|
ملتقى الشباب المسلم ملتقى يهتم بقضايا الشباب اليومية ومشاكلهم الحياتية والاجتماعية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() احفظوا الله بطاعته يحفظكم في دنياكم وأخراكم الشيخ فؤاد بن يوسف أبو سعيد إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومِن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]. ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ [النساء: 1]. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾. [الأحزاب: 70- 71] أما بعد؛ فإن أصدق الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار. أعاذنا الله وإياكم وسائر المسلمين من النار، ومن كل قول وعمل يقرب إلى النار، اللهم آمين. عباد الله؛ احفظوا الله بطاعته يحفظكم في دينكم ودنياكم وأخراكم، قال سبحانه: ﴿ لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ ﴾.[آل عمران: 111]، فلا تخافوا منهم لا يلحقكم ضرر، ولكن ربما يلحقكم بعض الأذى. وقال جل جلاله: ﴿ لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾. [آل عمران: 186] وقد ورد عند الترمذي والإمام الحاكم والإمام أحمد عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله تعالى عنهما قَالَ: (كُنْتُ خَلْفَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا) -أي راكبا خلف النبي صلى الله عليه وسلم على دابة- فَقَالَ: ("يَا غُلَامُ! إِنِّي مُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ؛ احْفَظْ اللهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظْ اللهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، تَعَرَّفْ إلَى اللهِ فِي الرَّخَاءِ، يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ، لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ، لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ، وَجَفَّتْ الصُّحُفُ، وَاعْلَمْ أَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ، وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يَسِّرَا"). [1] انظروا في هذا الحديث إلى تواضع النبي صلى الله عليه وسلم بركوبه على الدابة، وكانت والله أعلم حمارا أو بغلة. وكذلك في تواضعه وإرداف ابن عباس خلفه وهو في العاشرة من عمره، وانظروا إلى تربيتِه للصبيان والأطفال نتخذ في ذلك أدبا وعبرة، وانظروا حسنِ تعليمه: ("يَا غُلَامُ! إِنِّي مُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ؛ احْفَظْ اللهَ يَحْفَظْكَ")؛ أي: أن من حفظ الله؛ فكيف تحفظ الله يا عبد الله؟ وذلك بإقامة أوامره، وترك نواهيه، حفظه الله في الدنيا والآخرة، ويحفظه في صحة بدنه وقوته وعقله وماله ولسانه، وهاكم أمثلة لحفظ الله لمن حفظه: كان العبد الصالح أبو الطيب الطبري رحمه الله، قد جاوز المائة من السنين، وهو متمتع بعقله وقوته، وكافة حواسِّه، حتى أنه سافر ذات مرة مع رفقة له، فلما اقتربت السفينة من الشاطئ، وثب منها إلى الأرض وثبةً شديدة، عجز عنها بقية الذين كانوا معه على السفينة، فاستغرب بعضهم هذه القوة الجسدية التي منحها الله إياه؛ مع كبر سنه وشيخوخته! فقال لهم الطبري: (هذه جوارح حفظناها عن المعاصي في الصغر، فحفظها الله علينا في الكبر)[2]. وكان العبد الصالح شيبان الراعي رحمه الله [3] يرعى غنماً له في البرّيّة، فإذا جاءت الجمعة خطَّ عليها خطّاً، ثم ذهب وشهد الجمعة والخطبة مع جماعة المسلمين، ثم عاد إليها، فيجدها كما هي لم تتحرك منها شيء، ولم تجاوز الخطّ منها أية شاة، [4] فسبحان الحافظ المعين. وقال عروة بن الزبير: بلغت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما مائة سنة لم يسقطْ لها سنٌّ، ولم ينكَر لها عقل. [5] وقد يحفظ الله العبدَ بصلاحِه فيحفظه في ولده وولد ولده: كما قيل في قوله سبحانه وتعالى: ﴿ وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا ﴾ [الكهف: 82]؛ إنهما حُفظا بصلاح أبيهما. قال محمد بن المنكدر: إنّ الله ليحفظُ بالرجل الصالح ولدَه وولدَ ولدِه وقريتَه التي هو فيها، والدويراتِ التي حولها، فما يزالون في حفظِ الله وسترٍ[6]. ومن أنواع حفظ الله لمن حفظه في دنياه: أن يحفظَه من شرِّ كلِّ من يريده بأذى من الجن والإنس، كما قال سبحانه وتعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ﴾ [الطلاق: 2]، قالت عائشة: (يكفيه غَمَّ الدنيا وهمَّها)[7]. وكتبت عائشة رضي الله تعالى عنها إلى معاوية رضي الله عنه: (إن اتقيتَ اللهَ كفاكَ الناس، وإن اتقيت الناسَ لم يغنوا عنك من الله شيئاً)[8]. وكتب بعض السلف إلى أخيه: (فإنه من اتقى الله فقد حفظ نفسه، ومن ضيع تقواه فقد ضيع نفسه، والله الغني عنه)[9]. وقال ابن رجب رحمه الله: (ومن عجيب حفظ الله لمن حفظه أن يجعل الحيوانات المؤذية بالطبع حافظة له من الأذى؛ كما جرى لسفينة مولى النبي صلى الله عليه وسلم حيث كُسِرَ به المركب، وخرج إلى جزيرة فرأى الأسد، فجعل يمشي معه -هذا الأسد- حتى دلَّه على الطريق، فلما أوقفه عليها جعل يهمهم؛ كأنه يودِّعه ثم رجع عنه)[10]. فاحفظ الله يحفظك. ورؤي إبراهيمُ بن أدهم نائماً في بستان وعنده حَيَّةٌ في فمها طاقةُ نَرجِس، فما زالت تذبُّ عنه حتَّى استيقظ[11]. فاحفظ الله يحفظك. قال مسروق بن الأجدع: (من راقب الله في خطرات قلبه، عصمه الله في حركات جوارحه). [12] وقال سعيد بن المسيب لابنه: (لأزيدن في صلاتي من أجلك رجاء أن أُحفَظَ فيك، ثم تلا هذه الآية: ﴿ وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا ﴾ [الكهف: 82]. [13] ومن أعظم الحفظ؛ حفظُه -سبحانه و-تعالى لعبده في دينه، فيحفظ عليه دينه وإيمانه في حياته، من الشبهات المردية والشهوات المحرمة، ويحفظُ عليه دينه عند موته، فيتوفاه على -الإيمان و- الإسلام. ثبت في الصحيحين من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ("إِذَا أَوَى أَحَدُكُمْ إِلَى فِرَاشِهِ فَلْيَنْفُضْ فِرَاشَهُ بِدَاخِلَةِ إِزَارِهِ، فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِي مَا خَلَفَهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ يَقُولُ: بِاسْمِكَ رَبِّ وَضَعْتُ جَنْبِي وَبِكَ أَرْفَعُهُ، إِنْ أَمْسَكْتَ نَفْسِي فَارْحَمْهَا، وَإِنْ أَرْسَلْتَهَا فَاحْفَظْهَا بِمَا تَحْفَظُ بِهِ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ")[14]. وجاء في حديث عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه علمه أن يقول: (اللهم احفظني بالإسلام قائماً، واحفظني بالإسلام قاعداً، واحفظني بالإسلام راقداً)[15]. وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ودّع من يريد السفر يقول له: ("أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك"). [16] وكان عمر رضي الله عنه يقول في خطبته: (اللهم اعصمنا بحفظك، وثبتنا على أمرك). [17] وهذا كما حفظ يوسف عليه السلام قال: ﴿ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ﴾ [يوسف: 24]، فمن أخلص لله خلَّصه الله من السوء والفحشاء منها، من حيث لا يشعر، وحال بينه وبين أسباب المعاصي المهلكة[18]. وسمع عمر -بن الخطاب رضي الله عنه- رجلاً يقول: (اللهم إنك تحول بين المرء وقلبه، فحُل بيني وبين معاصيك)، فأعجب ذلك عمر ودعا له بخير[19]. راوَدَ رجلٌ امرأةً عن نفسها، وأمرها بغلق الأبواب -كلها- ففعلت -فغلُّقت-، وقالت له: (قد بقي باب واحد)، قال: (وأي باب هو؟!) قالت: (الباب الذي بيننا وبين الله!) فلم يتعرَّض لها[20]. وراودَ رجلٌ أعرابيَّة، قال لها: (ما يرانا إلا الكوكب)، قالت: (فأين مكوكبها؟!) وهذا كلُّه من ألطاف اللهِ -سبحانه وتعالى- وحيلولَتِه بين العبد ومعصيته[21]. ومن أنواع حفظ الله لعبده في دينه: أن العبد قد يسعى في سبب من أسباب الدنيا، إمَّا بالولايات والمناصب، أو يسعى بـالتجارات والصناعات أو غير ذلك، فيحول الله بينه وبين ما أراده؛ لما يعلم له من الخِيرة في ذلك وهو لا يشعر، مع كراهته لذلك. وأعجب من هذا أن العبد قد يطلب باباً من أبواب الطاعات، ولا يكون فيه خِيرة -عند الله-، فيحُوْل الله بينه وبينه صيانة له وهو لا يشعر. وكان بعض السلف يدور على المجالس ويقول: (من أحب أن تدوم له العافية فليتق الله). [22]، وقال بعضُ السلفِ: من اتقى اللَّهَ، فقد حفظَ نفسَهُ، ومن ضيَع تقواهُ، فقد ضيَّع نفسَهُ، واللهُ الغنيّ عنهُ[23]. إنَّ من لم يحفظ الله لم يحفظه الله. قال سبحانه وتعالى: ﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾. [الحشر: 19]، وقال سبحانه وتعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾. [الأعراف: 96]. عبدَ الله! (احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَك) أي: من حفظ حدود الله وراعى حقوقه، وجد الله معه في جميع الأحوال، يحوطه وينصره ويحفظه، ويوفقه ويؤيده ويسدِّده، فإنه قائم على كل نفس بما كسبت، وهو تعالى مع الذين اتقوا والذين هم محسنون. كتب بعض السلف إلى أخ له: (أما بعد؛ فإن كان الله معك فمن تخاف؟ وإن كان -الله- عليك فمن ترجو؟ والسلام). [24] أخي في دين الله! و(إذَا سَأَلْت فَاسْأَلْ اللَّهَ) هذا أمر بإفراد الله عز وجل بالسؤال، -لا نسأل غيره- ونهيٌ عن سؤال غيره من الخلق، فقد قال سبحانه: ﴿ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ ﴾. (النساء: 32)، وقال صلى الله عليه وسلم: "من لم يسأل الله يغضب عليه". [25] لماذا يغضب عليه؟ قال: لأنه ترك محبوباً لله، فإن الله يحب أن يسأل...، ولأن ترْك الدعاء دليل على الاستغناء عن الله... وقد بايع النبي صلى الله عليه وسلم جماعة من أصحابه على أن لا يسألوا الناس شيئاً منهم؛ أبو بكر، وأبو ذر، وثوبان، وغيرهم وكان أحدهم يسقط سوطُه أو خطامُ ناقته فلا يسأل أحداً أن يناوله... كان الإمام أحمد -رحمه الله- يقول في دعائه: (اللهم كما صنت وجهي عن السجود لغيرك، فصنه عن المسألة لغيرك)[26]. ولهذا كان عقوبة من أكثر المسألة بغير حاجة؛ أن يأتي يوم القيامة وليس على وجهه مُزْعَة لحم، كما ثبت -ذلك- في الصحيحين..[27]. قال بعض السلف: (إني لأستحي من الله أن أسأله الدنيا، وهو يملكها، فكيف أسألها ممن لا يملكها؟!) [28] يعني المخلوق. إن الله يحبُّ أن يُسأل، ويغضب على من لا يَسأله، فإنه سبحانه يريد من عباده أن يرغبوا إليه ويسألوه، ويدعوه ويفتقروا إليه، ويحبُّ الملحين في الدعاء، والمخلوق غالباً يكره أن يُسأل لفقره وعجزه -وضجره-، قال أبو العتاهية: الله يغضب إن تركتَ سؤاله ![]() وبُنيّ آدم حين يسأل يغضبُ ![]() فاجعل سؤالك للإله فإنما ![]() في فضل نعمة ربنا نتقلَّب ![]() قوله صلى الله عليه وسلم: (وَإِذَا اسْتَعَنْت فَاسْتَعِنْ بِاَللَّهِ) أرشد صلى الله عليه وسلم بالاستعانة بالله بعد حفظه لحدود الله والقيام بدعائه،... كما قال سبحانه وتعالى: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة: 5]، وهي كلمة عظيمة جامعة يقال: (إنّ سِرَّ الكتب الإلهية كلُّها ترجع إليها وتدور عليها). وفي استعانة العبد لله دليل على عجز العبد بالاستقلال بنفسه في عمل الطاعات، فيعلم أنه لا معين له على مصالح دينه ودنياه إلا الله، فمن أعانه الله فهو المعان، ومن خذله الله فهو المخذول. وكان صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته ويعلم أصحابه أن يقولوا: ("إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ نَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُه ُ").[29] وأمر معاذ بن جبل أن لا يدع في دبر كل صلاة أن يقول: ("اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ، وَشُكْرِكَ، وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ").[30] إنه هو الله جل جلاله الذي بيده ملكوت كل شيء، فلا ترجو النفع إلا منه سبحانه، ولا دفع الضر إلا منه سبحانه، (وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوك بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوك إلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَك،...)، فما أصاب العبد في دنياه كله مقدر عليه، ولا يمكن أن يصيبه ما لم يكتب له، ولم يقدر عليه، يريد بذلك أن ما يصيب العبد مما يضره أو ينفعه في دنياه فكله مقدر عليه، ولا يمكن أن يصيبه ما لم يكتب له ولم يُقدَّر عليه ولو اجتهد على ذلك الخلق كلهم جميعاً وقد دل القرآن أيضاً على مثل هذا: كما قال سبحانه وتعالى: ﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ [التوبة: 51]، وقال سبحانه وتعالى: ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ﴾ [الحديد: 22]، وقال سبحانه: ﴿...قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ... ﴾، [آل عمران: 154]. أخي في الدين! اعلم أن الله ابتلاك بنعم ومصائب، وبرخاء وشدة، فـ(تَعَرَّفْ إلَى اللَّهِ فِي الرَّخَاءِ يَعْرِفُك فِي الشِّدَّةِ)، يعني أن العبد إذا اتقى الله، وحفظ حدوده، وراعى حقوقه في حال رخائه، فقد تعرف بذلك إلى الله، وصار بينه وبين ربه معرفة خاصة، فعرفه ربه في الشدة، ورعى له تعرفه إليه في الرخاء، فنجّاه من الشدائد بهذه المعرفة، وهذه معرفة خاصة تقتضي قرب العبد من ربه ومحبته له وإجابته لدعائه. فمن عامل الله بالتقوى والطاعة في حال رخائه، عامله الله باللطف والإعانة في حال شدته. لأن معرفة الله لعبده نوعان[31]: الأولى: معرفةٌ عامة، وهي علمُه سبحانه بعباده، واطّلاعُه على ما أسرُّوه وما أعلنوه، كما قال سبحانه وتعالى: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ﴾. [ق: 16]، وقال تعالى: ﴿... هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ.. . ﴾. [النجم: 32]. والثاني: معرفة خاصة، وهي تقتضي محبتَه لعبده، وتقريبَه إليه، وإجابةَ دعائه، وإنجاءَه من الشدائد، وهي المشار إليها بقوله صلى الله عليه وسلم...: ("إِنَّ اللَّهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ المُؤْمِنِ، يَكْرَهُ المَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ..."). [32] قال الضحاك: [33] (اذكروا الله في الرخاء يذكركم في الشدة، وإن يونس عليه السلام كان يذكر الله كثيراً، فلما وقع في بطن الحوت قال الله: ﴿ فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾. [الصافات: 143- 144]، وإن فرعون كان طاغياً ناسياً لذكر الله، فلما أدركه الغرق، قال: آمنت، فقال الله: ﴿ آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [يونس: 91]. ولما هرب الحسن البصري؛ دخل إلى بيت حبيب أبي محمد، فقال له حبيب: (يا أبا سعيد! أليس بينك وبين ربك ما تدعوه، فيسترك مِن هؤلاء؟! ادخل البيت)، فدخل، ودخل الشُّرط على أثره، فلم يروه، فذُكر ذلك للحجاج، فقال: (بل كان في البيت؛ إلا أنّ الله طمس أعينهم فلم يروه)[34]. وخرج الترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من سره أن يستجيب الله له عند الشدائد، فليكثر الدعاء في الرخاء)[35]. قال رجل لأبي الدرداء: (أوصني؟) فقال: (اذكر الله في السراء يذكرك في الضراء)[36]. وعنه أنه قال: (ادعُ الله في يوم سرّائك لعله أن يستجيب لك في يوم ضرائك)[37]. (احفظ الله يحفظك)، ومن أعظم ما يجب حفظه من أوامر الله؛ -فكيف نحفظ الله؟ بأوامره، بـ-الصلاة، قال تعالى: ﴿ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ﴾ [البقرة: 238]. والحفاظ على الطهارة، قال صلى الله عليه وسلم: (ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن). [38] رواه أحمد. ولنحفظ أيْماننا، اليمن، دائما والله والله، فما ينبغي أن يكثر منه قال سبحانه وتعالى: ﴿ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ ﴾ [المائدة: 89]. ولنحفظ الرأس والبطن، فهذا استحياء من الله حق الحياء، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (الاستحياء من الله حق الحياء أن تحفظ الرأس وما وعى، وتحفظ البطن وما حوى)[39]. ولنحفظ فروجنا عما حرم الله جل جلاله، قال تعالى: ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ﴾. [النور: 30]. فالجزاء من جنس العمل؛ وهذه قاعدة شرعية فمن حفظ الله حفظه الله، وهذه قاعدة شرعية جاءت نصوص كثيرة تدل عليها: قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ﴾ [محمد: 7]، وقال تعالى: ﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ ﴾. [البقرة: 152]، وقال تعالى: ﴿ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ ﴾. [البقرة: 40]، فلاحظ، الجزاء من جنس العمل، وقال صلى الله عليه وسلم: "من ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة". [40] رواه مسلم، وقال صلى الله عليه وسلم: "من بنى لله مسجداً بنى الله له بيتاً في الجنة". [41] رواه مسلم، وقال صلى الله عليه وسلم: "احفظ الله يحفظك"، وقال صلى الله عليه وسلم: "والشاة إن رحمتها رحمك الله". [42] رواه أحمد، وقال صلى الله عليه وسلم: "إنما يرحم الله من عباده الرحماء". [43] متفق عليه، وقال صلى الله عليه وسلم: "من وصل صفاً وصله الله". [44] رواه أبو داود، وقال صلى الله عليه وسلم: "ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء". [45] رواه أبو داود، وقال صلى الله عليه وسلم: "من كان له وجهان في الدنيا، كان له لسانان من نار يوم القيامة". [46] رواه أبو داود أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم. يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |