عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما مِن يوم يصبح العباد فيه إلا وملكان ينزلان يقول أحدهما: اللهم: أعط منفقًا خلفًا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكًا تلفً)...
الحمد لله، الذي سخر لنا ما في السماوات وما في الأرض وأسبغ علينا نِعَمهُ، ظاهرةٍ وباطنةٍ، وهو على كل شيء قدير، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإن إنفاق المال في وجوه الخير من أفضل القُرُبات التي ترضي اللَّه تعالى والتي يتوصل بها المسلم إلى تحصيل الحسنات وتكفير السيئات.
الإنفاق وصية ربانية:
حثنا اللَّه تعالى على الإنفاق في وجوه الخير في كثير من آيات القرآن الكريم، فقال سبحانه: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌٌ﴾ [البقرة: 261]. وقال جل شأنه: ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌٌ﴾ [آل عمران: 92]. وقال سبحانه: ﴿وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينٌَ﴾ [سبأ: 39]. وقال تعالى: ﴿هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمٌْ﴾ [محمد: 38].
الرسول صلى الله عليه وسلم يحثنا على الصدقات:
حثنا النبي صلى الله عليه وسلم على الإنفاق وبذل المال في وجوه الخير في كثير من أحاديثه الشريفة.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (قال اللَّه عز وجل: يا ابن آدم، أَنْفق، أُنفقُ عليك). [البخاري (4684)، ومسلم (993)]
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما مِن يوم يصبح العباد فيه إلا وملكان ينزلان يقول أحدهما: اللهم: أعط منفقًا خلفًا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكًا تلفً). [البخاري 1443، ومسلم 1010]
وعن عبد اللَّه بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه اللَّه القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار، ورجل آتاه اللَّه مالاً فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار). [البخاري 5025، ومسلم 815]
اللَّه يجزل العطاء للمنفقين:
أخي الكريم: لو أنَّ رجلاً من الأغنياء قال لك أعط فلانًا كذا وكذا من مالك، وتعال غدًا وأنا أعطيك أفضل من ذلك، فهل تتأخر لحظة واحدة عن هذه الدعوة ؟ فما بالك، والذي وَعَدَ هو اللَّه عز وجل، الغني، الكريم الذي لا تفنى خزائنه، وله ملك السموات والأرض، حيث قال في محكم التنزيل: وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا واستغفروا الله إن الله غفور رحيم [المزمل: 20]، والقائل سبحانه في الحديث القدسي: «يا ابن آدم: أَنْفق، أنفق عليك».
الإنفاق هو التجارة الرابحة:
إنَّ الصدقات الخالصة لله تعالى هي التجارة الرابحة للعبد في الدنيا والآخرة، قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ ﴿29ٌ﴾ لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌٌ﴾ [فاطر: 29، 30].
تلك هي التجارة الربانية الرابحة أبدًا، والتي تستمطر رضا اللَّه عز وجل وفضله الواسع والتي يشكر اللَّهُ العبدَ عليها ويغفر له بها ذنوبه فلنسارع إلى هذه التجارة الرابحة التي لا تبور.