|
|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
انحرافات في مفهوم العبودية
انحرافات في مفهوم العبودية أ. عبدالعزيز بن أحمد الغامدي الخطبة الأولى عباد الله، اتقوا الله وأطيعوه، قال تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56]، فعبادة الله تعالى وإفراده بها وحده لا شريك له هي الغاية القصوى والمطلب الأسمى والمقصود الأعلى من الخلق كما دلت عليه الآية، وربنا تبارك وتعالى لما خلقنا لعبادته لم يتركنا همْلاً؛ بلا توضيح لهذه العبادة التي يريدها منها، بل بعث الرسل مبشرين ومنذرين وإلى عبادته وحده داعين قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾ [النحل: 36] فكل رسول جاء إلى قومه كان أولُ ما يقولُ لهم: (يا قوم اعبدوا الله مالكم من إله غيرُه) وهذه الدعوة إلى توحيد الله وعبادته التي جاءت الرسل بها أمرٌ قد فطر الله تعالى الخلق عليها، ودلَّ عليها العقل والحِسّ، ومع ذلك فقد انقسم الخلق - بحكمة من الله - حيال هذه الدعوة إلى توحيد الله وعبوديته وحده لا شريك له إلى قسمين، كما قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [التغابن: 2]. فمن الناس من وفقه الله إلى الإيمان فاختار العبودية لله تعالى، ومن الناس من ابتلي بالحرمان فاستسلم لنفسه وهواه وشيطانه فوقع في عبودية المخلوقات، وحُرم من شرف العبودية لله تعالى. إخوة الإيمان، إن العبودية لله تعالى التي هي قوتُ القلوب وغذاء الأرواح؛ وقرة العيون؛ وسرور النفوس، وهي مبنية على ركنين عظيمين لا تصح إلا بهما: الأول: محبة الله تعالى، والثاني: الذل له سبحانه. وكلما امتلأ قلب العبد لله حباً وله سبحانه ذلاً وتعظيماً ولأوامره وشرعه انقياداً وعملاً كلما ترقى في كمال العبودية لله تعالى.. وهذه العبودية التي دعت إليها الرسل أمر عام على جميع مناحي الحياة وشؤونها، ويتبين هذا واضحاً جلياً من خلال النظر في آيات الكتاب الحكيم، ومن خلال مطالعة دواوين السنة النبوية، فإن الله تعالى خاطب عباده المؤمنين بالأمر والنهي في أمورٍ كثيرة تتعلق بمعاشهم وحياتهم. وفي شمول العبودية لجميع مناحي الحياة يقول تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ ﴾ [الأنعام: 162، 163]. ولذلك يعرف أهل العلم والفقه العبادة - كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى بأنها: (اسم جامع لما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة) فعلى هذا تكون العبادة شاملة للأعمال القلبية؛ كمحبة الله ورسوله؛ وخشية الله؛ والإنابة إليه؛ والتوكل عليه؛ والإخلاص له؛ والصبر لحكمه، وهي شاملة للأركان الشعائرية؛ كالصلاة والزكاة والصيام والحج؛ وتطوعاتها وما يتبعها، وهي أيضاً شاملة للعلاقات الاجتماعية كالأحوال الشخصية؛ والأخلاق والفضائل التعاملية، وهي تشمل أيضاً: الأحكامَ القضائيةَ التشريعيةَ؛ والشؤون التجارية؛ والاقتصادية؛ والسياسية. وعلى هذا فالتدين لله تعالى والعبودية له سبحانه دائرة واسعة تحيط بجميع جوانب الحياة وفروعها من آداب الأكل والشرب وقضاء الحاجة إلى بناء الدولة وسياسة الحكم. وقد أدرك الصحابة رضي الله عنهم هذا المعنى؛ بل وعرفه المشركون والمخالفون لدعوة الإسلام في ذلك الوقت فعن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: (( قال لنا بعض المشركين: إني أرى صاحبَكم يعلمُكم حتى يعلمَكم الخراءة (أي قضاء الحاجة) فقال: أجل نهانا أن يستنجي أحدنا بيمينه أو يستقبل القبلة، ونهى عن الروث والعظام، وقال: لا يستنجي أحدكم بدون ثلاثة أحجار)) رواه مسلم بنحوه. إخوة الإيمان، المتأمل في سيرة الصحابة الكرام رضي الله عنهم يرى ويشهد أنهم كانوا يراجعون ويسألون النبي صلى الله عليه وسلم في كثير من الأحوال والأوقات، وكانوا يتوقفون في انتظار الوحي في كثير من قضاياهم وشؤونهم. إلا أنه مع مضي الأوقات وفشو الجهالات وقلة العلماء والدعاة في كثير من مجتمعات المسلمين اليوم اعترى مفهومَ العبودية كثيرٌ من التغيير والتبديل والانحراف حتى أصبحنا نرى ونسمع - في عالمنا الإسلامي - من ينتسب إلى الإسلام ثم لا يرى ضيراً ولا حرجاً أن يصرف أنواعاً من العبادات القلبية أو العملية لغير الله تعالى إما بحجة أنهم أولياء الله أو أنهم وسطاء أو غيرُ ذلك من الشبه. وأصبحنا نرى ونشاهد من وحد الله بالعبادة فلم يعبد إلا الله تعالى؛ لكنّه لم يحرص أن يتابع النبيَّ صلى الله عليه وسلم فيما جاء به؛ فقام يعبد الله تارة بما ورد؛ وتارةً وفق هواه واستحسانه. وكلا الفريقين قد ضل الطريق وأخطأ السبيل فإن الله تعالى أمرنا بعبادته وحده سبحانه؛ فقال تعالى: ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ... ﴾ [البينة: 5] وأمرنا سبحانه مع الإخلاص له أن لا نعبده إلا بما شرع؛ قال تعالى مخاطبا نبيه صلى الله عليه وسلم: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ...﴾ [آل عمران: 31]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد )) رواه البخاري ومسلم. فالواجب علينا في تحقيق عبوديتنا لله تعالى أن نطهر قلوبَنا من كل شائبة شرك أو قصد لغير الله تعالى؛ فإن الله تعالى لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً وابتغي به وجهُه سبحانه. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( قال الله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه )) رواه مسلم. وعلينا أيضاً مع الإخلاص لله أن نجتهد في متابعة النبي صلى الله عليه وسلم واقتفاء أثره؛ فإن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم. ﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 110]. عباد الله، ليست العبرة بكثرة العمل مع التفريط في الإخلاص لله ومتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم بل العبرة بحسن العمل قال الله تعالى: ﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾ [الملك: 2] قال الإمام الفضيل بن عياض رحمه الله: (العمل الحسن هو أخلصه وأصوبه. وقال: إن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل، وإذا كان صوابا ًولم يكن خالصاً لم يقبل، حتى يكون خالصاً صواباً، والخالص: ما كان لله؛ والصواب: ما كان على السنة). نفعني الله وإياكم بهدي كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، أقول ما سمعتم وأستغفر الله. الخطبة الثانية عباد الله، بعد أن وقفنا في الخطبة الأولى مع الفهم الصحيح لشمولية العبودية لله في جميع مناحي الحياة، ووقفنا على أن لبَّ هذه العبوديةِ الذلُّ والمحبةُ لله، وعرفنا شرطي قبول هذه العبادة عند الله؛ وهما الإخلاص لله ومتابعة النبي صلى الله عليه وسلم، بعد هذه الوقفات نذكّر بوجوب الحذر من دعاة الضلالة الذين يحاربون شمولية العبادة في جميع مناحي الحياة؛ فإنهم أعظم ما يفسد الأديانَ ويخرب الأوطان. فلا يخدعنكم هؤلاء المنحرفون بألاعيبهم وأساليبهم وتضليلاتهم فهم ممن ينطبق عليهم وصفُ النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه حذيفة رضي الله عنه عن أهل الشر الذين يكونون آخر الزمان حيث قال عنهم: ((دعاةُ ضلالةٍ إلى أبواب جهنم؛ من أجابهم إليها قذفوه فيها، قلت: يا رسول الله صفهم لنا، فقال: هم من جلدتنا؛ ويتكلمون بألسنتنا)) رواه البخاري. فعلينا بالتمسك بكتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم، فهُما سفينةُ النجاة؛ قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم - وهو قول لنا: ﴿ فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [الزخرف: 43]. اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارقنا اجتنابه، اللهم ارزقنا الإخلاص لك والمتابعة لرسولك صلى الله عليه وسلم.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |