
24-08-2012, 08:59 PM
|
 |
قلم فضي
|
|
تاريخ التسجيل: Jul 2011
مكان الإقامة: & بقلبى بين ربوع الشام &
الجنس :
المشاركات: 3,851
الدولة :
|
|
لا يمكن المرء حتى يبتلى
لا يمكَّن حتى يُبتلى
سأل رجل الشافعي رحمه الله فقال: يا أبا عبد الله، أيُّما أفضل للرجل: أن يمكن أوأن يبتلى؟ فقال الشافعي: لا يمكَّن حتى يبتلى، فإن الله ابتلى نوحاً، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمداً صلوات الله وسلامه عليهم، فلما صبروا مكنهم، فلا يظن أحد أنه يخلص من الألم البتة. الابتلاء والاختبار والافتتان من سنن المرسلين، وأتباعهم إلى يوم الدين، ولو عُفي أحد من ذلك لعُفي وكُفي أخلاء الله وأصفياؤه، ولن تجد لسنة الله تبديلاً، ولن تجد لسنة الله تحويلاً.
"أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ. وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ"1.
" أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ"2.
"أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ".3
فأشد الناس بلاءً في الدين الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل.
خرج البخاري في صحيحه عن خباب بن الأرت رضي الله عنه قال: "شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة في ظل الكعبة، فقلنا: ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو لنا؟ قال: قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين، ويمشط بأمشاط الحديد لحمُه وعظمُه، فما يصرفه ذلك عن دينه، والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئبَ على غنمه، ولكنكم تستعجلون".
وخرج ابن ماجة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يوعَك4، فوضعت يدي عليه، فوجدت حره بين يدي فوق اللحاف، فقلت: يا رسول الله، ما أشدها عليك؛ قال: إنا كذلك يضعَّف لنا البلاء، ويضَّعف لنا الأجر؛ قلت: يا رسول الله، أي الناس أشد بلاءً؟ قال: الأنبياء؛ قلت: ثم من؟ قال: ثم الصالحون، إن كان أحدهم ليبتلى بالفقر حتى ما يجد إلا العباءة يحُوبها5، وإن كان أحدهم يفرح بالبلاء كما يفرح أحدكم بالرخاء".
وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله: أي الناس أشد بلاءً؟ قال: "الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صُلباً اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي حسب دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه من خطيئة".
ولهذا قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: "ما أغبط أحداً لم يصبه في هذا الأمر أذى".
وقال مالك رحمه الله عندما ضرب وامتحن6: "لا خير فيمن لا يؤذى في هذا الأمر".
قال العلامة ابن القيم رحمه الله معلقاً على مقالة الشافعي السابقة: (وهذا أصل عظيم، فينبغي للعاقل أن يعرفه، وهذا يحصل لكل أحد، فإن الإنسان مدني بالطبع، لابد له أن يعيش مع الناس، والناس لهم إرادات وتصورات يطلبون منه أن يوافقهم عليها، وإن لم يوافقهم آذوه وعذبوه، وإن وافقهم حصل له الأذى والعذاب، تارة منهم وتارة من غيرهم، ومن اختبر أحواله وأحوال الناس وجد من هذا شيئاً كثيراً.
إلى أن قال: فالواجب ما في حديث عائشة الذي بعثت به إلى معاوية، ويروى موقوفاً ومرفوعاً: "من أرضى الله بسخط الناس كفاه الله مؤنة الناس"، وفي لفظ: "رضي الله عنه وأرضى عنه الناس، ومن أرضى الناس بسخط الله لم يغنوا عنه من الله شيئاً"، وفي لفظ: "عاد حامده من الناس ذاماً".
وهذا يجري فيمن يعين الملوك والرؤساء على أغراضهم الفاسدة، وفيمن يعين أهل البدع المنتسبين إلى العلم والدين على بدعهم، فمن هداه وأرشده امتنع عن فعل المحرم، وصبر على أذاهم وعداوتهم، ثم تكون له العاقبة في الدنيا والآخرة، كما جرى للرسل وأتباعهم مع من آذوهم وعادوهم، مثل المهاجرين7 في هذه الأمة، ومن ابتلي من علمائها، وعبادها، وتجارها، وولاتها).8
فمن رام التمكين فعليه أن يوطِّن نفسه على الابتلاءات، والفتن، والامتحانات، فإن طريق التمكين ليس مفروشاً بالورود والرياحين، وإنما هو محفوف بالبلاءات، والامتحانات، والصعاب، ومفروش بالشوك، ومحاط بالعراقيل.
فمن صبر ظفر، ومن كد وجد، ومن رام السلامة والراحة فلا يطمع في التمكين، ولا في الإمامة في الدين، وعليه أن يقعد مع الخالفين.
فيا بشرى الممكنين في الأرض: "الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَللهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ"9.
فيالها من عاقبة حميدة وخاتمة سعيدة. والحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على النبي المصطفى، وعلى آله، وصحابته، وتابعيهم الأوفياء.
|