|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() حــرام نـفـرح ؟ عندما يحصل لبعض الناس ما يسرّه من أمور دنياه ، فإنه يفرح فرحاً شديداً فرحاً يُصاحبه أشر وبَطَر ، يرتكب معه ما حرّم الله . وعندما يُنكر عليه يردّّ مستغربا : حـرام نفـرح ؟! وهذه كلمة سمعناها كثيراً ، ولا زلنا نسمعها بين حين وآخر . لقد ذمّ الله الفرح في كتابه ، وهو الفرح الذي يُصاحبه أشر وبَطَر . قال سبحانه وتعالى عن قارون : ( إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ) قال المؤمنون منهم : يا قارون لا تفرح بما أوليت ، فتبطر . قال مُجاهد : المرحين الأشرين البطرين الذين لا يشكرون الله على ما أعطاهم . لماذا مُنِع الفرح هنا ؟ لأن الفرح والأشر والبطر يقود إلى نسيان الآخرة وبالتالي الإفساد في الأرض ، من أجل ذلك قال الله عز وجل بعد ذلك مباشرة : ( وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ) وقال الله عز وجل عن سليمان عليه الصلاة والسلام وبلقيس : ( وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ * فَلَمَّا جَاء سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ ) يعني أنتم تفرحون بهذه الأمور التي لا أحفل بها . قال ابن كثير رحمه الله : أي أنتم الذين تنقادون للهدايا والتحف ، وأما أنا فلا أقبل منكم إلا الإسلام أو السيف . إن الذي يفرح في الدنيا فرحاً يُخرجه إلى الأشر أو إلى أن يرتكب ما حرّم الله تطول حسرته يوم القيامة ولذا قال الله عز وجل عن أصحاب الشمال : ( وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاء ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا * وَيَصْلَى سَعِيرًا ) لماذا ؟ ( إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا * إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُور ) فلما أكثر الفرح في الدنيا ، طالت حسرته في الآخرة . قال ابن كثير : ( كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا ) أي فرحاً لا يُفكر في العواقب ، ولا يخاف مما أمامه ، فأعقبه ذلك الفرح اليسير الحزن الطويل . اهـ . ومن على شاكلته يختال ويتبختر قال عز وجل : ( فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى * وَلَكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى * ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى * أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى * ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ) وأما أصحاب اليمين فقال عز وجل : ( فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا * وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا ) لماذا لأنه كان في الدنيا خائفاً وجِلاً ، ومن كان كذلك لم يُخرجه فرحه إلى الأشر والبطر . وهذا من عدِل الله سبحانه وتعالى . ولذا قال عليه الصلاة والسلام فيما يروي عن ربه جل وعلا قال : وعزتي لا أجمع على عبدي خوفين وأمنين ؛ إذا خافني في الدنيا أمنته يوم القيامة ، وإذا أمنني في الدنيا أخفته يوم القيامة . رواه ابن حبان . قال الله جل جلاله : ( أَفَمَن يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) ؟؟ إن الفرح يجب أن يكون بكتاب الله عز وجل وباتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم . قال تبارك وتعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ ) لما قدم خراج العراق إلى عمر بن الخطاب خرج عمر ومولى له فجعل عمر يَعدّ الإبل ، فإذا هي أكثر من ذلك ، فجعل عمر يقول : الحمد لله ، وجعل مولاه يقول : يا أمير المؤمنين هذا من فضل الله ورحمته ، فبذلك فليفرحوا . فقال عمر : كذبت ليس هو هذا ، يقول الله تعالى : ( قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا ) يقول بالهدى والسنة والقرآن فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون ، وهذا مما يجمعون . رواه الطبراني والبيهقي في شعب الإيمان . وقد بكى أُبي بن كعب رضي الله عنه فرحاً بأن ذُكِر في الملأ الأعلى . قال صلى الله عليه وسلم لأُبيّ رضي الله عنه : إن الله أمرني أن أقرأ عليك قال آلله سماني لك قال الله سماك لي قال فجعل أبي يبكي . رواه البخاري ومسلم . وانظر بعين بصيرتك إلى فرح رسول الله صلى الله عليه وسلم ونبي الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة فاتحـاً وذقنه يكاد يمسّ رحله من تواضعه لله عز وجل ، مع أنه في موطن نصر وعِـزّ وتمكين وغلبة على أعدائه . ومع ذلك دخل مُتخشِّعاً خاضعاً لله ، لم يدخل دخول الفرحين الأشِرين . قال عبد الله بن مغفل رضي الله عنه : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة على ناقته وهو يقرأ سورة الفتح يرجِّع . وفي رواية : يقرأ وهو على ناقته أو جمله وهي تسير به وهو يقرأ سورة الفتح - أو من سورة الفتح - قراءة لينة يقرأ وهو يرجِّع . رواه البخاري . لقد طأطأت له أعناق صناديد قريش ، وذّلت له رؤوس طالما انتفشت وانتفخت بالكبر والكُفر ! وقبل ذلك حدّث له النصر الـمُبين في يوم أعزّ الله فيه الإسلام وأهله وأذلّ فيه الكفر وأهله ، في ذلك اليوم المشهود ، يوم بدر . ولعمر الحق إن كان من شيء يستحق الفرح والبطر إنه لذلك النصر المبين . إلا أنه لم يُسمع للجيش صراخ وعويل أو بطر وطغيان كما تفعل جيوش الظالمين إذا غَلَبت ، أو حققت نصراً ولو موهومـاً ! ولذا لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة لقيهم المسلمون يهنئونهم بفتح الله عليهم ، فقال سلمة بن سلامة بن وقش : ما الذي تهنئون به ؟ والله إن لقينا إلا عجائز صلعاً كالبُدن المعلّقة ننحرها ! فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال : يا ابن أخى أولئك الملا من قريش . رواه الحاكم في المستدرك ، وصححه على إرساله . فما حملهم النصر والعِزّ على الأشر والبطر ، كما فعلت قريش حين أقبلت إلى أرض المعركة ، فإنها أقبلت بفخرها وخيلائها ، ورجعت بذلِّها وخيبة آمالها ! ولقد كان سلف هذه الأمة ينهون عن الفرح المؤدّي للأشر والبطر فقد رأى الفضيل بن عياض رجلا يضحك ، فقال له : ألا أحدثك حديثا حسنا ؟ قال : بلى . قال : ( لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ) وقيل ليوسف بن أسباط : ما غاية الزهد ؟ قال : لا تفرح بما أقبل ، ولا تأسف على ما أدبر . قيل : فما غاية التواضع ؟ قال : أن تخرج من بيتك فلا تلقى أحداً إلا رأيت أنه خير منك . لأن هذه الدنيا طُبِعت على كدر فما يُفرح به اليوم قد يُساء به غداً فقد يولد المولود اليوم ويُفرح به ، وقد يموت غداً ولذا قيل : ولدتك أمك يا بن آدم باكيا = والناس حولك يضحكون سرورا فاعمد إلى عمل تكون إذا بكوا = في يوم موتك ضاحكا مسرورا قال ابن القيم رحمه الله : والفرح لذة تقع في القلب بإدراك المحبوب ونيل المشتهى ، فيتولّد من إدراكه حالة تسمى الفرح والسرور ، كما أن الحزن والغم من فقد المحبوب ، فإذا فَقَدَه تولّد مِن فَقْدِه حالة تسمى الحزن والغم ، وذَكَرَ سبحانه الأمر بالفرح بفضله وبرحمته عقيب قوله : ( يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين ) ولا شيء أحق أن يفرح العبد به من فضل الله ورحمته التي تتضمن الموعظة ، وشفاء الصدور من أدوائها بالهدى والرحمة ، فأخبر سبحانه أن ما آتى عباده من الموعظة التي هي الأمر والنهي ، المقرون بالترغيب والترهيب ، وشفاء الصدور المتضمن لعافيتها من داء الجهل والظلمة والغي والسّفه ، وهو أشد ألماً لها من أدواء البدن ، ولكنها لما ألِفَتْ هذه الأدواء لم تحسّ بألمها ، وإنما يقوى إحساسها بها عند المفارقة للدنيا ، فهناك يحضرها كل مؤلم محزن . وما آتاها من ربها الهدى الذي يتضمن ثلج الصدور باليقين وطمأنينة القلب به وسكون النفس إليه وحياة الروح به والرحمة التي تجلب لها كل خير ولذّة ، وتدفع عنها كل شر ومؤلم . فذلك خير من كل ما يجمع الناس من أعراض الدنيا وزينتها ، أي هذا هو الذي ينبغي أن يُفرح به ، ومن فرح به فقد فرح بأجَلّ مفروح به لا ما يجمع أهل الدنيا منها ، فإنه ليس بموضع للفرح ، لأنه عرضة للآفات ، ووشيك الزوال ، ووخيم العاقبة ، وهو طيف خيال زار الصبّ في المنام ثم انقضى المنام وولى الطيف وأعقب مزاره الهجران . وقد جاء الفرح في القرآن على نوعين : مطلق ومقيد فالمطلق جاء في الذمّ كقوله تعالى : ( لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين ) وقوله : ( إنه لفرح فخور ) والمقيّد نوعان أيضا : مقيّد بالدنيا يُنسي صاحبه فضل الله ومنته ، فهو مذموم كقوله : ( حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون ) والثاني مقيّد بفضل الله وبرحمته ، وهو نوعان أيضا : فضل ورحمة بالسبب وفضل بالمسبب فالأول كقوله : ( قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون ) والثاني كقوله : ( فرحين بما آتاهم الله من فضله ) فالفرح بالله وبرسوله وبالإيمان وبالسنة وبالعلم وبالقرآن من أعلى مقامات العارفين . قال الله تعالى : ( وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون ) وقال : ( والذين آتيناهم الكتاب يفرحون بما أنزل إليك ) فالفرح بالعلم والإيمان والسنة دليل على تعظيمه عند صاحبه ومحبته له وإيثاره له على غيره ، فإن فرح العبد بالشيء عند حصوله له على قدر محبته له ورغبته فيه ، فمن ليس له رغبة في الشيء لا يُفرحه حصوله له ، ولا يحزنه فواته . فالفرح تابع للمحبة والرغبة . والفرق بينه وبين الاستبشار أن الفرح بالمحبوب بعد حصوله ، والاستبشار يكون به قبل حصوله إذا كان على ثقة من حصوله ، ولهذا قال تعالى : ( فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ) والفرح صفة كمال ، ولهذا يُوصف الرب تعالى بأعلى أنواعه وأكملها ، كَفَرَحِه بتوبة التائب أعظم من فَرْحَة الواجد لراحلته التي عليها طعامه وشرابه في الأرض المهلكة بعد فقده لها واليأس من حصولها . والمقصود أن الفرح أعلى أنواع نعيم القلب ولذّته وبهجته والفرح والسرور نعيمه ، والهم والحزن عذابه . والفرح بالشيء فوق الرِّضا به . فإن الرضا طمأنينة وسكون وانشراح . والفرح لذة وبهجة وسرور . فكل فَرِح راض ، وليس كل راض فرحاً . ولهذا كان الفرح ضد الحزن ، والرضا ضد السخط ، والحزن يؤلم صاحبه ، والسخط لا يؤلمه إلا إن كان مع العجز عن الانتقام . والله أعلم . اهـ . قال ابن الجوزي في زاد المسير : فإن قيل ما وجه عيب الإنسان في قوله ( ذهب السيئات عني ) وما وجه ذمه على الفرح وقد وصف الله الشهداء فقال ( فرحين ) فقد أجاب عنه ابن الأنباري فقال : إنما عابه بقوله ( ذهب السيئات عني ) لأنه لم يعترف بنعمة الله ولم يحمده على ما صرف عنه ، وإنما ذمه بهذا الفرح ؛ لأنه يرجع إلى معنى المرح والتكبر عن طاعة الله ... وفرح الشهداء فرح لا كبر فيه ولا خيلاء بل هو مقرون بالشكر فهو مستحسن . اهـ . وقال الحافظ ابن كثير : وقوله ( ذلكم بما كنتم تفرحون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تمرحون ) أي تقول لهم الملائكة هذا الذي أنتم فيه جزاء على فرحكم في الدنيا بغير الحق ومرحكم وأشركم وبطركم ( ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين )
__________________
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد ألا اله الا أنت أستغفرك وأتوب أليك
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |