاً, واستلمت الرُّكْنَ مرتين أو ثلاثاً، فقالت لها عائشة: لا آجركِ الله، لا آجركِ الله، تدافعين الرجال؟!!، ألا كَبَّرتِ ومررت". وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه شديد الغيرة على النساء، فهو الذي أشار على النبي صلى الله عليه وسلم بحجب نسائه فوافقه القرآن، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: قال عمر رضي الله عنه: قلت يا رسول الله: يدخل عليك البَرُّ والفاجر، فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب, فأنزل الله آية الحجاب"رواه البخاري، وكان رضي الله عنه "ينهى الرجال عن الدخول إلى المسجد من باب النساء". وقال الحافظ ابن حجر في الفتح: " نَهَى عُمَر أَنْ يَطُوف الرِّجَال مَعَ النِّسَاء، قَالَ: فَرَأَى رَجُلًا مَعَهُنَّ فَضَرَبَهُ بِالدِّرَّةِ ". معاشر المسلمين وموقف آخر لأمّ المؤمنين عائشة يبين امتناعها عن اختلاط الرجال حتى في الطواف، فقد أخرج البخاري عن عطاء قال: "لم يكن يخالِطْن(أيْ: النساء للرجال في الطواف)، كانت عائشة رضي الله عنها تطوف حَجْرة (أي ناحية) من الرجال لا تخالطهم ", وهذا يدل على حرص النساء في صدر الإسلام على عدم مزاحمة الرجال, أو الاختلاط بهم حتى في المطاف بالمسجد الحرام، هذا خلافا لمن يزعم ذلك ملبسا أو جاهلا. بل ومن أمهات المؤمنين من امتنعت عن التطوّع للحج والعمرة، لئلاّ ترى الرجال، ولا يراها الرجال، ذكر القرطبي في التفسير أنه قيل لسَوْدَة رضي الله عنها: " ألا تَحُجّين وتعتمرين كما يفعل أخواتك؟ فقالت: قد حججت واعتمرت فأمرني الله أن أقرَّ في بيتي. قال الراوي: فو الله ما خَرَجَتْ من باب حجرتها حتى أُخرجت جنازتها رضوان الله عليها". وكان السلف أحرص الناس على منع الاختلاط سواء في الأسواق أو المساجد أو الطرقات، وأثر عنهم الكثير في هذا الباب: فقد أُثر عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال مستنكراً اختلاط النساء بالرجال: " ألا تستحيون ألا تغارون أن يخرج نساؤكم؟، فإنه بلغني أن نساءكم يخرجن في الأسواق يزاحمن العُلوج". والعُلوج: جمع علْج، وهو الرجل من كفار العجم، أو الضخم القوي. وأُثر عن الزبير بن العوام رضي الله عنه أيضا: أن زوجته عاتكة بنت زيد شرطت عليه ألا يمنعها الخروج إلى المسجد فأجابها، فلما أرادت الخروج إلى المسجد للعشاء الآخر شق ذلك عليه ولم يمنعها، فلما عيل صبره خرج ليلة إلى العشاء وسبقها، وقعد لها على الطريق بحيث لا تراه، فلما مرت ضرب بيده على عَجُزها فنفرت من ذلك ولم تخرج بعدُ([30]). وروى الطبراني في الكبير (9475) عن أبي عمر الشّيْباني أنه رأى عبدَ الله بن مسعود يُخرج النساءَ من المسجدِ يوم الجمعة ويقول: " أُخرُجْنَ إلى بيوتكن فهو خير لكُنَّ ". وأخرج الطبراني أيضا(9480) عنه رضي الله عنه أنه قال –حاثاً المرأة على قرارها في بيتها-: " إنما النساء عورة، وإن المرأة لتخرج من بيتها وما بها بأس فيستشرفها الشيطان، فيقول: إنك لا تمرين بأحد إلا أعجبته، وإن المرأة لتلبس ثيابها، فيقال: أين تريدين؟، فتقول: أعود مريضاً، أو أشهد جنازة، أو أصلي في مسجد، وما عَبَدت امرأة ربها بمثل أن تعبده في بيتها". قال الهيثمي: " رجاله ثقات ". وبعد: أفبعد هذه النصوص المحكمة الواضحة يليق بالمؤمنين والمؤمنات أن يصدقوا أكاذيب أولئك القائلين بأن الإسلام لم يحرّم الاختلاط, ولم يمنعه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا صحابته الكرام؟!!، إن هذا إلا محض افتراء لا يُقبل صدوره من مسلم عنده أدنى فقه لنصوص الشريعة وأحكامها, ومعرفة لِسِيَر الصدر الأول للإسلام, لكن ماذا بعد الحق إلا الضلال؟! أَلا فَاتَّقُوا اللهَ -أَيُّهَا المُسلِمُونَ-: وَاعلَمُوا أَنَّ عُلَمَاءَ هَذِهِ البِلادِ وَغَيرَهُم مِنَ السَّابِقِينَ وَاللاَّحِقِينَ، قَد ذَكَرُوا الاختِلاطَ في كُتُبِهِم وَفَتَاوَاهُم، وَحَرَّمُوهُ وَحَذَّرُوا مِن مَغبَّتِهِ، فَلا يَغُرَّنَّكُم هَؤُلاءِ المَفتُونُونَ، القَائِلُونَ بِأَنَّ المَنهِيَّ عَنهُ إنَّمَا هُوَ الخَلوَةُ لا الاختِلاطُ، أَو أُولَئِكَ المُحتَجُّونَ بِمَا يَحصُلُ مِنِ اختِلاطٍ عَابِرٍ في الأَسوَاقِ أَو حَتى في الطَّوَافِ حَولَ الكَعبَةِ أَو عِندَ رَميِ الجِمَارِ، فَإِنَّ هَذَا وَإِنْ حَصَلَ فَهُوَ بِصُحبَةِ المَحرَمِ، وَفي حَالٍ مِنَ الزِّحَامِ وَالاشتِغَالِ بِالنَّفسِ، وَالقُلُوبُ إِذْ ذَاكَ مُتَعَلِّقَةٌ بِرَبِّهَا مُنهَمِكَةٌ بِعِبَادَتِهِ وَطَاعَتِهِ، فَهَل يُقَاسُ عَلَى مِثلِ هَذَا مَا يَدعُونَ إِلَيهِ مِنِ اختِلاطٍ مُقَنَّنٍ مُرَتَّبٍ لَهُ، يَحصُلُ بِشَكلٍ يَومِيٍّ وَفي وَقتٍ يَعرِفُهُ الجَمِيعُ، وَتَزُولُ فِيهِ الحَوَاجِزُ وَيُنزَعُ حِجَابُ الاغتِرَابِ وَيَتِمُّ الاقتِرَابُ، وَتُتَبَادَلُ فِيهِ الأَحَادِيثُ وَتَعلُو الضَّحَكَاتُ ؟! ثم اعلموا أن الله أمركم بالصلاة والسلام على نبيه الكريم, اللهمّ ارْضَ عن الصحابة أجمعين, والآل والتابعين, وعنا معهم يا أكرم الأكرمين, اللهم أعز الإسلام وأهله في كل مكان, اللهم من أراد الإسلام والمسلمين بسوء فأرْدِه بكيده, اللهم رحمتك بأمة محمد, اللهم رحمتك بإخواننا المستضعفين والمحاصرين في فلسطين والصومال والعراق وأخواتها. ____________ * هذه الخطبة مقتبسة مختصرة من بحث قيم للدكتور مفرح القوسي بعناية أبي عبد الرحمن, وبتطعيمات من خطبة: الاختلاط مصطلح مفقود أم حقيقة غائبة؟ للشيخ عبد الله البصري. ([1]) لمعرفة جهودهم الخبيثة الماكرة للوصول إلى هذا الأمر في مصر: يمكن الرجوع إلى كتاب "عودة الحجاب" للشيخ محمد بن إسماعيل، وكتاب "إهابة" للكاتبة عزيزة عباس عصفور –رحمها الله. أما في بلاد الشام فتراجع مطوية "هكذا بدأ الاختلاط" للشيخ علي الطنطاوي –رحمه الله-، إصدار دار القاسم. أما في الكويت فتراجع رسالة "معركة الاختلاط" للدكتور محمد جواد رضا. ([3]) ابن الجوزي –أحكام النساء ص 34. منقول
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |