|
|||||||
| ملتقى الشباب المسلم ملتقى يهتم بقضايا الشباب اليومية ومشاكلهم الحياتية والاجتماعية |
![]() |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
|
العطلة الصيفية الوقت بين العمار والإهدار د. خالد هنداوي قال الله تعالى: [وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا] {الفرقان:62}. وقال الشاعر الوزير ابن هبيرة: والوقت أنفسُ ما عُنيتَ بحفظه = وأراه أسهل ما عليك يضيع مع إطلالة العطلة الصيفيَّة وتفرُّغ الناس للإجازة سواء سافروا أم لم يسافروا، لابدَّ لنا أن نذكِّر بأهمية وقيمة الوقت في النظرة الإسلامية، وذلك من أجل استثماره والانتفاع به في الحضارة والعمار والطاعة.. لا إهداره وقتله في فراغ المعصية والدمار.. وإذا استقرأنا تاريخ أمَّتنا العربية والإسلامية وجدنا أنَّه لم تُعرف أمة قدَّست الزمن مثل هذه الأمة التي كانت مثالاً يُحتذى في الالتزام بالوقت وجعله أمضى سلاح يصنع الخلود كما ذكر الدكتور عبد الصبور شاهين في كلمة له، وعلى هذا فيجب أن تُغتنم الإجازة بتطبيق قيمة هذا الوقت على أرض الواقع والإحساس بالحرص الشديد على اغتنام فرصته قبل أن تفلت منا، فإذن مشكلة الانتفاع بالوقت باتت مشكلة حيويَّة لابدَّ من حلها إذ كم من الساعات والأيام والشهور والسنين تضيع من حياتنا بالفوضى واللهو في حين يكدح أعداؤنا لاستغلال كل دقيقة وثانية لتوظيفها ضدَّنا. ومن هنا كان لا غرابة أن نوقن أنَّ الوقت هو الحياة أو سرها وكنزها؛ لأنَّه أغلى ما يَملكه الإنسان وأن الأيام والليالي ما هي إلا صفحات تقلب في حياتنا، وما الساعات إلا أسطر فيها، وما علينا إلا أن نستعملها في دائرة العمل والطاعة بين الذكر والشكر، إذ هما قاعدتان مهمتان من قواعد الإسلام. ولن تتمَّ الاستفادة من الوقت إلا باستشعار الغاية التي خُلق لأجلها الإنسان: [وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ] {الذاريات:56}. والعبادة كما عرَّفها ابن تيمية رحمه الله تعالى: اسمٌ جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة، كما في كتابه (العبودية ص38). وهي التي تكون عبادة عامَّة على الدوام كما هو الشأن في العبادات الخاصَّة كونها في أوقات محددة إيذاناً بأهمية وعظم هذه الأوقات فالصلاة والزكاة والصيام والحج كلها مؤقتة معينة لنحافظ عليها في الزمن ذاته، وهي من أهم أركان إسلامنا العظيم، بل ما أقسم مولانا في كتابه العزيز بالشمس والقمر والليل والضحى والعصر إلا لأن ذلك أدلة على أنَّها من عظيم آياته، فيجب الدخول في مضمارها لا تضييعها سدى كما ذكر الدكتور عبد الله السدحان في كتابه (الترويح رؤية شرعية ص 44).. ومن هنا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه ابن عباس، رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل وهو يعظه: (اغتنم خمساً قبل خمس، شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك) رواه الحاكم في المستدرك، وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وكما في قوله تعالى: [فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ] {الشرح:7-8}، فالمقصود كما ذكر أهل التفسير: إذا فرغت من أمر دنياك فانصب في عمل آخرتك، وأن هذا هو ما يقوم به الصالحون والعقلاء؛ لأنَّ أجلَّ تحصيل عندهم إنَّما هو الوقت فهو الغنيمة التي تنتهز فيها الفرصة، فالتكاليف كثيرة والمرء الفاهم يساعد غيره على الانتفاع بوقته، وإذا كانت له حاجة فإنَّه يوجز في قضائها، ويكون كما قال ابن الجوزي في صيد الخاطر ص 26 : يبادر اللحظات، ويعرف شرف زمانه وقدر وقته فلا يضيع منه لحظة دون فائدة، ويكون عاملاً بالخير ليقتدي به غيره، فمثل هذا الرجل يبقى حياً بعد موته؛ لأنَّ الإحساس بالزمن يتفاوت من شخص لآخر، ونحن نشاهد دوما -كما يقول د. عبد الصبور شاهين – أنَّ الثروة المالية مثلاً وهي ما يجنيها بعض رجال الأعمال ليست في حقيقتها إلا حفاظاً على الوقت، تحولت إلى ذهب ورصيد، ولو لم يستغلوها لكان يمكن أن تنقلب إلى دخان ينبعث من نرجيلة، أو شخير من صدر نائم، أو شهوة عابرة تعقبها الحسرات والندم. ومن هنا نعلم أنَّ الوقت أن الوقت هو رأس مال الإنسان فمن لا يملكه ويستعمله على وجهه المرسوم المخطط بدقة كيف يربح؟، إنَّه يبقى مفلساً لأن الوقت أرخص ما يكون عند الجهال أولئك يدفعون الزمن دفعاً عجيباً إن طال الليل فبحديث لا ينفع، أو قراءة كتاب غزل، أو السهر على الفضائيات السيئة أو اللاغية، وإن طال النهار فبالنوم، فمثل هؤلاء شبههم ابن الجوزي رحمه الله تعالى بالمتحدثين في سفين وهي تجري بهم وما عندهم خبر. أما النادرون فهم الذين فهموا معنى الوجود، فهم في تعبئة الزاد والتأهل للرحيل، وفقهم الله أن يطلعوا على شرف العمر وقدر الوقت وألهمهم اغتنام ذلك. (رسالة المسترشدين ص147). وأقول كما قال ابن الجوزي: هؤلاء هم الذين نافسوا الزمان؛ لأنهم في منزلة اليقظة التي هي من أعلى مقامات إياك نعبد وإياك نستعين، كما ذكر ابن القيم في (مدارج السالكين ص1/23). وكذلك عرفوا ماهية الوقت وشعروا به قبل أن يتحدث عنه بنجامين فرانكلين ويعرفه بأنه: المادة التي صنعت منها الحياة، وهو العاكس للنشاط الشخصي، وضرب له مثلاً بالذي يأتي مبكراً للعمل دائماً فهو المتميز بإدراكه للوقت، أما المتأخر عنه فإنه يفهم الوقت بطريقة مختلفة تماماً، وهو من زمرة الأفراد الذين يعانون من ميول انفعالية معينة ومفاهيم خاصة للوقت، وقد تجد بعضهم يلبس ساعة الكترونية تمتاز بأحدث الخصائص لكنه دوماً يتأخر عن مواعيده، على عكس الأول الذي يتمتع بشخصية جذابة مليئة بالطاقة وهي في حركة مستمرة كالدينمو وهو مع ذلك هادئ وفرصته ناجحة، إلى أن بيَّن فرانكلين أن الذي يفهم ماهية الوقت ومفهومه بمرور كل ثانية من ثواني الساعة يشعر بأنَّ جزءاً من حياته ووقته يمر، كذا في كتاب إدارة الوقت لمجموعة من الباحثين الغربيين ترجمة د. وليد عبد اللطيف من ص55. أليس الحسن البصري رحمه الله تعالى هو السابق في هذا المفهوم عندما قال: (ابن آدم إنما أنت أيام، فإذا مضى يوم مضى بعضك)، وما أكَّده السلف أنَّ الوقت هو الحياة، وليس المادة التي خلقت منها، كما قال فرانكلين. أولئك آبائي فجئني بمثلهم = إذا جمعتنا يا جرير المجامع إنَّ الوقت الذي يَذهب لا يعود، فما أحرانا أن نستغلَّه قبل أن يفلت من بين أصابعنا، وأن نديره بحكمة حتى ندير أنفسنا وننظر دائماً إلى الساعة في أيدينا إشعاراً بالاهتمام به، وجعله يعمل لصالحنا وكذلك أن نستعمل الحاسب الآلي كمدير ومراقب لأوقاتنا، كيلا تذهب مدراً وهباءً، ونحن أمام طريقين إما أن نكون من المغبونين أو نكون من المغبوطين، كما أشار إلى ذلك ما رواه ابن عباس رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس، الصحة والفراغ) (رواه البخاري)، والسعيد من يكون من القلَّة التي تستفيد من الوقت.قال ابن حجر في الفتح 11/234، المغبون الذي غلب عليه الكسل، أما الذي وُفِّق إلى الطاعة فهو المغبوط، أي: الذي يتمنى كل واحد أن يكون مثله لا كمثل المغبون العاطل عن العمل والحركة، والمحب أن ينفق وقته في مناخ الفراغ القاتل الذي يؤدي غالباً إلى الانحراف حيث العلاقة تلازمية بين الفراغ وبينه، ويجب أن يوظف الاستمتاع بالفراغ لعمل كل مفيد حتى قالوا: الراحة للجد جد، ولكننا إذ نتحدث عن قيمة الوقت لنرى أنَّ عادات الكثيرين، خاصة في مواسم العطل غلبت في تضييع الزمان وعدم اهتباله مع أنه ورد في الصحيح عن جابر، رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من قال سبحان الله العظيم غرست له نخلة في الجنة" [رواه الحاكم وصححه، والترمذي وغيرهما]. كان داود الطائي يَسْتَفَّ الفتيت ويقول: بين سَفِّ الفتيت وأكل الخبز قراءة خمسين آية!. فما أحرانا أن نعتبر أنَّ هذه الدنيا مزرعة، وكلما بذرنا فيها حبة أخرجت ألفاً، فهل يجوز لنا أن نتوقف عن البذر، كما قال ابن الجوز ي في صيد الخاطر ص 562 .. كما أنَّ علينا ونحن نتجول ونتمتع بالسياحة في أي بلد وإذا كنا لم نسافر أن نتذكَّر ما رواه أبو برزة الأسلمي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره، فيما أفناه، وعن عمله ما فعله به، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه) [رواه الترمذي، والدارمي]، فالزمن أشرف شيء، والواجب انتهابه في فعل الخير كما قال أحمد شوقي: دقات قلب المرء قائلة له = إنَّ الحياة دقائق وثوان فاغنم لنفسك قبل موتك ذكرها = فالذكر للإنسان عمر ثان وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
__________________
|
![]() |
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |